كتاب الإيمان (14)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد ذكر الحافظ ابن رجب في شرحه أن الراغب الأصفهاني في كتابه الذريعة إلى مكارم الشريعة، تحدث عن حديث الشعب، وأبدى شيئًا أثنى عليه ابن رجب، نقرأ ما كتبه الراغب.
د يقول: (في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- «الإيمان بضع وسبعون بابًا»، ثبت الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الإيمان بضع وسبعون بابًا، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، وهذه لفظة من تأملها وعرف حقيقتها عرف بالواجب أن الإيمان الواجب هو اثنتان وسبعون درجة لا يصلح أن يكون أكثر منها ولا أقل)، مع أن لفظ البضع محتمل للأكثر لا للأدنى.
طالب: .......
نعم.
(ولا يوجد من الإيمان ما هو خارج عنها بوجه، وأنه -عليهِ السَّلامُ- فيما يورده كما وصفه -عزَّ وجلَّ- بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3 - 5]، وبيان ذلك أن الإيمان شيئان: اعتقاد وأعمال، فالاعتقاد على ثلاث منازل: يقيني لا يعتريه شك ولا شبهة بوجه كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15] الآية، وظني وذلك ما كان عن أمارة قوية، وأعني بالظني هاهنا ما يفسره أهل اللغة باليقين نحو قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46]) يعني رجع الثاني إلى الأول.
طالب: ....... بالعكس يا شيخ.
لكن الثاني أرجعه إلى الأول.
(وأعني بالظن ما يفسره أهل اللغة باليقين) رجع إلى الأول (وتقليد وذلك ما يُعتقد عن رأي أهل البصائر كما وصفه تعالى بقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]. والأعمال ثلاثة: عمارة الأرض المعنية بقوله تعالى: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، وعبادة الله تعالى المعنية بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وخلافته المعنية بقوله تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} [الأعراف: 129]، وقوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وذلك بتحري مكارم الشريعة). الأعمال ثلاثة: عمارة الأرض، عبادة الله تعالى، الخلافة. حقيقة عمارة الأرض والخلافة كلها من أجل تحقيق العبادة التي من أجلها خُلق الإنس والجن.
(فهذه ستة، وكل واحد من هذه إما أن يتحراه الإنسان عن رهبة أو عن رغبة كما قال تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90]، أو يتحراه عن إخلاص تطوع واهتزاز نفس كما قال تعالى: {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} [النساء: 146]، فهذه اثنتا عشرة منزلة، وكل واحدة من هذه المنازل إما أن يكون الإنسان في مبتدئها أو وسطها أو منتهاها؛ لأن كل فضيلة ورذيلة ينفك الإنسان فيها من هذه الأحوال الثلاثة، ولهذا قال -جَلَّ وعَلا- في الفضيلة: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الآية، وقال في الرذيلة: {الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137]).
يعني فهمه لهذه الآيات وتنزليها هذه المنازل هل هو السابق إلى أفهام أهل العلم أو المسلمين قاطبة ليحصر الإيمان في اثنتين وسبعين درجة؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
ما هي مسألة تأخر، المسألة يعني فهم بعيد، ما يتبادر إلى الذهن من أجل أن يكون هو اللازم لجميع المسلمين.
طالب: صحيح.
(فجعل منازل الإيمان ومنازل التقوى ثلاثة كما ترى، فهذه اثنتا عشرة في ثلاثة تكون ستة وثلاثين، وكل واحدة من هذه الستة والثلاثين إما أن يتوصل الإنسان من طريق الاجتباء أو من طريق الهداية).
طالب: .......
نعم.
(والاجتباء للأنبياء ومن يليهم من الأولياء، وهو إيثار الله تعالى بعض عباده بفيض إلهي، أو تأتيهم الحكمة بلا سعي منهم، وعلى هذا قوله: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: 6]، وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179]، والاهتداء للحكماء والعلماء هو توفيق الله تعالى العبد؛ ليطلب بسعيه وجهده الحكمة، فيتحصل له منها بقدر ما يتحصل من المشقة وإليهما عنى بقوله تعالى: {يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13]، وقوله: {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا} [مريم: 58].
