بلوغ المرام - كتاب البيوع (25)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادةً في حسناتكم)) يقول: رواه الدارقطني، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، رواه الدارقطني يعني من حديث معاذ بن جبل، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، فهو شاهد لحديث معاذ وابن ماجه، يعني ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة شاهد ثاني لحديث معاذ، يقول الحافظ: وكلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضاً، والله أعلم.
هذه الأحاديث الثلاثة أو حديث معاذ وشاهديه لا شك أنها بالنظر إلى مفرداتها، لا تخلو من ضعف، لكنها باعتبار المجموع، فمن يحسن بالطرق، وهو المعروف عند أهل العلم إلا من ندر، يحكمون على هذا النوع من الحديث الذي مفرداته ضعيفة وبمجموعها تتقوى، يقولون: هو الحديث الحسن لغيره.
يقول الحافظ: "وكلها ضعيفة، ولكن قد يقوي بعضها بعضاً" لأن قد هذه للتقليل وليست للتحقيق؛ لأنها دخلت على المضارع، فالأصل فيها إذا دخلت على المضارع صارت للتقليل، فهل هذه قاعدة مطردة؟ يعني الأحاديث الضعيفة إذا كانت الأحاديث كلها بمفرداتها ضعيفة قد يتقوى بعضها ببعض؟ أو يتقوى بعضها ببعض؟ أما إذا كان الضعف ليس بشديد، وتعددت الطرق يتقوى بعضها ببعض، لكن إذا كان الضعف شديداً فإنها لا تتقوى وقد تتقوى، كما قرر ذلك بعض العلماء كالسيوطي ونحوه؛ لأنه لما ذكر شديد الضعف ومجيئه من طرق متعددة قال:
................................... |
| وربما يكون كالذي بُدِيْ |
يعني أنه يكون كالحسن لغيره، المجتمع من أحاديث ضعيفة ضعفها ليس بشديد.
وهنا الضعف قابل للتقوية، فالحديث هنا حسن لغيره؛ لأنه له شواهد وله طرق يقوي بعضها بعضاً، أما قول الحافظ يفيد أنه يشك في وصوله إلى مرتبة الحسن لغيره؛ لأنه قال: قد يقوي بعضها بعضاً، والعادة أنه يحكم بمثل هذا، ويجزم به، لكن إذا كان الضعف غير شديد، أما إذا كان الضعف شديداً فإن الأكثر من أهل العلم أن وجود الطرق لمثله في الضعف في شدة الضعف فإنه لا يستفيد منها، وتبقى ضعيفة.
على كل حال الحديث هذا المتجه كونه حسناً لغيره ((إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم)) إن الله تصدق عليكم، الأصل في المال أنه لله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] وإنما المتصدق إنما هو سبب ووسيلة لوصول مال الله إلى هذا السائل أو هذا المعطى.
فأنت مجرد سبب ووسيط في هذا المال، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسمٌ والله المعطي)) فهذا الغني الذي بيده الأموال هي مال الله، وليست من ماله، وتصدق الله على هذا الذي بيده المال بثلث ماله عند وفاته يوصي به، يوصي به زيادة في حسناته، مما ينفق من هذا المال من وجوه البر، أما الوصية والوقف الذي لا يتحقق منه الهدف الشرعي فإنه لا يكون فيه زيادة في الحسنات، بل قد يكون وبالاً على صاحبه، فبعض الناس يوقف، وتكون غلة الوقف على جهةٍ لا يتحقق فيها الهدف الشرعي، إما جهة مباحة، أو تزاول بعض المنكرات، كثيرٌ من الأثرياء يوقفون الأموال الطائلة، ومع ذلك لا يجنون من ورائها حسنات كما في هذا الحديث، بل يجنون من ورائها الآثام، نسأل الله السلامة والعافية.
