التعليق على تفسير القرطبي - سورة هود (12)
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85] أَيْ وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدْيَنَ، وَمَدْيَنُ هُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ. وَفِي تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ بَنُو مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَقِيلَ: مَدْيَنُ وَالْمُرَادُ بَنُو مَدْيَنَ. كَمَا يُقَالُ: مُضَرُ وَالْمُرَادُ بَنُو مُضَرَ. والثَّانِي: أَنَّهُ اسْمُ مَدِينَتِهِمْ، فَنُسِبُوا إِلَيْهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: لَا يَنْصَرِفُ مَدْيَنُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ مَدِينَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَعْرَافِ" هَذَا الْمَعْنَى وَزِيَادَةٌ.{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85] تَقَدَّمَ {وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: 85] كَانُوا مَعَ كُفْرِهِمْ أَهْلَ بَخْسٍ وَتَطْفِيفٍ، كَانُوا إِذَا جَاءَهُمُ الْبَائِعُ بِالطَّعَامِ أَخَذُوا بِكَيْلٍ زَائِدٍ، وَاسْتَوْفَوْا بِغَايَةِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَظَلَمُوا، وَإِنْ جَاءَهُمْ مُشْتَرٍ لِلطَّعَامِ بَاعُوهُ بِكَيْلٍ نَاقِصٍ، وَشَحُّوا لَهُ بِغَايَةِ مَا يَقْدِرُونَ، فَأُمِرُوا بِالْإِيمَانِ إِقْلَاعًا عَنِ الشِّرْكِ، وَبِالْوَفَاءِ نَهْيًا عَنِ التَّطْفِيفِ. إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ أَيْ فِي سَعَةٍ مِنَ الرِّزْقِ، وَكَثْرَةٍ مِنَ النِّعَمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ سِعْرُهُمْ رَخِيصًا".
مدين {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85] مثل ما ذكر المؤلف –رحمه الله-، قال عامة المفسرين: المراد بمدين أنهم بنوا مدين، أو نسبةٍ مدينتهم، والمدينة إنما سميت بهم، المدينة إنما سميت بهم، أخاهم شعيبًا أحد الأنبياء والرسل من المتقدمين، والخلاف جاء من بين أهل العلم في كونه صاحب موسى أو غيره. موسى {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 23]، لما ورد ماء مدين وجد من دونهم امرأتين تزودان، أبو هاتين المرأتين هل هو شعيب المذكور معنا، أو غيره؟ وهل اسمه شعيب أو لا؟ صهر موسى الذي زوج موسى -عليه السلام- ما اسمه؟
طالب:.........
قيل: شعيب، لكن هل هو شعيب صاحب مدين الذي معنا في القصة، الذي يقول: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89]؟ بين لوط وموسى -عليه السلام- مفاوز، بينهم مفاوز من حيث التاريخ، ولذا يرى أكثر العلم أنه غيره، ومنهم من يرى أنه هو، والمتقدمون لطول أعمارهم يمكن أن يدرك المتأخر المتقدم، لكن الأكثر على أن شعيبًا غير صاحب مدين، الذي هو صهر موسى -عليه السلام-.
قوم مدين أمة من الأمم اشتهرت مع كفرها بمعصية من المعاصي، وغلبت عليها، وهنا اشتهر قوم مدين بالتطفيف بالكيل، وبخس الموازين، فمَن شَرَكهم في هذا الوصف استحق هذه العقوبة، فليكن المسلم على حذر، وذكروا من صور التطفيف عدم الوفاء بما التزم به الإنسان، مما يأخذ عليه الأجر، فالموظف الذي يأخذ الأجرة كاملة على قدر من الزمان ولا يوفي بهذا القدر مطفف، ذكروا هذا من الصور، فليخشَ الإنسان ويتقي الله تعالى، ولاسيما طلبة العلم من التطفيف.
قد يطفف في بيته، وعلى أقرب الناس إليه، يعني في حقوقهم الواجبة، أما المستحبات فأمرها سهل. المقصود أن هذه المسألة تحتاج إلى مزيد عناية، وأن تكون على بال الإنسان؛ لأنهم استحقوا هذه العقوبة إضافة إلى كفرهم بالله -سبحانه وتعالى-، وتكذيبهم نبيهم، بتطفيفهم.
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
نعم يمكن أن يكون لزوجته عليه شيء ولا يوفيها إياه، وكذا لأولاده ولا يوفيهم.
كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف، كانوا إذا جاءهم بائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، وهذا شائع في أسواق المسلمين، تجد إذا اشتغل له رجح في الميزان، وزاد في الكيل، وإذا باع {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3]، وإذا وجد جزار يربط كفة الميزان بأصبعه، بأصبع رجله، إذا وضع قطعة من اللحم سحب هذا الحبل فرجحت، تفنن، يعني ما يكفيه أن يغش الزبون، فيعطيه الرديء، لا، يطفف ويبخس، وهذا للأسف الشديد موجود وظاهر في أسواق المسلمين، نسأل الله العافية، وهذا لبعدهم عن المنهج السوي، والله المستعان.
فأمروا بالإيمان إقلاعًا عن الشرك، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، كما أمروا بالوفاء والتمام في البيع والشراء نهيًا عن التطفيف، تنقص المكيال والميزان، فنهوا عن النقص.
"{وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84] وَصَفَ الْيَوْمَ بِالْإِحَاطَةِ، وَأَرَادَ وَصْفَ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْإِحَاطَةِ بِهِمْ، فَإِنَّ يَوْمَ الْعَذَابِ إِذَا أَحَاطَ بِهِمْ فَقَدْ أَحَاطَ الْعَذَابُ بِهِمْ".
يعني كل شيء جاء وقته فقد حان مجيئه، كل شيء جاء وقته، الوقت ظرف، الوقت ظرف والمراد ما فيه من خير أو شر، فإذا جاء هذا الظرف جاء بما فيه، إذا جاء يوم عرفة فمعناه بالنسبة للحاج ما يُفعل فيه، بالنسبة للمقيم أيضًا ما يفعل فيه من العبادات، وإلا فالأربع والعشرون ساعة يوم عرفة، هي الأربع وعشرون ساعة في يوم ثانٍ ما فيه فرق، إنما المقصود ما يفعل في هذا اليوم، وهكذا.
وَهُوَ كَقَوْلِكَ: يَوْمٌ شَدِيدٌ، أَيْ شَدِيدٌ حَرُّهُ. وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ، فَقِيلَ: هُوَ عَذَابُ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: غَلَاءُ السِّعْرِ، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:- «مَا أَظْهَرَ قَوْمٌ الْبَخْسَ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ إِلَّا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالْقَحْطِ وَالْغَلَاءِ». وَقَدْ تَقَدَّمَ.
في حديثٍ أطول من هذا السياق لابن ماجه وغيره، وهو حسن، وهو مناسب أيضًا معناه صحيح، وإن قدح به بعضهم: ما ظهرت الفاحشة في قول، وما ظهر الربا، ما أظهر قوم، أو «ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان، إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء»، معاملة لهم بنقيض قصدهم، أرادوا من البخس في المكيال والميزان توفير المال، فيبتليهم الله -سبحانه وتعالى- بالقحط والغلاء الذي يسحق هذه الأموال، ويقضي عليها، التي عصوا الله -سبحانه وتعالى- بها، وما عند الله لا ينال بسخطه، كما جاء في الخبر، ولا يحملنكم استعجال الرزق على أن تطلبوه بسخط الله، فإن ما عند الله لا ينال بسخط.
طالب:.........
ماذا؟
طالب:.........
