شرح متن الورقات في أصول الفقه (06)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الأسئلة كثيرة جداً، وهذا آخر درس -كما تعلمون- والكتاب بقيت فيه بقية كبيرة، ولا يمكن إكمال الكتاب بحال بمثل هذه الطريقة حتى ولا في دورةٍ لاحقة -فيما يغلب على الظن- لكنها جرت العادة أننا إذا بقي علينا شيء من كتاب أننا نكلمه ضمن دروسنا في المسجد، ونخصص له يوماً مستقلاً ويحضر أصحاب التسجيل ويسجلون ويبث على الانترنت.
سوف يبث بإذن الله مغرب الثلاثاء من كل أسبوع بدءاً من الأسبوع الثاني في الدراسة، يعني مع بداية الدروس في المسجد، ونخصص له المغرب يوم الثلاثاء -إن شاء الله تعالى- والذي يريد أن يتابع ممن هو بعيد، فعلى موقع لايف إسلام أو.. وأيش اسمه؟
طالب: البث الإسلامي.
نعم، البث الإسلامي ويسمونه لايف، المقصود أن دروسنا كلها تبث على هذا، ومنها تكملة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
اللهم صل على محمد.
سم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال إمام الحرمين -رحمه الله-:
والنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، ويدل على فساد المنهي عنه، وترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين.
وأما العام: فهو ما عمّ شيئين فصاعداً من غير حصر، وألفاظه أربعة: الاسم المعرف بالألف واللام، واسم الجمع المعرف باللام، والأسماء المبهمة كـ(من) فيمن يعقل، و(ما) فيما لا يعقل، و(أيّ) في الجميع، و(أين) في المكان، و(متى) في الزمان، و(ما) في الاستفهام والجزاء وغيره، و(لا) في النكرات، والعموم من صفات النطق، ولا يجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول -رحمه الله تعالى-:
والأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده: اختلف العلماء في هذه المسألة -في الأمر بالشيء- هل هو عين النهي عن ضده؟ بعد اتفاقهم أن صيغة النهي شيء، وصيغة الأمر شيء مختلف تماماً عنه، فـ(قم) غير (لا تقعد) تماماً؛ فهذا شيء وهذا شيء، لكن هل هو عين النهي عن ضده، هل إذا قيل لك: (قم) هل هو عين النهي عن القعود أو هو غيره؟ أو هو من مقتضياته ومستلزماته؟
المسألة خلافية، فالأمر بالحركة هل هو عين الكف عن ضده -وهو السكون- أو لا؟ الأمر بالثبات في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} [(45) سورة الأنفال]، هل هو عين النهي عن الفرار؟
يعني لو لم يرد النهي عن الفرار، وأنه من الموبقات، نستفيد النهي من الفرار في هذا اللفظ أو من لفظ الآية، أو هو مما يستلزمه امتثال الأمر في الآية؟
والصواب أن الأمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده، ولكنه يستلزمه؛ لأن طلب الشيء طلب له بعينه وطلب لما لا يتم إلا به، فلا يتم الثبات المأمور به إلا بعدم الفرار وهكذا، وهذا الذي قرره شيخ الإسلام وابن القيم ورجحه الشنقيطي -رحمه الله-.
والنهي عن الشيء: -عكس هذه المسألة- قرر المصنف بأنه أمر بضده، قال: والنهي عن الشيء أمر بضده: وهذا إذا لم يكن له إلا ضد واحد، وهو نظير ما تقدم في الأمر بالشيء في المسألة السابقة.
نقول: إنه من مقتضياته مستلزماته، إذا لم يكن له إلا ضد واحد، وإذا كان له أضداد متعددة فالنهي عنه أمر لجميع أضداده أو بواحدٍ من أضداده؟
طالب:.......
