بلوغ المرام - كتاب الصيام (6)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سم
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أوروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أُرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحريها في السبع الأواخر)) متفق عليه.
وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلة القدر: ((ليلة سبع وعشرين)) رواه أبو داود والراجح وقفه، وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولاً، أوردتها في فتح الباري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله: "أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) رواه الخمسة غير أبي داود، وصححه الترمذي والحاكم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ليلة القدر وفيها السورة العظيمة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[(1) سورة القدر] سميت بذلك لعظم قدرها وشرفها عند الله -جل وعلا-، أو لما يقدر فيها من أرزاق وآجال وأعمال، وعلى كل حال هي خير من ألف شهر، ليس فيها ليلة قدر، أكثر من ثمانين سنة لمن وفق فيها وأصابها وتحراها وقامها إيماناً واحتساباً، في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ولا شك أن فضلها عظيم من حرمها حرم الخير كله، فعلى الإنسان أن يحرص ويجتهد أن يصيب ليلة القدر، ولا يلزم أن ينظر في الأقوال ويرجح بينها حيث تكون عنده ليلة معينة فيتعمد قيام هذه الليلة ويترك ما عداها؛ لأن هذا يبعثه على الزهد في طاعة الله -جل وعلا-، وإذا قلنا: مثل هذا فهذا الكلام يسري على من أشاع في الناس أنها ليلة كذا اعتماداً على رؤى، والله أعلم بالرائي وكيف رأى؟ وكيف نام؟ علماً بأنها لو ثبتت عنده لا ينبغي أن يشيعها؛ لأن إخفائها له حكم عظيمة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي أراد أن يحدد هذه الليلة، أراد أن يخبرهم بعينها فتلاحى فلان وفلان فرفعت، ورفعها من مصلحة العباد، ليجتهدوا في جميع رمضان لا سيما في العشر الأواخر؛ لأنه لو قيل: أنها في الليلة المعينة، وقل مثل هذا في ساعة الجمعة وما جاء فيها من النصوص، لو عينت تلك الليلة ما قام الناس غالب الناس ما يقوم الليل، فيتعمدون قيام هذه الليلة ويتركون ما عداها، من قام ليالي العشر أصاب ليلة القدر بيقين لكن يحتاج أن يقومها إيماناً واحتساباً، وأن يحضر قلبه، لا يمثل بين يدي ربه بجسده دون قلبه، مثل هذا القيام لا تترتب آثاره عليه.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن رجالاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أوروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر" يعني أوروا ما يدل عليها وإلا فليلة القدر لو كانت ليلة عادية لا يستطيع أن يقول شفت ليلة الجمعة؟ نعم ما يمكن، هل ليوم العيد ما يميزه بين الأيام لذاته، نعم، لا، ولذلك يتساءل بعض الأطفال وأين العيد الذي تقولون؟ صحيح، ما لها إلا العلامات التي تدل عليها، وقد تكون رؤياهم أن رأوا شخصاًَ يقول لهم: ليلة القدر الليلة الفلانية، أو ليلة القدر ما بين ليلة كذا أو كذا في السبع الأواخر، كما يدل عليها الحديث، فكأنه قيل لهم في المنام: هي في السبع الأواخر، أو رآها شخص ليلة أربعة وعشرين، وشخص ليلة خمس وعشرين، وشخص ليلة ست وعشرين، يعني في السبع الأواخر كلها، والتواطؤ هو التوافق، فتواطئوا وتوافقوا على القدر المشترك الذي يشمل الجميع وهو السبع الأواخر، ولا يبعد أن يكون تواطؤهم وتوافقهم على ليلة بعينها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يعمم في السبع حرصاً على أن تضرب أمته بسهام من سهام الخير، لا يكفي سهم واحد، وإلا التحديد ليس بمستحيل من المؤيد بالوحي، فإخفاؤها لحكمة عظيمة، ولذا الذين يتعمدون تبادل رسائل الجوال أن