الإعلان عن المعاصي مؤذن بخطر عظيم أيًّا كانت هذه المعاصي، محاربة لله علنًا، لكن إذا كان الذنب خفية خصص صاحبه بالعقوبة، فإذا أعلن عنها من غير نكير ابتلي الناس كلهم بالعقوبة؛ {واتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة} ، وفي آية الأعراف: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165]؛ لأنهم انقسموا فرقًا، منهم العصاة الذين ظلموا ومنهم الذين ينهونهم عن السوء، ومنهم قوم سكتوا، قال قوم: سكتوا فسكت عنهم، فالذين ظلموا أخذوا بعذاب بئيس، والذين نهوهم عن السوء نجوا، بقي الذين يرونهم على المعصية ويسكتون، قيل سكت عنهم، والقول الآخر وهو وجيه أنهم من الذين ظلموا؛ لأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظلم، فاستحقوا العذاب، كالمزاول للمعصية، فيعمهم العقاب، والشواهد تدل على ذلك.
فالمعصية إذا فعلت من غير نكير عمت العقوبة الصالح والطالح، والله المستعان.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [هود: 85] أَمَرَ بِالْإِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ نَهَى عَنِ التَّطْفِيفِ تَأْكِيدًا. وَالْإِيفَاءُ الْإِتْمَامُ. بِالْقِسْطِ أَيْ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَصِلَ كُلُّ ذِي نَصِيبٍ إِلَى نَصِيبِهِ، وَلَيْسَ يُرِيدُ إِيفَاءَ الْمِكْيَالِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: أَوْفُوا بِالْمِكْيَالِ وَبِالْمِيزَانِ، بَلْ أَرَادَ أَلَّا تُنْقِصُوا حَجْمَ الْمِكْيَالِ عَنِ الْمَعْهُودِ، وَكَذَا الصَّنَجَاتِ.
ليس المراد بالأمر {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ} [هود: 85] أن يزيدوا في الكيل والوزن عن القدر المطلوب، إنما المقصود العدل والقسط، لا تظلمون ولا تظلمون، نعم من زاد فهو فضل يستحق عليه الأجر، لكنه لا يؤمر بالزيادة، {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ} [هود: 85] ما قال: أوفوا بالمكيال وبالميزان، فهو أمرٌ بالقسط وأمرٌ بالعدل ليصل الحق إلى صاحبه. ويراد بذلك أن لا ينقص حجم المكيال المعهود، ولا العيار المعهود الذي يوضع في الميزان؛ لأن الكيلو مثلاً ألف جرام، لكن لو صنع واحد وزوَّر كيلو تسعمائة جرام، أو وضع صاعًا بدلًا من أن يأخذ قدرًا معينًا وضع أقل منه، وإذا رآه الناس يرجح في الميزان ويزيد الكيلو، يزيد في الكيل، لكنه باخس، باخس، وباخس بخفية. مثل الذي يتصرف في الدراهم والدنانير على ما سيأتي، فهل يستحق الذي يصنع الصاع الصغير، ويزعم أنه وافٍ، من الخارج حجمه مثل الصاع العادي، لكن في وسطه أشياء، هل يستحق مثل هذا القطع، باعتبار أنه يسرق المال بخفية، أو لا يستحق؟
الدراهم والدنانير -على ما سيأتي- الذي يسرقها، يقص منها مثل هذا جاء القطع فيه عن عمر وغيره، على ما سيأتي، فالذي يزور كيلو تسعمائة جرام بدلًا من ألف لا شك أنه في حكم السارق، خائن، وإذا زور الصاع فبدلاً من أن يكون الصاع كيلوجرامين وزيادة ربع أو نصف إلى ثلاثة كما قال بعضهم، جعله كيلوجرامين إلا، ثم يزيد أيضًا؛ ليكسب خاطر الزبون، ولا يشكك، أو يجعل الكيلو تسعمائة جرام ويزيده عشرين جرامًا، ثلاثين جرامًا ، لا شك أن هذه خيانة، هذا هو التطفيف بعينه، ما يلزم أن يكون الصاع صاع الناس، ثم ما يأخذ ماله، انتبه له الزبون، يعني إذا كانت هذة خيانة فهي مكشوفة، ينتبه لها الزبون، لكن الإشكال الخيانة التي لا يمكن كشفها، ولذا كانت عقوبة السرقة، وهي أخذ المال الخفية، أشد من عقوبة النهبة مثلاً.
طالب:.........
نعم؟
طالب:.........
الورع ترك هذه الزيادة لا شك، لكن الناس تعارفوا أن هؤلاء العمال مسموح لهم من قبل أرباب المال، لكن الورع تركه أو سؤالهم: هل يسمح رب المال؟
"{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [هود: 85] أَيْ لَا تُنْقِصُوهُمْ مِمَّا اسْتَحَقُّوهُ شَيْئًا.{وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85] بَيَّنَ أَنَّ الْخِيَانَةَ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ مُبَالَغَةٌ فِي الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ مَضَى فِي "الْأَعْرَافِ" زِيَادَةٌ لِهَذَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} [هود: 86] أَيْ مَا يُبْقِيهِ اللَّهُ لَكُمْ".
مثل الخيانة في المكيال والميزان الخيانة في سائر المعاصي، الخيانة في الأعراض فساد في الأرض، الخيانة في الأموال في أي صورة كانت فساد في الأرض، والعاصي مفسد، العاصي عمومًا مفسد في الأرض، وبقدر معصيته وجرمه يكون أيضًا حجم فساده في الأرض.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} [هود: 86] أَيْ مَا يُبْقِيهِ اللَّهُ لَكُمْ بَعْدَ إِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْقِسْطِ أَكْثَرُ بَرَكَةً، وَأَحْمَدُ عَاقِبَةً مِمَّا تُبْقُونَهُ أَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ فَضْلِ التَّطْفِيفِ بِالتَّجَبُّرِ وَالظُّلْمِ، قَالَ مَعْنَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَغَيْرُهُ".
نعم {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} [هود: 86]، الربح اليسير إذا كان مباركًا أفضل بكثير من الربح الكثير إذا محقت بركته؛ لأن المال مهما كانت كثرته إذا كان غير مبارك، لا شك أنه لا يلبث أن يفنى، بينما المال القليل المبارك يبقى لصاحبه، وينتفع به صاحبه، على كافة وجوه الانتفاع والشواهد والأحوال والواقع يشهد بذلك، تجد الموظف الصغير يعيش عيشة طيبة، وإن كانت عائلته كبيرة، بينما موظف كبير يطفف في دوامه، وفي تعامله مع الناس مثل هذا لن يبارك له، دائمًا محتاج، ويوجد في بعض الدوائر الحكومية الفراش يقرض المدير، يقسط عليه ويدينه، في كثير من هذا.
والعقوبات تأتي صور، لها صور، وأعرف شخصًا توفي -رحمه الله تعالى- من أهل العلم والخير والفضل، ولديه مرتب كبير، يعني يكفي عوائل، عائلته صغيرة جدًّا، ويستدين كل سنة قدر خمسمائة ألف، يقول: البركة إذا نزلت وحلت يكون الشيء القليل بسببها كثيرًا، ومثل البركة في العمل، البركة في العمر، كثير من الناس يستنكر إذا قيل: فلان يختم القرآن كل يوم، يقول: أبدًا ما هو بصحيح، فلان يصلي مائة ركعة باليوم، هذا فاضٍ، بدل ما تحاسب، وتقول: غير صحيح تحسبه تجد، فجربه تجد، لكن يقول هذا الذي ما جرب.
