التعليق على تفسير القرطبي - سورة الأحزاب (01)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي-رحمه الله تعالى-: "سورة الأحزاب مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ. نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَإِيذَائِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَطَعْنِهِمْ فِيهِ وَفِي مُنَاكَحَتِهِ وَغَيْرِهَا. وَهِيَ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ آيَةً. وَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ. وَكَانَتْ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ: "الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْب، وَهَذَا يَحْمِلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى رَفَعَ مِنَ الْأَحْزَابِ إِلَيْهِ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا، وَأَنَّ آيَةَ الرَّجْمِ رُفِعَ لَفْظُهَا".
وهذا الحمل متعين، هذا الحمل متعين، ولا يجوز غيره، ولا يُظَن بالأمة أنها فرَّطت بشيء من دينها، وعلى رأسه كتاب ربها، بل ما أجمع عليه الصحابة هو ما بين الدفتين، وما عداه فليس من القرآن الباقي لفظه، وإن وُجد من القرآن ما رفع لفظه، وبقي حكمه، كما جاء في هذه السورة. نعم.
"وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ تَعْدِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِائَتَيْ آيَةٍ، فَلَمَّا كُتِبَ الْمُصْحَفُ لَمْ يُقْدَرْ مِنْهَا إِلَّا عَلَى مَا هِيَ الْآنَ»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَمَعْنَى هَذَا مِنْ قَوْلِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة أَنَّ اللَّهَ تعالى رَفَعَ إِلَيْهِ مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا عِنْدَنَا".
يعني هذا إن صح الخبر وإلا ففيه ضعف.
"قُلْتُ: هَذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ النَّسْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ) الْقَوْلُ فِيهِ مُسْتَوْفًى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَرَوَى زِرٌّ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْب: كَمْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ قُلْتُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً، قَالَ: فَوَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَطْوَلَ، وَلَقَدْ قَرَأْنَا مِنْهَا آيَةَ الرَّجْمِ: "الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". أَرَادَ أُبَيٌّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا مَا يُحْكَى مِنْ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ كَانَتْ فِي صَحِيفَةٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَكَلَتْهَا الدَّاجِنُ فَمِنْ تَأْلِيفِ الْمَلَاحِدَةِ وَالرَّوَافِض".
نعم؛ ليشوشوا على المسلمين، وأن هذا القرآن ليس بمحفوظ مادام هذا القدر الكبير مائة وبضع وعشرون آية في أوراق عند عائشة فأكلتها الداجن، هذا يدل على أن القرآن ليس بمحفوظ، مع أن هذا مصادم لنص القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]، وكونه يُنسخ من الآيات ما يُنسخ ويُرفع منها ما يرفع فهذا إلى الله -جل وعلا-: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}[البقرة:106]..
" قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} ضُمَّتْ (أَيُّ) لِأَنَّهُ نِدَاءٌ مُفْرَدٌ، وَالتَّنْبِيهُ لَازِمٌ لَهَا. وَ(النَّبِيُّ) نَعْتٌ لِ(أَيُّ) عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ".
التنبيه يعني الهاء، هاء التنبيه لازمة (لأي)؛ لأنه لا يمكن نداء (أي) بدون هاء التنبيه، ولو كانت مضافة، لو كانت (أي) مضافة إلى الهاء لنُصبت (أي)، فالمنادى المضاف يُنصب، لكنه مفرد.
طالب: ...............
نعم.
طالب: ...............
كيف؟ يعني نُقلت عن مكانها؟
طالب: من أمر بترتيب الأجزاء وترتيب..
أما ترتيب الآيات فهو توقيفي، ترتيب الآيات توقيفي، أما ترتيب السور فمحل إجماع من الصحابة، معروف.
طالب: طيب يا شيخ، حاجوا بأن القرآن أكثر من الموجود..
نعم نُسخ، النسخ هم ينكرونه، الإشكال أننا لا نلتقي معهم؛ لأنهم منكرون النسخ، ولو أقروا بالنسخ انتهى الإشكال، فهم مشكلتهم أنهم لا يقرون بالنسخ، ولا يرون النسخ، ينكرون النسخ، ما نلتقي معهم مهما قالوا فما فيه فائدة.
طالب:.........
الرافضة. نعم
طالب:.........
البداء؟
طالب: ...............
عندهم وعند اليهود أيضًا.
"وَ(النَّبِيُّ) نَعْتٌ لِ(أَيُّ) عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، إِلَّا الْأَخْفَشَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُ صِلَةٌ لِ(أَيُّ). قال مَكِّيٌّ: وَلَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ مُفْرَدٌ صِلَةٌ لِشَيْءٍ. وقال النَّحَّاسُ: وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا جُمْلَةً، وَالِاحْتِيَالُ لَهُ فِيمَا قَالَ: أنَّهُ لَمَّا كَانَ نَعْتًا لَازِمًا سُمِّيَ صِلَةً، وَهَكَذَا الْكُوفِيُّونَ يُسَمُّونَ نَعْتَ النَّكِرَةِ صِلَةً لَهَا. وَلَا يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْمَوْضِعِ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ. وَأَجَازَهُ الْمَازِنِيُّ، جَعَلَهُ كَقَوْلِكَ: يَا زَيْدُ الظَّرِيفَ، بِنَصْبِ (الظَّرِيفِ) عَلَى مَوْضِعِ زَيْدٍ. قال مَكِّيٌّ: وَهَذَا نَعْتٌ يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَنَعْتُ (أَيٍّ) لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فَلَا يَحْسُنُ نَصْبُهُ عَلَى الْمَوْضِعِ".
فكأنه هو المنادى مادام نعتًا لا يُستغنى عنه فكأنه هو الأصل، هو المنادى. المنادى النبي وليس مثله مثالهم، يَا زَيْدُ الظَّرِيفَ؛ لأنه يمكن أن يُستغنى عن الظريف، وأما النبي في مثل هذا لا يمكن أن يُستغنى عنه؛ لأن (أي) مبهمة لا بد من تفسيرها.
"وَأَيْضًا فَإِنَّ نَعْتَ (أَيُّ) هُوَ الْمُنَادَى فِي الْمَعْنَى فَلَا يَحْسُنُ نَصْبُهُ. وَرُوِيَ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ يُحِبُّ إِسْلَامَ الْيَهُودِ: قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاع وَقَدْ تَابَعَهُ نَاسٌ مِنْهُمْ عَلَى النِّفَاقِ، فَكَانَ يُلِينُ لَهُمْ جَانِبَهُ، وَيُكْرِمُ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ، وَإِذَا أَتَى مِنْهُمْ قَبِيحٌ تَجَاوَزَ عَنْهُ، وَكَانَ يَسْمَعُ مِنْهُمْ»، فَنَزَلَتْ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَالثَّعْلَبِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَأَبِي الْأَعْوَرِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَان، «نَزَلُوا الْمَدِينَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ أُحُدٍ، وَقَدْ أَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يُكَلِّمُوهُ، فَقَامَ مَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَطُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ، وَقُلْ إِنَّ لَهَا شَفَاعَةً وَمَنَعَةً لِمَنْ عَبَدَهَا، وَنَدَعُكَ وَرَبَّكَ. فَشَقَّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَا قَالُوا. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي قَتْلِهِمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْأَمَانَ فَقَال َعُمَرُ: اخْرُجُوا فِي لَعْنَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ؛ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ». {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} أَيْ خَفِ اللَّهَ. {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ".
الخبر في سبب النزول الذي خرَّجه الْوَاحِدِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ ، ما قال شيئًا؟
طالب: .....................
نعم.
"{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يَعْنِي أَبَا سُفْيَانَ وَأَبَا الْأَعْوَرِ وَعِكْرِمَةَ .وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَطُعْمَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فِيمَا نُهِيتَ عَنْهُ، وَلَا تَمِلْ إِلَيْهِمْ. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} بِكُفْرِهِمْ حَكِيمًا فِيمَا يَفْعَلُ بِهِمْ. قال الزَّمَخْشَرِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَأَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمُوَادَعَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ".
معهم.
طالب: .....................
وقام.
"وَقَامَ مَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ وَالْجدُّ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا. وَذَكَرَ الْخَبَرَ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَنَبْذِ الْمُوَادَعَة. {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيمَا طَلَبُوا إِلَيْكَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ دَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ وَيُعْطُوهُ شَطْرَ أَمْوَالِهِمْ، وَيُزَوِّجَهُ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بِنْتَهُ، وَخَوَّفَهُ مُنَافِقُو الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ، فَنَزَلَتِ .قال النَّحَّاسُ: وَدَلَّ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ إِلَيْهِمُ اسْتِدْعَاءً لَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ".
يعني من باب التأليف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحب إسلام اليهود، ويحب موافقتهم في أول الأمر؛ تأليفًا لهم، ثم بعد ذلك خالفهم، وأمر بمخالفتهم، وحذَّر من مشابهتهم كما جاء في فرق الشعر.
طالب:..........
الله أعلم هذا الظاهر، هذا الظاهر، هو متميز وسيد سادات قريش.
"أَيْ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مَيْلَكَ إِلَيْهِمْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَمَا نَهَاكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَكِيمٌ. ثُمَّ قِيلَ: الْخِطَابُ لَهُ وَلِأُمَّته.
