شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في كراهية البول في المُغتسل:
حدثنا علي بن حجر وأحمد بن محمد بن موسى مردويه قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: «إن عامة الوسواس منه».
قال: وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله، ويقال له: أشعث الأعمى، وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل وقالوا: "عامة الوسواس منه" ورخّص فيه بعض أهل العلم منهم ابن سيرين، وقيل له: إنه يقال: إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له، وقال ابن المبارك: قد وسّع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء، قال أبو عيسى: حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي عن حبان عن عبد الله بن المبارك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل" ما جاء في كراهية البول في المغتسل.
"حدثنا علي بن حُجْر" السعدي "وأحمد بن محمد بن موسى" المروزي أبو العباس السمسار المعروف بمردويه الحافظ، توفي سنة خمس وثلاثين مائتين "قالا" يعني علي بن حجر وأحمد بن محمد مردويه "قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك" المروزي الذي اجتمعت فيه خصال الخير كما صرح بذلك الأئمة، توفي سنة إحدى وثمانين ومائة "عن معمر" بن راشد الذي تقدم مراراً "عن أشعث بن عبد الله" بن جابر البصري، وثّقه النسائي وغيره، وتكلم فيه، ولذا قال ابن حجر: صدوق، تكلم فيه جمع من أهل العلم، ووثقه النسائي على تشدده وغيره "عن الحسن" بن أبي الحسن يسار البصري المتوفى سنة عشر ومائة التابعي الجليل، قد صرح الإمام أحمد بسماعه من عبد الله بن مغفل، لكنه كثير الإرسال والتدليس -رحمه الله- "عن عبد الله بن مغفل" لا بد أن يُصرح الحسن بسماعه من عبد الله بن مغفل، ولو جزم أحمد بأنه سمع من عبد الله بن مغفل، مجرد سماعه من عبد الله بن مغفل في الجملة لا يعني أن سماعه لهذا الحديث على وجه الخصوص ثابت، وتدليسه -رحمه الله- شديد لا يقبل إلا إذا صرّح "عن عبد الله بن مغفل" أبو عبد الرحمن صحابي جليل، توفي سنة سبع وخمسين "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبول الرجل في مُستحمه" يعني في مغتسله، المستحم هو المغتسل، والأصل أن الاغتسال يكون بالماء الحار، الذي هو الحميم فسموا ما يغتسل به مستحم؛ لأن السين والتاء للطلب، يعني يطلب فيه الاستحمام بالماء الحار، والعلة في ذلك نُص عليها، العلة في النهي عن البول في المستحم -في المغتسل- "قال: «إن عامة الوسواس منه»" وسبب ذلك أنه إذا بال في المستحم ثم وقع عليه الماء -ماء الاغتسال- لا بد أن يتصاعد شيء من هذا البول على جسده، فلهذا منع؛ لأنه ذريعة إلى الوسواس، ذريعة إلى الوسواس، والاحتمال القوي أنه إذا وقع عليه الماء لا سيما إذا كان المغتسل واقفاً ونزل الماء من الأعلى بقوة ينزل على البول ثم يصيب البدن، قد يقول قائل: إن نزول الماء على البول يطهر الأرض، نزول الماء على البول الواقع على الأرض يطهره الماء، هذا الماء الذي نزل على البول واختلط به، يعني إذا كوثر البول بالماء كما في حديث بول الأعرابي يطهره «أريقوا عليه –أو أهريقوا- عليه سجلاً من ماء» يطهره بلا إشكال، لكن هذا الماء الذي اختلط بالبول وتعدى منه إلى البدن مثل هذا يؤثر وإلا ما يؤثر؟ نعم؟
طالب:........
يؤثر في الجملة لكن هل هو مجزوم مقطوع به أو مظنون؟ مظنون، ومثل هذا الظن يتردد في النفس إلى أن يصير وسواس؛ لأن هذا التردد الهاجس والخاطر الذي حصل في النفس بسبب هذا يقوى من كثرة ما يردد في النفس حتى يصير هو الأرجح من ضده، فيصير الوهم ظن، ومن كثرة ما يقع منه مثل هذا الأمر يصير إلى حد الوسواس، والوسواس داء خطير أدى ببعض الناس إلى ترك الصلاة، والأسئلة لا تنقطع عن هذا الداء الخطير، ابتلي كثير من الناس بالوسواس ثم في النهاية تركوا الصلاة، وأدى بهم إلى ما يشبه الجنون، تجده في معاملاته العادية عاقل تصرفاته صحيحة، لكن في عباداته شبه مجنون، يطرق الباب في الساعة الثامنة صباحاً في الشتاء، وقد مضى على صلاة العشاء كم؟ اثنا عشر ساعة أو أكثر، ويقول: إنه إلى الآن يحاول يصلي العشاء فما استطاع، وترك الوظيفة بسبب أنه (مِن) يدخل في الوظيفة يتردد على الدورة ليتوضأ لصلاة الظهر ليصلي مع الجماعة ثم ترك الوظيفة، مثل هذا إشكال كبير في حياته اليومية، يعني خراب، وقد ابتلي به كثير، والأصل يكون بمثل هذا، يكون شيء يسير ثم بعد ذلك يتطور، فمثل هذه المادة التي تورث مثل هذا الداء الخطير يجب حسمها من بداية الطريق، ولا يلتفت إليها.
"قال: «إن عامة الوسواس منه»" فإذا وقع الماء -ماء الاغتسال- على البول الذي باله في المغتسل والمستحم وأصابه الرشاش -رشاش الماء المختلط بهذا البول- لا شك أن هذا من أقوى ما يورث الوسواس "قال: وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" مخرج عند أبي داود والنسائي، عند أبي داود بلفظ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبول في مغتسله" وسكت عنه أبو داود.
"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب" خرجه مع الترمذي أبو داود والنسائي وابن ماجه "غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله ويقال له: أشعث الأعمى" أولاً: فيه عنعنة الحسن وهو شديد التدليس، فلا يقبل إلا ما صرح به، الأمر الثاني: تفرد أشعث بن عبد الله ووثّقه النسائي وغيره، وتكلم فيه، وابن حجر توسط في أمره، وقال: صدوق، لكن هل مثل هذا مما يُحتمل تفرده بالخبر، هل فيه من الثقة والضبط والإتقان بحيث يقبل ويحتمل تفرده؟ مثل هذا يحكم عليه بعض الأئمة بأنه منكر، وقد يقال عنه: شاذ، إذا تفرد بالحديث من لا يحتمل تفرده، فمثل هذا يضعف في هذا، لكن لا شك أن العلة لها حظ كبير من النظر، العلة لها حظ كبير من النظر، فالحكم ثابت ولو لم يثبت الخبر، الحكم ثابت؛ لأنه يؤدي إلى الوسواس، والوسواس ممنوع، وكل ما أدى إلى ممنوع فهو ممنوع، والوسائل لها أحكام المقاصد.
"وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل، وقالوا: عامة الوسواس منه" يعني إما استدلالاً بهذا الحديث أو عملاً بما يؤدي إليه هذا العمل من الوسواس "ورخّص فيه بعض أهل العلم" رخّصوا في البول في المستحم لا سيما إذا أُجري عليه الماء، بال في مستحمه ثم أجرى عليه الماء ثم اغتسل فيه انتهى الإشكال، انتهى ما يحذر من الوسواس "ورخص فيه بعض أهل العلم منهم -محمد- بن سيرين" الأنصاري أبو بكر البصري المتوفى سنة عشر ومائة "وقيل له إنه يقال: إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له" يعني فهو المتوحِّد في خلقه، لا دخل للبول في المغتسل في شيء؛ لأننا إذا جعلنا البول في المغتسل يورث هذا الأمر كأننا أشركناه مع الله -جل وعلا- في الابتلاء، والله -جل وعلا- وحده لا شريك له هو المؤثر الحقيقي، لكن هل هذا كلام متجه؟ هذا مؤداه إلى إلغاء تأثير الأسباب، هو سبب، البول في المستحم سبب من أسباب الوسواس، والسبب ينكر الأشعرية أن له أثر في المسبب، يقولون: لا أثر له في المسبب البتة ووجوده مثل عدمه، وأن المسبب يحصل عنده لا به، ويقابلهم المعتزلة الذين يقولون: إن السبب يفعل بنفسه مؤثر بذاته، وأما أهل السنة يرون أن للأسباب تأثيراً لكن بجعل الله -جل وعلا- هذا التأثير فيها، لا أنها تستقل بهذا التأثير، الأشعرية طرداً لمذهبهم هذا في إلغائهم تأثير الأسباب قالوا: يجوز لأعمى الصين أن يرى بقة الأندلس، كيف الأعمى في أقصى المشرق يرى أصغر البعوض في أقصى المغرب؟! قالوا: نعم لأن البصر سبب والسبب لا أثر له وجوده مثل عدمه، فيجوز عقلاً في عقولهم الكبار التي وصلت إلى هذا الحد، لما تبعوا ولهثوا وراء علم الكلام وأعرضوا عن النصوص، قد يلزمون في أول الأمر بلوازم تقتضيها مذاهبهم ثم تأخذهم العزة بالإثم فيلتزمون بهذه اللوازم، قد لا يقول الأشعري في أول الأمر مثل هذا الكلام، لكنه إذا أُلزم بهذا نتيجة لإلغائه تأثير الأسباب التزم، التزم به وقد صرّحوا به ما هو مجرد إلزام، يعني الكلام الذي ذكرته بحروفه موجود في كلامهم، يجوز لأعمى الصين أن يرى بقة الأندلس، وكلام محمد بن سيرين الإمام لأنه قد يغفل أحياناً عن هذا السبب أو يكون بين أناس يبالغون في تأثير الأسباب فتكن ردة الفعل منه مثل هذا الكلام: "ربنا الله وحده لا شريك له" هذا ما في أحد يختلف فيه في أن الله -جل وعلا- لا شريك له، وأنه هو المتفرد بالخلق والإيجاد والنفع والضر، لكن الله -جل وعلا- جل في الأسباب شيء من التأثير، وإلا هل يمكن أن يقول الأشعري: إنه يغتسل ويخرج في أشد أيام البرد عريان ولا يتأثر؟ أو يقول: إن النار لا تدفئ، ما يمكن أن يقول هذا، لكنه يقول: إن البرد حصل عند هذا لا به، وأن الدفء حصل عند النار لا بها، طردًا لمذهبهم الفاسد في هذه المسألة، ولا شك أن إلغاء الأسباب خلل في العقل، والاعتماد على الأسباب خلل في الشرع في الديانة من قبل الأشخاص، ابن سيرين لما قيل له: إن عامة الوسواس منه قال: ربنا الله لا شريك له، يعني مثل هذا الكلام في الآثار التي هي مجرد احتمال قد يقال مثل هذا الكلام، لكن الآثار التي اطَّردت العادة بتأثيرها بإذن الله -جل وعلا- مثل الدفء والبرد مثلاً أمور مطردة، يعني هل يقول إنسان عاقل: إن تأثير الجو مثل هذه الأيام مثل تأثيره في أيام.. أشد أيام البرد، يخرج عاري سواء في مثل هذه الأيام أو أشد البرد لا فرق؟ هذا لا يقوله عاقل، في مثل المسألة التي معنا عامة الوسواس منه، ابن سيرين رأى أن هذا الرجل بال في المستحم وأتبعه الماء مثلاً بعد أن استنجى اتبع هذا الماء وذهب هذا الماء بذلك البول انتهى إشكاله، ما صار له أثر؛ لأنه طهر بهذه الطريقة، وعلى كل حال لا شك أن البول في المستحم مؤثر، مثل المستحمات الموجودة الآن محل قضاء الحاجة في جهة ومحل الاستحمام في جهة، يعني في الدورات المجودة الآن لا يتنزل مثل هذا الكلام، ولا يؤثر أن يبول الإنسان في جهة ويتبعه الماء بعد الاستنجاء ثم يغتسل في جهة أخرى، ولا أثر له البتة.
"وقال ابن المبارك: قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" لأنه إذا جرى فيه الماء يطهر المكان لحديث الأعرابي الذي بال في المسجد فأتبعوه ذنوباً من ماء "قد وُسِّع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" بعضهم يحمل هذا النهي على أنه في المكان الذي ليس فيه منفذ للبول، يعني مكان يستحم فيه فقط، وليس فيه محل خاص للبول ينفذ منه، فإذا بال فيه واستقر في المكان ثم جاءه الرشاش وانتقل إلى البدن لا شك أن مثل هذا يتجه القول بمنعه.