الإمام أحمد يصلي ثلاثمائة ركعة، يقول واحد من طلبة العلم" المبالغات ما لها لازمة، هو ما جرب، الإمام أحمد يصلي ثلاثمائة ركعة، عثمان -رضي الله عنه- ثبت عنه أنه يقرأ القرآن بليلة، بركعة، هذا ما يشك فيه أحد، يعني ثابت عن عثمان، لكن الذي ما جرب كل شيء ثقيل عليه، العمر إذا بارك الله فيه فحدث ولا حرج، من الخير والفضل المتعدي واللازم، يعني إذا كان يوجد بين الناس اليوم من يختم القرآن، ويزور المستشفيات، ويزور المقابر، وعنده دروس، ويصل رحمه، ويؤدي عمله على الوجه المطلوب، نتصور مثل هذا؟ كثير من الناس يقول: هذا غير معقول؛ لأنه اعتاد أن يصلى العصر، ولا يدخل إلا الساعة اثنين يذهب للاستراحة أو شيء، ما عمل شيئًا، كل وقته هذا هباء منثور، الإنسان إذا صلى الفرائض فبها ونعمت، كم أمضى هذا من ساعة، أضاع نصف اليوم، لكن هناك فائدة؟
يعني إن وجد شيء فخفيف، لكن الذين يضبطون أنفسهم وأوقاتهم يجدون، وجرب تجد، اجلس وافتح القرآن أو افتح كتابًا تجد البركة، أما واحد ليس بجالس يقول: أين البركة؟ والله المستعان.
"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ}[هود: 86] يُرِيدُ طَاعَتَهُ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: وَصِيَّةُ اللَّهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُرَاقَبَةُ اللَّهِ. وقال ابْنُ زَيْدٍ: رَحْمَةُ اللَّهِ. وقال قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: حَظُّكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رِزْقُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ. {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [هود: 86] شَرَطَ هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعْرِفُونَ صِحَّةَ هَذَا إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ".
لكن الذي ليس بمؤمن، الذي لا يؤمن بالله تستطيع أن تقول له: بقية الله خير لك؟! ما يفيد، لكن المؤمن الحق بالله -سبحانه وتعالى- إذا ذكِّر بمثل هذا الكلام تذكر.
"وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ فَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [هود: 86] أَيْ رَقِيبٍ أَرْقُبُكُمْ عِنْدَ كَيْلِكُمْ وَوَزْنِكُمْ، أَيْ لَا يُمْكِنُنِي شُهُودُ كُلِّ مُعَامَلَةٍ تَصْدُرُ مِنْكُمْ حَتَّى أُؤَاخِذُكُمْ بِإِيفَاءِ الْحَقِّ. وَقِيلَ: أَيْ لَا يَتَهَيَّأُ لِي أَنْ أَحْفَظَكُمْ مِنْ إِزَالَةِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِمَعَاصِيكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَواتُكَ} [هود: 87] وَقُرِئَ: {أَصَلَاتُكَ}، مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ. {تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود: 87] أَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَوْضِعُهَا خَفْضٌ عَلَى إِضْمَارِ الْبَاءِ".
أي تأمرك بأن نترك، تأمرك بأن نترك.
"وَرُوِيَ أَنَّ شُعَيْبًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ، مُوَاظِبًا عَلَى الْعِبَادَةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا وَيَقُولُ: الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ عَيَّرُوهُ بِمَا رَأَوْهُ يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ فَقَالُوا مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الصَّلَاةَ هُنَا بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ، قَالَهُ سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، أَيْ قِرَاءَتُكَ تَأْمُرُكَ، وَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ".
الصلاة هنا بمعنى القرأة، كما جاء بتسمية الفاتحة في الحديث الصحيح الصلاة «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» المراد الفاتحة، كان -عليه السلام- مواظبًا على العبادة، فرضها ونفلها، هو نبي رسول، ما يستغرب، ويقول لهم: {الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، نعم جاء في شرعنا ما يدل على ذلك. لكن قد يقول قائل: الناس كلهم يصلون الآن والحمد لله، كلهم يصلون، والفواحش والمنكرات على أشدها، {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، لكن ما المراد بالصلاة، الصلاة التي تؤدى على الوجه المشروع، يعني شروطها وأركانها وسننها وأدبها، خالصةً لله –عز وجل-، فإذا أديت على الوجه المشروع ترتبت عليها آثارها، فنهت عن الفحشاء والمنكر.
ولذا يقول شيخ الإسلام– رحمه الله-، قد يقول قائل في حديث: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات»، إذا كُفرت الصلوات الخمس فماذا يبقى للجمعة؟ ماذا يبقى لرمضان؟ يمكن أن يصلي الصلوات الخمس، ويصلي الجمعة، ويصوم رمضان، ولا يُكفر من ذنوبه شيء؛ لأن المراد بالصلاة التي تُكفر، ورمضان الذي يُكفر، والجمعة التي تُكفر الصلوات المقبولة، التي ترتبت عليها آثارها، وثبت أجرها، وليس المقصود به الصلاة المسقطة للطلب، الذي لا يؤمر صاحبها بعادتها، فالشخص الذي ينصرف من صلاته ليس له إلا عشرها، هذه تكفر من ذنوبه شيئًا؟
إن كفرت نفسها فبركة، إن أسقطت الطلب فنعمة، فضلاً عن كونها يترتب عليها آثار الحسنات الماحية.
فلما أمرهم ونهاهم عيروه بأنه يستمر على كثرة الصلاة، واستهزءوا به، ولكل قومٍ وارث، يوجد الآن من بين المسلمين من يعير بالصلاة، من يعير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا كثير، هذا واقع، قوم صلوا، شركة صلوا، هذا موجود بين أبناء المسلمين، من المؤسف أنه يوجد من كبار السن، قد يوجد من عجائز، من عجائز يوجد.
مرة كنا طالعين من منتجع، منتجع الرياض هذا الذي عند الحائر هناك، أخذنا وجنبنا من أهل البلد من عجائز وطبول وأغانٍ وما أدري أيش، راح واحد ينبههم، وأول ما بدأ العجائز، يا قوم صلوا، يا شركات صلوا، اتركونا نحن طالعون، أمر خطير يعني، يعني هذا الذي يقول هذا الكلام ما يصلي، نجزم أنه يصلي، لكن ما الصلاة التي على هذا واقع المسلم؟ أين يصلي؟ هل مثل هذه الصلاة تكفر الذنوب، أو تنهي عن الفحشاء والمنكر؟
فلا يستشكل كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كون الصلاة مكفارات والذنوب تزيد، ومع ذلك فضل الله واسع، والمسلم يرجى له الخير إن لم يرتكب ما يخرجه عن دينه، والله المستعان.
طالب:.........
هذا هو الاستهزاء بعينه، إن لم ترجع فهي على خطر عظيم.
"{أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87] زَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ التَّقْدِيرَ: أَوْ تَنْهَانَا أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ " أَوْ أَنْ تَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا تَشَاءُ" بِالتَّاءِ فِي الْفِعْلَيْنِ، وَالْمَعْنَى: مَا تَشَاءُ أَنْتَ يَا شُعَيْبُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ:" أَوْ أَنْ" عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى "أَنْ" الْأُولَى. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مِمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ حَذْفُ الدَّرَاهِمِ. وَقِيلَ: مَعْنَى. {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87] إِذَا تَرَاضَيْنَا فِيمَا بَيْنَنَا بِالْبَخْسِ فَلِمَ تَمْنَعَنَا مِنْهُ؟ !".