ليلة القدر في هذه السنة ليلة كذا، يعارضون هذه الحكمة، ويعينون بعض النفوس الضعيفة على الكسل، تجدون الباعث على القيام في ليالي الأوتار أكثر من الباعث على القيام في ليالي الأشفاع، يظهر الخلل في المساجد ليلة أربعة وعشرين، ليلة ستة وعشرين، ليلة ثمانية وعشرين، ليلة الثلاثين عاد الناس عيدوا وانتهوا، يعني كثير من الناس يمل، هذه عبادة عظيمة، يعني إذا كان المفترض من المسلم والمتصور من طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون دأبه وشأنه دأب الصالحين، قيام الليل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}[(16) سورة السجدة] فمع الأسف أن هذه أمور من أثقل الأشياء على النفوس، تجد هذه العشر الإنسان ينظر في التقويم في كل لحظة كم تاريخ اليوم، ينتظر نهاية هذه العشر، مع أنها الموسم، الموسم الذي لا يكلف المسلم شيء، يعني الصلاة هل هي مثل نقل الحجارة أو مثل حمل الأثقال؟ تجد الإنسان صاحب أي بضاعة من البضائع له وقت قد يكون شهر أو أكثر أو أقل موسم في العام مستعد يجلس أربعة وعشرين ساعة يتولى البيع والشراء والمحاسبة، بل قد يحمل الأمتعة إلى سيارات الزبائن وما عنده مشكلة: لأنه يحس بالفائدة، وليلة تعدل ثلاثة وثمانون سنة وستة أشهر تتكاثر عليه، ينظر في الساعة في كل لحظة، وبعضهم إذا ركع الإمام قال: الحمد لله راحت واحدة، إذا ركع الثانية قال: انتهينا من تسليمة، صحيح هذا واقع كثير من الناس، استثقال للعبادة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) يعني يستوي في ذلك الأشفاع والأوتار، إلا أنه جاء في الأوتار ما يرجحها.
ليلة ثلاثة وعشرين من السبع الأواخر أم ليس من السبع الأواخر؟ احتمال تكون من السبع الأواخر، إذا كان الشهر تسعة وعشرين، واحتمال أن تكون الأولى من السبع الأواخر ليلة أربعة وعشرين، وهي المرجحة عند أهل البصرة، أنس بن مالك والحسن البصري وسائر أئمة البصرة، هي ليلتهم ليلة أربعة وعشرين، أو نقول: لا الليلة شفع ما نحتاج، نجمع الهمة إلى الغد -إن شاء الله-، يا إخوة المسألة تحتاج إلى توطين نفس، وإقبال على العبادة بانشراح من غير استثقال، نعم يختلف أهل العلم في عظم الأجر، أجر العبادة مع الاستثقال، يعني يختلفون في الأفضل، يعني هذا فيه قول لأهل العلم أن من يقبل على العبادة وهي ثقيلة عليه له أجران أجر المجاهدة مجاهدة النفس وأجر أداء العبادة؛ لكن المقطوع به أن من يأتي إلى العبادة منشرح النفس مقبل إليها مرتاح بها، أفضل بلا شك؛ لأنه تعدى مرحلة المجاهدة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) ولسان حال الواحد منا أرحنا منها، ((فمن كان متحرياً فليتحرها في السبع الأواخر)) وليلة واحد وعشرين جاء فيها النص المتفق عليه ((رأيت كأني أسجد صبيحتها في ماء وطين)) فسجد صبح اليوم الحادي والعشرين على ماء وطين؛ لأنه نزل المطر ووكف المسجد، منصوص عليه صريح أنها ليلة واحد وعشرين، ومجيء النصوص بهذه الطريقة التي قد تلتبس وتشكل على كثير من الناس، ليلة واحد وعشرين فيها نص صحيح، السبع الأواخر فيها نص، سبعة وعشرين فيها نص، الأوتار فيها نص، يعني مجيء النصوص بهذه الطريقة التي فيها شيء من الإشكال عند بعض طلاب العلم لا شك أنه مقصد شرعي، وعدم بيان الراجح بيقين أيضاً هدف شرعي، لأن هذا كله يدل على إخفائها، وإخفائها لكي يعمر المسلم وقتاً طويلاً في عبادة الله -تبارك وتعالى-، ولذا يرجح جمع من أهل العلم أنها ليست في ليلة معينة في كل سنة ويقول: أنها تنتقل، هذه السنة في واحد وعشرين، والسنة التي تليها في سبعة وعشرين، التي تليها بخمسة وعشرين، التي تليها ليلة أربعة وعشرين والشهر كامل وأيش المانع؟ فهذا هو المرجح وهو التي تجتمع عليه النصوص، ((فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) بدأً من ليلة ثالث وعشرين إلى آخر الشهر.