فهذه اثنتان وسبعون درجة لا يمكن الزيادة عليها ولا النقصان عنها).
طيب.
(وكل ما ورد من الأخبار فليس بخارج عنها، والله الموفق. فمما هو من جملة العبادة قوله -عليهِ السَّلامُ-: «الوضوء شطر الإيمان»، وقوله: «الإيمان الصلاة، من فرغ لها قلبه وأقامها بحدودها ووقتها وسننها»).
يقول: هذا جزء من حديث رواه ابن ماجه بلفظ: «إسباغ الوضوء شطر الإيمان».
(ومما هو من مكارم الشريعة قوله -عليهِ السَّلامُ-: «الحياء من الإيمان»، وقال: «لا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد»، وقوله -عليهِ السَّلامُ-: «ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وإنصاف المؤمن من نفسه، وبذل السلام»، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله»، وقوله -عليهِ السَّلامُ- لأناس من أصحابه: «ما إيمانكم؟»، فقالوا: نصبر على البلاء، ونشكر في الرخاء، ونرضى بالقضاء، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «مؤمنون ورب الكعبة»).
وهنا قال العراقي: أخرجه الخطيب وابن عساكر في تاريخه بإسناد ضعيف من حديث جابر.
يعني حصر الشعب، وأنه لا تجوز الزيادة عليها ولا النقص منها من خلال هذا الفهم..؟
طالب: .......
صحيح.
طالب: .......
الحافظ ابن حجر أم ابن رجب؟
طالب: ابن رجب.
ابن رجب، ابن رجب.
أشار الحافظ ابن حجر إلى أن ابن حبان فصلها، وهي أيضًا في الكرماني مفصلة.
يقول ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في شرح الحديث: (قال الإمام البخاري: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»".
قوله: "عن أبي هريرة" هذا أول حديث وقع ذِكره فيه، ومجموع ما أخرجه له البخاري من المتون المستقلة أربعمائة حديث وستة وأربعون حديثًا على التحرير، وقد اختلف في اسمه اختلافًا كثيرًا. قال ابن عبد البر: لم يُختلف في اسم في الجاهلية والإسلام مثل ما اختُلف في اسمه، اختلف فيه على عشرين قولاً. قلت: وسرد ابن الجوزي في التلقيح) تلقيح فهوم أهل الأثر، مطبوع.
(في التلقيح منها ثمانية عشر، وقال النووي: تبلغ أكثر من ثلاثين قولاً. قلت: وقد جمعتها في ترجمته في تهذيب التهذيب فلم تبلغ ذلك، ولكن كلام الشيخ محمول على الاختلاف في اسمه واسم أبيه معًا.
قوله: "«بِضع»" بكسر أوله وحكي الفتح لغةً، وهو عدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع كما جزم به القزاز). في كتاب أيش؟
طالب: الجامع.
الجامع نعم في اللغة.
(كما جزم به القزاز، وقال ابن سِيده: إلى العشر، وقيل: من واحد إلى تسعة، وقيل: من اثنين إلى عشرة، وقيل: من أربعة إلى تسعة، وعن الخليل: البضع السبع، ويرجح ما قاله القزاز ما اتفق عليه المفسرون في قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42]، وما رواه الترمذي بسند صحيح: «أن قريشًا قالوا ذلك لأبي بكر»، وكذا رواه الطبري مرفوعًا، ونقل الصغاني في العباب أنه خاص بما دون العشرة وبما دون العشرين فإذا جاوز العشرين امتنع).
طالب: .......
البضع؟
طالب: .......
أين «بضع وستون»؟
طالب: .......
(أنه خاص بما دون العشرة) {بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42]، (وبما دون العشرين) بضعة عشرة، (فإذا جاوز الحديث امتنع) والحديث: «بضع وستون» أو «بضع وسبعون»، هذا يرد على ما قاله الصغاني.