قوْلُهُ تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}".
الخطاب إن نص على النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني أنه خاص به، بل أمته مطالبون بألا يطيعوا الكافرين ولا المنافقين، ما يرد من الخطاب بالتنصيص عليه إنما هو له ولأمته ما لم يدل الدليل على تخصيصه، ومثال ذلك قول الله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103]، هذا له ولمن جاء بعده من الخلفاء، خذوا من أموال المسلمين الصدقة، ومثال ذلك {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء:102] في صلاة الخوف، والحكم عام، ودائم ومستمر إلى قيام الساعة، وإن قال أبو يوسف: إن صلاة الخوف خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل هذه الآية، ولو قلنا بذلك لقلنا: إن كل ما فيه خطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- خاص به، وهذا لا يمكن أن يُوافق عليه.
"قوْلُهُ تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَفِيهِ زَجْرٌ عَنِ إتباع مَرَاسِمِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمْرٌ بِجِهَادِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ إتباع الْآرَاءِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ. وَالْخِطَابُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ".
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، ولا تلتفت إلى غيره، ولا تلتفت إلى غيره، فالاجتهادات في مقابل النصوص كلها مردودة، والاحتمالات العقلية كلها لا قيمة لها في مقابل النصوص.
"{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِتَاءٍ عَلَى الْخِطَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: (يَعْمَلُونَ) بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: { بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أَيِ اعْتَمِدْ عَلَيْهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِكَ، فَهُوَ الَّذِي يَمْنَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ مَنْ خَذَلَكَ. {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} حَافِظًا. وَقَالَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَفْدٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُمَتِّعَهُمْ بِاللَّاتِ سَنَةً وَهِيَ الطَّاغِيَةُ الَّتِي كَانَتْ ثَقِيفُ تَعْبُدُهَا وَقَالُوا: لِتَعْلَمَ قُرَيْشٌ مَنْزِلَتَنَا عِنْدَكَ، فَهَمَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} أَيْ كَافِيًا لَكَ مَا تَخَافُهُ مِنْهُمْ".
خبر منكر، كيف يمتعهم سنة؟ وما حال من يموت خلال هذه السنة؟ الله المستعان.
" و(بِاللَّهِ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ".
فاعل كفى.
"وَ(وَكِيلًا) نُصِبَ عَلَى الْبَيَانِ أَوِ الْحَال"ِ.
البيان والتفسير يطلقان بإذاء التمييز، يعني على التمييز، أو الحال وليس المراد بذلك أنه عطف بيان، كما يعبر متأخرو النُحاة، يعني عطف البيان موجود، لكنه غير البيان، والتفسير الذي هو بمعنى التمييز.
"قَوْلُهُ تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}.
فِيهِ [خمس] مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دَهَائِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ لِي فِي جَوْفِي قَلْبَيْنِ، أَعْقِلُ بِكُلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّد.ٍ قَالَ: وَكَانَ مِنْ فِهْرٍ. وقال الْوَاحِدِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: نَزَلَتْ فِي جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الْفِهْرِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا حَافِظًا لِمَا يَسْمَعُ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَحْفَظُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا وَلَهُ قَلْبَانِ. وَكَانَ يَقُولُ: لِي قَلْبَانِ أَعْقِلُ بِهِمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ. فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَعَهُمْ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، رَآهُ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْعِيرِ وَهُوَ مُعَلِّقٌ إِحْدَى نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا حَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: انْهَزَمُوا. قَالَ: فَمَا بَالُ إِحْدَى نَعْلَيْكَ فِي يَدِكَ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِكَ؟ قَالَ: مَا شَعَرْتُ إِلَّا أَنَّهُمَا فِي رِجْلي".
في رِجْلَيَّ.
"إِلَّا أَنَّهُمَا فِي رِجْلَيَّ، فَعَرَفُوا يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ قَلْبَانِ لَمَا نَسِيَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : كَانَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، وَهُوَ ابْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، وَاسْمُ جُمَحٍ: تَيْمٌ، وَكَانَ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
وَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا |
قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ |
قُلْتُ: كَذَا قَالُوا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَمِيلُ بْنُ أَسَدٍ الْفِهْرِيُّ .وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبَبُهَا أَنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَهُ قَلْبَانِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي شَيْءٍ فَنَزَعَ فِي غَيْرِهِ نَزْعَةً ثُمَّ عَادَ إِلَى شَأْنِهِ الْأَوَّلِ، فَقَالُوا ذَلِكَ عَنْهُ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ حِبَّانٍ: نَزَلَ ذَلِكَ تَمْثِيلًا فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ لَمَّا تَبَنَّاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَالْمَعْنَى".
طالب: .....................
نعم.
طالب:.............
قال الزهري وابن حيان، نعم سهل التصحيح في نقطة، سهل.
"فَالْمَعْنَى: كَمَا لَا يَكُونُ لِرَجُلٍ قَلْبَانِ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ وَلَدٌ وَاحِدٌ لِرَجُلَيْنِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ مِنْ مُنْقَطِعَاتِ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْه.
وَقِيلَ: هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُظَاهِرِ، أَيْ كَمَا لَا يَكُونُ لِلرَّجُلِ قَلْبَانِ كَذَلِكَ لَا تَكُونُ امْرَأَةُ الْمُظَاهِرِ أُمَّهُ حَتَّى تَكُونَ لَهُ أُمَّانِ. وَقِيلَ: كَانَ الْوَاحِدُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُ: لِي قَلْبٌ يَأْمُرُنِي بِكَذَا، وَقَلْبٌ يَأْمُرُنِي بِكَذَا، فَالْمُنَافِقُ ذُو قَلْبَيْنِ، فَالْمَقْصُودُ رَدُّ النِّفَاقِ. وَقِيلَ: لَا يَجْتَمِعُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ تعالى فِي قَلْبٍ، كَمَا لَا يَجْتَمِعُ قَلْبَانِ فِي جَوْفٍ، فَالْمَعْنَى: لَا يَجْتَمِعُ اعْتِقَادَانِ مُتَغَايِرَانِ فِي قَلْبٍ. وَيَظْهَرُ مِنَ الْآيَةِ بِجُمْلَتِهَا نَفْيُ أَشْيَاءَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِعْلَامٌ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
أكثر المفسرين على أن المراد بالآية عدم اجتماع الكفر والإيمان، عدم اجتماع الكفر والإيمان؛ لأنهما متناقضان، والمتناقضان لا يجتمعان في حيز واحد، لا بد أن يكون هناك أكثر من حيز، فقلب يستقل بالإيمان وقلب يستقل بالكفر، وهذا منفي، لا يجتمع الكفر والإيمان في قلب واحد، ونفى الله -جل وعلا- وجود القلبين لرجل واحد، إذًا لا يمكن اجتماع الكفر والإيمان عند شخص واحد، ومنهم من يقول: إنه لا يوجد عند أحدٍ قلبان يعقل بهما في آن واحد، يعني لا يعقل أمرين مختلفين في آن واحد، يُلقى إليه أمران مختلفان في آن واحد، لا يمكن، يعني فلان يكلمه من عن يمينه، والآخر من عن يساره في وقت واحد بكلام يحتاج إلى انتباه، ويحتاج إلى وعي فيعقل عن هذا، ويعقل عن هذا في آن واحد، هذا لا يمكن وجوده؛ لأنه يلزم منه أن يكون له قلبان يعيان ما يُلقى إليه، وهذا منفي بالنص.
وقد يوجد مع التمرن على بعض الأشياء أن يعي القلب أكثر من شيء، وقلب واحد وهذا وجد عند القراء، وجد عند القراء، تجد القارئ كعلم الدين السخاوي يقرأ العشرة أمامه في آن واحد فيرد على هذا، ويرد على هذا، ويرد على هذا في وقت واحد، وبعضهم ينفي ذلك ويقول: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}، لكن مثل هذا يمكن أن يدرك بالخبرة؛ لأن هذا لا يكلف شيئًا، القرآن في جوفه وعلى طرف لسانه، فهو يعيه؛ لأنه في جوفه ويرده بسرعة؛ لأنه على طرف لسانه، يعني لا يلزم أن يكون استوعب كل ما قرأ، لكن الخطأ تنبو عنه الأذن وينبو عنه القلب، فيُرد بسرعة، وهذا موجود في غير القرآن أيضًا، تجد أكثر من واحد يقرأون والشيخ يصحح هذا يقرأ من موضع، وهذا من موضع، وتجده يصحح، وقد يفوته ما يفوته، وأحيانًا يكون الإنسان في مجلس ويتحدثون واحد يتحدث إليه بكلام، والآخر بكلام، وكلها كلام ليس له قيمة تُذكر، فتجده يصدق هذا، ويخالف هذا؛ لأن الكلام لا يحتاج إلى مزيد اعتناء ليُحفظ ويضبط، أمره سهل يعني من القصص العادية أو تكون محفوظة لديه من قبل، فإذا عرف الطرف عرف الباقي، فمثل هذه الأمور لا تعارض الآية. ومازال القراء يُقرأ عليهم في آن واحد ويردون على من يخطئ.