والحديث الذي يليه الرؤيا هنا (أروا ليلة القدر) الرؤيا لا يبنى عليها حكم شرعي، نعم جاء ما يدل على أنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة، وأنها فيها المبشرات، وفيها ما يقع؛ ولكن الأحكام الشرعية استقرت بنصوص الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يبني حكماً على رؤيا، ليس له أن يصحح أو يرجح في مسألة شرعية بناءً على رؤيا، أو يصحح حديث أو يضعف نقول هذا لا قيمة له، أو يمنع الناس من عمل مباح، أو يسهل لهم في عمل محرم بناءً على رؤيا؛ لكن مثل هذه الرؤيا، ورؤيا الأذان إنما اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلة القدر: ((ليلة سبع وعشرين)) رواه أبو داود والراجح وقفه، يعني على معاوية، ليلة سبع وعشرين، الليلة الراجحة عند كثير من أهل العلم وجمع من الصحابة وفيها مثل هذا الخبر؛ لكن المرجح وقفه على معاوية، وتعيين الليلة كما قال الحافظ: "اختلف في تعيينها على ستة وأربعين قولاً" ذكرها في فتح الباري، والمسألة تحتاج أكثر، ولكن هناك أقوال يمكن إدخالها مع غيرها، وهناك أمور ليست بأقوال، القول بأنها رفعت يعني هذا من الأقوال؟ هذا ليس من الأقوال، وقد عده ابن حجر، "أوردتها في فتح الباري" في الجزء الرابع صفحة مائتين وثلاثة وستين إلى مائتين وستة وستين.
يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ دل على أنها تعلم، وأن لها علامات، منها أنها ليلة طلقة بلجة فيها سكون، فيها أيضاً ارتياح، وفيها نور، وذكروا أن الكلاب لا تنبح في تلك الليلة، وذكروا أمور؛ ولكن من أصحها كون الشمس تطلع صبيحتها بدون شعاع؛ لكن لا يستدل عليها بطلوع الشمس الاستدلال الذي يحث على العمل فيها؛ لأنها قد تكون قد انتهت؛ لكن على مثل ما ذكرنا الإنسان يتعرض لنفحات الله في جميع الليالي، ويكون مثل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يشد المئزر، ويحي الليل، وإن كان صحب ذلك اعتكاف فنور على نور، وإن لم يصحبه اعتكاف فليتقلل من مخالطة الناس بقدر الإمكان؛ لأن في مخالطة الناس من الأثر على القلب جل المخالطة الآن آثارها ضررها أكثر من نفعها، اللهم إلا إذا كان مع من أمر الله بصبر النفس معهم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}[(28) سورة الكهف] الذين يعينونك على ما ينفعك، أما بعض الناس مجالستهم سجال، فيها وفيها، وبعض الناس جلساء السوء هؤلاء لا خير فيهم، ولا يجالسون إلا من أجل نفعهم، مثل هؤلاء لا يجالسون إلا من أجل نفعهم، بعض الناس يستخف مجالسة هؤلاء، مجالستهم تكون أحياناً خفيفة على النفس لأنهم لا يأمرون بشيء ثقيل، ويتوسعون في أمور بما يتعلق بالكلام والنكت وإدخال السرور على الجليس بخلاف أهل التثبت والتحري، تجدهم لا يتكلمون إلا فيما ينفع، وفيما حفت به الجنة والجنة حفت بالمكاره، تجد بعض الناس وإن كان خيّر وطالب علم لكن يستثقل الجلوس مع الأخيار، فمثل هذا يحرص على أن تكون مجالسه في هذه الليالي معمورة بالذكر، بالصلاة بالتلاوة، الله المستعان.
"أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟"
طالب:........
هذا المرفوع أما الموقوف عن معاوية فما فيه إشكال.
"أرأيت" يعني أخبرني يا رسول الله إن علمت أي ليلة ليلة القدر؟ (علمت) يعني بالعلامات التي تدل على أن هذه ليلة القدر، أو قيل لها: أن هذه الليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) هل يلزم لحصول الثواب المرتب على هذه الليلة على قيامها إيماناً واحتساباً العلم بها؟
قد يقول قائل: أنا والله قمت ليالي العشر من ليلة واحد وعشرين إلى ليلة العيد ولا أحسست بأي فرق بين هذه الليالي، ما أدري؟ نقول: أنت قمت ليلة القدر، ويكتب لك من الأجر بقدر ما قدمت، ما هو قدمت ركعت وسجدت؟ هذا شيء مطلوب؛ لكن المدار على القلب، هل حضر قلبك؟ هل انصرفت من الصلاة بجميع أجرها بنصف أجرها بربعه بعشره، يكتب لك.