(قال: وأجازه أبو زيد فقال: يقال بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأةً، وقال الفراء: وهو خاص بالعشرات إلى التسعين، ولا يقال بضع ومائة ولا بضع وألف، ووقع في بعض الروايات «بضعة» بتاء التأنيث ويحتاج إلى تأويل)، وذكرنا ما ذكره العيني من تصويب الكرماني في هذا الباب.
(قوله: «وستون» لم تختلف الطرق عن أبي عامر شيخ شيخ المؤلف في ذلك، وتابعه يحيى الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم عن سليمان بن بلال، وأخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو عن سليمان بن بلال فقال: «بضع وستون» أو «بضع وسبعون»، وكذا وقع التردد في رواية مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، ورواه أصحاب السنن الثلاثة من طريقه فقالوا: «بضع وسبعون» من غير شك، ولأبي عوانة في صحيحه من طريق «ست وسبعون» أو «سبع وسبعون»، ورجح البيهقي رواية البخاري؛ لأن سليمان لم يشك، وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمرو عنه فتردد أيضًا، لكن يرجح بأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه.
وأما رواية الترمذي بلفظ «أربع وستون» فمعلولة، وعلى صحتها لا تخالف رواية البخاري، وترجيح رواية «بضع وسبعون»؛ لكونها زيادة ثقة، كما ذكره الحليمي ثم عياض لا يستقيم؛ إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لا سيما مع اتحاد المخرج، وبهذا يتبين شفوف نظر البخاري، وقد رجح ابن الصلاح الأقل؛ لكونه المتيقن).
وهذا سبق أن ذكرناه، وقلنا: إنه لا يقال: زيادة من ثقة في لفظ واحد.
(قوله «شُعبة» بالضم أي قطعة، والمراد الخَصلة أو الجزء.
قوله «والحياء» هو بالمد، وهو في اللغة: تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه، وفي الشرع: خُلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر: «الحياء خير كله». فإن قيل الحياء من الغرائز، فكيف جُعل شعبةً من الإيمان؟ أجيب بأنه قد يكون غريزةً وقد يكون تخلقًا، ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة وحاجزًا عن فعل المعصية ولا يقال: رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لأن ذاك ليس شرعيًّا.
فإن قيل: لِم أفرده بالذكر هنا؟
أجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب؛ إذ الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر، والله الموفق، وسيأتي مزيد في الكلام عن الحياء في "باب الحياء من الإيمان" بعد أحد عشر بابًا).
يقول: (فائدة، قال القاضي عياض: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبةً، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان) يعني ما يلزم أن تعرفها على التفصيل، لكن إذا مرت بك خصلة تعرف أن هذه من خصال الإيمان، أما أن تستحضر عددها فلا يلزم.
(ولم يتفق من عد الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه)، وعلقت على هذا القول بيَّنها شعبة شعبة في كتاب وصف الإيمان وشعبه كما في صحيحه في المجلد الأول صفحة ثلاثمائة وأربعة وثمانين، وذكرها الكرماني أيضًا في المجلد الأول صفحة أربعة وثمانين.
يقول ابن حجر: (وقد لخصت مما أوردوه مما أذكره وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلةً: الإيمان بالله، ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه المسألة في القبر والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ومحبة الله والحب والبغض فيه، ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته، والإخلاص، ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع، ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير، وترك الكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب.
وأعمال اللسان، وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد وتلاوة القرآن وتعلم العلم وتعليمه والدعاء والذكر، ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو.
وأعمال البدن وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة، منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة: التطهير حسًّا وحكمًا، ويدخل فيه اجتناب النجاسات وستر العورة والصلاة فرضًا ونفلاً والزكاة كذلك، وفك الرقاب والجود، ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف والصيام فرضًا ونفلاً والحج والعمرة كذلك والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر والفرار بالدين ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك والوفاء بالنذر والتحري في الأيمان وأداء الكفارات. ومنها ما يتعلق بالاتباع وهي ست خصال: التعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين، وفيه اجتناب العقوق وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة السادة أو الرفق بالعبيد.
