التعليق على تفسير القرطبي - سورة الأحقاف (01)
سُورَةُ الْأَحْقَافِ
مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ جميعهم. وهي أربع وثلاثون آية، وقيل: خمس.
قَوْلِهِ تَعَالَى: {حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} تَقَدَّمَ {مَا خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ"} تَقَدَّمَ أَيْضًا {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} يَعْنِي الْقِيَامَةَ، فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ الأجل الذي تنتهي إليه السموات والأرض. وقيل: إنه هو الأجل الْمَقْدُورُ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ."
يعني أجل عام وأجل خاص، كما يقال: من مات قامت قيامته، هذا باعتبار التعريف الخاص، والقيامة التي يموت فيها الناس كلهم بقيام الساعة.
"{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا} خوفوه" مُعْرِضُونَ" مولون لا هون غير مستعدين له. ويجوز أَنْ تَكُونَ " مَا" مَصْدَرِيَّةً، أَيْ عَنْ إِنْذَارِهِمْ ذلك اليوم.
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ }.
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أَيْ مَا تَعْبُدُونَ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أَيْ هَلْ خَلَقُوا شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ، { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} أَيْ نَصِيبٌ " فِي السَّماواتِ" أَيْ في خلق السموات مَعَ اللَّهِ { ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ"
يعني هل استقلوا بخلق السماوات والأرض أو شاركوا على الأقل في خلقهما، يعني أدنى مشاركة؟ لم يحصل منهم شيء من ذلك.
"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: " أَوْ أَثَارَةٍ" بِأَلِفٍ بَعْدَ الثَّاءِ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ خَطٌّ كَانَتْ تَخُطُّهُ الْعَرَبُ فِي الْأَرْضِ» ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَمْ يَصِحْ. وَفِي مَشْهُورِ الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ»، وَلَمْ يَصِحْ أَيْضًا."
هذا كلام ابن العربي، لكنه معروف في الصحيح، الثاني معروف.
طالب: ............
نعم ماذا قال عن الأول؟
طالب: قال: الصواب أنه موقوف على ابن عباس، كذا أخرجه الطبري كما في الدر المنثور، فقول ابن العربي: لم يصح مرفوعه، ذكر المحقق: وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- بالفتح عن ابن عباس أخرجه أحمد والحاكم، وإسناده صحيح.
الثاني؟
طالب: أحسن الله إليك، الثاني قال: صحيح أخرجه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي في أثناء خبر الطيرة مشهور.
طالب: ...........
ماذا؟
طالب: ...........
قالوا عن إدريس: إنه كان يخط، فمن وافق خطه، كأنه يخط على الأرض على شيء أو شيء من هذا، شيء أوتيه، يختص به، فمن وافقه خطه، كما جاء في الحديث، لكن من يوافق من غير إطلاع؟
طالب: .......
يعني طابق حدسه، طابق حدسه، طابق ظنه، على كل حال الحديث من المشكل، ولا يمكن أن يوافق خطه إلا من اطلع عليه، والناس لم يطلعوا عليه، إذن لا يمكن الموافقة.
طالب: المقصود بالخط....
نعم بمثله، طلعه من مسلم يا أبا عبد الله من صحيح مسلم، هات الخامس من الفهرس ثم يحيلك عليه، كان نبي من الأنبياء يخط..
طالب:......
ماذا؟
طالب: .........
رقم الحديث خمسمائة تجده في الثاني.
طالب:.....
كم؟
على كل حال يراجع إن شاء الله، لازم نأتي بنسخة كاملة.
" قُلْتُ: هُوَ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَأَسْنَدَ النَّحَّاسُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ (يُعْرَفُ بِالْجَرَايِجِيِّ) قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُنْدَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: {أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ"} قَالَ: «الْخَطُّ»، وَهَذَا صَحِيحٌ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَاءَ لِإِبَاحَةِ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الأنبياء كان يفعله."
المراد بالضرب الضرب بالحصى، المراد بالخط الخط على الرمل، وهذا معروف أنه في شرعنا منفي محرم، والإحالة على موافقة الخط خط إدريس هذا إحالة على معدوم، على ما لا يمكن الإطلاع عليه، وليس من باب التقرير، إنما هو من باب الإحالة على المعدوم، فكأنه قال: إذا كنت تريد أن تخط، أو تضرب، فلابد لك من موافقة خط إدريس، ومن المحال أن تطلع عليه وتعرفه وأنت لم تدركه.
طالب: قوله: {لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت..}.
أين؟
طالب: مثل قوله: {قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت..}.
يعني إحالة على معدوم، إحالة على مستحيل.