طالب:............
من هي؟
طالب:..............
يعني للمرأة قلبان.
طالب:..............
لا لا ما هو بقلبها، ليس بقلبها، ولا يمكن أن تعي بقلب جنينها. لا لا، هذا غير بصحيح. "الثَّانِيَةُ: الْقَلْبُ بَضْعَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى هَيْئَةِ الصَّنَوْبَرَةِ".
الإمام الدارقطني -رحمه الله تعالى- يحضر الدروس، يحضر مجالس الإملاء، ويحضر مجالس التحديث، وينسخ، معه كتب ينسخها غير ما يُقرأ، فقال له جاره الذي بجانبه: أنت لو فسحت المجال لغيرك ممن ينتبه للدرس كان أولى، انظر مكانًا ثانًّا مادام ما تستفيد، قال: كم أملى الشيخ من حديث؟ يقول الدارقطني لهذا المتكلم، فذكر عددًا، فقال: اذكرها، فلم يستطع، فسردها الدارقطني كما أُمليت، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الحديد:21]، ويتذرع بهذا بعض الطلاب في الفصول في القاعات، فتجده يقرأ في كتاب آخر، ويزعم أنه يستوعب، فإذا اختُبِر وجد أنه لا شيء، لكن مسارقة الوقت والنظر في الكتاب في سكتات المعلم، أو في وقت يكرر فيه المعلم شيئًا من المعلومات هذا ما يؤثر، والله المستعان.
طالب: .....................
نعم.
طالب:........
نعم، مثل ضُرب للمُظاهر، المظاهر يزعم أن زوجته كأمه، فحينئذٍ يكون له أمان، فهذا منفي كما أنه لا يوجد في الجسد قلبان.
طالب:..........................
ماذا؟
طالب:..........................
هم يرجحون لا يجتمع الكفر والإيمان.
"الثَّانِيَةُ: الْقَلْبُ بَضْعَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى هَيْئَةِ الصَّنَوْبَرَةِ، خَلَقَهَا اللَّهُ تعالى فِي الْآدَمِيِّ، وَجَعَلَهَا مَحَلًّا لِلْعِلْمِ، فَيُحْصِي بِهِ الْعَبْدُ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَا يَسَعُ فِي أَسْفَارٍ، يَكْتُبُهُ اللَّهُ تعالى فِيهِ بِالْخَطِّ الْإِلَهِيِّ، وَيَضْبِطُهُ فِيهِ بِالْحِفْظِ الرَّبَّانِيِّ".
نعم، النقش، النقش في القلوب لا شك أن القلب يحفظ أكثر مما تحفظه الأوراق، إذا كانت لديه الأهلية للحفظ، والناس متفاوتون، فمنهم من يحفظ أكثر مما هو في الكتب، ومنهم من لا يحفظ إلا نذرًا يسيرًا، والإمام أحمد -رحمه الله- يحفظ سبعمائة وخمسين ألف حديث، يعني ما يوجد آلة حاسبة من الحواسب من الكمبيوترات تحفظ هذا المقدار، ولا نصفه، يعني بعض المشاريع قالوا: إنها تحفظ خمسمائة ألف، وإذا بحث عن كثير من طرقها ما تسعفك في الوقت، بخلاف حفظ مثل الإمام أحمد يعني حاضر، ما يحتاج إلى عناء ولا شيء، إذا أراد شيئًا استحضره، وأبو داود ستمائة ألف حديث، وغيرهم كثير، يحفظون الأحاديث و{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الحديد:21].
من المتناقضات في هذا الجلالان: جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي، الذين اجتمعا على تأليف تفسير الجلالين، تفسير مختصر محرر ومضبوط ومتقن بدأ به المحلي، بدأ به من سورة الكهف إلى أن أنهاه، ثم فسَّر الفتح، ثم السيوطي من البقرة إلى آخر الاسراء، هذان الشخصان بينهما في هذا الباب بون شاسع، جلال المحلي هو متقدم على السيوطي، إمام من أئمة الشافعية، إمام لا يُنازع في إمامته، وذهنه وفهمه يثقب الفولاذ، وأراد حفظ ورقة فما استطاع في مدة طويلة، وارتفعت عليه الحرارة، وظهر به بثور وخراجات؛ بسبب المعاناة، والسيوطي يقول: إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ولو وجد غيرها لحفظها.
بون شاسع بين الاثنين، وحقيقة اجتماع الأمرين هو المطلوب، وهو الأكمل، لكن إذا وجد من يحفظ من دون فهم، أو يفهم من دون حفظ فالثاني أفضل. فالثاني أفضل؛ لأن الأول يردد كتبًا والناس ليسوا بحاجة لترديد كتب، ومثل هذا يقال فيه: زاد في البلد نسخة، كما قال بعض أهل العلم، لكن الشأن فيمن يفهم؛ لأن الذي يفهم، ولا يحفظ يستطيع أن ينتج، يستطيع أن ينتج، أما الذي يحفظ ولا يفهم فما ينتج هذا، الذي يفهم ولا يحفظ بإمكانه أن يلي الكتب، ويشرح هذه الكتب، ويوضح الكتب للناس، ولا يلزم أن يشرحها من حفظه، لا يلزم، لكن إذا اجتمع الأمران تمت النعمة. ولا شك أن الحفظ لا بد منه لاسيما في العلم الشرعي الذي هو عمدته هو معول على النصوص. والله المستعان.
طالب:..........
هذه كناية عن تثبيته من قبل الله -جل وعلا-، والحفظ في الصغر معروف كالنقش في الحجر كما يقول أهل العلم، والحفظ في الكبر لا شك أنه يضعف الحفظ؛ بسبب المؤثرات، بسبب المؤثرات وكثرة المشاغل، والماوردي في أدب الدنيا والدين يقول: حفظ الكبير والصغير على حد سواء، الحافظة هي ما تزيد ولا تنقص، يعني بذلك الحافظة غريزية، لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك، يقول: ضعف الحفظ عند الكبير ليس سببه ضعف الحافظة، وإنما سببه وجود الموانع، وجود الموانع، لكن الواقع يرد هذا الكلام، الإنسان يجد من نفسه أنه يضعف حفظه كثيرًا حتى يصل إلى حد التخليط، فضلًا عن كونه يضعف يبدأ يُضيع ما حفظ، فضلاً عن كونه يزيد من حفظه يفقد شيئًا من حفظه، وهذا دليل على الضعف، إلى أن يصل إلى حد لا يعقل حينما يُرد إلى أرذل العمر.
"وَيَضْبِطُهُ فِيهِ بِالْحِفْظِ الرَّبَّانِيِّ، حَتَّى يُحْصِيَهُ وَلَا يَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا. وَهُوَ بَيْنَ لَمَّتَيْنِ: لَمَّةٌ مِنَ الْمَلَكِ، وَلَمَّةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَمَا قَالَ -صلى الله عليه وسلم- خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ)".
حقيقةً الحافظة الغريزية موجودة عند كثير من الناس، ويتفاوتون فيها، ولكن الشأن في الحافظة المكتسبة، الحافظة المكتسبة قد يكون لديه حافظة قوية، ومع الإهمال تضعف، وقد تكون حافظة أضعف، ومع التكرار والتمرين تزداد، فعلى الإنسان أن يتعهد الحافظة، كان الناس لا يتطاولون على الكتب الكبيرة لحفظها، إلى وقت قريب ما فيه أحد يتطاول على الكتب، كتب السنة الكبيرة ليحفظها، ثم بعد ذلك وجدت هذه المشاريع الخيرة والسنن الطيبة، ومُرن الناس على الحفظ ووجد فيهم الغرائب، يعني يضرب لمدة شهرين لحفظ الصحيحين، ليس المراد حفظ الصحيحين بأسانيدها ومتونها، لا، يعني بدون تكرار وبدون أسانيد، وهذا نعمة، هذا خير كثير، فجاء من يحفظها في نصف شهر، يحفظ الحديث في نصف شهر، ثم بعد ذلك يزيدون على ذلك زوائد السنن، ثم زوائد الكتب الأخرى، حتى وجد من يتطاول إلى حفظ زوائد البيهقي والمستدرك، فتح هذا، هذا فتح بلا شك، وكان الناس لا يتطاول أحد منهم أن يحفظ المنتقى، يعني يحفظون الأربعين والبلوغ والزاد، البلوغ ثم العمدة ثم، الأربعين ثم العمدة ثم البلوغ، ولا يتطاول كثيرٌ منهم منهم على حفظ المنتقى، فضلاً عن الكتب المسندة.
ثم بعد ذلك لما وجد أن هذا الأمر بالمقدور تشجَّع الناس، حتى من لم يلتحق بهذه الدورات بدأ يحفظ بنفسه، ووجد عنده استعداد، فلا شك أن الحافظة المكتسبة وجميع الغرائز تقبل الزيادة، الغرائز الجبلية هذه ثابتة، لكنها بالزيادة والاستزادة تزيد العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، وهكذا، والحفظ بالتحفظ أيضًا.
طالب:.............
من المتقدمين.
طالب:...........