ومنها ما يتعلق بالعامة وهي سبع عشرة خصلةً: القيام بالإمرة مع العدل ومتابعة الجماعة وطاعة أولي الأمر والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة، والمعاونة على البر ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد، ومنه المرابطة وأداء الأمانة ومنه أداء الخمس، والقرض مع وفائه وإكرام الجار وحسن المعاملة وفيه جمع المال من حله، وإنفاق المال في حقه ومنه ترك التبذير والإسراف ورد السلام وتشميت العاطس وكف الأذى عن الناس واجتناب اللهو وإماطة الأذى عن الطريق.
فهذه تسع وستون خصلةً، ويمكن عدها تسعًا وسبعين خصلةً باعتبار إفراد ما ضُم بعضه إلى بعض مما ذُكر، والله أعلم).
يقول: (فائدة في رواية مسلم من الزيادة «أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، وفي هذا إشارة إلى أن مراتبها متفاوتة).
قال: (تنبيه: وفي الإسناد المذكور رواية الأقران، وهي عبد الله بن دينار عن أبي صالح؛ لأنهما تابعيان، فإن وُجدت رواية أبي صالح عنه صار من المدبَّج، ورجاله من سليمان إلى منتهاه من أهل المدينة وقد دخلها الباقون)، يعني هذه من لطائف الإسناد.
انظر كلام ابن حبان وكلام الكرماني، ثلاثمائة وأربعة وثمانين.
يقول ابن حبان -رَحِمَهُ اللهُ-: (ذكر البيان بأن الإيمان أجزاء وشعب لها أعلى وأدنى)، ثم ذكر بإسناده (عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً - أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً - فَأَرْفَعُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
قال أبو حاتم:) يعني ابن حبان المؤلف (أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الخبر إلى الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في جميع الأحوال، فجعله أعلى الإيمان، ثم أشار إلى الشيء الذي هو نفل للمخاطبين في كل الأوقات، فجعله أدنى الإيمان، فدل ذلك على أن كل شيء فُرض على المخاطبين في كل الأحوال، وكل شيء فرض على بعض المخاطبين في بعض الأحوال، وكل شيء هو نفل للمخاطبين في كل الأحوال؛ كله من الإيمان).
ماذا يقصد بنفل للمخاطبين؟
طالب: إماطة الأذى.
إماطة الأذى عن الطريق نفل، ولو خُشي أن يتضرر به مسلم؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: هو أصلاً نفل.
على كل حال هو يختلف باختلاف قدر الأذى، فإن كان الأذى بالغًا، فيتوقع أن يصيب من لا يدركه كالأعمى مثلاً، تأكد.
طالب: .......
على كل حال هو يدخل في هذا وهذا.
(وأما الشك في أحد العددين فهو من سهيل بن أبي صالح في الخبر، كذلك قاله معمر عن سهيل، وقد رواه سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح مرفوعًا وقال: «الإيمان بضع وستون شعبةً»، ولم يشك، وإنما تنكبنا خبر سليمان بن بلال في هذا الموضع، واقتصرنا على خبر سهيل بن أبي صالح؛ لنبين أن الشك في هذا الخبر ليس من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هو كلام سهيل بن أبي صالح كما ذكرناه).
ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (ذِكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به سهيل بن أبي صالح)، ثم ذكر رواية سليمان بن بلال التي أشار إليها، ثم قال: (قال أبو حاتم: اختصر سليمان بن بلال هذا الخبر فلم يذكر ذكر الأعلى والأدنى من الشعب، واقتصر على ذكر الستين دون السبعين، والخبر في بضع وسبعين خبر متقصًّى صحيح لا ارتياب في ثبوته، وخبر سليمان بن بلال خبر مختصر غير متقصًّى.