طالب: شيخ أحسن الله إليك ما يكون قريبًا منه فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة.
لكن فرق بين شيء مطلوب يحال على أمر ممكن، وبين شيء ممنوع يحال على أمر مستحيل؛ لأن النطق، النطق يمكن موافقته، وإذا أدينا هذا المطلوب على الوجه الشرعي وافقنا، بمعني أننا لا نتأخر عن الإمام، ولا نتقدم عليه بمجرد ما يقول: ولا الضالين نقول: آمين، بالمد المعتبر في مثل هذه الكلمة نكون وافقناه.
"وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَاءَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ»، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ طَرِيقِ النبي الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ، فَإِذًا لَا سَبِيلَ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ.قَالَ:
لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الضَّوَارِبُ بِالْحَصَا ... وَلَا زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ مَا اللَّهُ صَانِعُ
وَحَقِيقَتُهُ عِنْدَ أَرْبَابِهِ تَرْجِعُ إِلَى صُوَرِ الْكَوَاكِبِ، فَيَدُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ مِنْ سَعْدٍ أَوْ نَحْسٍ يَحِلُّ بِهِمْ، فَصَارَ ظَنًّا مَبْنِيًّا عَلَى ظَنٍّ، وَتَعَلُّقًا بِأَمْرٍ غَائِبٍ قَدْ دُرِسَتْ طَرِيقُهُ، وَفَاتَ تَحْقِيقُهُ، وَقَدْ نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ، وَأَخْبَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ، وَقَطَعَهُ عَنِ الْخَلْقِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ أَسْبَابٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهَا فِي دَرْكِ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّبَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ قد رفع تلك الأسباب وطمس تيك الْأَبْوَابَ، وَأَفْرَدَ نَفْسَهُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ، فَلَا يَجُوزُ مُزَاحَمَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ دَعْوَاهُ. وَطَلَبَهُ عَنَاءٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَهْيٌ، فَإِذْ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ فَطَلَبُهُ مَعْصِيَةٌ أَوْ كُفْرٌ بِحَسْبِ قَصْدِ الطَّالِبِ.
قُلْتُ: مَا اخْتَارَهُ هُوَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: « فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» هَذَا يَحْتَمِلُ الزَّجْرَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ، وَقَدِ انْقَطَعَتْ، فَنُهِينَا عَنِ التَّعَاطِي لِذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْأَظْهَرُ مِنَ اللَّفْظِ خِلَافُ هَذَا، وَتَصْوِيبُ خَطِّ مَنْ يُوَافِقُ خَطَّهُ، لَكِنْ مِنْ أَيْنَ تُعْلَمُ الْمُوَافَقَةُ وَالشَّرْعُ مَنَعَ مِنْ التَّخَرُّصِ وَادِّعَاءِ الْغَيْبِ جُمْلَةً- فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ، لَا أَنَّهُ يُرِيدُ إِبَاحَةَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ.
وَحَكَى مَكِّيٌّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ» أَنَّهُ كَانَ يَخُطُّ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الرَّمْلِ ثُمَّ يَزْجُرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: «وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّون» هُوَ الْخَطُّ الَّذِي يَخُطُّهُ الْحَازِي فَيُعْطَى حُلْوَانًا فَيَقُولُ: اقْعُدْ حَتَّى أَخُطَّ لَكَ، وَبَيْنَ يَدَيِ الْحَازِي غُلَامٌ مَعَهُ مِيلٌ ثُمَّ يَأْتِي إِلَى أَرْضٍ رِخْوَةٍ فَيَخُطُّ الْأُسْتَاذُ خُطُوطًا مُعَجَّلَةً لِئَلَّا يَلْحَقَهَا الْعَدَدُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمْحُو عَلَى مَهَلٍ خَطَّيْنِ خَطَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ خَطَّانِ فَهُوَ عَلَامَةُ النَّجْحِ، وَإِنْ بَقِيَ خَطٌّ فَهُوَ عَلَامَةُ الْخَيْبَةِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ الْأَسْحَمَ وَهُوَ مَشْئُومٌ عندهم.
الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبْقِ مِنَ الْأَسْبَابِ الدَّالَّةِ عَلَى الْغَيْبِ الَّتِي أَذِنَ فِي التَّعَلُّقِ بِهَا وَالِاسْتِدْلَالِ مِنْهَا إِلَّا الرُّؤْيَا، فَإِنَّهُ أَذِنَ فِيهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَكَذَلِكَ الْفَأْلُ."
وليست كل رؤيا، وإنما هي الرؤيا الصالحة، أما الأضغاث والرؤى المختلطة التي ليست بصادقة ولا صالحة فلا تدخل في هذا.