"قال أبو عيسى: حدثنا بذلك" يعني خبر ابن المبارك: "قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" قال: "حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي" أبو جعفر، صدوق من الحادية عشرة "عن حبان عن عبد الله بن المبارك" حبان بن موسى بن سوار السلمي، ثقة، عن عبد الله بن المبارك، والوسواس بفتح الواو وكسرها مصدر وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة، وقد يطلق الوسواس بالفتح ويراد به الشيطان، ولابن قدامة رسالة في ذم الموسوسين، ولا شك أن مثل ما تقدم أن الوسواس آفة تقضي على دين الإنسان وهو لا يشعر، وينسلخ من دينه من غير إرادته، يحمله هذا إلى أن يترك الدين بالكلية لأن يتعذب، فبدلاً من أن يرتاح بالصلاة تكون الصلاة عذاب عليه، ثم يترك مستدلاً بقول الله -جل وعلا-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] وهذا أمر لا يطيقه إذاً لا يكلف بمثل هذا، كثير من الموسوسين وصل به الأمر إلى حد الجنون، وقد أفتي بعضهم بترك الوضوء، ترك النية، بعضهم يقول: إنه إذا مسك الباب -باب الحمام- تنجس ثم رجع يعيد الوضوء، ومرة جاء شخص إلى المسجد وقال: أنا ما استطعت أن أصلي المغرب فلو أحسنت وصليت بي، أستطيع أن أصلي مأموم لكن لا أستطيع أن أصلي منفرد ولا إمام، فلما كبرت جلس، أتممت الصلاة نافلة وسلمت قلت: ما بالك؟ وما شأنك؟ قال: لما كبّرت على أني في صلاة المغرب وإذا أمامي الأجزاء الثلاثة المكتوب عليها العُشر الأخير فلما قرأت العشر الأخير ظننتها صلاة الأخير يعني العشاء فالتبس عليّ الأمر، أنا أريد أن أصلي المغرب فدخلت صلاة الأخير -نسأل الله العافية-، وذهب ما صلى، ما صلى، مرتين أكبر وثلاث ما في فائدة، فعلى الإنسان أن يحسم المادة إذا خشي من هذا الأمر ولو وقع في شيء من التساهل في الوسائل، يعني النية هذه التي هي كارثة بالنسبة للموسوسين يتوضأ ثم يقول: ما نويت، ويتوضأ ثانية ويقول: النية والله فيها شيء، يا أخي توضأ بدون نية، النية شرط لكن إيش معنى النية؟ النية إن قصدت هذا المكان لتغسل فروض الوجه واليدين وتمسح الرأس هذه هي النية، تقصد هذا المكان لهذا العمل هذه هي النية، لا أكثر ولا أقل، فيقال له: توضأ بدون نية، سبحان الله النية شرط لصحة الوضوء، نعم شرط، لكن بالنسبة لك أنت ما هي بشرط، يكفي أنك تروح للمغتسل المغسلة وتغسل أطرافك، وهذا هو الوضوء وهذه هي نيته. يذكر عن امرأة كبيرة في السن أنها تسرف في الماء وتتوضأ مراراً، فقال لها ابنها: أنا أدعو الشيخ فلان وهو قدوة مقنع بالنسبة لها ولولدها ولأهل بلدها، فقالت: أبداً إذا توضأ الشيخ وشفت وضوءه اقتنعت، فأحضر للشيخ ماء للوضوء قليل جداً، ثم لمّا توضأ وهي تنظر فقال لها: اقتنعتِ؟ قالت: هي بحاجة إلى أن تعيد الصلوات التي صلتها خلفه، فمثل هذا يحتاج الإنسان أن يتقيه، ووقع فيه بعض طلاب العلم مع الأسف، ولا أبالغ أنني شاهدت بعض أهل العلم الكبار وقعوا في شيء منه يغسل العضو عشر مرات، وهم الكبار، والداعي إلى ذلك في بداية الأمر الحرص على الخير، وهذه من حبائل الشيطان، قد يوقع الإنسان في هذا الباب، من حرصه على الخير أن يزيده من هذا الأمر حتى يقع في البدعة.
وذكر عن ابن دقيق العيد والحافظ العراقي أنهم يبالغون في الوضوء، ويغسلون العضو مرات، وقالوا: إن هذا لا يخرجهم عن المشروع، وإنما هو من باب الاحتياط، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، وهو وسواس وبدعة من أي شخص صدر، والأمر محدد شرعاً لا يجوز أن نزيد عليه.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في السواك:
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد رُوي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه، وأما محمد بن إسماعيل فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعلي وعائشة وابن عباس وحذيفة وزيد بن خالد وأنس وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وابن عمر وأبي أمامة وأبي أيوب وتمام بن عباس وعبد الله بن حنظلة وأم سلمة وواثلة بن الأسقع وأبي موسى.
حدثنا هنّاد قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل».
قال: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا أستن، ثم رده إلى موضعه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
يقول المؤلِّف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في السواك" السواك بكسر السين يطلق على الآلة التي هي العود، ويطلق على الفعل الذي هو التسوك، وهو المراد في هذا الباب الذي هو فعل المكلف، وجمع السواك ها؟ إيش؟ سُوُك، مثل: كتاب وكتب.
قال: "حدثنا أبي كريب" محمد بن العلاء بن كريب، الكوفي، ثقة حافظ "قال: حدثنا عبدة بن سليمان" الكلابي، أبو محمد الكوفي ثقة ثبت "عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقّاص الليثي، صدوق له أوهام "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أشق»" (لولا) عند أهل العلم حرف امتناع لوجود، لولا حرف امتناع، امتناع الأمر بالسواك لوجود المشقة، و(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يعني لولا المشقة والتشديد، والتثقيل على الأمة وهذا من رحمته ورأفته -عليه الصلاة والسلام- بأمته، ولولا ذلك لأمرتهم، والمراد بالأمر أمر الإيجاب، أما أمر الاستحباب فهو ثابت في نصوص كثيرة جداً، فاستحباب السواك مقطوع به، والنصوص متضافرة عليه، أعني أمر الاستحباب أما أمر الوجوب فلا، فامتنع لوجود المشقة، والحديث من أقوى الأدلة على أن الأمر المطلق يقتضي الوجوب، الأمر المطلق في النصوص يقتضي الوجوب؛ لأنه امتنع الأمر هنا، والمراد به أمر الوجوب أما أمر الاستحباب فهو موجود، فدل على أن الأمر إذا أطلق نفياً أو إثباتاً فالمراد به أمر الوجوب، إضافة إلى قول الله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النــور] فهذا الوعيد يدل على أن الأمر للوجوب، ولا وعيد إلا على ترك واجب.
«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» الأمة تطلق ويراد بها أمة الإجابة، وتطلق ويراد بها أمة الدعوة، والمراد بها هنا أمة الإجابة «لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» وللبخاري تعليقاً عن أبي هريرة: «عند كل وضوء» ولأحمد: «عند كل طهور» فيجمع بينها، فيستحب السواك عند الوضوء وعند كل طهور بما يشمل الغسل، وعند كل صلاة، وهناك مواضع لإسحتبابه وهو مستحب في كل وقت، ويتأكد استحبابه عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم، وعند أمور وردت بها النصوص، ودعت إليها الحاجة، فكلما احتيج إلى السواك تأكد استحبابه، لطول السكوت وكثرة الكلام، وقلة الأكل أيضاً تتغير المعدة فتصدر روائح تعلق أو يعلق منها ما يعلق بالأسنان فيُزال بالسواك.