مثل الذي يقول: أنا حر، تنهاه عن المنكر، يقول: أنا حر، كلام مطابق أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء، نحن أحرار بأموالنا، أحرار بأنفسنا، لا، لست بحر، أنت عبد، ولست بحر، شئت أم أبيت، عبد لله إن أطعته وأمتثلت أوامره واجتنبت نواهيه، وأسير للشهوة ولشياطين الإنس والجن، يعني لا مفر من العبودية أبدًا، يقول: إذا تراضينا فيما بيننا بالبخس فلمَ تمنعنا منه؟ بعض الناس يقول: أبدًا، الرضا سيد الأحكام، إذا رضوا خلاص، يرضون بالظلم، يرضون بالغش، يرضون بالربا، يعني ما هو مبرر، الرضا شرط لصحة العقد، لكن ليس هو كل الشروط.
"{إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}[هود: 87] يَعْنُونَ عِنْدَ نَفْسِكَ بِزَعْمِكَ. وَمِثْلُهُ فِي صِفَةِ أَبِي جَهْلٍ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]".
يعني تبكيت، تبكيت له، جيء له بطعام يقول لقومه: تزقموا، يستهزئ، يسخر، فإذا قيل له: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، هذا الزقوم، أسلوب تبكيت، هناك ينكشف الغطاء، ويعرف ما الذي تحته، فرسًا أم حمارًا، يرى الحقيقة والواقع، المسألة كلام، هو لا يؤمن بهذا الكلام يقول ما يشاء، والله المستعان.
"أَيْ عِنْدَ نَفْسِكَ بِزَعْمِكَ. وَقِيلَ: قَالُوهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْحَبَشِيِّ: أَبُو الْبَيْضَاءِ، وَلِلْأَبْيَضِ أَبُو الْجَوْنِ".
يعني أبو السوداء، يعني من باب الاستهزاء، يقولون للأسود: خذ يا أبا البيضاء، هات يا أبا البيضاء، هذه السخرية، وللأبيض أبا الجون، يعني أبا السوداء، ولا نظن أن الأبيض هو المقبول في كل بلد وفي كل سكن، عيروا الأبيض في بعض الجهات، عيروه، عيروه بالجون، صحيح، عادات الناس وأعرافهم وما ألفوه وشاهدوه لها دور في تسيير الذوق، الله المستعان.
"وَمِنْهُ قَوْلُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ لِأَبِي جَهْلٍ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْعَرَبُ تَصِفُ الشَّيْءَ بِضِدِّهِ لِلتَّطَيُّرِ وَالتَّفَاؤُلِ، كَمَا قِيلَ لِلَّدِيغِ سَلِيمٌ، وَلِلْفَلَاةِ مَفَازَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ تَعْرِيضٌ أَرَادُوا بِهِ السَّبَّ، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَيَدُلُّ مَا قَبْلَهُ عَلَى صِحَّتِهِ، أَيْ إِنَّكَ أَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ حَقًّا".
نعم تكون هذه أوصافه، هو حليم رشيد حقًّا، كما أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمين، حليم، وكريم، حتى عند الأعداء يشهدون لذلك، ويشهدون لشعيب بأنه الحليم الرشيد حقًّا، لكن يقولون: أين حلمك؟ أين رشدك وأنت تأمر هذه الأوامر؟
"فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا! وَيَدُلُّ عَلَيْهِ. {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود: 87] أَنْكَرُوا لَمَّا رَأَوْا مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَأَنَّهُ حَلِيمٌ رَشِيدٌ بِأَنْ يَكُونَ يَأْمُرُهُمْ بِتَرْكِ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ، وَبَعْدَهُ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} [هود: 88] أَيْ أَفَلَا أَنْهَاكُمْ عَنِ الضَّلَالِ؟! وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوهُ: عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ اعْتِقَادُهُمْ فِيهِ. وَيُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْيَهُودُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهُمْ: (يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ) فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ8 مَا عَلِمْنَاكَ جَهُولًا!".
ليس من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وإنما هو من قول المسلمين لهم، على ما تقدم، الجزء السادس، يقولون: يا محمد ما علمانك جهولاً، يعني لو تسمع شخصًا تلفظ بألفاظ ليست من ألفاظه، وإن كانت في نفسها حقًّا، لكن ما اعتاد الناس أن يسمعوا منه مثل هذا الكلام، فهي بالنسبة له جهل، يسمى جهلًا، إذا خاض في بعض ما يخوض فيه من دونه في العلم والعقل والرشد، وكلمات مبتذلة وإن كانت في حقهم صدقًا، لكن مثل هذا يكون بالنسبة لهذا الرجل جهلًا، على ما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، يعني بعض الناس بركة إذا حضر الصلاة وأدرك منها ما أدرك، لو ما أدرك إلا التشهد، وبعض الناس إذا فاته ركعة تلومه، وبعض الناس لو تجده في طرف الصف تلومه، فهم متفاوتون.
"مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ مِمَّا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَعُذِّبُوا لِأَجْلِهِ قَطْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، كَانُوا يَقْرِضُونَ مِنْ أَطْرَافِ الصِّحَاحِ لِتَفْضُلَ لَهُمُ الْقِرَاضَةُ، وَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ عَلَى الصِّحَاحِ عَدًّا، وَعَلَى الْمَقْرُوضَةِ وَزْنًا".
ما يأخذون إلا وزنًا؛ لأنها ناقصة، والصحيح يأخذونه عدًّا.
"وَكَانُوا يَبْخَسُونَ فِي الْوَزْنِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: كَانُوا يَكْسِرُونَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، وَكَذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرِهِمَا، وَكَسْرُهُمَا ذَنْبٌ عَظِيمٌ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُكْسَرَ سَكَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَأْسٍ»".
هذا مخرج في سنن أبو داود وابن ماجه، لكنه ضعيف، إسناده ضعيف، في إسناده شخص مقل من الرواية، اسمه محمد بن فضاء، وأبوه فضاء أيضًا مجهول، لا يدرى من هو، المقصود أن السند ضعيف.
"فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ صِحَاحًا قَامَ مَعْنَاهَا، وَظَهَرَتْ فَائِدَتُهَا".
إلا من بأس هذه نهاية الخبر.
"وَإِذَا كُسِرَتْ صَارَتْ سِلْعَةً، وَبَطَلَتْ مِنْهَا الْفَائِدَةُ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ، وَلِذَلِكَ حُرم".
حَرُمَ.
"ولذلك حَرُمَ".
يعني صار حرامًا أو حرم لا بأس.
"وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48] أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْسِرُونَ الدَّرَاهِمَ، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ".
إذا كان كسر الدراهم والبخس منها بهذه المثابة، فكيف بتزويرها، تزويرها أشد، هذا الذي يسبب الاضطراب في أسواق الناس، وعدم الثقة بعملاتهم، والدراهم والدنانير يعني لها وجود؛ لأنها قيم، سواء كانت مصكوكة أو غير مصكوكة، يعني الدرهم والدينار إذا انكسر ما يضيع، لكن مثل هذه القراطيس إذا تخلخلت أو زورت فما لها قيمة إطلاقًا، لا قيمة لها إطلاقًا، يعني الخمسمائة إذا عرف أنها مزورة لا تساوي أربعمائة، وثلاثمائة وخمسين، إنما الدينار إذا انكسر منه شيء ينقص من قيمته الشيء يسير. وهذا يبين قيمة هذه الدنيا، وهذه الحياة، يعني ورقة زرقاء وأخرى مثلها مطابقة لها من كل وجه، هذه لها قيمة، وهذه لا قيمة لها، يبين لك أن الدنيا كلها هباء، لا تستحق شيئًا، التي تسير الناس هذه الأوراق توجد بينهما الإحن والحزازات والبغضاء والتقاطع، بل القتل يوجد بينهم من أجل هذه التي هي في الحقيقة لا شيء.