وأما البضع فهو اسم يقع على أحد أجزاء الأعداد؛ لأن الحساب بناؤه على ثلاثة أشياء: على الأعداد والفصول والتركيب، فالأعداد من الواحد إلى التسعة، والفصول هي العشرات والمئون والألوف، والتركيب ما عدا ما ذكرنا. وقد تتبعت معنى الخبر مدةً، وذلك أن مذهبنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتكلم قط إلا بفائدة).
لكنه مع ذلك قد يترك البيان لفائدة، قد يترك البيان، ما ذكره إجمالاً لفائدة، ذكرنا أن من ذلك: ليلة القدر، وساعة الجمعة، والأسماء الحسنى التسعة والتسعين، وليكن هذا منها؛ ليجتهد الناس في العمل بكل ما يحتمل أن يكون من الإيمان.
(وذلك أن مذهبنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يُعلم معناه، فجعلت أعد الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئًا كثيرًا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا وتلوته آيةً آيةً بالتدبر، وعددت كل طائفة عدها الله -جَلَّ وعَلا- من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن، وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عدَّه الله -جَلَّ وعَلا- من الإيمان في كتابه، وكل طاعة جعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبةً، لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء، فعلمت أن مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبةً في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب وصف الإيمان وشعبه، بما أرجو أن فيها الغُنية للمتأمل إذا تأملها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب.
والدليل على أن الإيمان أجزاء بشعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خبر عبد الله بن دينار: «الإيمان بضع وسبعون شعبةً، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله»، فذكر جزءًا من أجزاء شعبه هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: وأني رسول الله، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار، وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة، واقتصر على ذكر جزء واحد منها، حيث قال: «أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله»، فدل هذا على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان، ثم عطف فقال: «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، فذكر جزءًا من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعب، وكل جزء من أجزاء الشعب التي هي من بين الجزأين المذكورين في هذا الخبر اللذين هما من أعلى الإيمان وأدناه؛ كله من الإيمان.
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «الحياء شعبة من الإيمان»، فهو لفظة أُطلقت على شيء بكناية سببه، وذلك أن الحياء جِبلة في الإنسان، فمن الناس من يكثر فيه، ومنهم من يقل ذلك فيه، وهذا دليل صحيح على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن الناس ليسوا كلهم على مرتبة واحدة في الحياء، فلما استحال استواؤهم على مرتبة واحدة فيه صح أن من وُجد فيه أكثر كان إيمانه أزيد ومن وُجد فيه منه أقل كان إيمانه أنقص، والحياء في نفسه هو الشيء الحائل بين المرء وبين ما يباعده من ربه عن المحظورات، فكأنه -صلى الله عليه وسلم- جعل ترك المحظورات شعبةً من الإيمان بإطلاق اسم الحياء عليه على ما ذكرناه).
يبقى أنه ما بيَّن هنا.
طالب: .......
البيان في كتاب وصف الإيمان والشعب، يعني إجمالاً هنا.
هل نقول: إن تكلف هذه الأعداد وحصر الشعب والبحث عنها في النصوص، نقول: هذا تكلف لا حاجة إليه؛ لأنه لو كان فيه فائدة للمكلف لذكره النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
طالب: أو اجتهد الصحابة في السؤال عنها.
أو سألوه عنها. لأن بعض ما يُبهم في القرآن يتكلف بعض المفسرين في بيانه، ثم يقال لهم: إن هذا لو كان فيه فائدة للمكلف لبينه الله -جَلَّ وعَلا- في كتابه ما أجمله.
طالب: .......
طيب.
طالب: .......
يعني الطلب طلب العمل بها، يعني كل ما أدركته من النصوص يدل على أنه من الإيمان فاعمل به، وهذا يدل على أنك لا تقف، لكن لو حصرتها جمعتها وحصرتها وقفت، صح أم لا؟
طالب: نعم.