نعم، هو أمر بأحد أضداده؛ النهي عن القيام، إذا قيل: لا تقم، هل معنى هذا أنك لا بد أن تقعد؟ أو يسوغ لك أن تضطجع؟ إذا قيل لك: لا تقم، يحصل الامتثال بأحد الأضداد، كذا وإلا لا؟
المقصود أنك لا تفعل ما نهيتَ عنه، فأنت مأمور بأحد أضداده الذي يتم به الامتثال، ((إذا دخل أحدكم فلا يجلس))، ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)): الجلوس له ضد واحد أو أضداد؟ يعني إن استمر قائماً يدخل في النهي وإلا ما يدخل؟ إذا اضطجع؟ إذا دخل المسجد يضطجع، الرسول يقول: "لا تجلس"، أنا ما جلست؟ نعم، يدخل؟!
نعم، إذا دخل المسجد واضطجع عند الظاهرية معروف رأيهم أنه أيش؟ له أن يضطجع؛ لأنه منهي عن الجلوس ما نهي عن الاضطجاع؟
طالب:.......
نعم، نقول: الاضطجاع جلوس وزيادة، بل هو من باب أولى، يقال: مقياس الأولى، أو نقول: مفهوم الموافقة؟
طالب:.......
جلوس وزيادة، فهو من باب قياس الأولى، هذا الذي عليه الأكثر، لكن عرفنا رأي الظاهرية أنه منهي عن الجلوس وما عداه له ذلك.
والمسألة -مسألة فعل ذوات الأسباب-ومعارضتها تحتمل درس كامل يا إخوان، لا تحسبون أنه من السهولة بمكان بحيث يجاب عنها بدقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق؟ لا.
تحتاج إلى بسط؛ لأنها مشكلة عند كثير من أهل العلم بل هي من عضل المسائل، وكثير ممن ينتسب إلى العلم من طلابه يتساهلون في هذا، خاص وعام، والخاص مقدم على العام، حتى نجد من يدخل قبيل الغروب بدقيقة أو دقيقتين فيصلي، يعني الأمر عنده من السهولة بحيث صار خاصاً وعاماً وانتهى الإشكال، والله المستعان.
ففي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)): هذا نهي عن الجلوس إلى الغاية المذكورة وهي الصلاة، فهل المراد به استمرار القيام أو يكفي الاضطجاع، كما يقول الظاهرية؟ لكن المراد شغل البقعة بالصلاة؟ ولذا تحصل الصلاة بأي صلاة إذا كانت بالعدد المذكور، يعني لو جاء شخص بعد صلاة العشاء وقال: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))، أنا أصلي ركعة واحدة وتراً، أو ثلاث ركعات، يتم الامتثال وإلا ما يتم؟ يتم وإلا ما يتم؟ بركعة واحدة يتم؟ والرسول يقول: حتى يصلي ركعتين؟
طالب:.......
كيف يتم؟
طالب:.......
حتى يصلي..، أما إذا صلى ثلاثاً ما في إشكال، ركعتين وزيادة، حصل المقصود وزيادة.
طالب:.......
أي صلاة؟
إذا كان ممن يرى أن سجود التلاوة صلاة، فقرأ آية سجدة وسجد وقال: خلاص أنا أجلس، سجود التلاوة صلاة -كما هو مقرر عند الحنابلة وجمع من أهل العلم- نقول: هذا صلى فيتم به الامتثال؟
نقول: أقل ما يتم به الامتثال هو الركعتان، وهذه المسألة كسابقتها؛ فالنهي عن الشيء مختلف عن الأمر بضده؛ لأن النهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورات الترك باللزوم.
ثم عرف المؤلف -رحمه الله تعالى- النهي بأنه "استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، ويدل على فساد المنهي عنه: النهي يقابل الأمر مقابلة تامة، فإذا كان الأمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، فالنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
وعرفنا أن الأمر لا يتم بالكتابة، ولا بالإشارة المفهمة ولا بالقرائن على ما تقدم، وفصلنا القول في ذلك في وقته تفصيلاً مناسباً للوقت واختصار الكتاب، وحينئذٍ لا يحصل النهي بغير القول كما قدمنا في الأمر، فلا يحصل بالكتابة والإشارة والقرائن المفهمة ولا بغير ذلك على ما تقدم بسطه.
إذا قال الابن لأبيه: أريد أن ألعب؟ فقال الأب: ....، إيش معنى هذا؟ يعني لا تلعب.