نعم إنما وجدت لتسيير هذه الحياة، فالحياة لا تسير من دونها، لابد من الاحتياج إلى ما بيد الغير، ولا يمكن الوصول إليه إلا بهذه، فلا تقوم الحياة إلا به، لكن إذا عرفنا حقيقة الحال هانت علينا الدنيا بأسرها، فالتاجر الكبير الذي يملك المليارات، وهو حجوب عن الأكل، ما يأكل، يعني عنده مليارات لو يأكل كل يوم مليونًا ما انتهت، وتجده ما يأكل إلا نصف خبزة قيمتها قرش، وقطعة جبنة حافة مثل ذلك، وله أرصده يمكن أن يموت وما شافها ولا يدري أين هي، فما قيمة هذه الدنيا؟ لكن إن استعملها في طاعة الله فنعم المال الصالح للرجل الصالح، إن حبسها ومنع الواجب فيها فالويل له، وإن كسبها من غير وجهها فيا بُئسه، ويا ويله، والله المستعان.
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
على هذا الدرس؟ كلام على الناس بالباطل. الله المستعان.
طالب:.........
هو الذي فعلها أولاً؟
طالب:.........
نعم، الله المستعان.
"قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ:ِ زَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَصْبَغُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جُنَادَةَ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْعُتَقِيِّ"..
الأولى مرفوعة والبقية مجرورات.
"مَنْ كَسَرَهَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اعْتَذَرَ بِالْجَهَالَةِ لَمْ يُعْذَرْ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَوْضِعِ عُذْرٍ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا قَوْلُهُ: لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَلِأَنَّهُ أَتَى كَبِيرَةً، وَالْكَبَائِرُ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ دُونَ الصَّغَائِرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ بِالْجَهَالَةِ فِي هَذَا فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ بَيِّنٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ الْعُذْرُ إِذَا ظَهَرَ الصِّدْقُ فِيهِ، أَوْ خَفِيَ وَجْهُ الصِّدْقِ فِيهِ، وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَ بِهِ مِنَ الْعَبْدِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ هَذَا مَعْصِيَةً وَفَسَادًا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَمَرَّ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِرَجُلٍ قَدْ جُلِدَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ رَجُلٌ: يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: هَذَا مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلَمْ يُنْكِرْ جَلْدَهُ، وَنَحْوُهُ عَنْ سُفْيَانَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النّجِيبِيُّ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ وَقَدْ شُهِدَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ وَحَلَقَهُ، وَأمرَ فَطِيفَ بِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يُرَدَّ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَقْطَعَ يَدَكَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ".
يعني ما أخبرت من قبل عن حكم هذه المسألة، لكن إن كان يراه حدًّا فالحد لا يلزم العلم به، يكفي أن يعرف الحكم، وأن هذا محرم، ولا يلزم أن يعرف الحد المرتب على هذا الحكم، لو جاء شخص يقول: سرقت، تعرف أن السرقة حرام؟ يعرف أن السرقة حرام، يقال: تقطع يده، لكن لو قال: ما أعرف أن السرقة محرمة، في مكان يتصور أن يجهل مثله هذا الحكم، فما يقطع، ففرق بين معرفة الحكم، ومعرفة الأثر المترتب على الحكم، والحد المرتب عليه.
طالب:.........
نعم؛ لأنه يقول: ما يمنع أن أقطع يدك إلا أني ما تقدمت في ذلك قبل اليوم، يعني هذا اجتهاده بأنه موجب للقطع؛ لأنه كما اختلفوا في جحد العارية مثلاً، كونه من حرز، أو من غير حرز، كونه خفية، كونه علانية.
طالب:.........
أين؟
طالب:.........
نعم، لا يشك أنه آثم وأنه فعل محرم، انظر كلام ابن العربي.
"قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا أَدَبُهُ بِالسَّوْطِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَأَمَّا حَلْقُهُ فَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ، وَقَدْ كُنْتُ أَيَّامَ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَضْرِبُ وَأَحْلِقُ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ يَرَى شَعْرَهُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَطَرِيقًا إِلَى التَّجَمُّلِ بِهِ فِي الْفَسَادِ".
نعم مثل هؤلاء الذين يضايقون النساء، ينبغي أن تشوه أشكالهم، بأي وسيلة، المقصود أن تشوه أشكالهم؛ من أجل أنهم يستعملون هذا الجمال الذي آتاهم الله إياه في معاصي الله، ولذا كانوا يحلقون، كانوا يسودون، وهكذا.
"وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ طَرِيقٍ لِلْمَعْصِيَةِ أَنْ يُقْطَعَ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْبَدَنِ".
إذا كانت معصية سيارة، سيارة فارهة وجميلة تفتن الناس مثلاً؛ لأن الناس فتنتهم المظاهر اليوم، لو جاء عامل وسواق أسرة، لكن معه السيارة الفارهة، ويوقفها يمكن يجد فيها من يركب، فتنة بهذه السيارة، فإذا رأى الإمام ولي الأمر أن مثل هؤلاء لا يرتدعون إلا بمصادرة هذه السيارة فليفعل؛ لأن هذه ما استعملت في طاعة الله، وليس من شكر النعمة أن تستعمل في هذه الأبواب، والله المستعان.
الآن توجد دبابات تسرع، موجودة شديدة تمشي بسرعة، حتى الشرطة ما يمسكونها أبدًا، يعني مثل هذا الذي يورد هذه الدبابة لو اشتراها هل يستحق عقوبة؟ والله يستحق أغلظ العقوبات، يعني هذا التعاون على الإثم والعدوان، ما معنى التعاون؟ فالواحد يمشي بسرعة مائة وأربعين على الدائري، يجيء واحد ثانٍ كأنه لاصق فيه، ويسير ما بينه وبين الردمية إلا القليل، فلو انقطع إطار السيارة قدام الناس، فماذا يصير؟
طالب:.........
لا شك أن هذا هو الإفساد في الأرض، إن لم يكن هذا من أظهر وجود الفساد فلا فساد، هذا الذي يروع الآمنين، ومثله التفحيط وأبوابه، فالسيارات التي بمئات الألوف تستعمل بأيدي هؤلاء السفهاء، هؤلاء الجناة على أنفسهم وعلى غيرهم، هؤلاء مثل قطاع الطريق، يعني ترويع الآمنين هذا هو، تمشي في الطريق، فيأتيك واحد من اليمين، وواحد من اليسار، ما تشعر إلا وهم بوجهك، هذا ترويع الآمنين، ما معنى ترويع الآمنين؟
مثل هؤلاء على ولي الأمر أن يضرب بيدٍ في غاية القوة، يسمونها يدًا من حديد، لكن أين الحديد؟ الله المستعان، ولا يعجزهم مثل هذا أبدًا، ما يعجزهم إذا أرادوه فالأمر سهل، والله المستعان.
"وَأَمَّا قَطْعُ يَدِهِ فَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ عُمَرُ مِنْ فَصْلِ السَّرِقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ كَسْرِهَا، فَإِنَّ الْكَسْرَ إِفْسَادُ الْوَصْفِ، وَالْقَرْضَ تَنْقِيصٌ لِلْقَدْرِ، فَهُوَ أَخْذُ مَالٍ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِفَاءِ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ الْحِرْزُ أَصْلًا فِي الْقَطْعِ؟
قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ يَرَى أَنَّ تَهْيِئَتَهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلْقِ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا حِرْزٌ لَهَا، وَحِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ، وَقَدْ أَنْفَذَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي قَطْعِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ خَوَاتِيمُ اللَّهِ عَلَيْهَا اسْمُهُ، وَلَوْ قُطِعَ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَنْ كَسَرَ خَاتَمًا لِلَّهِ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، أَوْ مَنْ كَسَرَ خَاتَمَ سُلْطَانٍ عَلَيْهِ اسْمُهُ أُدِّبَ، وَخَاتَمُ اللَّهِ تُقْضَى بِهِ الْحَوَائِجُ فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْعُقُوبَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَرَى أَنْ يُقْطَعَ فِي قَرْضِهَا دُونَ كَسْرِهَا، وَقَدْ كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ أَيَّامَ تَوْلِيَتِي الْحُكْمَ، إِلَّا أَنِّي كُنْتُ مَحْفُوفًا بِالْجُهَّالِ، فَلَمْ أَجْبُنْ بِسَبَبِ الْمَقَالِ لِلْحَسَدَةِ الضُّلَّالِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ يَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ فَلْيَفْعَلْهُ احْتِسَابًا لِلَّهِ تَعَالَى".