لا، موجودة نوابغ عندنا ممن حفظ الكتب بالأسانيد، معروف هذا، لكنهم نوادر يعني ما يتعدى أربعة، خمسة، نوادر هؤلاء، أما عامة من يحفظ من طلاب العلم فهي أحاديث مجردة ومتون مجردة، وبدون تكرار، وهذا خير كثير، لا شك أنه يبني قاعدة وأساسًا متينًا لطالب العلم يعتمد عليه ويعول عليه بعد الله -جل وعلا-.
طالب:..........
ذكروا اللُبان وذكروا بعض الأشياء، الإمام الشافعي -رحمه الله- استعمل اللُبان وقالوا: إنه مات بسببه وغيره يستعملون الزبيب، وأشياء ورد ذكرها في كتب الطب، لكن الأصل فيما وهب الله- جل وعلا- وحافظ عليه الإنسان، قد يهب الله -جل وعلا- شيء ثم ينتزعه من الإنسان. نسأل الله العافية.
"وَهُوَ مَحَلُّ الْخَطَرَاتِ وَالْوَسَاوِسِ وَمَكَانُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَمَوْضِعُ الْإِصْرَارِ وَالْإِنَابَةِ، وَمَجْرَى الِانْزِعَاجِ وَالطُّمَأْنِينَةِ. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي الْقَلْبِ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالُ، وَالْإِنَابَةُ وَالْإِصْرَارُ".
لأنها أمور متناقضة، ولا يمكن أن يجتمع النقيضان.
"وَهَذَا نَفْيٌ لِكُلِّ مَا تَوَهَّمَهُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِيقَةٍ أَوْ مَجَازٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِيَةُ: أَعْلَمَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا أَحَدَ بِقَلْبَيْنِ".
الثَّالِثَةُ.
"الثَّالِثَةُ: أَعْلَمَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا أَحَدَ بِقَلْبَيْنِ، وَيَكُونُ فِي هَذَا طَعْنٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، أَيْ إِنَّمَا هُوَ قَلْبٌ وَاحِدٌ، فَإِمَّا فِيهِ إِيمَانٌ وَإِمَّا فِيهِ كُفْرٌ، لِأَنَّ دَرَجَةَ النِّفَاقِ كَأَنَّهَا مُتَوَسِّطَةٌ، فَنَفَاهَا اللَّهُ تعالى وَبَيَّنَ أَنَّهُ قَلْبٌ وَاحِدٌ".
وهذا هو الواقع لأن المنافق إذا زعم أن عنده إيمان، وعنده كفر، أو زُعم له ذلك، فليس مرد ذلك إلى أن له قلبين، بل الكفر في القلب، والإيمان باللسان فانفكت الجهة، فتصور اجتماع الأمرين. نعم.
"وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ يَسْتَشْهِدُ الْإِنْسَانُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، مَتَى نَسِيَ شَيْئًا أَوْ وَهِمَ. يَقُولُ عَلَى جِهَةِ الِاعْتِذَار: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ}".
مسألة العقل الذي هو مناط التكليف، وخلاف أهل العلم في مكانه هل هو القلب أو الدماغ؟ مسألة معروفة وطويلة الفروع، لكن معروفٌ أن المناط مناط التكليف العقل، فغير العاقل ليس بمكلف، وخطاب الشرع كله موجه إلى القلب، وخطاب الشرع موجه إلى القلب {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يعقلون بِهَا} [الأعراف:179]، دلّ على أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين العقل والقلب، حتى قال الإمام أحمد: العقل في القلب، وله اتصالٌ بالدماغ، وله اتصال بالدماغ، فجمع بين القولين، فلا شك أن الدماغ إذا تأثر تأثر العقل، ونظرًا لوجود النصوص الكثيرة التي تخاطب القلب، والمراد العقل دل على الارتباط الوثيق بينهما.
"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُم} يَعْنِي قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ (الْمُجَادَلَةِ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُم} أَجْمَعَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ هَذَا نَزَلَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَتْ :{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} وَكَانَ زَيْدٌ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مَسْبِيًّا مِنَ الشَّامِ، سَبَتْهُ خَيْلٌ مِنْ تِهَامَةَ، فَابْتَاعَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ".
يعني اشتراه.
"فَابْتَاعَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، فَوَهَبَهُ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ فَوَهَبَتْهُ خَدِيجَةُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً، ثُمَّ جَاءَ عَمُّهُ وَأَبُوهُ يَرْغَبَانِ فِي فِدَائِهِ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثِ: خَيِّرَاهُ فَإِنِ اخْتَارَكُمَا فَهُوَ لَكُمَا دُونَ فِدَاءٍ .فَاخْتَارَ الرِّقَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَقَوْمِهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْهَدُوا أَنَّهُ ابْنِي يَرِثُنِي وَأَرِثُهُ، وَكَانَ يَطُوفُ عَلَى حِلَقِ قُرَيْشٍ يُشْهِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَرَضِيَ ذَلِكَ عَمُّهُ وَأَبُوهُ وَانْصَرَفَا. وَكَانَ أَبُوهُ لَمَّا سُبِيَ يَدُورُ الشَّأْمَ وَيَقُولُ:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلَ |
أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ |
فَوَاللَّهِ لَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ |
أَغَالَكَ بَعْدِي السَّهْلُ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ |
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي! هَلْ لَكَ الدَّهْرَ أَوْبَةٌ |
فَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ |
تُذَكِّرُنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا |
وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إِذَا غَرْبُهَا أَفَلْ |
وَإِنْ هَبَّتِ الْأَرْيَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ |
فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ |
سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا |
وَلَا أَسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ |
حَيَاتِيَ أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي |
فَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الْأَمَلْ |
فَأُخْبِرَ أَنَّهُ بِمَكَّة فَجَاءَ إِلَيْهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا ذَكَرْنَا وَانْصَرَفَ. وَسَيَأْتِي مِنْ ذِكْرِهِ وَفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ شِفَاءٌ عِنْدَ قَوْلِه:ِ { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
وَقُتِلَ زَيْدٌ بِمُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَّرَهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاة،ِ وَقَالَ: إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقُتِلَ الثَّلَاثَةُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ -رِضْوَانُ اللَّهِ تعالى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-.
وَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَعْيُ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ بَكَى وَقَالَ: أَخَوَايَ وَمُؤْنِسَايَ وَمُحَدِّثَايَ.
قَوْلُهُ تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِم} نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَة، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّبَنِّيَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، يُتَوَارَثُ بِهِ وَيُتَنَاصَرُ، إِلَى أَنْ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّه} أَيْ أَعْدَلُ. فَرَفَعَ اللَّهُ حُكْمَ التَّبَنِّي، وَمَنَعَ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِهِ، وَأَرْشَدَ بِقَوْلِهِ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَعْدَلَ أَنْ يُنْسَبَ الرَّجُلُ إِلَى أَبِيهِ نَسَبًا، فَيُقَالُ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَعْجَبَهُ مِنَ الرَّجُلِ جَلَدُهُ وَظُرْفُهُ ضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَ لَهُ نَصِيبَ الذَّكَرِ مِنْ أَوْلَادِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. وَقَال َالنَّحَّاسُ: هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّبَنِّي، وَهُوَ مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، فَأَمَرَ أَنْ يَدْعُوا مَنْ دَعَوْا إِلَى أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ نَسَبُوهُ إِلَى وَلَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاءٌ مَعْرُوفٌ قَالَ لَهُ: يَا أَخِي، يَعْنِي فِي الدِّينِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}".
يعنى الله -جل وعلا- يقول: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}. فإخوانكم في الدين إن لم تعلموا آبائهم، وهذا يُتصور في الغالب من جاء إلى بلد وهو صغير ولا يُعرف أبوه، ومن جاء به، أو وجد من غير نكاح شرعي فمثل هذا لا يُعرف أبوه، فيرّكب له اسم ويدعى أخًا يعني في الدين، ولا يُنسب لأحد بيّن، معروف، معين؛ لأن هذه النسبة لا تجوز، كونه يُدعى إلى فلان ولو كان الزاني بأمه ولا يجوز أن ينسب إليه، ولا يُدعى به؛ لأنه ولد الفراش.
طالب:.........
ما يضر هذا، هذا ما يضر، يعني اعتبار الكبير والدًا، والصغير ابنًا، والمتوسط أخًا فهذا من باب الاحترام، لكن من باب التوثقة ومن باب ترتيب الأثر على ذلك، لا، كما هو الشأن في أمهات المؤمنين، والخلاف في محمد -عليه الصلاة والسلام- هل يسمى أبًا للمؤمنين؟ فالاحترام لا إشكال فيه.
طالب:...........
نعم؟
طالب: .....................
المقصود أنه اسم لا يكون فيه متضمنًا لكذب أو نسبة إلى غير أبيه الحقيقي، مثل ولد الزنا تقول فلان بن صالح، ما تقول ابن صالح، فهو ليس بصالح، أو تأتي له بما يدل على تزكية، فهذا مخالف للواقع، والتعبيد الناس كلها عبيد لله -جل وعلا- هو الأولى.
طالب:............
إلى إيش؟
طالب:.............