«عند كل صلاة» عند الحنفية يقدّرون عند وضوء كل صلاة، ولا يرون استحبابه عند الصلاة، الحنفية لا يرون استحباب السواك عند الصلاة، لماذا؟ لأنه مظنة لجرح اللثة وخروج الدم وهذا يبطل الصلاة عندهم، وهو أيضاً من باب إزالة القذر، إزالة المستقذر، وهذا لا ينبغي أن يكون في المسجد، نعم عند الوضوء لا بأس، أما عند الصلاة فلا عندهم، ولكن إذا نظرنا إلى النصوص الواردة في السواك وجدناه عبادة، وأنه مطهرة للفم، وأنه مرضاة للرب، فهو عبادة من هذه الحيثية، ولذا من نظر إليه باعتباره إزالة قذر، قال: يكون التسوك بالشمال، باليد اليسرى، ومن نظر إليه باعتباره عبادة قال: يتسوك باليمين، ويمكن أن يجمع بين الأمرين، فإذا كان في الأسنان ما يقتضي السواك لإزالته فحينئذٍ يتجه القول وهو قول عامة أهل العلم أن التسوك يكون بالشمال، لكن إذا تسوك عند الوضوء، وأزال ما في الأسنان من وسخ، ثم أراد أن يتسوك في المسجد عند إقامة الصلاة، نقول: يتسوك باليمين؛ لأنه عبادة محضة، وليس فيه ما يدل على أنه إزالة مستقذر؛ لأن المستقذر أزيل عند الوضوء.
وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: لا أعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين، مع أن جده أبا البركات المجد ابن تيمية يستحب التسوك باليمين، وإذا كان لإزالة القذر فلا شك أن المستقذرات لليد اليسرى، وإذا كان لا يوجد على الأسنان ما يقتضي ما يسمى به قَذراً فإنه يتسوك بيده اليمني، وعلى كل حال ثبت استحباب السواك عند الوضوء، وثبت أيضاً التسوك عند كل صلاة، فلا وجه لقول الحنفية، لا وجه لقولهم مع ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"قال أبو عيسى: روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم" هناك فيه أبو كريب السند الأول، ثقة حافظ، وعبدة كذلك، محمد بن عمرو صدوق، يحتاج إلى متابِع ليصحح حديثه "عن أبي سلمة" أحد الفقهاء المعروفين "عن أبي هريرة"، وهنا قال: "وروى هذا الحديث محمد بن إسحاق" صاحب المغازي، صدوق أيضاً، لكنه يدلس فلا بد من تصريحه "عن محمد بن إبراهيم" بن الحارث التيمي ثقة، راوي حديث: الأعمال بالنيات، الذي تفرد به وقبله عنه الأئمة وخرجوه، وتلقته الأمة بالقبول "عن أبي سلمة" فمحمد بن إبراهيم أوثق من محمد بن عمرو "عن أبي سلمة عن زيد بن خالد" الجُهني، صحابي مشهور، مات سنة ثمان وستين "عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" وسيأتي ذكره في أخر الباب.
قال المؤلف: "وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد" سواء كان ما جاء من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقّاص، أو طريق محمد بن إبراهيم التيمي "كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه" لماذا احتاج الإمام أن يقول مثل هذا الكلام؟ محمد بن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام فلا يصحح حديثه إلا إذا توبع، يحتاج إلى متابع ليصحح حديثه، والحافظ العراقي ضرب للصحيح لغيره هذا الحديث مثالاً، هذا الحديث حديث محمد بن عمرو ضربه مثالاً للصحيح لغيره، فقال:
والحسن المشهور بالعدالة |
| والصدق راويه إذا أتى له |
هذا الحديث، كمتن (لولا أن أشق).
إذ تابعوا عليه محمد بن عمرو |
| عليه فارتقى الصحيح يجري |
لما توبع محمد بن عمرو بن علقمة وروي من حيث..، لأنه قد روي من غير وجه قال الترمذي: هو عنده صحيح، ولا شك أنه صحيح وإن لم يكن صحيح لذاته فهو صحيح لغيره.
وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاهما عندي صحيح؛ لأنهما قد رويا من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه، وأما محمد بن إسماعيل البخاري فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح، يعني الحديث الثاني أصح من الأول، طيب حديث أبي سلمة عن أبي هريرة فيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو صدوق له أوهام، والحديث الثاني الذي رجّحه الإمام البخاري فيه محمد بن إسحاق وهو وإن كان إماماً في المغازي إلا أن روايته للحديث فيها ما فيها، بل رمي بالكذب، لكن القول الوسط المعتدل فيه أنه صدوق، فهو بمنزلة محمد بن عمرو، ويزيد عليه أنه مدلس لا بد أن يُصرح، فكيف رجح الإمام البخاري الحديث الثاني وفيه محمد بن إسحاق على الحديث الأول الذي فيه محمد بن عمرو بن علقمة؟ ما سبب الترجيح؟ يقول الحافظ ابن حجر: حكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد فقال: رواية محمد بن إبراهيم أصح، لا شك أن محمد بن إبراهيم أوثق من محمد بن عمرو، لكن الراوي عن محمد بن إبراهيم لا يترجح على محمد بن عمرو بأي حال من الأحوال، قال: رواية محمد بن إبراهيم أصح، وقال الترمذي: كلا الحديثين صحيح عندي، وترجيح البخاري طريق محمد بن إبراهيم لأمرين:
الأول: أن فيه قصة سيأتي في الحديث: "قال أبو سلمة: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات -يعني الخمس- في المسجد -جماعة- وسواكه على أذنه موضع القلم من إذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه" هذه قصة، قصة الخبر، هذه قصة ذكرت في الخبر، ولا شك أن ذكر الحديث بفصه، بجميع ما يدور حوله بقصته بسببه يدل على أن الراوي ضبطه وأتقنه، بخلاف الحديث المجرد عن قصته وسببه، فإذا ذكر الراوي الحديث بقصته بسبب وروده بسبب إيراده من قبل الصحابي هذا كله يدل على أن الراوي ضبط الحديث وأتقنه بجميع ما يحتف به، وهذا مرجح عند أهل العلم، الأول: أن فيها قصة، وهو قول أبي سلمة التي ذكرناه.
الثاني: أنه توبع، تابعه يحيى بن أبي كثير على روايته ورواية يحيى بن أبي كثير عند الإمام أحمد بسند لا بأس به، هذه وجوه ترجيح الإمام البخاري لحديث زيد بن خالد على حديث أبي هريرة.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي بكر الصديق" رواه أحمد وأبو يعلى "وعلي" رواه الطبراني في الأوسط "وعائشة" عند النسائي وابن خزيمة وابن حبان، وعلّقها البخاري "وابن عباس" عند الطبراني في الكبير والأوسط "وحذيفة" وحديثه متفق عليه "وزيد بن خالد" وحديثه عند الترمذي سيأتي، وعند أبي داود، "وأنس" وهو مخرج في البخاري "وعن عبد الله بن عمر" وأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك "وابن عمر" عند الإمام أحمد "وأم حبيبة" عند أحمد وأبي يعلى "وأبي أمامة" عند ابن ماجه "وأبي أيوب" عند أحمد والترمذي "وتمام بن عباس" تمام بن عباس هذا من ولد العباس بن عبد المطلب، أخ لعبد الله وهو أصغر أولاده، له رؤية وليست له رواية "وتمام بن عباس" عند أحمد والطبراني في الكبير "وعبد الله بن حنظلة" لم يقف الشارح على من خرجه "وأم سلمة" عند الطبراني "وواثلة بن الأسقع" عند أحمد والطبراني أيضاً "وأبي موسى" عند الشيخين البخاري ومسلم، وفي الباب أحاديث كثيرة جداً تدل على فضل السواك، وجاء فيه ما يدل على أن الصلاة بسواك عن سبعين صلاة، وله طرق تدل على أن له أصلاً، له طرق تدل على أن له أصلاً، فالسواك مأمور به أمر استحباب، وهو مرضاة للرب -جل وعلا-، وأيضاً هو من باب أخذ الزينة للصلاة {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف].