وبعضهم يقول: لا، الذي ما يحس بها ما أدركها، وقع في حديث عند مسلم من حديث أبي هريرة ((من يقم ليلة القدر فيوافقها)) إيش معنى يوافقها؟ يعني يصيبها؛ لكن ليس من لازم موافقتها أن يكون على علم بها، ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) ولا أعظم من العفو، العفو عن الزلات، العفو عن السيئات، التجاوز، ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) يختار من الأسماء الحسنى ما يناسب المقام، فالله -جل وعلا- عفو غفور غفار ستير، المقصود أنه يختار من هذه الأسماء ما يناسب المقام، قد يقول قائل: جاء في النصوص تذييل بعض الأدعية بما لا يناسب، مثال ذلك: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[(118) سورة المائدة] لكن قد يقول قائل: هذه تعقبت جملتين مناسبة لجملة دون جملة، في آية الممتحنة: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[(5) سورة الممتحنة] يعني يقول قائل: هذان الاسمان ليسا مناسبين لهذا الدعاء، ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) يعني قد تقول مثلاً: اللهم إنك حثثت على العتق فاعتق رقبتي، مناسب أو غير مناسب؟ الله -جل وعلا- حث على عتق الرقاب، عتق العبيد، وأنت واحد منهم، ترجو الله وتسأله أن يعتقك من النار، ((إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) مناسب جداً، وينص أهل العلم أن من أدب الدعاء أن يختار من الأسماء الحسنى ما يناسب؛ لكن ما جاء في النصوص لا اعتراض عليه، فمن أسمائه الحسنى العزيز الحكيم، القهار.
طالب:........
في آية التوبة نعم، {أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[(71) سورة التوبة] ماذا نقول عن مثل هذا؟ ما أحد يقول لك: الدعاء ما هو صحيح أو ما هو مقبول؛ لكن أهل العلم ينصون على أن من أدب الدعاء أن ينظر من الأسماء ما يناسب المقام، مثل ما عندنا ((إنك عفو تحب العفو فاعف عني)).
طالب:........
يعني الانكسار بين يديه، يعني يظهر، بضده تتميز الأشياء، الله -جل وعلا- عزيز حكيم، وأنت فقير ذليل حقير، إذا استشعر الداعي مثل هذا أُجيب.
يذكر بعضهم من علاماتها إضافة إلى ما ذكرنا أن كل شيء يرى ساجد في هذه الليلة، وسجود كل شيء بحسبه؛ ولكن قول قيل، ومما ذكر، ذكر أشياء كثيرة من علامات ليلة القدر؛ لكن من أصحها ما ذكرناه.
الحديث الأخير: وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)).
(تشد الرحال) يعني من لازم السفر شد الرحل، فإذا اقتضى هذا السفر شد الرحل منع السفر من أجل التعبد لله -جل وعلا- ببقعة معينة سوى ما استثني من المساجد الثلاثة، أنت ليس لك أن تقول: أنا أذهب إلى البقعة الفلانية أتعبد فيها لأنها أفضل سوى المساجد الثلاثة، فإذا كان هذا في المساجد فمن باب أولى أن تشد الرحال إلى المشاهد والقبور، وغيرها من البقاع، هذه مسألة كبرى أنكرها شيخ الإسلام على بعض علماء عصره، ورُد عليه بسببها وامتُحن بسببها، والذي يفضل البقاع هو الذي خلقها {يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ}[(68) سورة القصص] فليس لك أن تفضل بقعة على أخرى بغير دليل، ولا تشد الرحل إليها إلا إذا فضلها الله -جل وعلا- كهذه المساجد الثلاثة، قد يقول قائل: والله في البلد الفلاني إمام قراءته مؤثرة، أروح أصلي معه من أجل هذا الإمام لا من أجل المسجد ولا من أجل البقعة، فأنا أشد رحلي من أجل هذا الإمام، أو من أجل جماعة المسجد، فيه بعض الصالحين وفيه بعض الأخيار ما يعينني على استغلال الوقت، أذهب وأصلي معهم العشر، وأعتكف معهم، التعاون على البر والتقوى، يدخل هذا في النهي أو لا يدخل؟ ما ذهب إليه من أجل البقعة هو ذهب من أجل هذا الإمام المؤثر هذا الرجل الصالح يصلي خلفه.