لا لا، هذا إذا نُسب إلى العائلة المعروفة ورُكِّب له اسم قد يوجد له نظير في العائلة يترتب عليه آثار، ما يصلح، وأحيانًا ينسبونه إلى عائلة يغلب على ظنهم أنه لا يوجد عائلة بهذا الاسم، ثم يوجد عائلة بهذا الاسم، فكونه لا ينتهي إلى عائلة أفضل.
طالب:............
...الله –جل وعلا- هو العزيز.
طالب:..........
ما فيه إشكال، نعم.
طالب:........
نعم، ألقاب.
طالب:...........
نعم، لكن بعض العوائل يرضى بهذا اللقب ويستمر عليها فيكون كالحقيقي.
طالب:..........
نعم، يعني موجود هذا في العوائل الكبيرة، بل بعض العوائل يفرح بهذه الألقاب؛ لأنها تميز أسرته وأقاربه عن البعيد، لاسيما العوائل التي تفرَّعت وكثرت كثرة بحيث يشترك فيها كثيرٌ منهم في الاسم الخماسي، فمثل هؤلاء يفرحون بمثل هذه الألقاب؛ لتميزهم عن غيرهم، فالتلقيب ما فيه إشكال، يجوز، يكون اسمًا مرادفًا، إذا رضيه صار اسمًا مرادفًا، وفي لغة العرب معروف الاسم واللقب والكنية، وحتى موجود في الصحابة التابعين وغيرهم.
"الثَّانِيَةُ: لَوْ نَسَبَهُ إِنْسَانٌ إِلَى أَبِيهِ مِنَ التَّبَنِّي فَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْخَطَأِ، وَهُوَ أَنْ يَسْبِقَ لِسَانُهُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا إِثْمَ وَلَا مُؤَاخَذَةَ؛ لِقَوْلِهِ تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم}، وَكَذَلِكَ لَوْ دَعَوْتَ رَجُلًا إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ أَبُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَلَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مَا غَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّبَنِّي كَالْحَالِ فِي الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ غَلَبَ عَلَيْهِ نَسَبُ التَّبَنِّي، فَلَا يَكَادُ يُعْرَفُ إِلَّا بِالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَد، فَإِنَّ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثٍ كَانَ قَدْ تَبَنَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَعُرِفَ بِهِ. فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ قَالَ الْمِقْدَادُ: أَنَا ابْنُ عَمْرٍو، وَمَعَ ذَلِكَ فَبَقِيَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ. وَلَمْ يُسْمَعْ فِيمَنْ مَضَى مَنْ عَصَى مُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا".
حتى تتابع الناس من ذلك العصر إلى يومنا هذا في الرواة وبما في ذلك الأئمة، أئمة الجرح والتعديل ومن كتب في أسماء الرجال يقولون: المقداد بن الأسود.
"وَكَذَلِكَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، كَانَ يُدْعَى لِأَبِي حُذَيْفَةَ. وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ تُبُنِّيَ وَانْتُسِبَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَشُهِرَ بِذَلِكَ وَغُلِبَ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَالِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَة، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ قَالَهُ أَحَدٌ مُتَعَمِّدًا عَصَى لِقَوْلِهِ تعالى: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أَيْ فَعَلَيْكُمُ الْجُنَاحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أَيْ غَفُورًا لِلْعَمْدِ ورَحِيمًا بِرَفْعِ إِثْمِ الْخَطَأِ".
نعم، في بعض الدول المعاصرة إذا تزوج الرجل نُسبت المرأة إليه، هذا موجود في بلدان كثيرة، إذا تزوج نُسبت المرأة إليه، وهذا حرام لا يجوز، إنما الواجب أن تُدعى لأبيها وأهلها وأسرتها، ولا يجوز أن تُدعى إلى زوجها وتضاف إليه، لكن ما شأن الشعوب الذين أُجبروا على مثل هذا؛ لأنه بطوعه واختياره يذهب إلى الجهة المسئولة عن هذا الأمر، كالأحوال مثلاً، فيذهب ليضيف الزوجة وهو يعلم أنهم يضيفونها إليه، ولا يمكن أن تمشي أموره، ولا تستقر حاله إلا بهذا، لا شك أن هذا فيه شيئًا من الإكراه، لكن مع ذلك لا يجوز التواطؤ على السكوت على مثل هذا، يعني يطالب بقوة أن تنسب المرأة إلى أبيها، لا يجوز أن تنسب إلى زوجها، وكثير من الأنظمة التي أكره عليها الشعوب مما حرمه الله -جل وعلا-، هذا لا شك أنه إكراه، لكن ما مدى هذا الإكراه، لأن الإكراه الملجئ يُعذر فيه الإنسان، وما دونه لا يُعذر فيه ولو ناله ما ناله من المشقة، إذا كان مما يحتمل هذه المشقة، والله المستعان. نعم.
طالب:...........
المقصود أنه موجود حتى في بعض بلاد الإسلام.
طالب:..........
نعم، بلا شك، لا ما يهم حقوق المرأة إلا ما يتفق مع الإسلام أما ما يخالف الإسلام فما فيه مشكلة. نعم.
"الثَّالِثَةُ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ} مُجْمَلٌ، أَيْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِي شَيْءٍ أَخْطَأْتُمْ، وَكَانَتْ فُتْيَا عَطَاءٍ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. عَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ رَجُلٌ أَلَّا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَرَى أَنَّهُ جَيِّدٌ مِنْ دَنَانِيرَ، فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ إِذَا حَلَفَ أَلَّا يُسَلِّمَ عَلَى فُلَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ. وَ(مَا) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى (مَا)".
لكن على أن يكون هذا غلبة ظن، على أن يكون هذا فيه غلبة ظن، يحلف على ما يغلب عليه ظنه، نعم.
طالب:..........
ماذا؟
طالب:...........
كيف يعني؟
طالب:..........
طيب، نفي الحرج بالنسبة للإثم من جهة حق الله -جل وعلا-، أما من جهة حق المخلوق فهو مؤاخذ به، ولو نسي ولو أخطأ، حق المخلوق يؤاخذ به.
طالب:.....................
نسي التسمية؛ لأنه شرط، والشرط لا يعفيه النسيان؛ لأن النسيان كما يقرر أهل العلم ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، صلى وما توضأ، تكون صلاته صحيحة؟! ما يقول أحد بصحتها.
"وَ(مَا) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى (مَا) الَّتِي مَعَ أَخْطَأْتُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ الَّذِي تُؤَاخَذُونَ بِهِ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: مَنْ نَسَبَ رَجُلًا إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ أَبُوهُ خَطَأً، فَذَلِكَ مِنَ الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ فِيهِ الْجُنَاحَ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي الْمُخَاطَبَةِ: يَا بُنَيَّ، عَلَى غَيْرِ تَبَنٍّ".
يوجد في البادية كثيرًا، أن يُنسب الولد إلى زوج أمه، تكون الأم مطلقة ثم يتزوجها آخر فتأتي بولد فيذهب به إلى المدرسة ويقول: ما اسمه؟ فيسجل اسمه، وأنت ما اسمك؟ يذكر اسمه، يذكر اسمه فينسب إليه، ثم بعد ذلك يستمر على هذا، والتصحيح فيه صعوبة ومشقة شديدة في الجهات الرسمية، وينبغي أن يعينوا الناس على هذا التصحيح، يوجد من هذا عدد انتسبوا إلى أزواج أمهاتهم، ومنهم من انتسب إلى عمه أخي أبيه؛ لأنه إذا ذهب به إلى المدرسة قال: ما اسمك؟ يسجلون اسمه، وأنت ما اسمك؟ يعطونه اسمه على أنه الأب، وتمشي الأمور على هذا، وبعضهم يتساهل يقول: الأمر هين سواء نسبه إليه أو إلى نفسه، لكن خله يتولى حتى إذا دُعي ولي الأمر يذهب هو ولا أذهب أنا، يعني أمر يسير ما هو بشيء، ثم بعد ذلك يعظم ويكبر، وإثمه عظيم، فينتبه مثل هذا من جهة هؤلاء الذين نسبوا أولاد غيرهم إليهم، ولا الآباء الذين علموا بنسبة أولادهم إلى غيرهم، ولا أيضًا الجهات المسئولة عن هذا الأمر، عليهم أن يتثبتوا، ثم بعد ذلك إذا وجد ما حصل من مخالفة في وقت من الأوقات يكون تصحيحه سهلًا، واكتفى بذلك بالشهود الذين يثبت بمثلهم مثل هذا الحكم مع الاستفاضة. يعني مع الاستفاضة.
طالب:............
إلى جده، انتساب الرجل إلى جده ما فيه إشكال؛ لأنه أب، الجد أب.
طالب:............
هذا تسمية جاهلية، تسمية جاهلية ولو كان موجودًا في وقت الإسلام لغيَّره؛ لأنه بعد أن مات ما فيه فائدة من تغييره، أما الذين وُجدوا في الإسلام فغيّرهم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُم} {بِأَفْوَاهِكُمْ} تَأْكِيدٌ لِبُطْلَانِ الْقَوْلِ، أَيْ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْوُجُودِ، إِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ لِسَانِيٌّ فَقَطْ. وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: أَنَا أَمْشِي إِلَيْكَ عَلَى قَدَمٍ، فَإِنَّمَا تُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَبَرَّةَ. وَهَذَا كَثِيرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقّ} {الْحَقَّ} نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ يَقُولُ الْقَوْلَ الْحَقَّ".
