التعليق على تفسير القرطبي - سورة الفتح (04)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-.
قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ ارْتَابَ الْمُنَافِقُونَ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: إِنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ} فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَنَّ رُؤْيَاهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- حَقٌّ. وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي قَالَ: إِنَّ الْمَنَامَ لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ، وَأَنَّهُ سَيَدْخُلُ. وَرُوِيَ أَنَّ الرُّؤْيَا كَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ. وَالرُّؤْيَا أَحَدُ وُجُوهِ الْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ."
تقدم ما ذكره مرفوعًا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قيل له بعد الصلح: وعدتنا بأن ندخل مكة فقال: هي رؤيا وقالوا لأبي بكر، فقال: ليس هذا العام، وعرفنا أن ما ينسب للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنها رؤيا، يعني من غير بيان لا شك أن رؤيا الأنبياء حق، لكن الجواب على حد ذلك الخبر، الجواب في كلام أبي بكر، يعرفون أنها رؤيا، لكن في كلام أبي بكر الجواب، وكلام النبي هو الذي نسب إليه بذلك الخبر ليس فيه جواب ما يدل على ضعفه، وهنا يقول: فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْعَامِ يرد ذلك الخبر، وأن رؤياه –عليه الصلاة والسلام- حق، ورؤيا الأنبياء حق لاريب، وهي جزء من النبوة، وأول ما بُدئ به الرسول –صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا، الرؤيا الصادقة والصالحة أحد وجوه الوحي إلى الأنبياء.
النبي –عليه الصلاة والسلام- مكث ستة أشهر لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم نزل عليه الوحي بعد ذلك، وهذه الرؤيا نقلت في القرآن القطعي، يعني وجودها قطعي، وتأويلها وقع بعد عام، لا يلزم من تأويل الرؤيا أن يقع مباشرة لقوله مثل فلق الصبح، يعني في الوضوح وعدم الاشتباه والاختلاط، أما كونها تقع بعيدًا أو قريبًا فهذا لا يلزم من كون الرؤيا حقًّا أن تقع مباشرة.
بعضهم يقول: إذا جاءت مثل فلق الصبح أن الرؤيا إذ لم تكن في نوم الليل أنها ليس رؤيا، أنها حلم؛ لأنه لا يعقبها صبح، هذا كلام لا قيمة له، وليس من شرط الرؤيا أن تكون بالليل أو النهار، ومطابقة وقوعها لفلق الصبح هذا ما يختص به النبي –عليه الصلاة والسلام-.
والرؤيا على كل حال رؤيا الأنبياء حق، وتحققت هذه الرؤيا، ووقع تأويلها بعد عام، فليس لأحد أن يرتاب أو يشك؛ لأن الصحابة –رضوان الله عليهم- لما ذكر لهم النبي –عليه الصلاة والسلام- الرؤيا كأنهم تعجلوا التأويل، لاسيما مع شوق إلى البيت، وحرصهم عليه، وكونه وعدهم النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يدخل المسجد الحرم آمنين على ضوء ما جاء في هذه الرؤيا، لا يعني أنهم يدخلونها في هذا العام.
"{لَتَدْخُلُنَّ} أَيْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ " الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ" قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّهُ حِكَايَةُ مَا قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فِي مَنَامِهِ، خُوطِبَ فِي مَنَامِهِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا اسْتَثْنَى، تَأَدَّبَ بِأَدَبِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24 - 23]. وَقِيلَ: خَاطَبَ اللَّهُ الْعِبَادَ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يقولوه، كما قال: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} ".
وليس مرد هذا الاستثناء الشك في تحقق هذه الرؤيا، إنما هو من باب الأدب أن يرد كل شيء إلى الله– جل وعلا –، إلى مشيئته وقدرته وقضائه وقدره، وإن كان محقق الوقوع.
وَقِيلَ: اسْتَثْنَى فِيمَا يَعْلَمُ لِيَسْتَثْنِيَ الْخَلْقُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ."
يعني تعليم للخلق في الأسلوب، تعليم للخلق في الأسلوب، وإن كان الاستثناء في هذه الرؤيا لا حقيقة له، إنما هي محققة، لكن الخلق فيما يعيدونه يعيدون به ما هو غير محقق ينبغي أن يقارن بالمشيئة، نعم.
" وَقِيلَ: كَانَ اللَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يُمِيتُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ لِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ " آمِنِينَ"، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مُخَاطَبَةِ الْعِبَادِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَقِيلَ: مَعْنَى " إِنْ شاءَ اللَّهُ" إِنْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِالدُّخُولِ. وَقِيلَ: أَيْ إِنْ سَهَّلَ اللَّهُ. وَقِيلَ: " إِنْ شاءَ اللَّهُ" أَيْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: " إِنْ" بِمَعْنَى" إِذْ"، أَيْ إِذْ شَاءَ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] أَيْ إِذْ كُنْتُمْ. وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ " إِذْ" فِي الْمَاضِي مِنَ الْفِعْلِ، وَ" إِذَا" فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا الدُّخُولُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَوَعَدَهُمْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطِ الْمَشِيئَةِ، وَذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فَاسْتَبْشَرُوا، ثُمَّ تَأَخَّرَ ذَلِكَ عَنِ الْعَامِ الَّذِي طَمِعُوا فِيهِ، فَسَاءَهُمْ ذَلِكَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ، وَصَالَحَهُمْ وَرَجَعَ، ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقّ}ِ".
تضعيف واستبعاد حمل إن على إذ؛ لأن إذ لما مضى، والرؤيا تحققها في المستقبل، يعني استبعاد، هذا الاستبعاد فيه بعد؛ لأن إذا كما هي للماضي تأتي للاستقبال، كما بين من كلام ابن مالك عند قوله: أو مخرجي إذ يخرجك قومك، إذا يخرجك قومك هذا في المستقبل، فدل على أنها تأتي للاستقبال كما تأتي للمضي، فكان حملها على إذ خلاف الظاهر. الظاهر أنه استثناء، لكن لا يراد به حقيقة الاستثناء؛ لأنه قد يذكر الشيء لإرادة حقيقته يراد به ... لكن قد يراد به التحقيق، وقد يراد به التبرك باللفظ، وجاءت بذلك نصوص كثيرة، وإلا لما صح الاستثناء في الإيمان مما يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله، هذا قلنا: إنها للتعليل كان شكًّا، ولذا يمنعها جمع من أهل العلم، يرون أنها شك في الإيمان، والإيمان اعتقاد جازم لا يجوز أن يجري فيه الشك، وشددوا على من يجيز الاستثناء في الإيمان، شددوا عليهم، بل رموهم بالعظائم، لكن الذين أجازوا الاستثناء بالإيمان لا يريدون حقيقة الاستثناء، حقيقة الشك في إيمانهم، إنما يريدون بذلك التبرك باللفظ، أو التحقق.
طالب:.....يستغل قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله} .....طلب الاستغفار من الرسول ......
يعني في المستقبل {ولو أنهم إذ ظلموا} كما أنها للماضي، حقيقتها في الماضي، لكن إن دل السياق على إرادة المستقبل فلا مانع منه، وجاءت في ذلك النصوص، لكن الآية على حقيقتها.
" وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ فِي الْمَنَامِ {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ} فَحَكَى فِي التَّنْزِيلِ مَا قِيلَ لَهُ فِي الْمَنَامِ، فَلَيْسَ هُنَا شَكٌّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ، والله تعالى لا يشك، و" لَتَدْخُلُنَّ" تحقيق، فكيف يكون شك؟ ف" إن" بمعنى" إذا"." آمِنِينَ" أي من العدو.
{مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ} وَالتَّحْلِيقُ وَالتَّقْصِيرُ جَمِيعًا لِلرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ غَلَّبَ الْمُذَكَّرَ عَلَى الْمُؤَنَّثِ. وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ إِلَّا التَّقْصِيرُ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي " الْبَقَرَةِ". وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَخَذَ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-عَلَى الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ. وَهَذَا كَانَ فِي الْعُمْرَةِ لَا فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- حَلَقَ فِي حَجَّتِهِ."
يعني في الصحيحين من حديث أنس أن النبي –عليه الصلاة والسلام- حلق شعره، وأعطى جانبه الأيمن لأبي طلحة، ووزع الباقي وفرقه على الناس، فالنبي–عليه الصلاة والسلام- في حجته حلق شعره، وفي عمرته قصر بمشقص كما في الصحيح من حديث معاوية –رضي الله عنه-.
طالب: أي عمرة –عليه الصلاة والسلام- أخبر...
العمر النبوية معروف أنها أربع، عمرة القضاء التي هي بعد الحديبية بسنة، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي مع حجته، والحديبية عُدّت عمرة؛ لأنها كتبت لهم، أربع عمر، ويمكن عمرة الجعرانة ..
طالب :....
أو الفتح ما يمنع؛ لأنه أسلم في الفتح.
طالب:......
أو عمرة الجعرانة، هذه أو هذه، المقصود أنه قصر له بمشقص.
طالب: ......
ماذا؟
طالب: السنة في العمرة إذا لم يعقبها حج...؟
لا، السنة التحليق، إذا لم يعقبها حج فالسنة التحليق، وإذا عقبها حج يوفر الشعر للحج.
طالب:....الجعرانة هي أفضل..
أفضل أيش؟
طالب: أفضل ...
لو قيل بأن أفضل الحل عرفة فهذا هو الأصل، لو تقول: أفضل ميقات للمكي مثلاً أفضل من التنعيم وأفضل من عرفة وكذا؛ لأن النبي-عليه الصلاة والسلام- أحرم منها يمكن، لكن عرفة أفضل بلا شك، نعم، وأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم، فجهة الحل كلها متساوية في الإحرام، نعم.
"لَا تَخافُونَ" حَالٌ مِنَ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ، وَالتَّقْدِيرُ: غَيْرَ خَائِفِينَ. {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا} أَيْ عَلِمَ مَا فِي تَأْخِيرِ الدُّخُولِ مِنَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مَا لَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا رَجَعَ مَضَى مِنْهَا إِلَى خَيْبَرَ فَافْتَتَحَهَا، وَرَجَعَ بِأَمْوَالِ خَيْبَرَ، وَأَخَذَ مِنَ الْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ أَضْعَافَ مَا كَانَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَقْبَلَ إِلَى مَكَّةَ عَلَى أُهْبَةٍ وَقُوَّةٍ وَعُدَّةٍ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ عَلِمَ أَنَّ دُخُولَهَا إِلَى سَنَةٍ، وَلَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ. وَقِيلَ: عَلِمَ أَنَّ بِمَكَّةَ رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ. {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} أَيْ مِنْ دُونِ رُؤْيَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-فَتْحَ خَيْبَرَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: فَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ."
نعم، وفيه نزلت السورة، نزلت في الصلح، {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} فالصلح من أعظم الفتوحات؛ لما ترتب عليه.
" قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا فَتَحَ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حِينَ تَلْتَقِي النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَأَمِنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَالْتَقَوْا وَتَفَاوَضُوا الْحَدِيثَ وَالْمُنَاظَرَةَ. فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا دَخَلَ فِيهِ، فَلَقَدْ دخل تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ. يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَنَةَ سِتٍّ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانُوا بَعْدَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ ثمان في عشرة آلاف. قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} يَعْنِي مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، {بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أَيْ يُعْلِيهِ عَلَى كُلِّ الْأَدْيَانِ. فَالدِّينُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَيَسْتَوِي لَفْظُ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِيهِ. وَقِيلَ: أَيْ لِيُظْهِرَ رَسُولَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، أَيْ عَلَى الدِّينِ الَّذِي هُوَ شَرَعَهُ بِالْحُجَّةِ ثُمَّ بِالْيَدِ وَالسَّيْفِ، وَنَسَخَ مَا عَدَاهُ. {وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً} "شَهِيداً" نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ".
ما التفسير؟ هل يوجد في أبواب العربية شيء اسمه التفسير؟ نعم هو التمييز، لكن أسلوب المتقدمين هذا، يعني في كتاب سيبويه وغيره من كتب المتقدمة يسمونه التفسير، تفسير الطبري يسميه التفسير، الكتب المتقدمة جرت على هذا.
" وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، أَيْ كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وَشَهَادَتُهُ لَهُ تُبَيِّنُ صِحَّةَ نُبُوَّتِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ. وَقِيلَ: " شَهِيداً" عَلَى مَا أُرْسِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الكفار أبو أن يَكْتُبُوا: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} "مُحَمَّدٌ" مُبْتَدَأٌ، وَ" رَسُولُ" خَبَرُهُ. وَقِيلَ: " مُحَمَّدٌ" ابْتِدَاءٌ وَ" رَسُولُ اللَّهِ" نَعْتُهُ." وَالَّذِينَ مَعَهُ" عَطْفٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ فِيمَا بَعْدَهُ، فَلَا يُوقَفُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى " رَسُولُ اللَّهِ".
لأن الجملة لم تكتمل، الجملة لم تكتمل، الخبر ما بعد جاء، لكن إذا قلنا: مبتدأ وخبر صار الوقف محمدٌ رسول الله، ثم بعد ذلك عطف عليه، والذين معه أشداء مبتدأ وخبر أيضًا.
" وَعَلَى الْأَوَّلِ يُوقَفُ عَلَى" رَسُولُ اللَّهِ"، لِأَنَّ صِفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَزِيدُ عَلَى مَا وَصَفَ به أصحابه، فيكون" محمد" ابتداء، و" رَسُولُ اللَّهِ" الخبر، " وَالَّذِينَ مَعَهُ" ابتداء ثان. و" أَشِدَّاءُ" خبره و" رُحَماءُ" خَبَرٌ ثَانٍ. وَكَوْنُ الصِّفَاتِ فِي جُمْلَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-هُوَ الْأَشْبَهُ".
وهذه الصفات صفات كمال، النبي –صلى الله عليه وسلم- أولى بها، سواء قلنا: إن الخبر رسول الله، أو قلنا: إن الصفات أيضًا يشترك فيها النبي-عليه الصلاة والسلام-، كل خبر جاء به الشرع مما يدل على فضل أحد من هذه الأمة على أحد من الخلق، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، أولى بهم، ولذلك لا يسوغ أن يجعل من الخصائص مظاهر النقص، من بعض الناس، من بعض الشراح ذكروا فيه حصر النبي -عليه الصلاة والسلام- من فخده وقال لجاره هذا: غط فخذك، قالوا: حصر خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن عداه يجب عليه ستر الفخذ، نقول: هل ستر الفخذ أكمل أو تغطيته أكمل؟ ستره أكمل، إذن النبي-عليه الصلاة والسلام- أولى به، وفيه مسائل طرحناها مرارًا، نعم.
" قال ابن عباس: أهل الحديبية أشداء على الكفار، أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته."