كل ما وقع وصفه بكونه من الإيمان اعمل به، وعلى هذا لو عمرك كله تبحث وكل ما وقفت عليه ويصير من الإيمان تعمل به، أما إذا حُصرت وجمعت مثل الأسماء الحسنى التسعة والتسعين التي تُردد على ألسنة الناس هل هي المرادة بالحديث؟ ولذلك كل من ألف في الأسماء الحسنى تجد له اجتهادًا غير اجتهاد غيره، يزيد وينقص؛ وذلكم لأن الأسماء أكثر من تسعة وتسعين، ليست تسعة وتسعين، حتى قال بعض الشراح: إنها مائة من هذا الحديث، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «مائة إلا واحدة»! كيف تصير مائة وهو يقول: «تسعة وتسعون»، «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدة»؟
طالب: .......
نعم. إضافة إلى اللفظ الذي تسمى به هذه الأسماء، وهو من الأسماء بلا شك. وعلى كل حال هي أكثر من تسعة وتسعين: «أو استأثرت به في علم الغيب عندك». فهل نقول: إن هذه الخصال لا يمكن أن تزيد عن بضع وستين أو بضع وسبعين؟
طالب: .......
على كل حال هي مسائل اجتهادية، وتكلفها أهل العلم، وجمعوها، وبعضهم يذكر شيئًا، ولا يذكر غيره، ويذكر الثاني غيره، ويحذف ما قاله غيره.
على كل حال مسائل اجتهاد، والأصل أن المسلم كل ما يقف عليه من كلام الله وكلام رسوله أنه وصف من الإيمان، ويحث عليه أنه يعمل به، بغض النظر عن هذا العدد.
ننظر الكرماني ماذا يقول، بصفحة أربعة وثمانين، تكلم في شرح الحديث إلى أن قال: (وهذا الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال، وأقول: ليس نصًّا؛ إذ معناه شعب الإيمان بضع وكذا؛ لأن لفظ الإماطة غير داخلة في حقيقة الإيمان والتصديق خارج عنه اتفاقًا).
هذا إذا قصرنا حقيقة الإيمان على التصديق.
(التيمي: المراد من وُجدت فيه هذه الخصال فهو مؤمن على سبيل الكمال، ثم إيمان كل واحد بقدر وجود هذه الخصال فيه.
قال الإمام أبو حاتم البستي: تتبعت معنى هذا الحديث مرة وعددت الطاعات...) إلى آخره.
ثم قال: (قال القاضي البيضاوي: يحتمل أن يراد بهذا العدد، أي بالبضع والسبعين، التكثير دون التقدير كما في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، واستعمال لفظي السبع والسبعين للتكثير كثير؛ وذلك لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد، فإنه ينقسم إلى فرد وزوج، وكل منهما إلى أول ومركب، والفرد الأول ثلاثة والمركب خمسة والزوج الأول اثنان، والمركب أربعة، وينقسم أيضًا إلى منطق كالأربعة وأصم كالستة، ثم إن أريد مبالغة جعلت آحادها أعشارًا، وإن يُراد تعداد الخصال حقيقة. وبيانه أن شُعب الإيمان وإن كانت متعددة إلا أن حاصلها يرجع إلى أصل واحد وهو تكميل النفس على وجه به يصلح معاشه ويحسن معاده؛ وذلك بأن يعتقد الحق ويستقيم في العمل، وإليه أشار -عليهِ السَّلامُ- حيث قال لسفيان الثقفي حين سأله قولاً جامعًا: «قل آمنت بالله ثم استقم».
والاعتقاد يتشعب إلى ست عشرة شعبة: طلب العلم ومعرفة الصانع وتنزيهه عن النقائص والإيمان بصفات الإكرام مثل الحياة والعلم والإقرار بالوحدانية والاعتراف بأن ما عداه صُنعه لا يوجد ولا يُعدم إلا بقضائه وقدره، والإيمان بملائكته المطهرة المعتكفين في حظائر القدس، وتصديق رسله المؤيدين بالآيات وحسن الاعتقاد فيهم، والعلم بحدوث العالم واعتقاد فنائه والجزم بالنشأة الثانية...).