وليس بمفعول للقول؛ لأن مفعول القول لا بد أن يكون جملة.
"و{يَهْدِي} مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ، فَهُوَ يَتَعَدَّى بِغَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ.
الْخَامِسَةُ: الْأَدْعِيَاءُ جَمْعُ الدَّعِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى ابْنًا لِغَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يَدَّعِي غَيْرَ أَبِيهِ وَالْصْدَرُ".
والْمَصْدَرُ.
"وَالْمَصْدَرُ الدِّعْوَةُ بِالْكَسْرِ فَأَمَرَ تعالى بِدُعَاءِ الْأَدْعِيَاءِ إِلَى آبَائِهِمْ لِلصُّلْبِ".
لأن الدَعوة، والدِعوة، والدُعوة مثلثة، من يحفظ قطرب يعني ذكره، نعم، دَعوت ربي دعوة.
طالب:...........
مثلث قطرب ما يُحفظ؟ لا بد من حفظه. نعم، والحفظ خوان لا بد من تعاهده أيضًا.
طالب:.............
المصدر هنا الدِّعوة بالكسر يعني بخلاف الدَّعوة إلى الوليمة والدعوة من دعاء الله -جل وعلا- واحدة الدعاء، وكل واحدة لها ما يميزها من الضبط.
"فَأَمَرَ تعالى بِدُعَاءِ الْأَدْعِيَاءِ إِلَى آبَائِهِمْ لِلصُّلْبِ، فَمَنْ جُهِلَ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمْ تَشْتَهِرْ أَنْسَابُهُمْ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: أَنَا مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ، فَأَنَا أَخُوكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوْلَاكُمْ. قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ: وَلَوْ عَلِمَ وَاللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حِمَارٌ لَانْتَمَى إِلَيْهِ، وَرِجَالُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ فِي أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعَ بْنَ الْحَارِثِ".
نعم، هذا هو المعروف في اسمه واسم أبيه.
"السَّادِسَةُ: رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي بَكْرَةَ كِلَاهُمَا قَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَر»".
ومعلوم أنه كفرٌ دون كفر، كبيرة من كبائر الذنوب وموبقة من الموبقات، لكنه لا يصل إلى حد الكفر المخرج عن الملة، يحصل هذا كثير عندما يحصل الخلاف بين الأب والأم، ويحصل الفراق، وتُشحن النفوس، ويحصل بغض على إثر ذلك بسبب ما حصل بينهم قبل الطلاق من مشاكل وإحن وعداوات، فتجد الأم تنسب الولد إلى غير أبيه، والولد ينتسب، وكثيرًا ما يقول بعض الآباء الذين عندهم شيء من الحمق وسوء الخلق: أنت لست لي بولد، وأحيانًا يثبته، وأحيانًا ينفيه، والله المستعان، وهذه من عظائم الأمور، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:..........
نعم.
طالب: .....................
{ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُم} صحيح، ليس هذا موضعه، الآية التي قبل هذه، الآية الرابعة لا الخامسة. نعم.
طالب:.........
هذا إذا كان على سبيل الغضب والتأديب فقط، أنت لست بولد لي، يعني أنت لا تشبهني، وأنت ما فعلت فعل الولد بأبيه، هذا من باب التأديب والزجر قد يُحتمل، لكن أحيانًا ينفيه، أنت لست لي بولد، ابحث لك عن أب، وقد يكون هذا النفي مبنيًّا على شكوك، قد يكون مبنيًّا على شك، لكن مثل هذا الشك لا يثبت به الحكم الشرعي فهو ولده شاء أم أبى، ما لم يلاعن.
طالب:...........
ماذا يعني؟
طالب:............
الأم لا تستطيع النفي، الأب نفيه محتمل، والأم نفيها غير محتمل، ما يمكن أن تقول: ليس بولدي؛ لأن هذا الشيء مشاهد.
طالب:............
نعم.
طالب:.............
أين؟
طالب:.............
في الآية الرابع، التي قبل هذه؛ لأن الفائدة الرابعة تابعة للآية الرابعة لا الخامسة.
"قَوْلُهُ تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا}.
فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} هَذِهِ الْآيَةُ أَزَالَ اللَّهُ تعالى بِهَا أَحْكَامًا كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، مِنْهَا: أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ. وَفِيهِمَا أَيْضًا «فَأَيُّكُمْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا مَوْلَاهُ»، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَانْقَلَبَتِ الْآنَ الْحَالُ بِالذُّنُوبِ، فَإِنْ تَرَكُوا مَالًا ضُويِقَ الْعَصَبَةُ فِيهِ، وَإِنْ تَرَكُوا ضَيَاعًا أُسْلِمُوا إِلَيْهِ".
يعني ما هو بصدد الضياع من ولد وشبهه الذي يُخشى عليه من الضياع فهذا يُسلم إلى أولياء الميت، والمال يضايق فيه العصب، ويؤخذ منه شيء منه، هذا في وقت ابن العربي قبل ثمانمائة سنة أو يعني حدود ثمانمائة سنة، والله المستعان.
طالب:...........
يعني البخاري ومسلم، في الصحيحين.
طالب:............
نعم.
طالب:...................
لا، ما فيه سقط، هذا تعبيره.
" فَهَذَا تَفْسِيرُ الْوَلَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِتَفْسِيرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَتَنْبِيهِهِ، وَلَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ: هُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ أَنْفُسَهُمْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّجَاةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا تَقَحُّمَ الْفَرَاشِ».
قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَتَفْسِيرِهَا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذُكِرَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيه». وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ، وَقَالَ: «وَأَنْتُمْ تُفْلِتُونَ مِنْ يَدَيَّ». قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحُجْزَةُ لِلسَّرَاوِيلِ، وَالْمَعْقِدُ لِلْإِزَار، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ إِمْسَاكَ مَنْ يَخَافُ سُقُوطَهَ أَخَذَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْهُ. وَهَذَا مَثَلٌ لِاجْتِهَادِ نَبِيِّنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي نَجَاتِنَا، وَحِرْصِهِ عَلَى تَخَلُّصِنَا مِنَ الْهَلَكَاتِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا، فَهُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَلِجَهْلِنَا بِقَدْرِ ذَلِكَ وَغَلَبَةِ شَهَوَاتِنَا عَلَيْنَا، وَظَفَرِ عَدُوِّنَا اللَّعِينِ بِنَا، صِرْنَا أَحْقَرَ مِنَ الْفِرَاشِ وَأَذَلَّ مِنَ الْفَرَاشِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ!
وَقِيلَ: أَوْلَى بِهِمْ أَيْ أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ وَدَعَتِ النَّفْسُ إِلَى غَيْرِهِ كَانَ أَمْرُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْلَى.
وَقِيلَ أَوْلَى بِهِمْ أَيْ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَيُنَفَّذُ حُكْمُهُ فِي أَنْفُسِهِمْ، أَيْ فِيمَا يَحْكُمُونَ بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُخَالِفُ حُكْمَهُ".
ولا شك أنه مقدم على النفس وعلى النفيس وعلى الوالد والولد، والناس أجمعين، ومحبته توجب تقديم طاعته على طاعة كل أحد وهذه هي محبة الله -جل وعلا-: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31]، هذا هو المقياس؛ لأن الإنسان قد يدعي أنه يحب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويرمي غيره بأنه لا يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك إذا جاءت الطاعة تخلّف، فالكلام ليس بصحيح، هذه دعوى، والذي يصدقها تقديم هوى الرسول -عليه الصلاة والسلام- على هواه وما يريده وما يأمر به وما يحبه على ما يحبه من تلقاء نفسه، هذا في الأمور الشرعية، أما في الأمور الجبلّية فلا شك أن متابعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- على حب ما يحبه، مطلوب كما كان أنس -رضي الله عنه- يتتبع الدباء والقرع من الصحفة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحبها، لكن لو قال شخص: أنا لا أحب القرع، فماذا به؟ يعني ما أوتيت محبة القرع، يلام أم ما يلام؟ أو كان فيه ما يجعله يكره القرع؛ لأنه يضره مثلًا، فمثل هذا قد لا يدخل، ومع ذلك الكمال أن تحب ما يحبه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولو كنت لا تحبه في الأصل، كما كان أنس يفعل ذلك.
طالب:.........
ماذا؟
طالب:............
كره ماذا؟
طالب:...........
نعم، يعني بالمقابل النبي -عليه الصلاة والسلام- يحب الدباء، ويحب القرع، ويحب الحلوى، ويحب العسل، ويكره بعض الأطعمة ولم يحرمها، فالضب مثلًا هل يتدين الإنسان بترك أكل الضب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ»، أكله خالد بن الوليد بين يديه وهو حلال، هل يتدين بترك الثوم والبصل! لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- سماهما شجرتين خبيثتان، هل يتدين بهذا؟ لا شك أن هذا من الكمال، لكنه ليس مما يترتب عليه الثواب والعقاب، ولذا لما قيل له: أحرام هما يا رسول الله؟ قال: «إني لا أحرم ما أحل الله»، يعني الثوم والبصل، نعم.