فمن وقف سوقاً تجارياً، وجعل غلته في مصارف الخير، وهذا السوق يباع فيه ما حرم الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنا وجدنا من هذا النوع شيء كثير؛ لأنه لما يكون المال كثيراً تكون الإحاطة به ومراقبته عسيرة، وإذا أراد الإنسان كما يقولون ويبررون ويعللون أن تكون التجارات صافية خالية مائة بالمائة فمعناه ينزوي في بيته ولا يعمل شيء، وهذا تيئيس من الأعمال المباحة، نعم وقف غلته ثلاثون مليون ريال في السنة وقف، هذه الثلاثون المليون تصرف في وجوه البر، لكن هي مجموعة من أسواق تجارية يباع فيها ما يباح وما يحرم، مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي، أو يكون وقف يبنى –يشيد- والعمال يشتغلون وقت الصلاة، الناس يصلون والعمال يشتغلون، هذا تناقض هذا، يعني هذا وقف يراد منه الثواب من الله -جل وعلا-، زيادة في الحسنات كما في الحديث، ومع ذلك تترك الصلاة، وتؤخر الصلاة من أجله.
فشيخ الإسلام -رحمة الله عليه- يقول: إذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي فإنه لا يصح أن يسمى وقف، فضلاً عن كونه يضاد ويناقض ويعارض الهدف الشرعي من الوقف، هناك أوقاف ووصايا تكون سبباً لقطيعة الرحم فهل من المصلحة أن تستمر مع استمرار هذا الوصف؟ أو من المصلحة أن تباع ويقطع دابرها، ويلتئم الناس حولها، وتقسم وتوزع وينتهي إشكالاتها، بعض القضاة يستروح لمثل هذا، لا سيما إذا عجز عن الإصلاح بين هؤلاء الورثة، فلا شك أن نية الواقف الخير -إن شاء الله تعالى-، لكن ما يدري ما وراء هذا الخير؟ فمن وقف وقفاً داراً أو عمارة تؤجر عليه أن يتحرى في المستأجرين، وأن لا يمكنهم من أن يزاولوا ما حرم الله -جل وعلا- في هذه الدار التي يرجو ثوابها، وثواب غلتها، أو الأسواق أو الدكاكين أو غير ذلك مما ينتفع به، لا بد أن تكون المنفعة مباحة؛ لأنه في الحديث يقول: ((زيادةً في حسناتكم)) فالهدف الشرعي من الوقف والوصية التقرب إلى الله -جل وعلا-، وبهذا يستدل من يبطل الوقف الذري على الذرية، يوقف بيته على أولاده، ما الذي يحققه الوقف من الهدف؟ يحققه ألا يبيع الأولاد البيت، يضمن لهم بقاء البيت، أما كونه يأثم أو يؤجر هذا ليس قصداً له، لا يريد بذلك الثواب من الله -جل وعلا-، وإنما يريد أن يبقى أولاده في هذا البيت، لا يخرجون ولا يُخرجون، فمنهم من يصحح مثل هذا الوقف، ومنهم من يقول: هذا ليس بوقف، ولا يثبت الوقف بمثل هذا القصد.
في الوقف هناك وفي الفرائض ذكرنا أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: أولها: مؤونة التجهيز، تغسيل الميت وتكفينه، وحمله ودفنه إذا كانت هذه تحتاج إلى أموال فإنها تكون من أصل التركة قبل كل شيء، يلي ذلك الديون المتعلقة بالتركة، الديون على الميت المتعلقة بالتركة، كالدين الذي فيه رهن، يلي ذلك الديون التي لا تتعلق بعين التركة، وإنما تتعلق بذمة الميت، سواءً كانت الديون للخلق أو للخالق، الرابع من الحقوق: الوصايا، الخامس: الإرث، فالحقوق ترتيبها هكذا: مؤونة التركة، مؤونة التجهيز، الحقوق المتعلقة بعين التركة، الديون التي لا تتعلق بعين التركة، ثم الوصايا رقم أربعة، فتقدم الديون على الوصايا، وهذا لا شك أنه هو الجاري على قواعد الشريعة؛ لأن الديون بالنسبة للوصايا نفل، فهي دون الديون في المرتبة والاهتمام، وفي قول الله -جل وعلا-: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [(11) سورة النساء] هنا في الآية تقدمت الوصية على الدين فهل لهذا التقديم حظ في الأولوية؟ إذا قلنا: نبدأ بما بدأ الله به فنقدم الوصية على الدين، أو نقرر ما قرره أهل العلم من تقديم الدين على الوصية؛ لأنه أهم وأحق في التنفيذ، وأبرئ للذمة، يعني لا بد أن تكون الذمة قد برئت من عهدة الواجب لتلتفت إلى المستحب، هل نقول في مثل هذا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رقي على الصفا قال: ((أبدأ بما بدأ الله به)) وفي رواية: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) وذكره أهل العلم في الوضوء، ذكروه دليلاً على الترتيب، فهل نقول: نرتب هنا كما رتبنا هناك؟ أو نقول: نقدم الدين على الوصية ولو تقدمت الوصية على الدين في هذا الباب؟ نعم؟
طالب:......