ما معنى هذا الكلام؟ لم أجبن.
طالب:.........
لا، هو يقطع، كنت أفعل ذلك أيام توليتي.
طالب:.........
لأني كنت محفوفًا بالجهال، ينتقدونه، جهال ينتقدونه، فلم أجبن يعني هذا الفعل مع وجودهم، ولم ألتفت إلى مقالهم، وإن كانوا حسدة ضلالًا، لكن القطع حقيقةً إن يكن تعذيرًا فإنه محل نظر. مثل الصائغ، صائغ الذهب الذي يعطى المادة المكسرة من الذهب؛ ليصنعها صناعة جديدة، يعطى لا يوزن عليه، لا في البداية ولا في النهاية، ما يقال له: خذ هذا الذهب مائة جرام، ولا يوزن عليه إذا صاغه، كثير منهم قد يبخس؛ لأنه ما فيه ما يثبت أن وزنه مائة، فيأخذ منها عشرة، عشرين، وإذا صيغت ما تدري، يعني شكلها أكثر مما تعطيه إياه.
طالب:.........
من هذا الباب، إلا أن هذا مفسدته خاصة، وذلك مفسدة عامة، الذي يفسد الدارهم والدنانير مفسدته عامة؛ لأنها تتداول من يد ليد، والله المستعان.
طالب:.........
التزوير شأنه عظيم.
طالب:.........
سجن سنة.
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
أمور المسلمين مضطربة الآن.
طالب:.........
الله المستعان.
طالب:.........
ما تمشي.
طالب:.........
ما يزور؟
طالب:.........
الحرز معتبر.
طالب:.........
ما يتصور الحرز في المزور.
طالب:.........
من زور شهادة، وصار طبيبًا يعالج الناس بما لا يضرهم.
طالب:.........
ما صار تعزيرًا هذا.
طالب:.........
يعني يمكن المماثلة بالجلد.
طالب:.........
التعزير بالقتل؟
طالب:.........
لا لا.
طالب:.........
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [هود: 28] تَقَدَّمَ. {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} [هود: 88] أَيْ وَاسِعًا حَلَالًا، وَكَانَ شُعَيْبٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَثِيرَ الْمَالِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْهُدَى وَالتَّوْفِيقَ وَالْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، أَيْ أَفَلَا أَنْهَاكُمْ عَنِ الضَّلَالِ! وَقِيلَ: الْمَعْنَى {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [هود: 88] أَتَّبِعُ الضُّلَّالَ؟
وَقِيلَ: الْمَعْنَى {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [هود: 88]، أَتَأْمُرُونَنِي بِالْعِصْيَانِ فِي الْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ، وَقَدْ أَغْنَانِي اللَّهُ عَنْهُ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ "أُرِيدُ".
واقع شعيب -عليه السلام- برهان عملي، على أن الرزق سببه الامتثال، نهاهم عن التطفيف، نهاهم عن النقص، ومع ذلك رزقه الله رزقًا حسنًا، فليس التطفيف هو الذي يجلب الرزق، حتى في الواقع، في واقعهم هم، يستدل بهم، أو يستدل عليهم بنفسه، أنا رزقني الله رزقًا حسنًا، ومع ذلك لا أطفف ولا أنقص المكيال ولا الميزان.
"{إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] أَيْ لَيْسَ أَنْهَاكُمْ عَنْ شَيْءٍ وَأَرْتَكِبُهُ، كَمَا لَا أَتْرُكُ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ".
من أراد أن يقتدى به فلينتهِ عما ينهى عنه، وليأتمر بما يأمر به، ما يأمر الناس بشيء ولا يفعله، أو ينهاهم عن شيء ويرتكبه، الأمر والنهي بالقدوة، ولا يقول: عندكم علمي، وعليكم العمل، نعم ليس المفترض، أو ليس المتصور في الآمر والناهي أن يكون معصومًا، ولا يشترط فيه أن لا يأمر ولا ينهي إلا إذا اجتنب، لا، هو مأمور بالأمر والنهي، ومأمور أيضًا بالاجتناب، فعليه أن يأمر وينهى، وعليه أن يجتنب، فإذا ترك الأمر والنهي عصى، وإذا ترك الاجتناب عصى، تلك معصية، وتلك معصية، لكن يعلم أنه لا يقتدى به، إذا كان يريد الثمرة التي يرجوها من وراء أمره ونهيه، أن يكون له مثل أجور من أمرهم أو نهاهم؛ لأنه دلهم على خير، فليكن أول من يأتمر، وأول من يكف عن المنهي عنه.
وليس معنى هذا أنه يشترط في الآمر والناهي أن لا يتلبس بشيء من المعاصي، وليس معنى هذا أيضًا أنه يبالغ في مثل هذا الباب، فيطالب أن يأمر وينهى وهو ملتبس بالمعصية فيأمر وينهى حال ارتكابه المعصية.
يعني لو افترضنا أن اثنين على كرسي الحلاق، والحلاق يشتغل باللحية، يلتفت واحد للثاني يقول: لا تحلق له اللحية؛ لأن حلق اللحية حرام؟ حال مزاولته المعصية، يعني إذا قال أهل العلم: العصمة ما هي مطلوبة، وقد يأمر وينهي، وقد يجب الأمر والنهي ممن هو مرتكب لبعض المحرمات، لكن ليس أثناء مزاولة المعصية.
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
المقصود إذا فهم من الأمر والنهي الاستخفاف والسخرية زاد، وإلا فما معنى أن شخصًا يحلق اللحية ويقول: اتقِ الله؟ ولا نبالغ مبالغة الأشعرية في انفكاك الجهة، يقولون: عندك أوامر وعندك نواهٍ، افعل ما شئت منها لك أجر، اترك ما شئت منها لك أجره، أو أفعل ما شئت من الأوامر والنواهي فلك أجر هذا ووزر هذا، الجهات منفكة، ولذا يطالبون الزاني بغض بصره عن المزني بها، أنت مأمور بغض البصر ومأمور بترك الزنا، لكن أنت ما تركت الزنا، لكن الثاني يغض بصره، يعني إذا فهمنا من الأمر والنهي الاستهزاء فهذا أقرب ما يكون من الاستهزاء، حلاق شغال يحلق لحية وهو يقول: اتقِ الله ما معنى كلامه؟ هذه السخرية، الله المستعان، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].
طالب:.........
بلا شك، ومع ذلك يعترف بالتقصير، بالتقصير بارتكاب المحرم، وبالتقصير في ترك الأمر بالمعروف، وهذا أسلم له من كل وجه.
طالب:.........
لا، هو يريد أن يقرر أن الآمر والناهي ليس المفترض فيه أنه معصوم، فقد يأمر وينهى من هو مرتكب للمعصية، فهذا شيء لك أجر الأمر والنهي، وعليك وزره، نعم من ابتلي بشيء، وجاهد نفسه على تركه ولم يستطع، يقول مثلاً: والله أنا حاولت، لكن ما قدرت، لكن أنت يا أخي.