طالب:...........
هذا الأصل.
طالب:...........
لا لا من بيت المال، يُقضى من بيت المال، لكن بيت المال لا بد من التأكد أن هذا الدين أُخذ من وجهه، مع نية الوفاء، ما أُخذ تكثرًا، ولا أخذه الإنسان ليتلاعب به، ويأكل أموال الناس، أو اتكالًا على مثل هذا؛ لأن الناس يتتابعون على مثل هذا، إذا عرفوا أن بيت المال يقضي عنهم تتابعوا على الديون من غير احتياط.
"الثَّانِيَةُ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَيْنَ الْفُقَرَاءِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ. وَالضَّيَاعُ (بِفَتْحِ الضَّادِ) مَصْدَرُ ضَاعَ، ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِكُلِ مَا هُوَ بِصَدَدِ أَنْ يَضِيعَ مِنْ عِيَالٍ وَبَنِينَ لَا كَافِلَ لَهُمْ، وَمَالٍ لَا قَيِّمَ لَهُ. وَسُمِّيَتِ الْأَرْضُ ضَيْعَةً؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلضَّيَاعِ، وَتُجْمَعُ ضِيَاعًا بِكَسْرِ الضَّادِ.
الثَّالِثَة".
نعم، معرضة للضياع؛ لأن حراستها غير ممكنة، يعني الأمتعة والأموال الأخرى تُحرز، لكن الأراضي ما يمكن إحرازها إلا بتخليتها وكتابة العقود عليها، ثم بعد ذلك قد يأتي من يسطو عليها ويأخذها ويأخذ منها، ولذا جاء الوعيد على «مَنْ أخَذَ شِبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلماً، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أرَضِينَ» و«لعن الله من غيَّر منار الأرض»، كل هذا؛ لأنه ممكن وسهل التغيير.
"الثَّالِثَة: قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} شَرَّفَ اللَّهُ تعالى أَزْوَاجَ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنْ جَعَلَهُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ فِي وُجُوبِ التَّعْظِيمِ وَالْمَبَرَّةِ وَالْإِجْلَالِ وَحُرْمَةِ النِّكَاحِ عَلَى الرِّجَالِ، وَحَجْبِهِنَّ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُنَّ- بِخِلَافِ الْأُمَّهَاتِ.
وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ شَفَقَتُهُنَّ عَلَيْهِمْ كَشَفَقَةِ الْأُمَّهَاتِ أُنْزِلْنَ مَنْزِلَةَ الْأُمَّهَاتِ، ثُمَّ هَذِهِ الْأُمُومَةُ لَا تُوجِبُ مِيرَاثًا كَأُمُومَةِ التَّبَنِّي. وَجَازَ تَزْوِيجُ بَنَاتِهِنَّ، وَلَا يُجْعَلْنَ أَخَوَاتٍ لِلنَّاسِ. وَسَيَأْتِي عَدَدُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي آيَةِ التَّخْيِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَمْ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ خَاصَّةً؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: َرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّهْ، فَقَالَتْ لَهَا: لَسْتُ لَكِ بِأُمٍّ، إِنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ".
حينما يقال أم المؤمنين فهل يؤخذ من هذا اختصاص الرجال دون النساء؟ النساء يدخلن تبعًا في خطاب الرجال، يدخلن تبعًا في خطاب الرجال فالمؤمنات من المؤمنين والقانتات من القانتين، وجاء في مريم ابنة عمران كانت من القانطين، فالمرأة تدخل في خطاب الرجال كهذا، فهي أم للرجال والنساء.
"قُلْتُ: لَا فَائِدَةَ فِي اخْتِصَاصِ الْحَصْرِ فِي الْإِبَاحَةِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، تَعْظِيمًا لِحَقِّهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ صَدْرُ الْآيَةِ { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، وَهَذَا يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ضَرُورَةً. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} عَائِدًا إِلَى الْجَمِيعِ. ثُمَّ إِنَّ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْب ٍ(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ). وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ). وَهَذَا كُلُّهُ يُوهِنُ مَا رَوَاهُ مَسْرُوقٌ إِنْ صَحَّ مِنْ جِهَةِ التَّرْجِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ فِي التَّخْصِيصِ، وَبَقِينَا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْعُمُومُ الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى الْفُهُومِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: قوله تعالى".
ما وجد في مصحف أبي كلها من باب التفسير، لا من باب القراءة.
"الرَّابِعَةُ: قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ الْأَنْصَارَ، وَبِالْمُهَاجِرِين َقُرَيْشًا. وَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلتَّوَارُثِ بِالْهِجْرَةِ. حَكَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ نَزَلَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال:72] فَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ، فَكَانَ لَا يَرِثُ الْأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمُ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ الْمُهَاجِرِ شَيْئًا حَتَّى يُهَاجِرَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ نَاسِخٌ لِلتَّوَارُثِ بِالْحِلْفِ وَالْمُؤَاخَاةِ فِي الدِّينِ، رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وَذَلِكَ أَنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَدِمْنَا وَلَا أَمْوَالَ لَنَا، فَوَجَدْنَا الْأَنْصَارَ نِعْمَ الْإِخْوَانُ، فَآخَيْنَاهُمْ فَأَوْرَثُونَا وَأَوْرَثْنَاهُمْ، فَآخَى أَبُو بَكْرٍ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَآخَيْتُ أَنَا كَعْبَ بْنَ مَالِك".
الصحيح العموم، أن هذه الآية ناسخة لجميع أسباب التوارث، ماعدا من النسب والنكاح والولاء، الذي ثبتت في النصوص المحكمة، وأما ما كان قبل ذلك فهو منسوخ.
"وَآخَيْتُ أَنَا كَعْبَ بْنَ مَالِك، فَجِئْتُ فَوَجَدْتُ السِّلَاحَ قَدْ أَثْقَلَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ مَاتَ عَنِ الدُّنْيَا مَا وَرِثَهُ غَيْرِي، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى هَذِهِ الْآيَةَ فَرَجَعْنَا إِلَى مُوَارِثِنَا. وَثَبَتَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آخَى بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَبَيْن َكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَارْتُثَّ كَعْبٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ الزُّبَيْرُ يَقُودُهُ بِزِمَامِ رَاحِلَتِهِ، فَلَوْ مَاتَ يَوْمَئِذٍ كَعْبٌ عَنِ الضِّحِّ وَالرِّيحِ لَوَرِثَهُ الزُّبَيْرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى".
ارتث يعني يسخنه الجراح والضح والريح، قالوا: الضح بالكسر ضوء الشمس، ومنه الضحاء الذي فيه تكون الشمس قوية، والمقصود أنه يُعَبر بمثل هذا عن المال الكثير الذي على ظهر الأرض وفي جوفها؛ لأن الشمس في وقت الضحاء تنزل، وتدخل في الأرض؛ لشدة حرارتها، فلو حفرت ما حفرت فالحرارة موجودة، فيكنون بهذا عن كثرة المال الذي بعضه فوق ظهر الأرض، وبعضه تحت ظهرها.
"فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}. فَبَيَّنَ اللَّهُ تعالى أَنَّ الْقَرَابَةَ أَوْلَى مِنَ الْحِلْفِ، فَتُرِكَتِ الْوِرَاثَةُ بِالْحِلْفِ وَوُرِّثُوا بِالْقَرَابَةِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْأَنْفَالِ) الْكَلَامُ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ.
وَقَوْلُهُ {فِي كِتَابِ اللَّهِ} يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقُرْآنَ، وَيَحْتَمِلَ أَنْ يُرِيدَ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي قَضَى فِيهِ أَحْوَالَ خَلْقِهِ. وَ{مِنَ الْمُؤْمِنِين} مُتَعَلِّقٌ بِ(أَوْلَى) لَا بِقَوْلِهِ تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ}. بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُوجِبُ تَخْصِيصًا بِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِهَا، وَهَذَا حَلُّ إِشْكَالِهَا، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. قال النَّحَّاسُ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّق َمِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِ(أُولُو)، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَأُولُو الْأَرْحَامِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَوْلَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ :وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ".
فالجار والمجرور لا بد له من متعلق، لا بد له من متعلق، فإما أن يقال: أولو الأرحام من المؤمنين يعني لا من غيرهم، وبهذا يتقرر ما جاء أنه لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، وجاء بذلك النص، ويكون موافقًا للآية، ويجوز أن يكون أولى من المؤمنين، النبي- عليه الصلاة والسلام- أولى من المؤمنين، يعني بأنفسهم، فيكون فيه تقرير ما تقدم.
"وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ :وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا مَا يَجُوزُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُدْعَيْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَاللَّهُ تعالى أَعْلَمُ.