كل هذا الكلام مع ما سبق أن ذكرناه عن الشراح يدل على عدم اتفاقهم على شيء واحد، وإلا النصوص ممكن حصرها، نصوص الكتاب وما يصح من السنة يمكن حصرها، لكن اختلافهم يدل على أن هذا مرجعه، هذا العمل صنيعهم هذا مرجعه إلى الاجتهاد، ولذلك اختلفوا فيه.
(وتصديق رسله المؤيّدين بالآيات وحسن الاعتقاد فيهم، والعلم بحدوث العالم واعتقاد فنائه، والجزم بالنشأة الثانية وإعادة الأرواح إلى الأجسام والإقرار باليوم الآخر بما فيه من الصراط والحساب والميزان وسائر ما تواتر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والوقوف على وعد الجنة وثوابها والتيقن بوعيد النار وعقابها.
والعمل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها ما يتعلق بالمرء نفسه، وينقسم إلى قسمين: أحدهما ما يتعلق بالباطن وحاصله تزكية النفس عن الرذائل وأمهاتها عشرة: شَرَه الطعام وشره الكلام وحب الجاه).
هذه خصال إيمان؟
طالب: لا لا هو جاء بالعكس.
ماذا؟
طالب: .......
أمهات الرذائل يعني المقصود تزكية النفس يعني تركها، ترك هذه الأمور.
(وشره الكلام وحب الجاه وحب المال وحب الدنيا والحقد والحسد والرياء والنفاق والعجب، وتحلية النفس بالفضائل وأمهاتها ثلاثة عشر التوبة والخوف والرجاء والزهد والحياء والشكر والوفاء والصبر والإخلاص والصدق والمحبة والتوكل والرضاء بالقضاء.
وثانيهما ما يتعلق بالظاهر، ويسمى بالعبادة وشعبها ثلاثة عشر: طهارة البدن عن الحدث والخَبَث وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقيام بأمر الجنائز وصيام رمضان والاعتكاف وقراءة القرآن وحج البيت وذبح الضحايا والوفاء بالنذر وتعظيم الأيمان وأداء الكفارات.
وثانيها: ما يتعلق به وبخواصه وأهل منزلة وشعبها ثمان: التعفف عن الزنا والنكاح والقيام بحقوقه والبر بالوالدين وصلة الرحم وطاعة السادة والإحسان إلى المماليك والعتق.
وثالثها: ما يعم الناس وينوط به- ويناط أو ينوط به -إصلاح العباد وشعبها سبع عشرة: القيام بإمارة المسلمين واتباع الجنازة ومطاوعة أولي الأمر ومعاونتهم على البر وإحياء معالم الدين ونشرها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ الدين بالزجر عن الكفر ومجاهدة الكفار والمرابطة في سبيل الله وحفظ النفس بالكف عن الجنايات وإقامة حقوقها من القصاص والديات وحفظ أموال الناس بطلب الحلال وأداء الحقوق والتجافي عن المظالم وحفظ الأنساب وأعراض الناس بإقامة حدود الزنا والقذف وصيانة العقل بالمنع عن تناول المسكرات بالتهديد والتأديب عليه ودفع الضرر عن المسلمين، ومن هذا القبيل إماطة الأذى عن طريق.
قال علي بن عيسى النحوي: السبعة أكمل الأعداد؛ لأن الستة أول عدد تام وهو مع الواحد سبعة فكانت كاملة؛ إذ ليس بعد التمام سوى الكمال، وسمي الأسد سبُعًا؛ لكمال قوته).
جاء الخبر: «الهر سبُع».