مثل استدبار الكعبة، كما جاء في حديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقضي حاجته وهو مستدبر الكعبة، قالوا: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والنهي للأمة، نقول: لا، تعظيم الكعبة كمال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فيبحث عن جواب آخر
" أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته. "وقيل: المراد بـ" الَّذِينَ مَعَهُ" جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ. " رُحَماءُ بَيْنَهُمْ" أَيْ يَرْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقِيلَ: مُتَعَاطِفُونَ مُتَوَادُّونَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماء بَيْنَهُمْ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي حَالِ شِدَّتِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ وَتَرَاحُمِهِمْ بَيْنَهُمْ. {تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} إِخْبَارٌ عَنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ. {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانا} ً" أَيْ يَطْلُبُونَ الْجَنَّةَ وَرِضَا اللَّهِ تَعَالَى".
هذه صفة الصحابة، أشداء على الكفار، رحماء بينهم، أشداء على الكفار، بعضهم يقولون: إن هذه الشدة ليست أسلوبًا مناسبًا لدعوة الكافر، بل لابد أن يتسامح معه، ويلان له القول، نعم أساليب الدعوة بلا شك تقتضي هذا بالحكمة والموعظة الحسنة، كما جاء التوجيه الإلهي، لكن يبقى أنه إذا أصر على كفره، وحلت مفاصلة فلابد من الشدة على الكافر، {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}، هذه نصوص القرآن ماذا نفعل بها؟
يعني إذا اقتضانا ظرف من الظروف أن نظهر بوجه نحُسّن به صورتنا عند أعدائنا فلا يخفى أننا نخفي ما عندنا من كلام الله –جل وعلا-، بعض الناس يستصعب مثل هذه الأمور، ف"اغلظ عليهم" هذا في القرآن، ما يحتاج إلى أن تقول: والله ثابت، أو غير ثابت، نعم في مجال الدعوة شيء، لكن إذا حصلت المفاصلة، وأيس من المدعو ف"أشداء على الكفار". ويؤثر عن بعضهم في الأدعية: اللهم أبرم لأهل هذه الأمة أمرًا رشدًا يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، يقول: لا، ما يصح أن تقول هذا، تقول: يهدى فيه أهل المعصية، تطلب له الهداية، وتدعو إلى الهداية، لكن إذا أصر فلابد أن يذل؛ لأنه من عز الدين أن يذل المخالف، { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}، لابد أن يظهر المسلم بمظهر مناسب لإسلامه.
طالب: بعضه يقول يا شيخ...... أصحاب المناصب.... يذل فيها.......هذه شبهة....
ماذا يقول؟
طالب: يقول ...فيها يا شيخ، ويذل فيها أهل المعصية، وكلنا أصحاب معاصٍ...
الذي يجاهر بمعصيته يرفع شأنه أم يذل؟
طالب:.....خاص بأهل المعاصي يرادون...
الذين يجاهرون ويعاندون ويصرون عليها أم كلكم خطّاء، كل بني آدم خطّاء، لكن الذي يجاهرون ويصورن ويعاندون أهل الخير، ويبارزون بالمعاصي فلابد من ذله، لابد أن يذلوا بقوة الحق. وهل يستوي عاصٍ ومطيع في نظر كل مسلم: في معاملته، في مودته؟ ما يمكن أن نقول: هذا عقل.
طالب: شيخ ..يجد سببًا في مسألة كشف الفخذ أو استدبار القبلة...
لابد منها.
طالب: السبب يا شيخ ما فيه....
يعني وجه جمْع من الجموع الأخرى التي سلكها أهل العلم نسوا غير هذا..
طالب: لكن ما يبقى الأصل ما فيه مانع... ليس في الأمر يعني ليس محرمًا كشف الفخذ..
هذا القول أن الفخذ ليس بعورة هذا معروف عند أهل العلم، لكن عامة أهل العلم أنه عورة، ولذا جاء فيه الأمر: غط فخذك، لكن قد يحتاج الإنسان إلى كشف شيء من العورة غير المغلظة في ظرف من الظروف، الرسول –عليه الصلاة والسلام- على فرس أو على دابة، لابد أن ينكشف منه شيء وهي تجري مسرعة، فيكون غير مقصود كونه على البر، وخشى أن يصل إليه شيء من الماء أو ما أشبه ذلك، هذه ظروف خاصة، لا يقضى بها على النصوص المحكمة.
طالب: ...... العمل عندنا بعض الكفار ويلبس مع المسلمين، وينام معهم، ما هو بكتابي..
لكن يرجى إسلامه، بذلت معه أسباب الدعوة لهدايته؟
طالب: المسألة تأتي كمسألة.....إذا أخذت جانبًا وبحثت ......قال....اللهم ......
هو ينفع.....ينفذ عليك أم أنت مثلاً...
طالب:...يطلع عليه..
نعم طيب.
طالب: فأقرأ عليه هل يجوز ........
أبو سعيد قرأ على اللديغ وهو كافر، قالوا: لاسيما إذا رجيت مصلحة، فأبو سعيد رجا مصلحة دنيوية، وقد حصلت له، وأنه «أحق ما أخذتم عليه أجر كتاب الله»، وإن كان من باب التأليف، والقصد إسلامه، هذا مقصد شرعي.
طالب: حديث النبي –عليه الصلاة والسلام-. نهي يعني...يبدأ السلام.....وهو ....
نعم، لا يبدأهم بالسلام، يضطرون إلى أضيق الطريق نعم.
طالب: هذا الحديث أعم أو خص؟ يعني بلد المسلمون ....... دولة يقولون هذا فقط في دولة مسلمة هل هذا صحيح.
هو في بلادهم لا يمكن أن تستعمل معهم هذه الأساليب، ظاهرة في يديهم، وفي حال ضعف المسلمين أيضًا قد يؤول بعض من هذه الأمور؛ نظرًا للمصالح المترتبة عليه، وخشية من المفاسد، ولا شك أن جلب المصالح مطلوب شرعًا، ودرء المفاسد مطلوب، تترتب عليه مفسدة ماذا تفعل؟ الأصل أن نأخذ منهم الجزية هذا الأصل.
طالب: نحن نمشي بالسيارة، ويأتي الكفار... وترك لي، هو يريد أن يمشي، ولكن بحيث هذا أنا ما أعطيته الطريق..
لا تعطه فرصة إلا إذا كان من أجل تحسين الصورة، من أجل دعوته، من أجل دعوته وإلا فالنصوص ظاهرة في هذا.
طالب:.....في حديث تتراءي.....مسلم......
لا تتراءى نارهما، باعتبار أن المسلم الذي يستطيع الهجرة تجب عليه، والذي لا يستطيع الهجرة، والذي لا يستطيع حيلة ولا يجد سبيلاً معذور من القرآن.
" الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:" {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} السِّيمَا الْعَلَامَةُ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، أَيْ لَاحَتْ عَلَامَاتُ التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ وَأَمَارَاتُ السَّهَرِ. وفي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُوسَى أَبُو يَزِيدَ، عَنْ شَرِيكٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ»".