"وَأَمَّا الطِّيَرَةُ وَالزَّجْرُ فَإِنَّهُ نَهَى عَنْهُمَا. وَالْفَأْلُ: هُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِمَا يَسْمَعُ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُرِيدُ من الامر إذا كان حسنًا، فإن سَمِعَ مَكْرُوهًا فَهُوَ تَطَيُّرٌ، أَمَرَهُ الشَّرْعُ بِأَنْ يَفْرَحَ بِالْفَأْلِ وَيَمْضِيَ عَلَى أَمْرِهِ مَسْرُورًا. وَإِذَا سَمِعَ الْمَكْرُوهَ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ لِأَجْلِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الْأُدَبَاءِ:
الْفَأْلُ وَالزَّجْرُ وَالْكُهَّانُ كُلُّهُمُ ... مُضَلِّلُونَ وَدُونَ الْغَيْبِ أَقْفَالُ
وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ، إِلَّا فِي الْفَأْلِ فَإِنَّ الشَّرْعَ اسْتَثْنَاهُ وَأَمَرَ بِهِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْ هَذَا الشَّاعِرِ مَا نَظَمَهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ بِجَهْلٍ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ أَصْدَقُ وَأَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
قُلْتُ: قَدْ مَضَى فِي الطِّيَرَةِ وَالْفَأْلِ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا يَكْفِي فِي (الْمَائِدَةِ) وَغَيْرِهَا. وَمَضَى فِي (الْأَنْعَامِ) أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُنْفَرِدٌ بِعِلْمِ الْغَيْبِ، وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ، أَوْ يَجْعَلُ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةً عَادِيَّةً يُعْلَمُ بِهَا مَا يَكُونُ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ."
يعني الأمر إذا اطرد، إذا اطرد الأمر يمكن أن يستدل به على ما وراءه، لكن لا بد من اطراده، أما الذي لم يطرد فلا يمكن أن يستدل به.
الفرق بين الطيرة والفأل، الطيرة ما يفعله العرب في الجاهلية أنه تمضيهم وتردهم، فإذا رأوا الطير على أيمانهم جزموا بنجاح قصدهم ونجاح هدفهم، فمضوا بسبب الطير الذي جاء على أيمانهم، وإذا جاء بالعكس عن الشمال تشاءموا به، جزموا أن هذا السفر ليس فيه خير، ولا نفع، بل ضرر، ثم رجعوا من أجله، والطيرة ضابطها كما في الحديث: « ما أمضاك وردك»، الفأل تسمع الكلمة الحسنة فلا تمضيك ولا تردك عن شيء، ولكنك تتفاءل بها، وتتوقع الخير إن شاء الله من أجل أنك سمعت هذه الكلمة، كما كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يعجبه الفأل.
طالب: لو مر الإنسان يا شيخ في الضرر ...والقبيح ولم يدخل.
من أجل هذا؟
طالب: نعم من أجل الاسم.
من أجل اسمه فما الحكم؟ فإذا كانت لديه حاجة في هذه القرية فلا يجوز أن يرده اسمه، لا يجوز أن يرده اسمه؛ لأن هذا تشاؤم.
طالب: ............
إن كان له بها حاجة.
طالب: قول الخطابي هنا يا شيخ الجميع يعتمد في...
فمن وافق خطه.
طالب: هل هذا يحتمل الزجر إذا كان ذلك علمًا على نبوته، وقد انقطعت، فنهينا عن التعاطي لذلك.
نحن أُحلنا على شيء، لكن هل يمكن تحقق هذا الشيء؟ هل يمكن أن يُطَّلع أو نقول: نفعل الموافق أم بكيفه مثل ما...
طالب: قال: هذا أسلوب زجر إن لم تستحي فاصنع ما شئت، لا يعني علم....
لا، هذا تعليق على شيء، من وافق خطه خط ذلك الملك فمآله ونتيجته مثل نتيجته، لكن ما الذي يدرينا؟ هذا إذا قلنا: إن شرعه شرع لنا، أما إذا كنا نقول: إن مثل هذا الخط ممنوع في شرعنا، فسواء وافقناه أو لم نوافقه، نعم إذا وافق حصل ما رتب عليه، لكن من حيث الحكم الشرعي، هو ممنوع مطلقًا.
طالب: كلام الخطابي لا يمكن أن يعتمد في شرح الحديث؟
هو معتمد بلا شك من حيث أصل المسألة، أصل المسألة منهي عنها ومزجور عنها ومفروغ منها من حكمه.
طالب:....