قال: "حدثنا هنّاد قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم" -بن الحارث التيمي- "عن أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم»" أمر إيجاب كما تقدم "«بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل»" وأخر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة إلى هذا الوقت، وقال: «إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم» فيستحب تأخير العشاء ما لم يحصل بذلك مشقة على المأمومين إلى ثلث الليل، ووقت صلاة العشاء يمتد إلى نصف الليل، يمتد إلى نصف الليل، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح.
"قال" -أبو سلمة-: "فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات" -يعني الخمس- "في المسجد" -مع الجماعة- "وسواكه على أذنه" الجملة حالية والحال أن سواكه على أذنه موضع في "موضع القلم من أذن الكاتب" الكاتب يضع القلم على أذنه، أدركتم شيئاً من هذا وإلا..؟ غالباً النجار هو الذي يضع القلم، أما الكاتب ما يضع القلم على أذنه يضع القلم في جيبه هذا الذي أدرك، أما عندهم ما كنت لهم جيوب تحفظ الأقلام وأشياء مهيأة لهذا الأمر "وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا أستن" يعني إستاك "ثم رده" -أي السواك- "إلى موضعه" من الأذن.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ومخرج عند أبي داود والنسائي ولعله في الكبرى.
يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: اختلف العلماء في السواك -يعني في حكمه- فقال إسحاق: هو واجب ومن تركه عمداً أعاد الصلاة، هذا رأي إسحاق، ولكن حديث الباب يرد قوله، «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» فدل الحديث على عدم وجوبه، وقال الشافعي: هو سنة من سنن الوضوء، واستحبه مالك في كل حال يتغير فيها الفم، فأما من أوجبه يقول ابن العربي: فظاهر الأحاديث تبطل قوله، وعلى كل حال عامة أهل العلم على أنه متسحب، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها:
حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار الدمشقي يقال: هو من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده».
وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
قال الشافعي: وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له، ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة، وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من النوم من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها، فأعجب إلي أن يهريق الماء، وقال إسحق: إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها" قال: "حدثنا أبو الوليد أحمد" بن عبد الرحمن "بن بكّار الدمشقي" صدوق، تكلم فيه "يقال: هو من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-" من ولد يعني من أولاده، الولد يراد به الجنس، وضُبط بضم الواو وسكون اللام من (وُلْد) جمع ولد، بسر بن أرطاة صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، "قال: حدثنا الوليد بن مسلم" القرشي مولاهم الدمشقي، ثقة يدلّس تدليس تسوية، وتدليس التسوية هو شر أنواع التدليس، بأن يأتي إلى راوي ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الأخر فيسقط هذا الضعيف فيستوي الإسناد، كان القدماء يسمون مثل هذا تجويد، يعني يجود إسناده، يجعل فيه الأجواد دون الأدنياء، ولا شك أن مثل هذا آفة، لا يستطيع الوقوف عليها إلا أهل العلم والمعرفة والخبرة التامة، وإلا إذا كان الثقتان قد لقي أحدهما الأخر فمن يشعر بمثل هذا التدليس؟! لولا أن الله قيض الأئمة لمثل هذا، لولا أن الله -جل وعلا- قيض الأئمة لمثل هذا التدليس ما أدركه أحد، يأتي لضعيف فيسقطه بين ثقتين بحيث لو بحث عن كتب الرجال وجد الإسناد كله ثقات، وكلهم السند ظاهره فيه الاتصال، كل واحد منهم لقي الأخر، لكن الأئمة ينصون على أن هذا الراوي الضعيف قد أسقط بين هاذين الثقتين، وأن فلان لم يسمع الخبر مباشرة ممن نسب إليه سماعه منه.
"حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي" عبد الرحمن بن عمر الفقيه، المشهور "عن الزهري" محمد بن مسلم بن عبيدة الله بن شهاب "عن سعيد بن المسيب" بن حزم أحد الأئمة أفضل التابعين عند الإمام أحمد "وأبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا استيقظ أحدكم من الليل»" وفي الصحيحين: «إذا استيقظ أحدكم من نومه» من غير تنصيص على الليل إلا ما يفهم من العلة «فإنه لا يدري أين باتت يده؟» والمبيت إنما يكون بالليل «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء» وفي رواية: «فلا يغمس يده في الإناء» إناء الضوء «حتى يفرغ» يصب «عليها مرتين أو ثلاثاً» وفي رواية لمسلم وغيره: «حتى يغسلها ثلاثاً» من دون (أو) «فإنه لا يدري أين باتت يده» «إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل -أو من نومه- فلا يدخل يده في الإناء» المقصود به إناء الوضوء «حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً» يعني حتى يغسلها ثلاثاً كما جاء في الصحيح «فإنه لا يدري أين باتت يده» هنا نهي والأصل في النهي التحريم، والعلة «لأنه لا يدري أين باتت يده» العلة شك، ولذا يرى بعضهم أن النهي هنا للتنزيه وليس للتحريم، والذي صرف النهي عن التحريم إلى التنزيه العلة، والعلة تصرف، كما في حديث أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد يشهدن الخير ودعوة المسلمين" قالوا: الأصل في الأمر الوجوب، لكن العلة وهي شهود الخير ودعوة المسلمين مستحب، فلا يكون الأمر للوجوب والعلة ما ذكر، وهنا لا يكون النهي للتحريم والعلة ما ذكر «لأنه لا يدري أين باتت يده» وكونه لا يدري ويده طاهرة قبل النوم بيقين كونه لا يدري شك، والشك لا يزيل اليقين عند أهل العلم، الشك لا يزيل اليقين، قال الشافعي: أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة فإذا ناموا عرقوا، فلا يؤمن أن تطوف على موضع النجاسة أو على بثرة أو قملة، والنهي قبل الغسل مجمع عليه، لكن الجمهور على أنه تنزيه ولا أثر له في الماء.