هذا الحديث هذا الخبر يذكرونه في باب الموضوع المكذوب المفترى على رسول -عليه الصلاة والسلام-، النبي-عليه الصلاة والسلام- لم يقل هذا الكلام، ومنهم من يقول: إنه شبه وضع؛ لأنه غير مقصود، ومنهم من يمثل به للقلب بين الإسناد والمتن؛ لأن شريكًا يحدث، يسوق أحاديث، شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسوله الله -عليه الصلاة والسلام- ما فيه متن ما فيه متن إلى الآن، دخل ثابت بن موسى الزاهد هذا فقال شريك من أجل دخول ثابت، من أجل دخول ثابت، ثابت زاهد وعابد قال: من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، هذا ثابت ليس من أهل الحديث، فظن أن هذا حديث السند الذي تقدم؛ لأن شريكًا يقول: عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، دخل عليهم ثابت فقال شريك: من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، من أجل هذا الداخل هذا من تلقاء نفسه قال، وإن كان هذا يروى عن غيره، لكن هو من أجله، ما له علاقة بالخبر بالسند السابق، صار ثابت هذا لعدم علمه بالحديث يركب ذلك الإسناد بهذا المتن، فظن أنه متن لذلك الإسناد، فصار يسوقه على هذا الأساس، وليس من قوله- عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.....شريك..
لا، شريك أخطأ في عدم الفصل، شريك أخطأ في عدم الفصل، شريك ما له علاقة بالخبر إلا أنه جعل فرصة لمثل هذا المغفل أن يركب متنًا على مثل ذلك السند، وشريك ساق السند ليحدث به حديث غير هذا، فلما دخل ثابت رأى وجهه ما شاء الله كالشمس قال، فلما كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، هذا المغفل العابد ركب هذا المتن؛ ظنًّا أن هذا المتن لذلك الإسناد، صار يرويه على هذه الصفة.
طالب: يقول شبه.......
كيف؟
طالب:....بعضهم....
بعضهم قال: إن هذا من باب القلب، انقلب المتن الذي يريد سياقه شريك بهذا المتن.
"وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَدَسَّهُ قَوْمٌ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَلَى وَجْهِ الْغَلَطِ."
هذه قصته، دسه قوم، هذه قصة الحديث.
طالب: القصة صحيحة يا شيخ..
معروفة هي نعم.
طالب: هو لم يسمع يا شيخ..
أين؟
طالب: لم يسمع....
كيف هذه قصة شريك يحدث..؟
طالب: ........هذا شريك....
هو قال: حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي سفيان قال: قال رسول الله- عليه الصلاة والسلام- هو سمع شريكًا صار يروي عنه هذا الخبر.
طالب: أخرج ابن ماجه هذا الحديث..
أخرجه، لكن واهٍ.
طالب: ..... القصة بحالها، لكن المتصور أن طلبة العلم لم يسألوا ماذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم– بنفس المجلس.
دعهم، اتركنا من الحفاظ وطلاب العلم الذين لديهم علم بالحديث لن يمشي عليهم مثل هذا، لكن مشى على ثابت، هو مشى على ثابت، ثابت صار يرويه عن شريك..
طالب: شريك لم يكمل الحديث بالمجلس ..
افترض أنه أكمل ودخل المسجد بالصف وصلى، سمع هذه الجملة وتركهم، ما له علاقة بالحديث، ولا له شأن بالحديث، ولا جاء من أجل الحديث، هو رجل عابد.
"وَلَيْسَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فِيهِ ذِكْرٌ بِحَرْفٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِجِبَاهِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ."
لا شك أن الأصل أن الظاهر يدل على الباطن غالبًا، ولذا قالوا: إن الإمام مالك يقبل شهادة المتوسمين الذين سيماهم الصلاح لاسيما إذا تعذرت معرفة الخبرة الباطنة، أهل السفينة مروا ببلد ولا يعرفون، حصل بينهم مشكلة يقضى بينهم وهم لا يُعرفون، هذا على القول الذي يذكر عن الإمام مالك، والظاهر لا شك أنه عنوان الباطن، لكن قد يوجد النفاق، توجد التقية، توجد أشياء من بعض المسلمين، لذا والله هذا كثير –والله المستعان –.
"وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: صَلَّى صَبِيحَةَ".
أما ما يكون في الجبين من أثر وندب فهذا قد لا يستدل به على صلاح الشخص، وإن كان الناس يستدلون به؛ لأنه يوجد في عصاة بعضهم لا يصلي، ولذا سيأتي أن بعضهم جبينه يكون مثل ركبة العنز، ومع ذلك يكون منافقًا، فهذا ليس بدليل، وبعضهم يعالج هذا الجبين، –نسأل الله العافية-، يعالجه ببعض الأدوية؛ ليحصل له ما يحصل.
من الطرائف التي تذكر أن شخصًا ربط على جبينه فصًّا من الثوم، الثوم مؤثر جدًّا، وسريع التأثير.
المقصود أنه انتبه من نومه فإذا به على جنب، ليس على الجبهة، ليس بمتوسط مثل ما يكون في السجود، على جنب، فقيل له في ذلك فقال: {ومنهم من يعبد الله على حرف}، يعني على طرف –نسأل الله العافية- يعني يوجد من يفعل هذه الأمور، والنفاق له أبواب، وله طرق، والمنافقون لهم أساليب ووسائل يظهرون بها أمام الناس بالمظهر الحسن، ومخابرهم تختلف.
يعني إذا ذكر عن شخص أنه يسيل لعابه إذا ركع من أجل أن يُظن أنه دمع، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الخذلان، نسأل الله العافية، يعني إذا ذكر عن بعض الناس أنه يفعل هذا، فماذا بقي؟ ماذا بقي لله من العبادة إذا كانت تُؤدى على هذه الطريقة؟
نسأل الله الثبات.
طالب:.....أشرطة يقول إن الشيخ بالمحاضرة.... بكاء، بكاء خفيف، صار ..... يعني عبارات ....... المحاضرة لازم تصنع الأشياء التي كتبتها .........
أعوذ بالله تصنع.
طالب: يقول ...
لا، واحد يقرأ على واحد من شيوخنا الموجودين الآن، فبكى الشيخ، وعلق الطالب على نسخته وقال: بكى شيخ حتى ربصت لحيته، الطالب يكتب لا بأس، أما أن يكتب الشيخ فلا.
طالب: ...........
لا، لا لا يكتب أنه بكى، أعوذ بالله نسأل الله العافية.
طالب:.....من أثر السجود المقصود به هذه العلامة ..
لا، ما يلزم، الجبين.
طالب: الجبين...
نعم، الجبين مع الأنف.
" وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: صَلَّى صَبِيحَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَدْ وَكَفَ الْمَسْجِدَ وَكَانَ عَلَى عَرِيشٍ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مِنْ صَلَاتِهِ وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ بَيَاضٌ يَكُونُ فِي الْوَجْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ: «حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ».
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: يَكُونُ مَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ وُجُوهِهِمْ كَالْقَمَرِ ليلة البدر. وقال ابن عباس ومجاهد: السيماء فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ السَّمْتُ الْحَسَنُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أيضا: هو الخشوع والتواضع. قال مَنْصُورٌ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} أَهُوَ أَثَرٌ يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيِ الرَّجُلِ؟ قَالَ لَا، رُبَّمَا يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيِ الرَّجُلِ مِثْلُ رُكْبَةِ الْعَنْزِ وَهُوَ أَقْسَى قَلْبًا مِنَ الْحِجَارَةِ! وَلَكِنَّهُ نُورٌ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ الْخُشُوعِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ الْوَقَارُ وَالْبَهَاءُ. وَقَالَ شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: هُوَ صُفْرَةُ الْوَجْهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ. قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ مَرْضَى وَمَا هُمْ بِمَرْضَى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّدْبِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَلَكِنَّهُ الصُّفْرَةُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أصبحوا رؤي ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ»".