الْخَامِسَةُ: واخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِنَّ كَالْأُمَّهَاتِ فِي الْمَحْرَمِ وَإِبَاحَةِ النَّظَرِ، عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هُنَّ مَحْرَمٌ، لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِنَّ. الثَّانِي: أَنَّ النَّظَرَ إِلَيْهِنَّ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهِنَّ إِنَّمَا كَانَ حِفْظًا لِحَقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِنَّ، وَكَانَ مِنْ حِفْظِ حَقِّهِ تَحْرِيمُ النَّظَرِ إِلَيْهِنَّ، وَلِأَنّ َعَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ دُخُولَ رَجُلٍ عَلَيْهَا أَمَرَتْ أُخْتَهَا أَسْمَاءَ أَنْ تُرْضِعَهُ؛ لِيَصِيرَ ابْنًا لِأُخْتِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ".
معروف مذهب عائشة في رضاع الكبير أنه يُحرِّم، لكن المحرر والمحقق أن عليهن الحجاب، وأكثر آيات الحجاب في أمهات المؤمنين، وعائشة -رضي الله عنها- في قصة الإفك تقول: وكان يعرفني قبل الحجاب، فدل على أن عليهن الاحتجاب، بخلاف النبي -عليه الصلاة والسلام- هل تكشف له نساء المؤمنين باعتبار أبًا للمؤمنين؟ جاء من النصوص الكثيرة ما يدل على أنه لا حجاب عنه -عليه الصلاة والسلام-، لا حجاب عنه -عليه الصلاة والسلام- والفرق بين المسألتين واضح، والفرق بين المسألتين واضح، حُجب نساؤه؛ لئلا يطمع الذي في قلبه مرض، حُجب نساؤه؛ لئلا يطمع الذي في قلبه مرض، وكُشف له -عليه الصلاة والسلام- لأمن ذلك، فرق بين الأمرين.
طالب:.............
مسائل كثيرة جدًّا تكلف أهل العلم في جوابها، كون فلانة تفلي رأسه، وكون فلانة، يعني كثيرة، ويدخل على فلانة ويشرب عندها كذا، أدلة كثيرة قرّر الحافظ ابن حجر من خلالها بمجموعها أنه لا حجاب عنه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:...............
كيف؟
طالب:..............
بالفتح والإصابة أيضًا.
"لِيَصِيرَ ابْنًا لِأُخْتِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَيَصِيرُ مَحْرَمًا يَسْتَبِيحُ النَّظَرَ. وَأَمَّا اللَّاتِي طَلَّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَيَاتِهِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ لَهُنَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: ثَبَتَتْ لَهُنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةُ تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. الثَّانِي: لَا يَثْبُتُ لَهُنَّ ذَلِكَ، بَلْ هُنَّ كَسَائِرِ النِّسَاءِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَثْبَتَ عِصْمَتَهُنَّ، وَقَالَ أَزْوَاجِي فِي الدُّنْيَا هُنَّ أَزْوَاجِي فِي الْآخِرَةِ".
والمطلقة ليست زوجة في الآخرة، المطلقة ليست زوجة في الآخرة، لاسيما من استعاذت منه -عليه الصلاة والسلام-، هذه لا يمكن أن يقال بأن لها الحرمة مثل أمهات المؤمنين.
" الثَّالِثُ: مَنْ دَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُنَّ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهَا وَحُرِّمَ نِكَاحُهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا؛ حِفْظًا لِحُرْمَتِهِ وَحِرَاسَةً لِخَلْوَتِهِ. وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تَثْبُتْ لَهَا هَذِهِ الْحُرْمَةُ، وَقَدْ هَمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- بِرَجْمِ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَزَوَّجَتْ فَقَالَتْ: لِمَ هَذَا! وَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِجَابًا، وَلَا سُمِّيتُ أَمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟! فَكَفَّ عَنْهَا عُمَرُ -رضي الله عنه-".
المطلقة قبل الدخول لا تثبت لها أحكام المرأة.
"السَّادِسَةُ: قَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-".
لكن إذا عُقد عليها وطُلقت قبل الدخول، لا شك أن أحكام الربيبة تختلف عن أحكام الولد، يعني ولد هذا العاقد يجوز له أن يأخذ هذه المرأة باعتبار أن أباه لم يدخل بها؟ يجوز أم ما يجوز إذا عقد الأب؟
طالب:...............
ما يجوز، بخلاف {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} [النساء:23] ففرق بين هذا وهذا.
"السَّادِسَةُ: قَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَبًا لِقَوْلِهِ تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم}. وَلَكِنْ يُقَالُ: مِثْلُ الْأَبِ لِلْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ: « إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمُ».. الْحَدِيثَ. خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ".
مخرّج؟ ماذا يقول عنه؟
طالب: ............
جيد نعم.
" وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ أَبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَوْلُهُ تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم}. أَيْ فِي النَّسَبِ".
وهذا يخرج التبني، يخرج التبني كما في قوله -جل وعلا-: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] هذا أيضًا يخرج التبني، ولا يخرج زوجة الحفيد مثلًا، أو زوجة الولد من الرضاعة عند جمع من أهل العلم بخلاف ولد التبني.
"وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ وَأَزْوَاجُهُ). وَسَمِعَ عُمَرُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ: حُكْهَا يَا غُلَامُ؟".
عندك حكها؟ هي حكها؟ لكن بأكثر الطبعات حكمها، ماذا عندك؟
طالب:............
حكها، هذا الأصل. نعم.
"فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ: حُكْهَا يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: إِنَّهُ كَانَ يُلْهِينِي الْقُرْآنُ وَيُلْهِيكَ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ؟ وَأَغْلَظَ".
كأنه يقول: أنا أعرف منك بهذا الشأن، كأنه يقول: أنا أعرف منك بهذا الشأن، أنت مشغول بتجارتك وأنا متفرغ للقرآن. والله المستعان.
"وَأَغْلَظَ لِعُمَرَ".
لكن لما جاء أبو هريرة لما ليم عليه، لاموه على كثرة التحديث، قال: إن إخواننا من الأنصار يشغلهم الزرع، ومن المهاجرين يشغلهم العمل بالأسواق، وهو متفرغ لهذا الشأن، فصار له ما ليس لغيره.
"وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ لُوطٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي}: إِنَّمَا أَرَادَ الْمُؤْمِنَاتِ، أَيْ تَزَوَّجُوهُنَّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
السَّابِعَةُ: قَالَ قَوْمٌ: لَا يُقَالُ: بَنَاتُهُ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَخْوَالُهُنَّ أَخْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَاتُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه-: تَزَوَّجَ الزُّبَيْرُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَهِيَ أُخْتُ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَقُلْ هِيَ خَالَةُ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَطْلَقَ قَوْمٌ هَذَا وَقَالُوا: مُعَاوِيَةُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي فِي الْحُرْمَةِ لَا فِي النَّسَب".
يعني مادامت أخته أم المؤمنين فهو خالهم.
طالب:..............
نعم، كثير، يعني عندما يتحدث ويقال خال المؤمنين فباعتبار أن أخته أم المؤمنين.
طالب:............
يعني من حيث الجملة، يعني إذا صح يطلق هذا صح يطلق هذا.
طالب:...........
ما فيه إشكال إن شاء الله، ما يترتب عليه شيء، في الحرمة تحترمه أو تقدم له شيئًا، والمقصود أنه يُذاد عنه، ويُذب بهذه المنقبة ممن يتنقص.
"الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} يُرِيدُ الْإِحْسَانَ فِي الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةَ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، نَزَلَتْ فِي إِجَازَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، أَيْ يَفْعَلُ هَذَا مَعَ الْوَلِيِّ وَالْقَرِيبِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَالْمُشْرِكُ وَلِيٌّ فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ فَيُوصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُجْعَلُ الْكَافِرُ وَصِيًّا؟ فَجَوَّزَ بَعْضٌ وَمَنَعَ بَعْضٌ. وَرَدَّ النَّظَرَ إِلَى السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ بَعْضٌ، مِنْهُمْ مَالِك ٌ-رحمه الله تعالى-. وَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَالرُّمَّانِيُّ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى: إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَفْظُ الْآيَةِ يُعْضِّدُ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَتَعْمِيمُ الْوَلِيِّ أَيْضًا حَسَنٌ. وَوَلَايَةُ النَّسَبِ لَا تَدْفَعُ الْكَافِر، وَإِنَّمَا تَدْفَعُ أَنْ يُلْقَى إِلَيْهِ بِالْمَوَدَّةِ كَوَلِيِ الْإِسْلَامِ".
كما جاء في قول الله -جل وعلا-: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة:8]، وفي حديث أسماء أن أمها جاءت راغبة، تقول: أفأصلها؟ قال: نعم، فمثل هذا التصرف الذي لا يصل إلى القلب فيورث المودة والمحبة لا إشكال فيه، ما لم يكن معاديًا محاربًا.
"التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ تعالى: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} (الْكِتَابِ) يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي (كِتَابِ اللَّهِ). وَ(مَسْطُورًا) مِنْ قَوْلِكَ سَطَرْتُ الْكِتَابَ إِذَا أَثْبَتُّهُ".
أثبتَّه.
"أَسْطَارًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ مَكْتُوبًا عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَلَّا يَرِثَ كَافِرٌ مُسْلِمًا. قَالَ قَتَادَةُ: وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبًا".
وهي قراءة التفسير؛ لأن السطر هو الكتاب.
"وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: كَانَ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ".
اللهم صلِّ على محمد.
طالب:........
ماذا؟
طالب:.......