الشافعي يقول: إن سبب النهي إن أهل الحجاز يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة ويعرقون وقد تطوف يده على موضع الاستنجاء بعد العرق، والاستنجاء معلوم أنه لا يزيل الأثر، يبقى أثر، فإذا طافت يده على هذا العرق المختلط بأثر الاستنجاء تأثرت، لكن الذي يقول بأن اليد تتأثر لماذا لا تتأثر الثياب والسراويل؟ الاستنجاء أثره لا حكم له، الاستنجاء أثره لا حكم له، وحينئذٍ لا فرق بين النائم والمستيقظ إذا أثر في اليد أثر في السراويل من باب أولى، فالذي يظهر أن هذا التعليل عليل، ويبقى النهي على إطلاقه وعمومه، مفاد كلام الشافعي أنه في البلاد الباردة مثلاً أو في الشتاء مثلاً لا يحتاج أن يغسل يده، مقتضى ما أبداه الإمام الشافعي أنه في البلاد الباردة أو في الشتاء حتى في الحجاز لا يغسل يده؛ لأن الداعي إلى ذلك غير موجود، والحكم يدور مع علته، العلة «فإنه لا يدري أين باتت يده» هذه هي العلة المنصوصة، وعلى هذا إذا درى أين باتت يده يرتفع الحكم وإلا ما يرتفع؟ إذا قلنا: إن الحكم يدور مع علته، إذا درى كيف يدري؟ لو أدخلها في كيس مثلاً أو ربطها، ربط يده بالسرير مثلاً، شدها وربطها وعرف أنها ما حُلّت ولا انحلّت إلى أن استيقظ، إذا قلنا: إن العلة مطردة منعكسة قلنا: الحكم يدور معها، وحينئذٍ لا يحتاج إلى غسل لا سيما وأن العلة المنصوصة هذا مقتضاها عند أهل العلم، لكن هل من مما يتعبد به مخالفة مثل هذه العلة؟ بمعنى أنه يأتي بكيس ويدخل يده أو يربط يده؟ يذكر أهل العلم أن من شؤم معارضة أهل السنة أن شخصاً قال: أنا أدري أين باتت يدي فأدخلها في كيس وربطها أيضاً، فلما قام إذا هي في دبره، داخلة في دبره، وهذا يذكره أهل العلم في شؤم مخالفة السنة والمعاندة، وذكر المؤرخون الحافظ ابن كثير وغيره من أهل التاريخ ذكروا أن الذي إستاك في دبره -يعني تسوك- وجد في بطنه ألام مدة ثم بعد ذلك شعر بحمل وبعد تسعة أشهر وضع قطعة من لحم فما زالت هذه القطعة تصرخ حتى جاءت ابنته فرضتنها بحجر، المقصود أن شؤم مخالفة السنة يؤرث مثل هذا، وأورث أهل العلم أمثلة كثيرة، يعني الشخص الذي وضع المسامير في نعاله ودخل المسجد في حلقة العلم، ويريد أن يطأ أجنحة الملائكة التي تضعها رضاً لما يصنعه طلاب العلم خُسف به، مثل هذه الأمور يذكرها أهل العلم لا على سبيل الاحتجاج أو الاستدلال، وإنما من باب استقصاء ما يُنفِّر عن ارتكاب مثل هذه الأمور وإلا فالمعول في الأصل على النصوص.
الجمهور على أن النهي للتنزيه؛ لأن العلة لا تقتضي تنجيس، بل هي مشكوك فيها، وأنه لا أثر له في الماء، ومنهم من يقول: النهي للتحريم، وأن غسل اليد قبل إدخالها في الإناء واجب، وإن لم تُدرك العلة، كونه لا يدرك العلة ولا يدري ما العلة، ولا يدري أين باتت يده لا يعفيه من وجوب الغسل المأمور به، وتكون العلة من باب التعبد لله -جل وعلا- بامتثال هذا الأمر، وإذا قلنا: تعبدية حينئذٍ لا أثر له في الماء، إذا لم يكن تنجيس، عند الحنابلة أن غمس اليد -يد القائم من النوم- له أثر في الماء، فإذا كان قليلاً لا يبلغ القلتين أثّر فيه، ولم يؤمر بغسلها إلا لوجود شيء مؤثر، وهذا المؤثر وإلا لم يكن نجاسة إلا أنه ينقل الماء من كونه طهور مطهر إلى كونه طاهر فقط، وعلى كل حال الأمر بالغسل واجب، وكونه يؤثر في الماء العلة تدل على عدم التأثير؛ لأن العلة كونه لا يدري، وكونه لا يدري الشك لا يزيل اليقين، يده طاهرة بيقين لكن يبقى أن الغسل واجب.
"قال: وفي الباب عن ابن عمر" رواه الدارقطني "وجابر" وهو عند ابن ماجه والدارقطني "وعائشة" عند ابن أبي حاتم في العلل، وحكى عن أبيه أنه وهْم.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الكتب الستة، مخرج في الصحيحين وغيرهما "قال الشافعي: وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها" يعني في النهار أو في الليل، يستحب "لكل من استيقظ من النوم قائلة كان أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها" لأن العلة هي العلة سواء نام بالليل أو بالنهار، التنصيص على الليل في رواية الباب، في رواية الترمذي، أو التنصيص على البيتوتة وهي لا تكون إلا في الليل؛ لأن الغالب أن النوم في الليل، الغالب في وقتهم أن النوم إنما يكون في الليل، فجرى على ما جرى عليه غالب الحال عندهم، بخلاف العصور المتأخرة حينما قُلبت الفطر، وعكس الناس السنة الإلهية فصاروا ينامون بالنهار، ويسهرون بالليل.
يقول الشافعي -رحمه الله-: "وأحب لكل من استيقض من النوم قائلة كان أو غيرها" القائلة هي النوم في منتصف النهار "ألا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت له ذلك؛ لأن النهي نهي تنزيه، ولم يُفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة" فحمل النهي على التنزيه والغسل على الاستحباب وهو قول الأكثر "وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من النوم من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها، فأعجب إلي أن يهريق الماء" لأنه انتقل من كونه طهور مطهر إلى كونه طاهر فقط، فلم يحكم بنجاسته؛ لأن طهارة اليد متيقنة وتغيرها مشكوك فيه، ولم يحكم بكونه مطهر يرفع الحدث؛ لأن النهي ثابت، وما دام نهي عن ذلك فلا بد أن يكون له أثر، وأقل الأحوال في الأثر أن يكون ناقلاً للماء من كونه طهوراً إلى كونه طاهراً.
"فأعجب إلي أن يهريق الماء" وإلى هذا ذهب الحسن وداود إلى أن غمس اليد قبل غسلها ثلاثاً يؤثر في الماء، لكن الحسن وداود يذكر عنهما أن الماء يكون نجساً، وأما عند أحمد فليس بنجس وإنما هو طاهر "وقال إسحاق" بن إبراهيم الحنظلي الإمام المعروف بابن راهويه: "إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها" يعني مثل قول الإمام الشافعي إلا أن رأيه في التأثير مثل رأي أحمد فلم يخص الليل كما خصه الإمام أحمد، بل سوى بين الليل والنهار كقول الشافعي.