يقدم الدين على الوصية، وأما البداءة هنا؟
طالب:......
يعني تقديم الصفا على المروة ما هو بسبب أن الله -جل وعلا- قدمه في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [(158) سورة البقرة] وتقديم غسل الوجه على اليدين؛ لأن الله قدم غسل الوجه على اليدين؟ لماذا لا نقدم الوصية على الدين هنا؟ نعم؟
طالب:......
نقدم على هذا الوصية نبدأ بما بدء الله تعالى به، وإلا نقدم الدين على الوصية؟
طالب:......
لا، لا، المسألة مفترضة في دين واجب في ذمة زيد من الناس فيريد أن يوصي، أما إذا كانت واجبة فهي دين، ما صارت وصية، المعتبر فيها الدين، نعم نصوص الشريعة تدل على أهمية الدين والبراءة من عهدته، وأن أمره شديد وعظيم، ونفس الميت مرتهنة بدينه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- رفض أن يصلي على المدين حتى ضمن ذلك عليه، والشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، فإبراء الذمة شيء في غاية الأهمية في الشرع، والوصية نفل، ولا شك أنه ما تقرب أحد إلى الله بمثل ما افترض عليه، فإعفاء الدين فرض واجب فيقدم، إذاً كيف قدمت الوصية في الآية مع أن الدين أهم؟ ليس هذا في موضع فقط في مواضع {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [(11) سورة النساء] {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} [(12) سورة النساء] كلها على هذه الوتيرة.
طالب:......
أو دين؟ لكن تقديمها في اللفظ حتى إن الصفا والمروة بمطلق الجمع في الواو ما هي للترتيب، نعم؟
طالب:......
لا قد تكون للتخير وقد تكون للتقسيم والتنويع، يعني لها معاني.
طالب:......
نعم الدين له من يطالب به، والوصية ليس لها من يطالب بها؛ لأن الوصية قبل ثبوتها ليس لها من يطالب بها، يعني شخص عنده الأموال ومدين ببعضها ويريد أن يوصي هل في أحد يلزمه بأن يوصي؟ لكن في من يلزمه بسداد الدين؛ فلكون الوصية بصدد أن تنسى لعدم المطالب بها قدمت على الدين؛ لأن له من يطالب به، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:
باب: الوديعة
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أودع وديعة فليس عليه ضمان)) أخرجه ابن ماجه، وإسناده ضعيف، وباب قسم الصدقات تقدم في آخر قسم الزكاة، وباب قسم الفيء والغنيمة يأتي عقب الجهاد -إن شاء الله تعالى-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوديعة
الوديعة: فعيلة بمعنى مفعولة، أي مودعة، وهي العين التي توضع عند من تظن فيه الأمانة لحفظها، وجاء الأمر برد الأمانات إلى أهلها {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] سواء كانت هذه الوديعة مال أو عين ينتفع بها، أو ينتفع بها مادياً أو معنوياً، فلا بد من ردها، وقد تلا النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] حينما رد مفتاح الكعبة على بني شيبة، فالأمانة لا بد من ردها وعدم ردها خيانة، وجاء في خصال النفاق خيانة الأمانة ((وإذا اؤتمن خان)) وقبول الأمانة وحفظها والمحافظة عليها من التعاون على البر والتقوى، ومما ينبغي أن يسود بين المسلمين دون مقابل، فالله -جل وعلا- في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى مكان، وخشي على شيء من ماله، ووضعه عند من يتوسم فيه الأمانة، لكن هل يلزم قبوله أو لا يلزم؟ لا يلزم إلا إذا تعين عليه بحيث لا يوجد غيره، وإن أخذه صاحبه وسافر به معه تعرض للخطر هو وإياه، فإنه حينئذٍ يلزمه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهم-" تقدم الكلام في هذه السلسلة مراراً، وأن العلماء اختلفوا في حكم المروي بها، فمنهم المصحح، ومنهم المضعف، ومنهم من توسط، وقال: إذا صح السند إلى عمرو فلا أقل من أن يقال: بحسن الخبر، وسبب الخلاف ومنشأه الخلاف فيما يعود إليه الضمير في قوله: "عن جده" هل يعود إلى عمرو فيكون جد عمرو محمد وعلى هذا يكون الخبر مرسلاً؟ أو يعود إلى شعيب فيكون الجد عبد الله بن عمرو بن العاص؟ والخلاف في رواية شعيب بن عبد الله بن عمرو في سماعه منه معروف، وإن صرح بالسماع في بعض المواضع، وعين مرجع الضمير في روايات عند أحمد والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، وعلى كل حال التوسط في مثل هذه السلسلة هو الأقوى والأظهر أنه يكون حسن؛ لكن يشترطون أن يصح الخبر، يصح السند إلى عمرو، وهنا فيه ضعف قبل عمرو بن شعيب، فيه المثنى بن الصباح وهو متروك، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف، وله طرق وآثار تدل عليه، وقد عمل به الصحابة، فهو مروي عن أبي بكر وعلي وابن مسعود وجابر، فكلهم روي عنهم أن الوديعة أمانة، والمودع مؤتمن، والمؤتمن ليس عليه ضمان إلا إذا فرط، المؤتمن ليس عليه ضمان إلا إذا فرط، فإذا فرط فإنه يضمن، إذا تعدى أو فرط فإنه يضمن، والإجماع واقع على أن الوديع ليس عليه ضمان، يعني المؤتمن ليس عليه ضمان إلا عند التفريط، إذا فرط فلا إشكال في كونه يضمن، وعلى هذا ما يودع من الأموال عند من يحفظها من أفراد أو مؤسسات أو بنوك تأتي بمبلغ من المال تودعه عند هذه الجهة، إذا أودعت عند البنك مبلغ من المال يضمن وإلا يضمن؟ نعم؟ يضمن؟
طالب:......
إيش لون فرط؟ إيش لون يفرط، وهو عنده حصون وأغلاق وحرس؟ هل الأموال التي توضع في البنوك ويسمونها ودائع أو أمانات هل هي بالفعل أمانات أو قروض؟ إذا كنت قد جئت بالمال ووضعته في كيس فأخذه منك الوديع أو المؤتمن من بنك أو غيره فوضعه في كيسه، وكتب عليه اسمك، ولا يعرف كم عدده، ما فتح الكيس وعده وقال كذا ورماه مع أمواله، فإذا وضعه كما هو ولم يتصرف فيه فهو أمانة، لو تلف ما يضمن، لكن إذا كان أخذه منك وعده وقال: المبلغ كذا، وسجله ووضعه ورماه في صندوقه، يشتغل به، ويتاجر به، يرابح به، ويستعمله لخاصته مثل هذا يضمن؛ لأن هذه ليست سبيل الأمانة ولا طريقها، الأمانة لا يتصرف فيها، فإذا تصرف فيها واستفاد منها فإنه حينئذٍ يضمن؛ لأن الغنم مع الغرم، أما إذا وضعها كما هي في مكان آمن لا يخشى عليها من أحد فإنه حينئذٍ أمين، ولا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، فهل البنوك تأخذ الأموال على أساس أنها أمانات؟ هم يسمونها ودائع، لكن هل هي بالفعل وديعة وأمانة بحيث لا تضمن؟ أو هم يتصرفون فيها؟ يتصرفون إذاً يضمنون، يتصرفون فيها بنية الضمان، لكن لو جاء شخص بمال وقال: هذه عشرة آلاف أنا لست بحاجة لها، وإن تركتها عندي صرفتها في غير لازم، فلعلك تحفظها، ويقول: أنا أحفظها أمانة عندي، لكن أريد أن استعملها، قد أحتاج منها للنفقة فينفق منها، ويرد ما أنفقه، ينفق منها خلال الشهر فإذا استلم الراتب رد ما أنفقه، وكملت الأمانة ثم بعد ذلك جاء لص فسرقها، هل نقول: إن هذا تصرف؟ هذا متصرف أو غير متصرف؟ يعني قبل رد ما أخذه يضمن بلا شك، اقترض منها خمسة آلاف لينفق منها خلال الشهر فلما استلم راتبه رجع الخمسة آلاف، فلما رجعها ووضعها بالمكان الأمين سرقت، هل نقول: إن هذا متصرف أو غير متصرف؟ نقول: هل هذا التصرف مؤثر في الأمانة أو غير مؤثر؟ أما قبل إعادة المبلغ لا شك أنه يضمن، لو أخذ المبلغ هذا واشترى به سلعة، ثم بعد ذلك خسرت السلعة يضمن بلا شك، أو أنفق منه ما أنفق يضمن، لكنه أنفق منه وقد استأذن صاحبه أن ينفق منه، ويعيد إليه ما أنفقه في نهاية الشهر، بعد إعادته وربطه وكتابة اسمه عليه، وضعه في مكان آمن فسرق، فهل يضمن باعتباره تصرف أو لا يضمن باعتباره أنه أعاده كما كان وقد استأذن صاحبه؟ فالتصرف مأذون فيه، وهذا يحصل ممن يتولى الصدقات والنفقات في سبيل الله، بعض الناس يجمع إما للفقراء وإما لتفطير صائم مثلاً، أو لتحفيظ أو ما أشبه ذلك، أو لمشاريع لبناء مسجد، المسجد يحتاج إلى سنة عمارة، وعنده المبلغ ينفق منه ويصرف ويبيع ويشتري، ثم في النهاية يعيد، هل يجوز له أن يتصرف أو لا؟ وإذا استلم المبلغ ووضعه في مكان آمن لم يتعدَ فيه ولم يفرط لا يضمن لو تلف، لكن إذا كان ينفق منه ويتصرف ويبيع ويشتري ويتاجر ويضمن، لا بد أن يضمن مع هذا التصرف؛ لأن الخراج بالضمان، لكن هل يجوز له أن يستعمل هذه الأموال في مصالحه الخاصة مع غلبة الظن في إعادتها عند الحاجة إليها؟ يقول: المسجد يحتاج خمسمائة ألف مثلاً أو مليون، والمسجد يحتاج إلى سنة عمارة، ويقول: المليون جالس في البنك ليش يجلس؟ أنا أستفيد منه، ويغلب على ظنه أنه كلما طلب شيء للمسجد وفره، لا شك أن الأحوط والأبرء للذمة ألا يتصرف بشيء لا قليل ولا كثير، ولذا لا يجوز أن يخاطر بهذه الأموال؛ لأن بعض الناس في وقت الأسهم عنده أموال لتفطير صائم في رمضان مثلاً، ورمضان باقي عليه ستة أشهر عشرة أشهر مثلاً، يقول: لماذا لا ندخل هذه الأموال في المساهمات إذا جاء رمضان إلى أضعاف، ثم بعد ذلك حصل ما حصل، لا شك أن الضمان عليه، وأنه يغرم ما فات بسبب تصرفه، وعلى هذا الورع والأحوط بألا يتصرف بهذه الأموال بشيء، وإن تصرف فيها أو تلف شيء منها، أو فقد شيء منها لا بد من ضمانه، ولا بد من إحضاره في وقته، لا يتسبب في تأخيره، في النهاية قال المؤلف -رحمه الله-:
"وباب قسم الصدقات في آخر الزكاة" يعني تقدم باب قسم الصدقات بين الأصناف الثمانية التي جاءت التنصيص عليها في كتاب الله -عز وجل- في آخر باب الزكاة؛ لأنه به أليق، وباب قسم الفيء والغنيمة يأتي عقب الجهاد -إن شاء الله تعالى-؛ لأن قسم الغنيمة من توابع الجهاد، ويقول الشارح: "وإنما ذكر المصنف هذا لأن العادة جرت في كتب الفروع عند الشافعية جعل هذين البابين باب قسم الصدقات، وباب قسم الفيء والغنيمة قبل كتاب النكاح، يعني من جهة أنها مناسبة لقسم الوصايا، ومناسبة لقسم التركات؛ لأن الاجتماع هو القسم، لكن لا شك أن قسم الصدقات الأليق به في كتاب الزكاة، وقسم الفيء والغنيمة اللائق به كتاب الجهاد. يقول: ((يأتي أناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) كثيراً ممن يضعفونه يجيزون الأغاني، وهذا الحديث عمدة في التحريم؟
أولاً: الحديث مخرج في صحيح البخاري، قال -رحمه الله-: "وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة" هاه؟
صدقة بن خالد؟
طالب:......
لا.
المقصود أنه يرويه عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، قال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) الحديث متصل وليس بمعلق؛ لأن البخاري -رحمه الله تعالى- قد لقي هشام بن عمار وأخذ عنه بدون واسطة، وفي الصحيح خمسة أحاديث يقول فيها البخاري: حدثنا هشام بن عمار، غاية ما يقال في (قال) عند أهل العلم أنها مثل (عن)، فإذا كان الراوي بهذه الصيغة قد لقي من روى عنه وبرئ ومن وصمة التدليس فإنها محمولة على الاتصال، والبخاري قد برئ من وصمة التدليس، وأخذ عن هشام بن عمار ولقيه وسمع منه مباشرة، فالخبر متصل في القول المحرر المحقق، وعلى هذا ابن صلاح والحافظ العراقي وجمع غفير من أهل العلم.
.....................أما الذي |
| لشيخه عزا بقال فكذي |
المزي والحافظ ابن حجر كأنهم يميلون إلا أن هذا معلق، وليس بمتصل، وهو معلق بصيغة الجزم، فهو صحيح حتى على القول بأنه معلق، وعلى هذا فهو صحيح على القولين كليهما، قد يقول قائل: إذا كان الحديث سمعه البخاري من هشام بن عمار دون واسطة فلماذا قال: قال هشام بن عمار ولم يقل: حدثنا هشام بن عمار كالمعتاد؟ نقول: إن البخاري يعدل عن صريح التحديث لأدنى سبب، والسبب في هذا التردد في الصحابي، عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري، التردد في الصحابي جعله لم يجزم بالتحديث، وعلى كل حال فالحديث صحيح عند كل من يعتد بقوله من أهل العلم، وأما بالنسبة لابن حزم فإنه ضعفه، بل حكم على جميع ما ورد في الباب بأنه موضوع، وقد ورد في باب تحريم الغناء والمعازف أحاديث كثيرة، استوفاها ابن القيم في كتاب له أسماه: السماع، وذكر جملة منها في إغاثة اللهفان، وغيره أيضاً استوعب الأحاديث، وعلى كل حال فالمعازف محرمة؛ لأن مفهوم قوله: ((يستحلون)) يعني يجعلون الحرام حلالاً، وسياقه مع هذه الأمور العظيمة الخمر، يستحلون الحر والحرير الزنا، ولبس الحرير، والخمر، يجعله محرماً بلا إشكال مع قوله: ((يستحلون)) أي يجعلونها حلالاً، والوعيد بالخسف والمسخ الذي ذكر في الخبر يدل على أنها من عظائم الأمور، نسأل الله السلامة والعافية.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نعم يضمن، ولو غلب على ظنه أنه يربح.