يأثم إذا خالف؟ لا يدخل في النهي؛ لأنه إشارة المقتضى الكلام لكن الكتابة والإشارة المفهمة..، المسألة متصورة فيمن يفهم ويعقل، لا شك أنها كالقول.
ممن هو دونه: فلا يكون النهي لمن هو فوقه أو مساوٍ له كما تقدم تقريره في الأمر، إذا قال العبد لربه -عز وجل-: اللهم لا تعذبني، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا} [(286) سورة البقرة]، هذا نهي وإلا دعاء؟ دعاء؛ لأنه ممن..، طلبٌ ممن هو فوقه، ونهي المساوي يسمى التماس.
على سبيل الوجوب: أي على سبيل وجوب الترك على وزان ما تقدم في الأمر إذا لم يوجد صارف يصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة.
قال في قرة العين: "النهي المطلق مقتضٍ للفور والتكرار"، هناك في الأمر قلنا: لا يقتضي الفورية ولا التكرار، وهنا يقول: "النهي المطلق مقتضٍ للفور والتكرار، فيجب الانتهاء في الحال، واستمرار الكف في جميع الأزمان؛ لأن الترك المطلق إنما يصدق بذلك".
إذا قال..، في قوله -عز وجل-: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [32) سورة الإسراء]. نهي، شخص يقول: هو يريد أن يمارس هذه الجريمة مع نهي الله -عز وجل- وقبل أن يموت يتوب؟ يكف؟
نقول: لا؛ النهي للفور؛ ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه))، ما في مثنوية، الأمر أخف، ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم))، أما ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه))؛ مادة محسومة.
ولذا يقرر أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والحظر مقدم على الإباحة كما هو معروف.
يقول: "النهي المطلق مقتضٍ للفور والتكرار فيجب الانتهاء في الحال، واستمرار الكف في جميع الأزمان؛ لأن الترك المطلق إنما يصدق بذلك": الذي يزاول في وقت السعة ويقول: إذا ضاق الوقت تركت، من له ببلوغ ذلك الوقت؟
إذا قال هو: من تاب تاب الله عليه، والعبرة بالخواتيم، وأنا الآن ما زلت في طور الشباب، من يؤمنك حتى تبلغ الحد الذي حددته والأجل الذي أجّلته لنفسك؟ من يؤمنك؟ وقد تبلغ الأجل، تؤمل أن تعيش مائة فتعيش مائة، لكن من يضمن لك أن توفق للتوبة؟!
ولذا كثير من الناس يعتمد على نصوص الوعد، وعلى بعض النصوص مع أنه يعمى عن غيرها، ((من توضأ نحو وضوئي هذا وقال بعد ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دخل من أي أبواب الجنة الثمانية، وفتحت له أبواب الجنة))، وفي الحديث: ((ولا تغتروا)): يعني يقول: ما دام الأبواب تفتح سهل لمن يقول هذا الكلام اليسير، ويفعل ما يشاء من المنكرات، من يضمن لك أن توفق في مثل هذا؟؟
((من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة)): قد يقول الإنسان: أنا لن أتكلم إلا بخير، وأضمن ما بين رجلي وما عدا ذلك من المعاصي الجنة مضمونة.
نقول لا؛ لن توفق لضمان ما بين لحييك وما بين رجليك وأنت لم تأتمر بأوامر الله وتعظم شعائر الله، وتأتي بجميع ما أمرك الله به، وتندم على ما فرط منك من مخالفات.
قوله: ويدل على فساد المنهي عنه: المنهي عنه، النهي -كما عرفنا- هو طلب الكف عن الفعل، وطلب الكف يقتضي أمرين، الأمر الأول: تحريم المنهي عنه؛ لأنه الأصل، النهي إذا تجرد عن القرائن الصارفة فهو للتحريم، يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [(7) سورة الحشر]، يقول الإمام الشافعي -رحمة الله عليه-: "أصل النهي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كل ما نهى عنه فهو محرم، وهذا الأصل مقرر عند أهل العلم، حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهي عنه لمعنى غير التحريم.
وهذا معنى قوله: الأمر في النهي أو "الأصل في النهي التحريم إلا إذا وجد ما يصرفه إلى الكراهة"، هذا ما يقتضيه النهي.