(لكمال قوته، ثم السبعون غاية الغاية؛ إذ الآحاد غايتها العشرات. الطيبي: الأظهر معنى التكثير، ويكون ذكر البضع للترقي، يعني أن شعب الإيمان أعداد مُبهمة ولا نهاية لكثرتها؛ إذ لو أريد التحديد لم يُبهم، ولو شَرعت في معنى الحياء وفسرته بما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «استحيوا من الله»، قالوا: إنا نستحي من الله يا رسول الله، والحمد لله، قال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»).
يقول: (لقد حاولت أمرًا عظيمًا، ثم ليذق من رزق الطبع السليم المستقيم معنى إفراد الحياء بالذكر بعد إدخاله في الشعب كأنه يقول: هذه شعبة واحدة من شعبه، فهل تَحصل أو تُحصى شعبه كلها؟ هيهات إن البحر لا يُنزف.
قال مُحيي السُّنة)، يعني البغوي: (لما كان الحياء سببًا يمنعه عن المعاصي كالإيمان عد الحياء شعبة من شعبه، وإن لم يكن أمرًا مكتسبًا.
وأقول: هذا توجيه ثالث لتخصيص الحياء بالذكر. ثم قوله: وإن لم يكن أمرًا مكتسبًا ممنوع؛ إذ ربما يكتسب؛ لأن الأخلاق جائزة الاكتساب أو يكتسب استعماله على قانون الشرع.
هذا واعلم أن تعداد الشعب يمكن بطريق أضبط مما ذكر وأنتج من التكرار بأن يقال: الإنسان لا يخلو من المبدأ والمعاد والمعاش، وهي إما أن تتعلق بنفس الرجل فقط وتسمى بالنفسانية، أو بغيره من خاصته وهم أهل منزله وتسمى المنزلية وإما بغيره من عامة الناس وتسمى بالبدنية. والنفسية إما باطنية وإما ظاهرية. والظاهرية إما قولية وإما فعلية. والمبدئية إما متعلقة بذات الله تعالى وهي تسعة: وهي الإيمان بوجود الصانع وبالتوحيد الذي هو أصل صفات الجلال وبالصفات السبعة المسماة بصفات الإكرام وهي الحياء والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام)، على طريقتهم الأشعرية، (وإما بفعل الله وحكمه وهي أربعة: الإيمان بملائكته وكتبه ورسله وحدوث العالَم). يعني تكلم عن أركان الإيمان وشعب الإيمان الذي يطرأ على خاطره أو على باله حدوث العالَم، أن يمر صفات ما ترد على الخاطر فضلاً عن أن تكون مرادة بالحديث.
طالب: .......
ما هي؟
طالب: .......
وردت ووصفت بأنها من الإيمان؟
طالب: .......
لكن أحيانًا تحث على التفكر، التفكر من شعب الإيمان بلا شك، بل من أجل العبادات.
طالب: أحسن الله إليك، ما يقال.......
هو ما فيه شك أن هذا فيه حث للهمم على العمل بكل ما وُصف بأنه من الإيمان.
طالب: .......
من تتبعها، مثل ما قلنا: أنت عليك أن تنظر في كلام الله وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- وتمتثل ما جاء عنهما، وكل ما جاء وصفه بأنه من الإيمان اعمل به.
طالب: .......
لا هذا من باب الحث، يذكر الشيء ويجمله.
طالب: .......
هو يذكر الشيء ويجمله؛ ليزداد المكلف بالعمل.
طالب: .......
هذا في الأسماء الحسنى، ابحث.
طالب: .......
واشتغل نعم، لكن لا تحصر؛ لأن الحصر اجتهادي.
(والمعادية أمهاتها ثمانية: وهي البعث والوقوف والحساب والميزان والصراط والشفاعة والجنة والنار وما يتعلق بهما.
والمنزلية كذلك ثمانية: التعفف عن السفاح وعقد النكاح والقيام بحقوقه والبر بالوالدين وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة السادات والإحسان إلى المماليك. والمدنية أصولها أربعة عشر: القيام بالإمارة...).
إلى آخر ما ذكر.
طالب: .......
ما يصح ما يصح.
طالب: .......
لا ما يصح.
طالب: .......