وهذا أيضًا من غفلة المفسر –رحمه الله تعالى- عدم علمه بالرواية وإلا فنسبه جازم به إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- مع أنه نقل عن ابن العربي قريبًا أن الحديث، الخبر لم يقله النبي– عليه الصلاة والسلام-.
"وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ آنِفًا. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ."
طالب: ....... {سيماهم في وجوهم من أثر السجود} ...السجود، ولا التابعين، والصحابة يفسرونها بأثر الصلاة في الليل، والله قال: أثر السجود.
من لازم القيام السجود، من لازمه السجود، ولا يمكن أن تتصور عبادة بسجود مفرد، في غير سجود التلاوة والشكر المراد به الصلاة.
طالب: ....................
ما فيه إشكال، الأصل من أثر الصلاة، وأثر الصلاة كما يكون في الوجه يكون في القدم، يكون في الركبة، يعني بعض البلدان مع الأسف التي تنتسب للإسلام، كانت راعية للإسلام، ثم انحرفت انحرافًا شديدًا، عندهم تفتيش دوري على ركب الضباط تأثرت من السجود أم ما تأثرت؟ غربة مستحكمة، نسأل الله العافية.
طالب: ......هم يقال المراد به الصلاة مثل .......
هو الكلام المراد الصلاة، لا يراد بالسجود فقط؛ لأن السجود وحده ليس بعبادة إلا في موضعين التلاوة والشكر، السجود مفرد، إنما يراد به الصلاة.
طالب: المقصود يا شيخ ....... السيما لا شك في السجود ...
لا، السيما، البدن يغطيه الثوب، ولم يبق إلا الوجه، قد يبين الأثر على القدمين، قد تتفطر قدماه، يبين عليه أثره، لكن الناس ما ينظرون إلى الأقدام، إنما النظر إلى الوجوه، وهذا ظاهر جدًّا، تجد العابد ممن ألوانهم سود، تجد عليه نور العبادة، ولا يلزم أن يكون أبيض، وتجد من ألوانهم بيض تجد القبح والتشويه من أثر المعصية، شؤم المعصية ظاهر في وجهه، هذا أمر محسوس.
طالب: ...............
هو من أجل التعليم، يراقب أبناءه وغيرهم، إذا كان المقصود به الشخص الذي يقتدى به يظهر شيئًا من عمله فهذا يؤجر عليه، يظهر شيئًا من عمله يؤجر عليه من أجل الاقتداء، وإلا فلا شك أن السر أقرب إلى الإخلاص، وهو الأصل.
" الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيل} قَالَ الْفَرَّاءُ: فِيهِ وَجْهَانِ، إِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْمَعْنَى ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَفِي الْإِنْجِيلِ أَيْضًا، كَمَثَلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى "الْإِنْجِيلِ" وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: تَمَامُ الكلام ذلك مثلهم في التوراة، ثم ابتدأ فَقَالَ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هُمَا مَثَلَانِ، أَحَدُهُمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْآخَرُ فِي الْإِنْجِيلِ، فَيُوقَفُ عَلَى هَذَا عَلَى "التَّوْراةِ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مَثَلٌ وَاحِدٌ، يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ صِفَتُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَلَا يُوقَفُ عَلَى "التَّوْراةِ" عَلَى هَذَا، وَيُوقَفُ عَلَى " الْإِنْجِيلِ". وَيَبْتَدِئُ {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} عَلَى مَعْنَى وهم كزرع. و"شَطْأَهُ" يَعْنِي فِرَاخَهُ وَأَوْلَادَهُ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ نَبْتٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا خَرَجَ مَا بَعْدَهُ فَقَدْ شَطَأَهُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: شَطْءُ الزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ فِرَاخُهُ، وَالْجَمْعُ أَشْطَاءٌ. وَقَدْ أَشْطَأَ الزَّرْعُ خَرَجَ شَطْؤُهُ. قَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ: " أَخْرَجَ شَطْأَهُ" أَيْ طَرَفَهُ. وَحَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَشْطَأَ الزَّرْعُ فَهُوَ مُشْطِئٌ إِذَا خَرَجَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أَخْرَجَ الشَّطْءُ عَلَى وَجْهِ الثَّرَى ... وَمِنَ الْأَشْجَارِ أَفْنَانُ الثَّمَرْ
الزَّجَّاجُ: أَخْرَجَ شَطْأَهُ أَيْ نَبَاتَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الشَّطْءَ شَوْكُ السُّنْبُلِ، وَالْعَرَبُ أَيْضًا تُسَمِّيهِ: السَّفَا، وَهُوَ شَوْكُ الْبُهْمَى، قَالَهُ قُطْرُبٌ."
أما تسمية السفا فما زالت موجودة، ما زالت مستعملة، هذا المثل الذي ذكره الله –جل وعلا- عن الصحابة -رضوان الله عليهم- في القرآن، وفي التوراة، وفي الإنجيل، ينبغي لطالب العلم أن يهتم به، ويهتم بغيره من الأمثال؛ لأن الأمثال من أعظم ما يُبحث؛ لأن الله –جل وعلا- قال: {وما يعقلها إلا العالمون}، والإنسان إذا تأمل في مثل وما عقله يراجع نفسه، عليه أن يراجع نفسه؛ لأن العلم له علامات، وله أمارات، ومنها معرفة الأمثال، وعقل الأمثال، وما يراد من وراء هذه الأمثال.
طالب: ..........
فيه الأمثال لابن القيم، وفيه رسالة تقع في ثلاثة مجلدات في الجامعة الإسلامية في أمثال القرآن، نعم.
وَقِيلَ: إِنَّهُ السُّنْبُلُ، فيخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، قاله الْفَرَّاءُ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ".
والسبع ينص عليها في القرآن، أنبت سبع سنابل، وهنا يقول: يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، وهو المنصوص عليه في القرآن سبع.
" وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ: "شَطَأَهُ" بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَأَسْكَنَ الْبَاقُونَ. وَقَرَأَ أَنَسٌ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَابْنُ وَثَّابٍ: " شَطَاهُ" مِثْلُ عَصَاهُ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: " شَطَهُ" بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ فِيهَا. وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، يَعْنِي أَنَّهُمْ يَكُونُونَ قَلِيلًا، ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- حِينَ بَدَأَ بِالدُّعَاءِ إِلَى دِينِهِ ضَعِيفًا، فَأَجَابَهُ الْوَاحِدُ بَعْدَ الْوَاحِدِ حَتَّى قَوِيَ أَمْرُهُ، كَالزَّرْعِ يَبْدُو بَعْدَ الْبَذْرِ ضَعِيفًا، فَيَقْوَى حَالًا بَعْدَ حَالٍ حَتَّى يَغْلُظَ نَبَاتُهُ وَأَفْرَاخُهُ. فَكَانَ هَذَا مِنْ أَصَحِّ مَثَلٍ وَأَقْوَى بَيَانٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَثَلُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فِي الْإِنْجِيلِ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ قَوْمٍ يَنْبُتُونَ نَبَاتَ الزَّرْعِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.