مثل شخص أنا سمعته في برنامج، يحذر الناس من الدخان، قال: وأنت؟ قال: أنا عجزت، لكن الذي يبغي نصيحتي ما يدخن، كنت إذا كح، يذكر عن نفسه، إذا كح يكح دمًا، يقول: الدم الآن طبيعي مع النفس، فأحذر الناس من الدخان، طب أنت اترك الدخان، يقول: ما أقدر، ويحتج بهذا، ويمكن أن يحاول أحيانًا يصدع رأسه، ثم يجد أنه مكره ومضطر إلى شربه، فيظن أن هذا يعذر، يكون عذرًا أنه ما استطاع، فليس بعذر حقيقة، لكن مع ذلك مثل هذا أمره أخف، حينما يقول أنه حاول وما استطاع، وصل إلى هذا الحد، وهو صادق في نصيحته، ما نقول: إنه مستهزئ، قرائن الأحوال تدل على أنه صادق، يعني من أعماق القلب ينصح الناس، ما نقوله: لا، لا ينصح، ولكن العكس مجرد مشاهدته وسمع خبره نصيحة، مثل هذا، نسأل الله العافية، فرق بين حال وحال، والله المستعان.
"{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88] أَيْ مَا أُرِيدُ إِلَّا فِعْلَ الصَّلَاحِ، أَيْ أَنْ تُصْلِحُوا دُنْيَاكُمْ بِالْعَدْلِ، وَآخِرَتَكُمْ بِالْعِبَادَةِ، وَقَالَ: "مَا اسْتَطَعْتُ"؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مِنْ شُرُوطِ الْفِعْلِ دُونَ الْإِرَادَةِ. وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ إِنْ أُرِيدَ إِلَّا الْإِصْلَاحَ جَهْدِي وَاسْتِطَاعَتِي، وَمَا تَوْفِيقِي" أَيْ رُشْدِي، وَالتَّوْفِيقُ الرُّشْدُ "إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ" أَيِ اعْتَمَدْتُ، "وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" أَيْ أَرْجِعُ فِيمَا يَنْزِلُ بِي مِنْ جَمِيعِ النَّوَائِبِ. وَقِيلَ: إِلَيْهِ أَرْجِعُ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْإِنَابَةَ الدُّعَاءُ، وَمَعْنَاهُ وَلَهُ أَدْعُو". طالب:.........
نعم.
طالب:.........
ما فيه شك أن الاستطاعة شرط لكل فعل، لكن هل المراد الاستطاعة المقارنة للفعل أم المتقدمة عليه؟
الذي عند أهل السنة أن الاستطاعة تكون متقدمة على الفعل وليست مقارنة للفعل، أما من يشترط الاستطاعة أثناء الفعل ماذا يلزم عليه؟
طالب:.........
أنك ما تفعل شيئًا أثناء العمل؛ لأنك لا تدري أتستطيع الفعل أو لا، هذا الفرق.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} [هود: 89] وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّاب: ٍ" نُجْرِمَنَّكُمْ". "شِقَاقي" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. "أَنْ يُصِيبَكُمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ مُعَادَاتِي عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ فَيُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ الْكُفَّارَ قَبْلَكُمْ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: لَا يُكْسِبَنَّكُمْ شِقَاقِي إِصَابَتَكُمُ الْعَذَابَ، كَمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى يِجْرِمَنَّكُمْ فِي (الْمَائِدَةِ)".
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [المائدة: 2] يعني لا يحملنكم بغض هؤلاء القوم على عدم العدل، فالعدل مطلوب مع الموافق ومع المخالف، مع الحبيب ومع المبغض.
"وَ"الشِّقَاقُ" في البقرة، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْعَدَاوَةِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
أَلَا مَنْ مُبْلِغٍ عَنِّي رَسُولًا فَكَيْفَ وَجَدْتُمْ طَعْمَ الشِّقَاقِ؟"
طعم العداوة، كيف وجدتم طعمها وآثارها.
"وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِضْرَارِي. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِرَاقِي".
ما معنى إضراري؟
طالب: إلحاق ضرر.
إلحاق ضرر بي، يعني إلحاقكم الضرر بي، لا يحملنكم هذا أن يصيبكم العذاب، لا شك أن من يؤذي النبي مستحق للعذاب، أشد الناس عذابًا من قتل نبيًّا، أو قتله نبي، لكن ما يذكر عن شعيب -عليه السلام- أنه كان أعمى، أعمى البصر، وهذا يذكرونه في المفاضلة بين السمع والبصر، السمع أهم من البصر، قالوا: في الأنبياء من هو أعمى، وليس فيهم من هو أصم، هل يمكن أن يأتي مثل هذا في قول الحسن؟
طالب:.........
ماذا؟
طالب:.........
أعمى البصر في قول جمع من أهل العلم، ما هو من الأمور المنقولة في شرعنا، لكن هكذا يذكرون، ويذكرونها في مسألة المفاضلة بين السمع والبصر.
طالب:.........
نعم؟
طالب:.........
ما له معنى.
"{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ".
بهذا يستدل من يقول بأن شعيبًا صاحب مدين هنا غير صاحب مدين الذي هو صهر موسى- عليه السلام-؛ لأنه قال: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89] يعني عهدكم منهم قريب، وإذا كان المراد بها العهد من حيث الزمان فموسى بعيد عن قوم لوط.
"وَقِيلَ: وَمَا دِيَارُ قَوْمِ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، أَيْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ، فَلِذَلِكَ وحد".
وحَّد.
"فلذلك وَحَّدَ الْبَعِيدَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَيْ دُورُهُمْ فِي دُورِكُمْ".
لو كان المراد نفس القوم قوم لوط منكم ببعيد، هذا مراده ببعيدين مثلاً؟ هذا مراده؟ هنا ما وحد بعيد؛ لأن المراد دياره، مكانهم بعيد، ليس مكانهم ببعيد، وليس المراد القوم أنفسهم، ولذا وحد بعيد، لكن فعيل تلزم حالًا واحدًا، زي البعيد، هند بعيد، الزيدان بعيد، الزيدون بعيد وهكذا، و{رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الأعراف: 56]، ما قال قريبةٌ، ابن القيم –رحمه الله- له كلام طويل على الآية في بدائع القرآن.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52] تَقَدَّمَ {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90] اسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فِي كِتَابِ "الْأَسْنَى فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى". قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَدِدْتُ الرَّجُلَ أَوُدُّهُ وُدًّا لإذا أحببتُه".
إذا أحببتَه.
"إِذَا أَحْبَبْتُهُ، وَالْوَدُودُ الْمُحِبُّ، وَالْوَدُّ وَالْوِدُّ وَالْوُدُّ وَالْمَوَدَّةُ الْمَحَبَّةُ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ شُعَيْبًا قَالَ: «ذَاكَ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ»".
هذا يروى عن ابن عباس مرفوعًا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ضعيف، حديث ابن جويبر وغيره ومقاتل.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91] أَيْ مَا نَفْهَمُ؛ لِأَنَّكَ تَحْمِلُنَا عَلَى أُمُورٍ غَائِبَةٍ مِنَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَتَعِظُنَا بِمَا لَا عَهْدَ لَنَا بِمِثْلِهِ. وَقِيلَ: قَالُوا ذَلِكَ إِعْرَاضًا عَنْ سَمَاعِهِ، وَاحْتِقَارًا لِكَلَامِهِ، يُقَالُ: فَقِهَ يَفْقَهُ إِذَا فَهِمَ فِقْهًا، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: فَقُهَ فَقَهًا وَفِقْهًا إِذَا صَارَ فَقِيهًا.