قال الشارح المبارك فوري: والظاهر أن الماء حكمه حكم المشكوك فيه، ما دامت العلة مشكوك فيها فإنه لا يدري أين باتت يده، فالماء الذي أُدخلت فيه هذه اليد المشكوك فيها مشكوك فيه؛ لأنه أثر عن مشكوك فيه فيكون مشكوكاً فيه، يعني مثل لو جاء مال من شبهة هذا المال مشكوك فيه، ليس بحرام بين ولا حلال بين، ثم اشترى بهذا المال طعام، الطعام مشكوك فيه وهكذا، اليد مشكوك فيها فما وُضعت فيه مشكوك فيه، والماء أقسامه عند أهل العلم منهم من يجعله قسمين طاهر ونجس، ومنهم من يجعله ثلاثة: طهور وطاهر ونجس، ومنهم من يجعله أربعة ويزيد المشكوك فيه، ويجعله في مرتبة بين الطاهر والنجس كما أن الشبهة مرتبة بين الحلال البين والحرام البين، يعني إن احتاج إليه استعمله وإن وجد غيره فلا، يعني لا يعدل إلى التيمم مع وجوده لأنه ماء، ولا يتوضأ به مع وجود غيره؛ لأنه مشكوك فيه.
الشوكاني في نيل الأوطار يقول: ربط النهي بعلة، يعني مثل الحديث الأول: "نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: «إن عامة الوسواس منه» ومثل الحديث الثاني: "النهي عن غمس اليد في الإناء حتى تغسل، فإنه لا يدري أين باتت يده" ربط النهي بعلةٍ تكون العلة قرينة تصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة، العلة قرينة في صرف النهي من التحريم إلى الكراهة، لكن هذا ليس بمطرد، إذا كانت العلة غايتها أن تكون مكروه، فالمعلول يكون مكروه، لكن إذا كانت العلة محرّمة، يعني الوسواس مثلاً كراهة وإلا تحريم؟ تحريم لأنه يوقعه في مخالفة صريحة للنصوص، لكن قد يغلب على الإنسان فيكون لا تصرف له ولا يوصف حكم وضعه بحكم شرعي، إذا غلب عليه بحيث لا يستطيع دفعه يكون مرض، لكن في البدايات هو مأمور أمر إيجاب في مدافعته، فالعلة نعم تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة إذا كانت غاية ما فيها أنها تجر إلى مكروه، وقل مثل هذا في الأمر، مثل ما قلنا في حديث أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى العيد يشهدن الخير ودعوة المسلمين" قلنا: العلة مستحبة، فالأمر مصروف من الوجوب إلى الاستحباب؛ لأن غاية ما يُدرك في هذا الأمر شهود الخير ودعوة المسلمين، وهذا لم يقل أحد بوجوبه، فدل على أن الأمر أمر استحباب، وقل مثل هذا في النهي في البابين في النهي عن البول في المستحم، وفي غمس اليد إذا قام من النوم.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
"الترمذي ذكر الحافظ الذهبي وغيره أنه متساهل، وكتابه شاهد على ذلك، يصحح أحاديث فيها ضعف، وصحح لكثير بن عبد الله عن أبيه عن جده وهو شديد الضعف، على كل حال المؤلف إمام من أئمة المسلمين، والكتاب كتاب عظيم، ولا يضيره مثل هذا الكلام، لكن ليس هو بمنزلة البخاري ومسلم.
وما قولكم فيمن يقول: إن الحسن عند الترمذي هو الضعيف؟
هذا ليس بمطّرد، وإن كان كثير من الأحاديث التي حكم عليها بالحسن لا ترتقي إلى درجة الحسن.
وأنا أريد أن أعود إلى أن أصلي حتى أدخل الإسلام من جديد، حتى أعيد العقد مرة أخرى، فهل تصح توبتي مع أني أريد أن أتوب حالاً، حتى يمكن لي أن أعيد هذه المرأة لتصبح زوجتي؟ يعني لو لم تكن هذه المرأة ربما لتأخرت عن التوبة من كثرت من أجد من الوساوس؟ فهل تصح توبتي أم لا؟
التوبة بابها مفتوح، وإذا تاب العبد التوبة النصوح بشروطها المعروفة عند أهل العلم فما الذي يحول دون قبولها؟! فعليه أن يبادر بالتوبة فوراً، بشروطها المعروفة عند أهل العلم، أن يقلع، وأن يندم، وأن يعزم على ألا يعود، ثم بعد ذلك يعقد عقداً صحيحاً إذا كان يرى أن هذا يبين منه زوجته كما أشار في سؤاله وإلا هو من أهل المغرب والمغاربة مالكية كما هو معروف، لكن إذا رأى ذلك ورأى أن الأحوط تجديد العقد فهو أكمل.
أعجب بهذا الكاتب.
وشباب في بلادنا لا يسلم عليهم ولا يصلى خلفهم، هم قالوا: يوجد في فتاوى ابن تيمية: من صلى على كافر فهو كافر، وبذلك هؤلاء شباب قالوا: من صلى خلف هؤلاء الأئمة يكون كافراً كما هو؛ لأن من لم يحسب الكافر كافر كما قال ابن باز يكون كافراً نرجو توضيح هذه في المسائل......؟
جاء النهي عن الصلاة عن الكفار وعن المنافقين، جاء النهي صريح في القرآن {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [(84) سورة التوبة] فلا تجوز الصلاة على من علم كفره ولا نفاقه، لا تجوز الصلاة عليه، لكن يبقى أن من صلى عليه خشية على نفسه لا يصل حد الكفر، لكنه ارتكب محرماً.
تحفة الباري هذا شرح للشيخ زكريا الأنصاري، شرح مختصر، وهو مطبوع قديماً في المطبعة الميمنية على هامش إرشاد الساري، وقديماً من مائة سنة، والكتاب مختصر نافع، أما طبعة دار الكتب العلمية فجميع طباعاتها على حد علمي أنها ليست متقنة.
التفسير الشامل للدكتور أمير عبد العزيز ستة عشر جزءاً أو ستة أجزاء دار السلام؟
ما رأيت الكتاب أنا.
هذا من مصر.
اطراد العلة والتي ذكرتم أن عند اطرادها فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فما معنى اطراد العلة؟
العلة إذا كانت منصوصة دار معها الحكم وجوداً وعدماً، وأما إذا كانت مستنبطة استنبطها بعض أهل العلم واختلفوا فيها ولم يتفقوا فيها فإن الحكم لا يدور معها.
نقول: العلة منصوصة في الحديث لأنها مدى الحبشة.
يقول: ولا يقع به غالباً إلا الخنق الذي ليس هو على صورة الذبح، وقد قالوا: إن الحبشة تدمي مذابح الشاة بالظفر حتى تزهق نفسها خنقاً، واعترض على التعليل الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار، وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل، وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبه لضعفها، ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وشبهها عما سيأتي واضحاً، ثم وجدت في المعرفة للبيهقي من رواية حرملة عن الشافعي أنه حمل الظفر في هذا الحديث على النوع الذي يُدخل في البخور فقال: مقصود الحديث أن السن إنما يُذكى بها إذا كانت منتزعة، فأما وهو ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة، يعني فدل على أن المراد بالسن السن المنتزعة، وهذا خلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المنفصلة، قال: وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن؟ لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة، وهو لا يفري فيكون في معنى الخنق.