لكن من وافق، لو افترضنا أن واحدًا خطط خطوطًا ووافق واحدًا منها، وترتبت عليه أثاره مثل ما كانت تترتب على خط إدريس، نقول: من وافق خطه لكان يوافق، لكن يبقى أنه ممنوع، كما أن الذهاب إلى الكهان والسحرة قد يوافق، قد يكون مما اختطفوه من الجن قبل أن يرجم، فيوافق ويطابق الواقع، لكنه وإن طابقه فهو كذب، وإن طابق فهو كذب؛ لأن الأصل فيه الكذب، «صدقك وهو كذوب»، وأيضًا الكذب والصدق أحكام شرعية تدور مع مقتضى الأمر والنهي، فالقذفة الثلاثة الذين رأوا الزاني يزني بالمرأة بما لا مجال لنفيه ولا ارتياب ولا شك، الرؤية القطعية أشد من ألف خبر، الرؤية، «ليس الخبر كالعيان»، ومع ذلك {فأولئك عند الله هم الكاذبون}، يعني إذا لم يأتوا برابع، فهذه المسألة حكم شرعي، فلو صدق الكاهن، ولو صدق الساحر، لو طابق الواقع فهو في الحقيقة كاذب.
طالب: بالنسبة لتغيير النبي-عليه الصلاة والسلام- لأسماء بعض الصحابة مثل الحزن، ما العلامة؟
يدل على أن هذه الأسماء المكروهة خشية أن يتطير بها أحد ويتشاءم بها، ولا يترتب على وجودها وإثباتها مصلحة، فخشية أن يتطير بها أو يتشاءم بها، وتكون شؤمًا على بعض الناس وإن كان منهيًا عن التشاؤم فتحسم المادة، كما قال «فر من المجزوم فرارك من الأسد».
طالب: قوله وكيف حسن الاسم؟
يعني من باب الفأل، يتفاءل كما جاء سهيل بن عمرو قال: «سهل أمركم في الصلح».
طالب: شيخ أحسن الله إليك..
نعم
طالب: إعلام النبوة بقول الخطابي هل هي مطردة بمعنى هل يصح لأحد يبحث عن دواء مثلاً البرص؟
ماذا؟
طالب: معجزة عيسى –عليه السلام- الشفاء منه..
الأسباب المادية المحسوسة إذا اطردت صارت من قبل الطب ما فيه إشكال، لكن يبحث عن السبب الذي جعل عيسى يصل لهذه المنزلة نقول: النبوة هبة من الله – جل وعلا-، وليست مكتسبة، ومعجزات النبي كنبوته، لا يمكن أن تكتسب المعجزات، قد توجد كرامات لكن المعجزات لا تكتسب.
" مِثَالُهُ إِذَا رَأَى نَخْلَةً قَدْ أَطْلَعَتْ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَتُثْمِرُ، وَإِذَا رَآهَا قَدْ تَنَاثَرَ طَلْعُهَا عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُثْمِرُ."
يعني مقدمات محققة مطردة، تستنبط منها النتائج، أما غير المطرد فإن مثله لا تترتب عليه نتائجه، نعم.
"وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا آفَةٌ تُهْلِكُ ثَمَرَهَا فَلَا تُثْمِرُ، كَمَا أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ النَّخْلَةُ الَّتِي تَنَاثَرَ طَلْعُهَا يُطْلِعُ اللَّهُ فِيهَا طَلْعًا ثَانِيًا فَتُثْمِرُ. وَكَمَا أَنَّهُ جَائِزٌ أَيْضًا أَلَّا يَلِيَ شَهْرَهُ شَهْرٌ وَلَا يَوْمَهُ يَوْمٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِفْنَاءَ الْعَالَمِ ذَلِكَ الْوَقْتَ."
أو إفناءه هو، أو موته هو، أن يجعل في قرارة نفسه أنه يعيش، والأمل عنده ممدود، ولذلك تجده مأمورًا بالسعي، ومأمورًا أن يبيت النية والعزم على صيام الشهر كاملًا، ومع ذلك قد يدرك هذا الشهر، وقد لا يدركه.
" إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي (الْأَنْعَامِ) بَيَانُهُ.
الرَّابِعَةُ-قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} يُرِيدُ الْخَطَّ. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَحْكُمُ بِالْخَطِّ إِذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ خَطَّهُ. وَإِذَا عَرَفَ الْحَاكِمُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ مَنْ كَتَبَ إِلَيْهِ حَكَمَ بِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ فِي النَّاسِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْحِيَلِ وَالتَّزْوِيرِ."