" فَآزَرَهُ" أَيْ قَوَّاهُ وَأَعَانَهُ وَشَدَّهُ، أَيْ قَوَّى الشَّطْءُ الزَّرْعَ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، أَيْ قَوَّى الزَّرْعُ الشَّطْءَ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: " آزَرَهُ" بِالْمَدِّ. وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ: " فَأَزَرَهُ" مَقْصُورَةٌ، مِثْلُ فَعَلَهُ. وَالْمَعْرُوفُ الْمَدُّ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بِمَحْنِيَةٍ قَدْ آزَرَ الضَّالَّ نَبْتُهَا ... مَجَرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيَّبِ
{فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ} عَلَى عُودِهِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ سَاقًا لَهُ. وَالسُّوقُ: جَمْعُ السَّاقِ. " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ" أَيْ يُعْجِبُ هَذَا الزَّرْعُ زُرَّاعَهُ. وَهُوَ مَثَلٌ كَمَا بَيَّنَّا، فَالزَّرْعُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وَالشَّطْءُ أَصْحَابُهُ، كَانُوا قَلِيلًا فَكَثُرُوا، وَضُعَفَاءَ فَقَوُوا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ. " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: فَعَلَ اللَّهُ هَذَا لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَأَصْحَابِهِ؛ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ."
لا شك أن العدو يغتاظ بما ينفع عدوه، بما ينتفع به عدوه، ويقوى به عدوه، ولا شك أنه يغتاظ؛ لأنه ضعف له، قوة العدو ضعف لخصمه، وهذا يغيظه، فكل من يغيظه أمر المسلمين ينطبق عليه هذا الوصف، وسيأتي الكلام في الذين يذمون الصحابة، ويسبون الصحابة، سيأتي مفصلًا، إن شاء الله، نعم.
" الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ وَعَدَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ أَعْمَالُهُمْ صالحة. {مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} أي ثوابًا لا ينقطع، وهو الجنة. وليست " مِنْ" فِي قَوْلِهِ: "مِنْهُمْ" مُبَعِّضَةٌ لِقَوْمٍ مِنَ الصحابة دون قوم، ولكنها عامة مُجَنِّسَةٌ".
لأنه في المناظرات التي تقام في القنوات تطرح مثل هذه الشبه { وعد الله الذين آمنوا} يقول: ليس كل الصحابة، إنما بعضهم، من تبعيضية، وهذا القائل المروج للباطل –نسأل الله العافية-، ومع الأسف يسمعه عوام، يصدقونه، بل يشكون في عدالة الصحابة من أجل هذه المناظرات، والموفق منهم من يسأل ويبين له، وإن بقيت الشبه عنده فالأمر عظيم، –نسأل الله العافية-، فهم يزعمون أن الصحابة بعده -عليه الصلاة والسلام- ارتدوا إلا نفرًا يسيرًا، بل صرح إمامهم ومقدمهم وقدوتهم الخميني بأن النبي –عليه الصلاة والسلام- فشل في دعوته؛ لأن الصحابة كلهم ارتدوا إلا نفرًا يسيرًا، والله –جل وعلا-، {ليغيظ بهم الكفار }، ولذلك كفرهم الإمام مالك بهذه الآية، كفرهم بهذه الآية، سيأتي مزيد في هذا.
طالب: ........
بيانية بلا شك.
"وليست "مِنْ" فِي قَوْلِهِ: " مِنْهُمْ" مُبَعِّضَةٌ لِقَوْمٍ مِنَ الصحابة دون قوم، ولكنها عامة مُجَنِّسَةٌ. مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} [الحج: 30] لَا يَقْصِدُ لِلتَّبْعِيضِ، لَكِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى الْجِنْسِ، أَيْ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوْثَانِ، إِذْ كَانَ الرِّجْسُ يَقَعُ مِنْ أَجْنَاسٍ شَتَّى، مِنْهَا الزِّنَى وَالرِّبَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْكَذِبِ، فَأَدْخَلَ " مِنْ" يُفِيدُ بِهَا الْجِنْسَ، وَكَذَا " مِنْهُمْ"، أَيْ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، يَعْنِي جِنْسَ الصَّحَابَةِ. وَيُقَالُ: أَنْفِقْ نَفَقَتَكَ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَيِ اجْعَلْ نَفَقَتَكَ هَذَا الْجِنْسَ. وَقَدْ يُخَصَّصُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بِوَعْدِ الْمَغْفِرَةِ تَفْضِيلًا لَهُمْ، وَإِنْ وَعَدَ اللَّهُ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَغْفِرَةَ".
هم داخلون في المغفرة العامة، جميع المؤمنين وهم أيضًا يخصصون بالمغفرة التي ذكرت في هذه الآية.
" وَفِي الْآيَةِ جَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ " مِنْ" مُؤَكِّدَةٌ لِلْكَلَامِ، وَالْمَعْنَى وَعَدَهُمُ اللَّهُ كُلَّهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا. فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِ الْعَرَبِيِّ: قَطَعْتُ مِنَ الثَّوْبِ قَمِيصًا، يُرِيدُ قَطَعْتُ الثَّوْبَ كُلَّهُ قَمِيصًا. وَ"مِنْ" لَمْ يُبَعِّضْ شَيْئًا. وَشَاهِدُ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ} [الاسراء: 82] مَعْنَاهُ: وَنُنَزِّلُ الْقُرْآنَ شِفَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهُ يَشْفِي، وَلَيْسَ الشِّفَاءُ مُخْتَصًّا بِهِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ".
قد تأتي من للتبعيض، وتأتي لبيان للجنس، ويدل على ذلك السياق، ومما اختلف فيه هذه الآية هل من بيانية، والقرآن كله شفاء أو تبعيضية؟ يعني منه ما هو شفاء يعالج به، ومنه ما هو أحكام، ومنه ما هو آداب، ومنه ما هو قصص، إلى غير ذلك، فالكلام لأهل العلم في هذا واضح.
لذا يخصصون بعض الآيات بالرقية، ويقول: لا يمكن أن يؤتى بمريض ويقرأ عليه سورة { تبت يد أبي لهب وتب }، ولا سورة { ويل لكل همزة لمزة}، وبعضهم سمعناهم من يفتي ويتصدر للإفتاء يقول: قراءة سورة البقرة كاملة على المريض لا يوجد ما يدل لها، وما فائدة المريض من آية الدين، ومن قصة البقرة وما أشبه ذلك؟
هذا بناء على أن من تبعيضية، لكن إذا تأملنا أيضًا أن ما قرئ على المرضى وثبتت به النصوص، يعني الفاتحة مثلاً ما علاقتها بالرقية؟ الفاتحة وهي رقية بالنص الصحيح ما علاقتها بالمرض، باللدغة هذه التي حصلت لسيد القوم؟
إذا تأملت وجدت أن ارتباطها .. نعم آيات السحر للمسحور، آيات كذا لكذا، هذا الارتباط واضح، لكن يبقى أن بعض ما يقرأ في الرقية مما جاء به الأثر بعضهم يقرأ: {سلام على نوح في العالمين} ويقول: إنها علاج، هل لأنها خاصة بنوح أو لأنها من القرآن، فيكون غيرها مثلها؟
المقصود أن مثل هذا محل خلاف بين أهل العلم، والمفسر مشى على أنها بيانية، والقرآن كله شفاء. ذكرنا أن شخصًا من طلاب العلم دُعي لرقية شخص عُرف بالفسوق، جاهر بمعصيته فقال: كيف نرقيه من أجل أن يعافى فيرجع إلى فسوقه؟ قال: احتسب الأجر وكذا. فذهب وقرأ عليه بعض الآيات فيها ذكر المعاصي التي يزاولها مع ما توعد الله به –جل وعلا- فاعل هذه المعاصي؛ {والذين لا يدعون مع إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون}، يكرر: ولا يزنون مرارًا وينفس، {ومن يفعل ذلك يلقى أثامًا يضاعف له العذاب} يكرر وينفس، هذه رقية أم دعوة؟
طالب: دعوة.