يريد أن نجعل الآية خاصة، والحديث عام، الحديث عام في جميع الورثة، والآية خاصة بالوالدين، نقول: لا يا أخي، حديث: ((لا وصية لوارث)) اتفق العلماء على قبوله، والعمل به، ولا يوجد من أهل العلم من يجعل الوصية للوالدين، وعلى هذا فالحديث مبين للناسخ، إن لم نقل أنه ناسخ، فالناسخ ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) في المواريث.
قوة الظهور وعدمه، فإن كان ظهور الظاهر بحيث يغلب على الأصل فإنه يقدم، وإن كان الأصل يقابله ظاهر أضعف منه فإن الأصل هو الذي يقدم، وإن احتيج إلى مرجح خارجي بحث عنه.
إحياء علوم الدين لمؤلفه الغزالي، يسمونه حجة الإسلام، ولا شك أن الرجل معروف ببدعته في التصوف والأشعرية وغيرها، وتصوفه ممزوج بنوع من الفلسفة، فعنده أمور عظائم، وبدع، والكتاب مشتمل على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وفيه فوائد، فطالب العلم المتأهل الذي يستطيع أن يستفيد من هذا الكتاب ولا يتأثر بما فيه من بدع فمثل هذا لو قرأه، والذي لا يستطيع أن يأخذ منه ما يفيده إلا بشيء من التأثر، أو يخشى يعلق في ذهنه شبه لا يستطيع ردها، فإن مثل هذا ينصح بأن لا يقرأ في الكتاب.
يقول: ما رأيكم في من يسميه بـ(إماتة علوم الدين)؟
سموه إماتة علوم الدين باعتبار ما فيه من بدعة، وما فيه من أحاديث ضعيفة وموضوعة، لا شك السلامة لا يعدلها شيء، وما فيه من معالجة لبعض أمراض القلوب ورقائق فإنه يستفاد من كتب ابن القيم من غير هذه المفسدة.
لا يشترط، بل تتأدى السنة ولو لم يصم الأيام البيض، والأيام البيض جاء فيها حديث في السنن لا بأس به -إن شاء الله تعالى-.
أنا والله ما قرأت في الكتاب، ولذا لا أستطيع أن أحكم عليه.
تقدم حديث النعمان بن بشير وأن أباه نحله غلاماً، وفي بعض الروايات: أرضاً، فأراد أن يشهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل ولدك أعطيته، أو فعلت به هكذا؟)) قال: لا، قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) لا يجوز للأب أن يعطي بعض الأولاد دون بعض، فإذا أعطاه فإن هذه العطية ترد.
على كل حال فك السحر بسحر مثله جريمة، وتمكين الساحر من مزاولة السحر، مواطئة له، واتفاق معه على الشرك، وتمكين له من الشرك الأكبر؛ لأن السحر لا يتم إلا به، فلا يجوز بحال أن يذهب إلى السحرة، وفي تشريع مثل هذا إقرار للسحر والسحرة، فبدلاً من أن يكونوا مجرمين يكونوا محسنين، وإذا أقر مثل هذا فلا بد أن نقرهم على سحرهم؛ لأنهم محسنون، على ضوء ما يفتى به من مثل هذا الكلام، وبدلاً من أن يكون حده ضربةً بالسيف، يكون الإقرار؛ لأنه محسن، يفك السحر، ويحل المعضلات والمشكلات والضرورات، هذا لا يجوز بحال، والسحر إن رفعه الله -جل وعلا- بالعلاج المشروع من الرقى والأدوية والعلاجات الشرعية وإلا فيبقى مصيبة كغيره من المصائب، عليه أن يصبر ويحتسب وأجره على الله.
نقول: لا يجوز لماذا؟ لأن سعد بن أبي وقاص قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصي بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) أوصي بالشطر؟ قال: ((لا)) والعلة التي ذكرت بعد ذكر الثلث، وما زاد على الثلث لا يجوز بحال.