ونظير ذلك العمل بالوجادة في الرواية، إذا وجد المحدث الراوي حديثًا أو أحاديث بخط شيخ لا يشك فيه يرويه بالوجادة، يقول: وجدت بخط فلان، كما في المسند أحاديث كثيرة يقول فيها عبد الله: وجدت بخط أبي، فإذا كان لا يتطرق إليه احتمال الخطأ والتزوير والمشابهة فمثل هذا يعمل به.
" وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "يُحْدِثُ النَّاسُ فُجُورًا فَتَحْدُثُ لَهُمْ أَقْضِيَةٌ"، فَأَمَّا إِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْخَطِّ الْمَحْكُومِ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ هَذَا خَطُّ الْحَاكِمِ وَكِتَابُهُ، أَشْهَدَنَا عَلَى مَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا فِي الْكِتَابِ. وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ أَوْ خَطُّ الرَّجُلِ بِاعْتِرَافِهِ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ- فلا يختلف مذهبه أنه يَحْكُمَ بِهِ.
وَقِيلَ {أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أَوْ بَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَغَيْرُهُمْ. وَفِي الصِّحَاحِ: " أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ" بَقِيَّةٍ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ الْأَثَرَةُ (بِالتَّحْرِيكِ). وَيُقَالُ: سَمِنَتِ الْإِبِلُ عَلَى أَثَارَةٍ، أَيْ بَقِيَّةُ شَحْمٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَنْشَدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ قَوْلَ الرَّاعِي:
وَذَاتَ أَثَارَةٍ أَكَلَتْ عَلَيْهَا ... نَبَاتًا فِي أَكِمَّتِهِ فَفَارَا
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: وَالْأَثَارَةُ وَالْأَثَرُ: الْبَقِيَّةُ، يُقَالُ: مَا ثَمَّ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَتَادَةُ: {أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ}: خَاصَّةً مِنْ عِلْمٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رِوَايَةٌ تَأْثُرُونَهَا عَمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: رِوَايَةٌ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: هُوَ الْإِسْنَادُ. وقال الْحَسَنُ: الْمَعْنَى شَيْءٌ يُثَارُ أَوْ يُسْتَخْرَجُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: " أَوْ أَثارَةٍ" أَيْ عَلَامَةٍ. وَالْأَثَارَةُ مَصْدَرٌ كَالسَّمَاحَةِ وَالشَّجَاعَةِ. وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْأَثَرِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ، يُقَالُ: أَثَرْتُ الْحَدِيثَ آثُرُهُ أَثْرًا وَأَثَارَةً وَأُثْرَةً فَأَنَا آثِرٌ، إِذَا ذَكَرْتُهُ عَنْ غَيْرِكَ."
نعم لا بد أن تأتي بعلم مأثور لا بعلم مبتور، لا بد أن يكون هذا العلم الذي تحتج به وتستدل به يكون مأثورًا ممن يحتج بقوله، أما علم مستنبط أو مبتور بدون أثر تأثره عمن يحتج بقوله فلا قيمة له.
" وَمِنْهُ قِيلَ: حَدِيثٌ مَأْثُورٌ، أَيْ نَقَلَهُ خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ. قَالَ الْأَعْشَى:
إِنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا ... بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالْآثِرِ
وَيُرْوَى:" بين".
وقرئ: " أَوْ أُثْرَةٍ" بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ شَيْئًا مَأْثُورًا مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ. وَالْمَأْثُورُ: مَا يُتَحَدَّثُ بِهِ مِمَّا صَحَّ سَنَدُهُ عَمَّنْ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْهُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ."
يعني هذه القراءة الثانية لهذه اللفظة والقراءة الأولى تقدمت في أول الكلام، تقدمت القراءة الأولى وقراءة العامة أو أثارة، ثم بعد ذلك: وقرأ السلمي والحسن وأبو رجاء.
"أَيْ خَاصَّةً مِنْ عِلْمٍ أُوتِيتُمُوهَا أَوْ أُوثِرْتُمْ بِهَا عَلَى غَيْرِكُمْ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَطَائِفَةٍ: " أَثْرَةٍ" مَفْتُوحَةُ الْأَلِفِ سَاكِنَةُ الثَّاءِ، ذَكَرَ الْأُولَى الثَّعْلَبِيُّ وَالثَّانِيَةُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَوْ مِيرَاثٍ مِنْ عِلْمٍ { إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}.
الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: { ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْم}" فِيهِ بَيَانُ مَسَالِكَ الْأَدِلَّةِ بِأَسْرِهَا، فَأَوَّلُهَا المعقول، وهو قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ} وَهُوَ احْتِجَاجٌ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ فِي أَنَّ الْجَمَادَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. ثُمَّ قَالَ: {ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} فِيهِ بَيَانُ أَدِلَّةِ السَّمْعِ" أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ".
"