هذه دعوة ليست رقية، هذه دعوة، ليست رقية، على كل حال الرقاة لهم تجارب في هذا الباب، وابن القيم ممن يرى التخصيص، يرى التخصيص، أن المرض كذا يرقي له بكذا، والألم يكتب له كذا، الآية كذا وهكذا.
طالب: بالتجربة يا شيخ؟
بالتجربة نعم.
طالب: ......
زائدة يعني لو حذفتها ما صار شيء.
"عَلَى أَنَّ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ: " مِنْ" مُجَنِّسَةٌ، تَقْدِيرُهَا نُنَزِّلُ الشِّفَاءَ مِنْ جِنْسِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ جِهَةِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ الْقُرْآنِ. قَالَ زُهَيْرٌ:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تُكَلَّمِ، أَرَادَ مِنْ نَاحِيَةِ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ، أَمْ مِنْ مَنَازِلِهَا دِمْنَةٌ. وَقَالَ الْآخَرُ:
أَخُو رَغَائِبَ يُعْطِيهَا وَيَسْأَلُهَا ... يَأْبَى الظُّلَامَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزَّفَرُ"
يعني لا يظن مثل هذا الراقي الذي قرأ على ذلك العاصي في هذا الظرف، يعني في ظرف مرض، ونفسيته مريضة، وتقرأ عليه مثل هذه الآيات، لا يظن أن هذا مقر له، لكن هذا أنموذج مما حصل وإلا فالدعوة لها شأنها، ولها طرقها، ولها وسائلها، والاستشفاء بالقرآن أيضًا له طريقته.
طالب:. أدخلت تجارب في موضوع القرآن، ألا يدخل على الناس بعض يعني كأن يقرأ مثلاً عند الشدائد يس بكميات كثيرة، ويعتقد بذلك..
التخصيص بشيء لم يخصص به شرع هذا محل نظر، لكن ابن القيم نحل هذا المنحى، وجعل آيات تقرأ لكذا، وآيات تكتب لكذا، هو ليس بالمعصوم.
"فَـ" مِنْ" لَمْ تُبَعِّضْ شَيْئًا، إِذْ كَانَ الْمَقْصِدُ يَأْبَى الظُّلَامَةَ لِأَنَّهُ نَوْفَلٌ زَفَرٌ. وَالنَّوْفَلُ: الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ. وَالزَّفَرُ: حَامِلُ الْأَثْقَالِ وَالْمُؤَنِ عَنِ النَّاسِ.
الْخَامِسَةُ: رَوَى أَبُو عُرْوَةَ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَذَكَرُوا رَجُلًا يَنْتَقِصُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَقَرَأَ مَالِكٌ هذه الآية {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} حَتَّى بَلَغَ: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}. فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: لَقَدْ أَحْسَنَ مَالِكٌ فِي مَقَالَتِهِ، وَأَصَابَ فِي تَأْوِيلِهِ. فَمَنْ نَقَّصَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَبْطَلَ شَرَائِعَ الْمُسْلِمِينَ."
رد على الله رب العالمين الذي أثنى عليهم في مواضع من كتابه، وعلى لسان نبيه –عليه الصلاة والسلام-، وأبطل الشرائع إنما جاءتنا بواسطتهم، فإذا قدحنا فيهم، إذا قدحنا في الناقل قدحنا في المنقول.
طالب: فعل الإمام مالك هل يعد تعيين الرجل بالكفر...
قال: من أصبح يعني للجنس، ما قصد شخصًا.
" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار} الْآيَةَ. وَقَالَ: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ {إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ، وَالشَّهَادَةَ لَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالْفَلَاحِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَابِ: 23]. وَقَالَ: {لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانًا-إلَى قوله:- {أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} " [الحشر: 8]، ثم قال -عز من قائل-: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} - إِلَى قَوْلِهِ:- {فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ عِلْمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحَالِهِمْ وَمَآلِ أَمْرِهِمْ."
نعم، وأردف المهاجرين والأنصار بالذين جاؤوا من بعدهم، وحصر الفيء في هؤلاء، الذين من بعدهم وصفهم يبغضون السابقين أم يدعون لهم؟
طالب: ...........
يدعون لهم، فالذي يبغضهم لا نصيب له في الفيء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: {الذين جاؤوا الذين من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}.
"وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَقَالَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهُمْ وَلَا نَصِيفَهُ»، خَرَّجَهُمَا الْبُخَارِيُّ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مَا فِي الْأَرْضِ لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهُمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِهِ وَلَا نِصْفَ الْمُدِّ، فَالنَّصِيفُ هُوَ النِّصْفُ هُنَا. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْعُشْرِ عَشِيرٌ، وَلِلْخُمُسِ خَمِيسٌ، وَلِلتُّسُعِ تَسِيعٌ، وَلِلثُّمُنِ ثَمِينٌ، وَلِلسُّبُعِ سَبِيعٌ، وَلِلسُّدُسِ سَدِيسٌ، وَلِلرُّبُعِ رَبِيعٌ. وَلَمْ تَقُلِ الْعَرَبُ لِلثُّلُثِ ثَلِيثٌ. وَفِي الْبَزَّارِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا صَحِيحًا: «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا- فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابِي».
يعني الخواص، الخواص منهم هذا لا ينفي غيرهم.
"وَقَالَ: «فِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ» وَرَوَى عُوَيْمُر بْنُ سَاعِدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابِي، فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَخْتَانًا وأصهارًا، فمن سبهم فعليه لعنة اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا».
خُرِّج؟
طالب: ........
ما خرج الأحاديث؟
طالب: اكتفى بذكر البزار..
الذي بعده الثاني خُرِّج..
طالب: الطبراني والحاكم......
صح حكم عليه أم..
"وَالْأَحَادِيثُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، فَحَذَارِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ، كَمَا فَعَلَ مَنْ طَعَنَ فِي الدِّينِ فَقَالَ: إِنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فِي تَثْبِيتِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي جُمْلَةِ التَّنْزِيلِ إِلَّا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ضَعِيفٌ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ عَلَيْهَا، فَرِوَايَتُهُ مُطْرَحَةٌ. وَهَذَا رَدٌّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِبْطَالٌ لِمَا نَقَلَتْهُ لَنَا الصَّحَابَةُ مِنَ الْمِلَّةِ. فَإِنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرِ بْنِ عِيسَى الْجُهَنِيَّ مِمَّنْ رَوَى لَنَا الشَّرِيعَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا، فَهُوَ مِمَّنْ مَدَحَهُمُ اللَّهُ وَوَصَفَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَوَعَدَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا. فَمَنْ نَسَبَهُ أَوْ وَاحِدًا مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى كَذِبٍ فَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الشَّرِيعَةِ، مُبْطِلٌ لِلْقُرْآنِ طَاعِنٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-. وَمَتَى أُلْحِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ تَكْذِيبًا فَقَدْ سُبَّ؛ لِأَنَّهُ لَا عَارَ وَلَا عَيْبَ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ، وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مَنْ سَبَّ أَصْحَابَهُ، فَالْمُكَذِّبُ لِأَصْغَرِهِمْ- وَلَا صَغِيرَ فِيهِمْ- دَاخِلٌ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وَأَلْزَمَهَا كُلَّ مَنْ سَبَّ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِهِ، أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ هَارُونَ الرَّشِيدِ."
هذا الذي طعن في عقبة بن عامر طعن أيضًا في أبي بكرة راوي حديث «لن يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة» وقال: هذا مردود الرواية ومردود الشهادة؛ لأنه قاذف.