هذا نقله من فتح الباري.
يقول: وفيه المنع من الذبح بالسن والظفر متصلاً كان أو منفصلاً، طاهراً كان أو متنجساً، وفرّق الحنفية بين السن والظفر المتصلين فخصوا المنع بهما وأجازوا بالمنفصلين، وفرقوا بأن المتصل يصير في معنى الخنق، والمنفصل في معنى الحجر، وجزم ابن دقيق العيد بحمل الحديث على المتصلين، ثم قال: واستدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقاً لقوله: «أما السن فعظم» فعلل منع الذبح به لكونه عظماً، والحكم يعم بعموم علته، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة ظاهر هذا أنه من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو تنبيه على تعليل منع التذكية بالسن لكونه عظماً، فيلزم على هذا تقوية المنع من السن أو تعدية المنع من السن إلى كل عظم من حيث أنه عظم متصلاً كان أو منفصلاً، وإليه ذهب النخعي وغيره، وفقهاء أصحاب الحديث منعوا الذكاة بالظفر والعظم حيث كان، وأجازوه بما عدا ذلك للحديث، وهو أحد أقوال مالك.
يقول: منعوا الذكاة بالعظم حيث كان وأجازوه بما عدا ذلك من حديث وهو أحد أقوال مالك، «وأما الظفر فمدى الحبشة» يعني أن الحبشة يذبحون بأظفارهم ولا يستعملون السكاكين في الذبح، فمنعنا الشرع من ذلك لئلا نتشبه بهم، فقيل: إنهم كانوا يغرزون أظفارهم في موضع الذبح فتنخنق الذبيحة، وعلى هذا فيكون محل المنع إنما هو الظفر المتصل، ويكون حجة إلى ما صار إليه ابن حبيب من ذلك، انتهى.
وقيل بالفرق بين المتصل منهما فلا تجوز الذكاة به، وبين المنفصل فتجوز الذكاة به قاله ابن حبيب، فالأول تمسك بالعموم، والثاني نظر للمعنى؛ لأنه يحصل بهما الذبح وهو ضعيف، والثالث بأن الظفر المتصل خنق، والسن المتصل نهش، والصحيح الأول، وما عدا ذلك فليس عليه معول.
يقول: ذكرت في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «وأما الظفر فمدى الحبشة» وقلتم هل تطرد العلة في غير الذبح أم لا؟ وأعرض على فضيلتكم ما ظهر لي، فإن كان صوابًا فالحمد لله، وإن كان خطأ فهو فهم مني أرجو تصوبيه، ولم أقرأه في كتاب، بل نزلت هذا الفرع على الأصول ظهر لي أن هذا العموم مخصوص بالآتي: مخصوص بالعرف، حيث أن العرف والعادة تخصص العموم، ذكر ذلك صاحب المراقي قال:
والعرف حيث قارن الخطابا
...................................
أي العرف من المخصصات للعموم، أيضاً هذا العموم مخصص بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث إن إعمال الظفر في غير الذبح لا شك أنه شائع، وتحيل العادة عدم حدوثه فإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأفعال مخصص للعموم، وأيضاً قوله: أما الظفر فمدى الحبشة هذه تعريف الجزأين المسند والمسند إليه يقتضي الحصر والقصر على الحبشة فقط...
وما أردي كيف؟ نعم التعريف الجزأين يدل على الحصر لكن الظفر مدى الحبشة، إذا قلنا: إنه خاص بهم ومنعنا من التشبه بهم، فسبب المنع التشبه.
هذا تعريف الجزأين المسند والمسند إليه يقتصر الحصر على الحبشة فقط، يعني يمنع منه الحبشة فقط؟ والسؤال من المسلمين، والتعليل لمنع المسلمين منه لكونه من مُدى الحبشة، وقد يقال: إن هذا مخصوص بما كانت أظافره كأظفار الحبشة فيكون العموم مخصوص بمن كانت أظفاره طويلة كالأحباش.
بعض الفقهاء رخّص في ترك الأظافير في السفر؛ لأنه قد يحتاج إليها...
يحتاج إليها في حل عقدة مثلاً يحتاج إليها في حل عقدة، وحل العقد لا تستعمل بالمدى، أما علة المنع لكونه مدية يستعملها الكفار، فمن هذه الحيثية إذا استعملناه فيما لا يستعمل إلا بالمدية كالذبح ونحوه مثل هذا يتجه المنع.
لا في الصغير ما لا يوجد في الكبير، وفي الأوسط ما لا يوجد في الصغير وهكذا، فكلها كتب نافعة ومقصودة.
على كل حال تحقيقاته جيدة، وهو من أفضل ما يقرأ له، لكن الكتاب ما قرأته.
للأب عشرة أجزاء، وأتمه الولد في ستة أجزاء ويقال: إنه الآن في أواخر الكتاب، أما فوائد الكتاب فهو مرتب منظم يشرح الحديث على الفنون، يفرد الرجال، ثم يأتي بغريب الحديث، ثم بفقه، ثم بعد ذلك يردفه بالآداب مثل طريقة العيني.
ابن أبي جمرة هذا اختصر البخاري وشرحه في مجلدين كبار، اسمه: (بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها) وهو شرح معتبر عند أهل العلم ومعتمد ينقلون عنه كثيراً، ومؤلفه لا يسلم من شوب البدعة، وينقل عن الكتاب فوائد، وفيه أيضاً ما ينفع طالب العلم، لكن يقرأ فيه على حذر.
إذا تيسر لك الطبعة السادسة أو ما صور عنها فهي طبعة صحيحة.
كما أريد أن أسألكم عن بعض أئمة المساجد يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويبينون السنة من البدعة إلا أنهم يفعلون بعض البدع؛ لأنهم يُكرهون من بعض الجهات كقراءة القرآن جماعةً، وقراءة سورة ياسين والدعاء في المقبرة وغير ذلك، هل يجب أن نحبهم في الله أم يجب علينا أن بغضهم ونصنفهم في المبتدعة؟ علماً بأنهم يخافون إن خرجوا من مساجدهم أن يقدم إليها أئمة مبتدعة لا ينكرون منكراً ولا يعرفون معروفاً، جزاكم الله خيراً.
يقول هذا: مفاده أن هؤلاء الأئمة مفادهم الخير، وفيهم الأمر بالمعروف، وفيهم إتباع السنة لكنهم قد يُكرهون على ارتكاب بعض البدع أو قد يرتكبونها لا قناعة بها فمثل هذا هؤلاء يحبون بما عندهم من خير وفضل، ويكره ما يرتكبونه من بدعة، وإذا خُشي أن يجلب أئمة يقررون البدع أو يرتكبونها عن قناعة فمثل هؤلاء لا شك أن من باب ارتكاب أخف الضررين، وأما من لا يدخل المسجد إلا إذا أقيمت الصلاة فمثل هذا إذا لم يكن له عذر لا شك أنه محروم.