طالب:.......
طيب، ذهب إلى بلد ما ليشهد جنازة عالم أو قريب أو صديق.
طالب:.......
نعم، كيف؟ شد الرحل راح مثلاً إلى جدة في عالم من العلماء مات ويصلى عليه في جدة أو الرياض نعم، يعني ما قصده البقعة لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث من البقاع، أما غير البقاع فلا تشد إليها الرحال، يعني كما تشد الرحل لصلة الرحم تسافر لزيارة قريب لزيارة صديق، لبر الوالدين، زيارة أخ في الله في حياته وبعد مماته تشيعه، وتزوره وتعوده إذا كان مريض، أنت لا تذهب لتتعبد في تلك البقعة.
((إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) إدخال الحديث في هذا الباب لماذا؟ لأنه قد قيل أو قد ورد ما يدل على أن الاعتكاف لا يصح إلا في هذه المساجد الثلاثة، جاء عن حذيفة ولكن ابن مسعود رد عليه {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[(187) سورة البقرة] والمساجد يشمل مساجد الأرض كلها، مما يقام فيه الجماعة، ولذا فالمرجح أن الاعتكاف في أي مسجد تقام فيه جماعة صحيح.
جاء التفضيل في هذه المساجد، وأن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والمسجد النبوي بألف صلاة، وجاء في المسجد الأقصى ما يدل على أنه بخمسمائة صلاة، فهذه المساجد لا شك أن لها مزية، والتفضيل بالنسبة للمسجد الحرام شامل، للحرم كله، ولا يختص بالمسجد، والأدلة على هذا وهو قول جمهور أهل العلم كثيرة، ولو لم يكن منها إلا قوله -جل وعلا-: {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ}[(217) سورة البقرة] هم أخرجوا من مكة، فالقول المرجح من أهل الجمهور أن مكة كلها حرم، وداخل حدود الحرم مضاعف.
((ومسجدي هذا)) يدل على أن التضعيف خاص بالمسجد، والمسجد الأقصى مثله، التضعيف هذا هل يشمل الرجال والنساء، يشمل الفرائض والنوافل؟ أما بالنسبة للمسجد الحرام والمقرر عند الجمهور أن المضاعفة في الحرم كله، ولا يختص بالمسجد، فتشمل صلوات النساء في بيوتهن، ونوافل الرجال في بيوتهم؛ لأن النوافل في البيوت أفضل.
لكن ماذا عن المسجد النبوي؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)) فعلى هذا صلاة المرء النافلة في بيته أفضل من صلاته في المسجد النبوي، والمضاعفة خاصة في المسجد، هذا جعل بعض أهل العلم يقول: إن المضاعفة في الفرائض دون النوافل، وقل مثل هذا بالنسبة للمرأة التي بيتها خير لها، وبيتها خير لها.
اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نسأل الله -عز وجل- أن يجزي شيخنا خير الجزاء على ما قدم، ونفيدكم -أيها الأخوة- أن موعدكم -إن شاء الله تعالى- الدورة القادمة في اليوم السابع من شهر شوال في كتاب الحج من بلوغ المرام، ولمدة أسبوع بعد صلاة المغرب، وبعد صلاة العشاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
"لا، يجب قضاء الفوائت فوراً، مجرد ما تنتبه تتطهر وتصلي ما فاتك.
كيف ما نوى؟ أليس من أيام رمضان؟ وفي قرارة نفسه أنه يصوم غد؟ هذه هي النية؛ لكن كيف ينام قبل المغرب ولم يستيقظ إلا بعد الفجر؟! ليس في النوم تفريط؛ لكن مثل هذا النوم كم أضاع؟ وقتاً طويلاً فوت صلاة المغرب، صلاة العشاء، واحتمال الفجر، هذا لا يصوغ مطلقاً، لا بد إذا أراد أن ينام قرب وقت صلاة، يبذل الأسباب للاستيقاظ، وأن يدفع الموانع فلم ينوِ، إذا لم ينوِ ولم يطرأ ولم يجرِ على باله أنه يصوم غداً هذا لا يصح صيامه.