الصحابة الذين عدَّلهم الله –جل وعلا-، شهد لهم النبي –عليه الصلاة والسلام- بالخيرية على الناس كلهم، وحديثه مخرج في الصحيح، ولو كان فيه أدنى مطعن ما خُرج له في الصحيح، واتفقت الأمة أئمتها وخيارها وفضلاؤها وساداتها، كلهم على مدح الصحابة، وعدم القدح في واحد منهم لأمر يراد –والله أعلم-، يطعن في الصحابة من أجل إبطال ما جاؤوا به وما حملوا، ولذا تجدون أكثر من يتعرض للنقض أبو هريرة من الكفار وأبواق الكفار، من المستشرقين وأذناب المستشرقين يطعنون في أبي هريرة، لماذا؟
لأنه يحمل نصف الدين، فإذا أبطلوه، طعنوه فيه أبطلوا ما حمله من الدين، ولا تجد أحدًا يطعن في المقلين، يطعن في واحد يكفيه خمسة آلاف شخص من المقلين، إذا طعن في أبي هريرة ارتاح من نصف السنة، لكن من يطعن في آبي اللحم أو أبيض بن حمال أو غيرهما من المقلين؟ هذا يحتاج إلى عمر ليجمع من هؤلاء ما يعادل أبا هريرة، مما يدل على أن المراد ليس الطعن لذات الشخص، وإنما المراد الطعن فيما يحمل هذا الشخص وفيما يرويه هذا الشخص.
"وَعَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ هَارُونَ الرَّشِيدِ فَجَرَتْ مَسْأَلَةٌ تَنَازَعَهَا الْحُضُورُ، وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَرَفَعَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ، وَزَادَتِ الْمُدَافَعَةُ وَالْخِصَامُ حَتَّى قَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ: لَا يُقْبَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مُتَّهَمٌ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَصَرَّحُوا بِتَكْذِيبِهِ، وَرَأَيْتُ الرَّشِيدَ قَدْ نَحَا نَحْوَهُمْ، وَنَصَرَ قَوْلَهُمْ، فَقُلْتُ أَنَا: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وَأَبُو هُرَيْرَةَ صَحِيحُ النَّقْلِ صَدُوقٌ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَغَيْرِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ الرَّشِيدُ نَظَرَ مُغْضَبٍ، وَقُمْتُ مِنَ الْمَجْلِسِ فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى قِيلَ: صَاحِبُ الْبَرِيدِ بِالْبَابِ، فَدَخَلَ فَقَالَ لِي: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِجَابَةَ مَقْتُولٍ، وَتَحَنَّطْ وَتَكَفَّنْ! فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي دفعت عَنْ صَاحِبِ نَبِيِّكَ، وَأَجْلَلْتُ نَبِيَّكَ أَنْ يُطْعَنَ على أصحابه، فَسَلِّمْنِي مِنْهُ. فَأُدْخِلْتُ عَلَى الرَّشِيدِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ، حَاسِرٌ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، بِيَدِهِ السَّيْفُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ النِّطْعُ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي قَالَ لِي: يَا عُمَرُ بْنَ حَبِيبٍ، مَا تَلَقَّانِي أَحَدٌ مِنَ الرَّدِّ وَالدَّفْعِ لِقَوْلِي بِمِثْلِ مَا تَلَقَّيْتَنِي بِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الَّذِي قُلْتَهُ وَجَادَلْتَ عَنْهُ فِيهِ ازْدِرَاءٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَعَلَى مَا جَاءَ بِهِ، إِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ كَذَّابِينَ فَالشَّرِيعَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْفَرَائِضُ وَالْأَحْكَامُ فِي الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْحُدُودِ كُلُّهُ مَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: أَحْيَيْتَنِي يَا عُمَرُ بْنَ حَبِيبٍ أَحْيَاكَ اللَّهُ! وَأَمَرَ لِي بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: فَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ."
أبو هريرة دعا النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يحببه إلى الناس، ويحبب الناس إليه، فالمخلصون من هذه الأمة كلهم يحبون أبا هريرة، والناصحون من هذه الأمة كلهم يحبون أبا هريرة، وإلى أن مات– رضي الله عنه وأرضاه- وهو محبوب عند الناس، يحبهم ويحبونه؛ بسبب دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام-. وذكر الحافظ الذهبي وغيره أن قومًا في مجلس يتجاذبون أطراف الحديث، فوقع واحد منهم في أبي هريرة، فنزلت عليه حية من السقف فلدغته، فمات، وصححها الحافظ الذهبي، وكل من جاء بعده، فالأمر ليس بالسهل، انظر ماذا تقول، أنت لا تطعن في شخص، الشخص هذا الطعن يزيده رفعة عند الله -جل وعلا-، ويأخذ من حسناتك، ويعطيك من سيئاته، لكن إن كان فيما يحمله هذا الشخص من الدين الذي ما وصل إلى الأمة إلا بواسطته، فإذا طعنت فيه فأنت طاعن في الشريعة، نعم.
"قُلْتُ: فَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ. أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَصْفِيَاؤُهُ، وَخِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ. هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَئِمَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَدْ ذَهَبَتْ شِرْذِمَةٌ لَا مُبَالَاةَ بِهِمْ إِلَى أَنَّ حَالَ الصَّحَابَةِ كَحَالِ غَيْرِهِمْ، فَيَلْزَمُ الْبَحْثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ."
يعني المتفق عليه بين أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول، كلهم عدول، لا يُبحث في عدالة واحد منهم إذا ثبتت له الصحبة.
طالب:.......جاء حديث قال –عليه الصلاة والسلام-: «أمسكوا عن أصحابي .................... قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- أمسكوا....
لا تسبوا أصحابي..
طالب:...........أهل السنة ....
طالب:.....
ماذا؟
طالب: .......... «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا»..
أما حديث «أصحابي كالنجوم» فهذا باطل ليس صحيح، «أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم» هذا ليس بصحيح، وأما الإمساك عن ذكر الصحابة وعما شجر بين الصحابة فهذا مذهب أهل السنة والجماعة، لا نخوض فيما حصل بينهم، كلهم مجتهدون، وكل مجتهد له أجر، المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد.
" وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَالِهِمْ فِي بُدَاءَةِ الْأَمْرِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْعَدَالَةِ إِذْ ذَاكَ، ثُمَّ تَغَيَّرَتْ بِهِمُ الْأَحْوَالُ فَظَهَرَتْ فِيهِمُ الْحُرُوبُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ. وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَإِنَّ خِيَارَ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَاءَهُمْ كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- مِمَّنْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَزَكَّاهُمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَوَعَدَهُمُ الْجَنَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}. وَخَاصَّةً الْعَشَرَةَ الْمَقْطُوع لَهُمْ بِالْجَنَّةِ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ هُمُ الْقُدْوَةُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِكَثِيرٍ مِنَ الْفِتَنِ وَالْأُمُورِ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ بِإِخْبَارِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ. وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ مِنْ مَرْتَبَتِهِمْ وَفَضْلِهِمْ، إِذْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ."
ليس كل مجتهد مصيبًا، بل في المجتهدين من يخطئ كما دل عليه الحديث: إذا اجتهد المجتهد، اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، فإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، ليس كل مجتهد مصيبًا، لكن لكل مجتهد نصيب من الأجر سواء أصاب أو أخطأ، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
" وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ فِي سُورَةِ "الحجرات" مبينة إن شاء الله تعالى."
تم تفسير سورة الفتح، والحمد لله.
اللهم صل على محمد.
"