{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} [هود: 91] قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مُصَابًا بِبَصَرِهِ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: كَانَ ضَعِيفَ الْبَصَرِ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ، وَحَكَى عَنْهُ النَّحَّاسُ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ حِمْيَرَ تَقُولُ لِلْأَعْمَى: ضَعِيفًا، أَيْ قَدْ ضَعُفَ بِذَهَابِ بَصَرِهِ، كَمَا يُقَالُ لَهُ: ضَرِيرٌ، أَيْ قَدْ ضُرَّ بِذَهَابِ بَصَرِهِ، كَمَا يُقَالُ لَهُ: مَكْفُوفٌ، أَيْ قَدْ كُفَّ عَنِ النَّظَرِ بِذَهَابِ بَصَرِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ مَهِينٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى ضَعِيفُ الْبَدَنِ، حَكَاهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَحِيدًا لَيْسَ لَكَ جُنْدٌ وَأَعْوَانٌ تَقْدِرُ بِهَا عَلَى مُخَالَفَتِنَا. وَقِيلَ: قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَسِيَاسَةِ أَهْلِهَا، وَ "ضَعِيفًا" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ".
المعلق يقول: ليس شعيب الرسول -عليه السلام- ضريرًا؛ لأن هذا الوصف نافٍ للعصمة، مما يقدح، وإنما شعيب الضرير هو صاحب موسى، وليس بنبي، وبينهما ثلاثمائة سنة.
طالب:.........
العمى ينافي العصمة؟
طالب:.........
الآن الخليفة يمكن أن يكون أعمى؟
طالب:.........
لكن الجمهور يشترطون أن يكون سليم الأطراف الحواس، والرسول -عليه السلام- استخلف ابن أم مكتوم على المدينة، فليس في العمى نقص، والواقع يشهد بأن الأعمى في كثير من الحالات أكثر من غيره، ولذا يختلفون في أيهما أفضل: إمامة الأعمى أم إمامة المبصر؟
طالب: المبصر إذا استويا.
نعم، ولكن إذا قلنا الأعمى ضابط لصلاته، وما ينشغل بشيء، وهذا وجه من رجحه وإن كان الأكثر على ترجيح المبصر.
"وَلَوْلَا رَهْطُكَ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَرَهْطُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِمْ وَيَتَقَوَّى بِهِمْ، وَمِنْهُ الرَّاهِطَاءُ لِجُحْرِ الْيَرْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَثَّقُ بِهِ وَيَخْبَأُ فِيهِ وَلَدَهُ".
الجربوع جحره له أكثر من فتحة، ومنه النافقة التي ينفق منها ويخرج، ويكون له واحد واضح، فتحة ظاهرة وأخرى عليها طبقة رقيقة من التراب، فإذا احتاجها كانت مخرج طوارئ، يسمونها النافقة، هي مغطاة ما يدري بها أحد.
"وَمَعْنَى لَرَجَمْنَاكَ لَقَتَلْنَاكَ بِالرَّجْمِ، وَكَانُوا إِذَا قَتَلُوا إِنْسَانًا رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَكَانَ رَهْطُهُ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى لَرَجَمْنَاكَ لَشَتَمْنَاكَ، وَمِنْهُ قَوْل الْجَعْدِيِّ:
تَرَاجَمْنَا بِمُرِّ الْقَوْلِ حَتَّى نَصِيرَ كَأَنَّنَا فَرَسَا رِهَانِ |
وَالرَّجْمُ أَيْضًا اللَّعْنُ، وَمِنْهُ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ. {وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: 91] أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِغَالِبٍ وَلَا قَاهِرٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي} [هود: 92] أَرَهْطِي رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْمَعْنَى أَرَهْطِي فِي قُلُوبِكُمْ {أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ}[هود: 92] وَأَعْظَمُ وَأَجَلُّ وَهُوَ يَمْلِكُكُمْ، {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود: 92] أَيِ اتَّخَذْتُمْ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ظِهْرِيًّا، أَيْ جَعَلْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَامْتَنَعْتُمْ مِنْ قَتْلِي مَخَافَةَ قَوْمِي يُقَالُ: جَعَلْتُ أَمْرَهُ بِظَهْرٍ إِذَا قَصَّرْتُ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى فِي "الْبَقَرَة".
{إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} [هود: 92] أَيْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ. مُحِيطٌ" أَيْ عَلِيمٌ. وَقِيلَ: حَفِيظٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [هود: 93] تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَنْعَامِ"، {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} [هود: 93] أَيْ يُهْلِكُهُ. وَ"مَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، مِثْلَ "يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ "وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ" عَطْفٌ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: أَيْ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ كَاذِبٌ مِنَّا. وَقِيلَ: فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، تَقْدِيرُهُ: وَيُخْزِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ. وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ فَسَيُعْلَمُ كَذِبَهُ، وَيَذُوقُ وَبَالَ أَمْرِهِ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا جَاءُوا بِـ "هُوَ" فِي وَ "مَنْ هُوَ كَاذِبٌ"؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: مَنْ قَائِمٌ، إِنَّمَا يَقُولُونَ: مَنْ قَامَ، وَمَنْ يَقُومُ، وَمَنِ الْقَائِمُ، فَزَادُوا هُوَ لِيَكُونَ جُمْلَةً تَقُومُ مَقَامَ فَعَلَ وَيَفْعَلُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا قَوْلُهُ:
مَنْ رَسُولِي إِلَى الثُّرَيَا بِأَنِّي ضِقْتُ ذَرْعًا بِهَجْرِهَا وَالْكِتَابِ |
{وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} [هود: 93] أَيِ انْتَظِرُوا الْعَذَابَ وَالسَّخْطَةَ، فَإِنِّي مُنْتَظِرٌ النَّصْرَ وَالرَّحْمَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} قِيلَ: صَاحَ بِهِمْ جِبْرِيلُ صَيْحَةً فَخَرَجَتْ أَرْوَاحُهُمْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، {نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 94] أَيْ صَيْحَةُ جِبْرِيلَ. وَأَنَّثَ الْفِعْلَ عَلَى لَفْظِ الصَّيْحَةِ، وَقَالَ فِي قِصَّةِ صَالِحٍ: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 94] فذُكِر".
فذكَّر.
"فَذَكَّرَ عَلَى مَعْنَى الصِّيَاحِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَهْلَكَ اللَّهُ أُمَّتَيْنِ بِعَذَابٍ وَاحِدٍ إِلَّا قَوْمَ صَالِحٍ وَقَوْمَ شُعَيْبٍ، أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالصَّيْحَةِ، غَيْرَ أَنَّ قَوْمَ صَالِحٍ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مِنْ تَحْتِهِمْ، وَقَوْمَ شُعَيْبٍ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مِنْ فَوْقِهِمْ. {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود: 94 95] تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنَ السُّلَمِيَّ قَرَأَ "كَمَا بَعُدَتْ ثَمُودُ" بِضَمِّ الْعَيْنِ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ إِنَّمَا يُقَالُ بَعِدَ يَبْعَدُ بَعَدًا وَبُعْدًا إِذَا هَلَكَ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: مَنْ ضَمَّ الْعَيْنَ مِنْ "بَعُدَتْ" فَهِيَ لُغَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمَصْدَرُهَا الْبُعْدُ، وَبَعِدَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ خَاصَّةً، يُقَالُ: بَعِدَ يَبْعَدُ بَعَدًا، فَالْبَعَدُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ بِمَعْنَى اللَّعْنَةِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعْنَى اللُّغَتَيْنِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَعْنَى، فَيَكُونُ مِمَّا جَاءَ مَصْدَرُهُ عَلَى غَيْرِ لَفْظِهِ؛ لِتَقَارُبِ الْمَعَانِي".
"