يقول: أنا كنت مقصر في الصلاة فلذلك فإن علي أن أقضي ما فاتني، هل هذا صحيح؟ وإذا كان فإن علي بصلاة الظهر مادام أصلي بعده ظهر آخر مما فاتني فإذا فعلت ذلك فسوف أهمل النوافل لأن وقتي لا يتسع إلا لصلاة واحدة، أما النوافل أو ما فاتني من الصلاة بسبب ظروف عملي ماذا أفعل وإذا أهملت النوافل، هل يكون ذلك تقصير وعلي قضاؤها أم أنها غير مهمة أفتني في هذا الأمر من فضلك؟
مقصر في الصلوات تركت صلوات أيام تهاون كسل، عليك قضاؤها إذا كان يمكن الإحاطة بها، أما إذا كنت لا تدري كم عدد هذه الأيام فعليك أن تكثر من النوافل في مستقبل عمرك، إذا حصرت هذه الأيام وجدت أنها في مقدورك ومحصورة ومعروفة فعليك أن تقضيها متتابعة، تصلي الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء اليوم الأول، ثم اليوم الثاني كذلك، لا تنتظر إلى أن تصلي كل صلاة بعد نظيرتها من صلاة يومك.
وصف النساء لحث الرجال، لماذا لم يصف الرجال لحث النساء؟ لأن الجمال بالنسبة للنساء مطلب؛ لكن جمال الرجال مع أنهم على أكمل صورة جاء وصفهم:
ألوانهم بيض وليس لهم لحى
جعد الشعور مكحلو الأجفانِ
والطول طول أبيهم ستون، والعرض سبعة أذرع، كما جاء في المسند، والطول في الصحيحين، المقصود أنه جاء الوصف بالنسبة للرجال، والاهتمام بوصف النساء لا شك أنه الداعي إليه أعظم -والله أعلم- لأن النساء بحاجة إلى الجمال أكثر من حاجة الرجال.
المال الخبيث يتخلص منه، وجاء في أن كسب الحجام خبيث قال: ((أطعمه ناضحك)) فيصرف في المصارف التي لا يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، فتصرف في مثل هذه المصارف في دورات المياه، في الطرق، في شيء لا يكون فيه قربة ظاهرة.
يقول: سأل رجل الإمام علي لماذا نسجد مرتين؟ ولماذا لا نسجد مرة واحدة كما نركع مرة واحدة؟ قال -عليه السلام- من الواضح أن السجود فيه خضوع وخشوع أكثر من الركوع، ففي السجود يضع الإنسان أعز أعضائه وأكرمها، أفضل أعضاء الإنسان رأسه؛ لأن فيه عقله وأفضل ما في الرأس الجبهة على أحقر شيء، وهو التراب كرمز للعبودية لله وتواضعاً وخضوعاً له تعالى، سأل: لماذا نسجد مرتين مع كل ركعة؟ وما هي الصفة التي بالتراب؟
نسجد مرتين كل ركعة جوابه هذا كما تقدم، وما هي الصفة التي بالتراب؟ فقرأ أمير المؤمنين -عليه السلام- الآية الشريفة بسم الله الرحمن الرحيم {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[(55) سورة طـه] صدق الله العلي العظيم، أول ما تسجد وترفع رأسك يعني (منها خلقناكم) وجسدنا كله أصله من التراب وكل وجودنا من التراب، وعندما تسجد ثانية تتذكر أنك ستموت وتعود إلى التراب، وترفع رأسك وتتذكر أنك ستبعث من التراب مرة أخرى، على كل حال يحتاج إلى نظر في إسناده، وعلي -رضي الله تعالى عنه- ممن ابتلي بالوضع عليه.
إذا كان شيئاً يسيراً فلا أثر له على الصيام.
سائل من السعودية يقول: في قصة الأعرابي ألا يدل ذلك على يسر الشريعة وسماحتها على وجه يجعل من الواجب على العلماء والمفتين مراعاة أحوال السائلين، وأن الفتوى تختلف من سائل لآخر، أما التزام فتوى واحدة يفتي بها كل من وقعت له تلك الحادثة هذا في الاجتهاديات، وأما القطعيات فلا أظن ذلك يسوغ فيها، فما رأيكم؟
مراعاة حال الأعرابي لأنه فقير، ولم يوجد بين لابتي المدينة أفقر منه، فمن كان حاله بهذه المثابة يعامل تلك المعاملة، أما شخص غني يبي يعامل معاملة هذا الفقر فلا، لا شك أن مثل هذه الأمور يدخلها مراعاة الأحوال، وما سُكت عنه من بقية الأحوال التي لا أثر لها في الحكم يستوي فيها جميع الناس.
هذا وعد أن من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، وليس معنى في ذمة الله أنه لا يموت، النبي -عليه الصلاة والسلام- مات وكلٌ مات، يعني بعض الناس يتصور مادام في ذمة الله يحرص أن يصلي الصبح في جماعة ولا سيما إذا أراد أن يسافر أما إذا أراد أن يبقى في بلده ولم يسافر ولا يتعرض لخطر حوادث أو شيء ما يهتم بصلاة الفجر، لا يا أخي، بعض الناس يتصور هذا أن صلاة الفجر تقيه من الموت، في ذمة الله خلاص مضمون، هذا كلام ليس بصحيح {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}[(49) سورة يونس]
على كل حال إذا حصلت لديك الوساوس فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وادفع هذه الوساوس سواءً كانت من نفسك أو من الشيطان.
يقول: لدي سؤال ما الحكم عن الخصومات على شكل بطاقات بحيث يستفيد حاملها خمسة أو عشرة بالمائة من منتجات مطعمنا بحيث يشتري دفتر الخصومة بقيمة خمسة وأربعين ريال وفي كوبونات بسعر خمسين ريال، وتكون مدة هذا الدفتر ستة أشهر، وإذا لم يشترِ بكامل الدفتر خلال هذه المدة يتم إخراج ما تبقى من هذا المبلغ لصالح أي جمعية خيرية صدقة، والهدف من هذا الدفتر تسويقي للمشروع، وفقكم الله؟
يعني إذا دفع المبلغ مقدماً وهو يريد أن يأخذ في مقابل هذا الثمن عروض أغذية مثلاً، لنفترض مثلاً أن اللبن يباع بخمسة كم يحتاج من اللبن في الشهر؟ يحتاج ثلاثين بمائة وخمسين يقول: هات مائة وأنا أأمن لك ثلاثين علبة في كل شهر، نعم هذه خصومة، هذه ما فيها إشكال لماذا؟ لأنك قدمت الثمن، أما إذا كانت معاوضة بين هذا الدفتر ويكون قيمة الدفتر الخمسة والأربعين مقابلها خمسين فلوس بحيث لو تقول: والله أنا ما أنا بشايل منك أبي أدور غيرك يعطيك مبلغ أكثر أو أقل فلا، أما إذا كانت المعاوضة بين عروض التجارة مع الدراهم لا بأس، سواءً قدم الثمن وحسم له منه، أو أخر الثمن وزيد عليه من أجله فلا بأس .
يقول: في امرأة يعني لما كانت صغيرة كانوا بدو يرعون الغنم كان عندها كلبة، الكلبة حملت وجابت كلاب ورحلوا من مكانهم البدو، وقال عم المرأة لما كانت المرأة صغيرة وكانت تخاف من عمها، وقال عمها خذي اثنين من الكلاب واتركي الباقي في البر فلم توافق الكلبة أن تترك صغارها وذهب المرأة وحفرت حفرة ودفنت صغار الكلبة، وهن على قيد الحياة، وبعد ما كبرت حست بالذنب ماذا تفعل؟
إذا كان هذا قبل التكليف فلا شيء فيه؛ لأنها غير مكلفة وغير مؤاخذة؛ لكن هذه إذا كانت بعد التكليف تأثم على ما حصل؛ لأن هذه إساءة إلى الكلاب، والإحسان إليها مطلوب، المرأة التي سقت الكلب البغي سقت الكلب دخلت الجنة، وفي كل كبد رطبة أجر، فالإساءة إليها لا تجوز، وإذا قدر أنها مما يجوز قتله فلتحسن قتلته.
لا يجوز أن يبقى في بلاد الكفر بحال، لا يجوز له أن يبقى مع الكفار؛ لكن إن كان من أهلها وولد فيها ولم تتيسر له الهجرة فهو من المستضعفين الذين استثنى الله -جل وعلا-.