والثاني من مقتضيات النهي ما دل عليه قول المؤلف: ويدل على فساد المنهي عنه: وهذا أطلقه المؤلف هكذا بهذه الصيغة: "يدل على فساد المنهي عنه".
النهي عن الشيء إما أن ينهى عنه لذاته، فيدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، أو ينهى عنه لأمرٍ خارج عنه لا لذاته، وهذا الخارج إما أن يكون من شروطه ومستلزماته ومقتضياته، أو جزء لا ينفك عنه، فهذا أيضاً كالنهي عن الشيء لذاته، داخل في كلام المؤلف، أما إذا عاد النهي إلى أمرٍ خارج، ليس من مقتضيات هذا العمل فإنه لا يدل على فساد المنهي عنه، ولذا يقول بعضهم: إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإنه يبطل إضافةً إلى التحريم، فمن سجد لغير الله سجوده باطل؛ لأن السجود ذاته منهي عنه، من استتر بسترة حرير نقول: عاد النهي إلى الشرط فيبطل، من صلى وعليه عمامة حرير أو خاتم ذهب؟ نقول: صلاته صحيحة وإلا باطلة؟
طالب:.......
صلاته صحيحة وعليه إثم ما ارتكب من المحظور، وإن كان الظاهرية يبطلون مثل هذه الصورة؛ لأنه حينئذٍ يجتمع عندهم المأمور والمحظور في آنٍ واحد.
مفهوم كلام المصنف أن كل نهيٍ يقتضي الفساد سواء رجع إلى ذات العبادة أو العقد أو إلى شرطهما أو ركنهما أو أمرٍ خارج عن ذلك، ويستوي في ذلك من صلى صلاةً غير مشروعة، أو على هيئة غير مشروعة ومن صلى صلاة مشروعة في بقعةٍ مغصوبةٍ أو توضأ بماءٍ مغصوب أو ستر عورته بحرير أو صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو غير ذلك، وهذا مقتضى مذهب أهل الظاهر.
أما مع اتحاد الجهة بين الأمر والنهي فلا إشكال في فساد النهي؛ لاستحالة الجمع بين النقيضين -أن يكون العمل مأموراً به منهياً عنه لذاته في آنٍ واحد- وأما مع انفكاك الجهة فلا يمتنع ذلك؛ فالإنسان مأمور بالصلاة، منهي عن ارتكاب المحرم كالغصب ولبس العمامة أو خاتم من حرير ونحو ذلك، فإن الخاتم والعمامة غير مأمور بهما بخلاف السترة وغيرها مما يشترط في الصلاة ويؤمر به من أجلها.
ظاهر؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟
صيغة النهي:
المضارع المقترن بـ(لا) الناهية، (لا تفعل)، ومثلها التصريح بالتحريم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(3) سورة المائدة]، يقابله نفي الحل أيضاً، {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء} [(19) سورة النساء]، أو لفظ النهي كقول أبي سعيد: "نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الفطر ويوم النحر"، وقول الصحابي: "نهينا"، إذا قال الصحابي: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أو قال: "نهينا عن كذا؟" يدخل، لكن يختلف بين: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" و"نهينا"، أن "نهانا" مرفوع اتفاقاً وفي "نهينا" خلاف ذكرناه في "أُمرنا".
وإذا صرح الصحابي بالنهي دل على التحريم كصيغة (لا تفعل) عند جمهور أهل العلم، وهذا خلافٌ لداود الظاهري وبعض المتكلمين، نظير قولهم في: "أمَرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؛ لأن الصحابي قد يسمع كلاماً فيظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي، وعرفنا ما في هذا القول من ضعف.
ترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين: صيغة الأمر (افعل)، الأصل فيها الوجوب كما تقدم، إلا إذا دل الدليل على صرفه إلى الاستحباب، وهذا أيضاً تقدم، وقد تأتي صيغة (افعل) والمراد الإباحة، وهذا أيضاً تقدم تفصيله في الأمر بعد الحظر، {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [(51) سورة المؤمنون]، مأمور بالأكل من الطيبات، {كُلُوا}: هذا الأمر أمر وجوب وإلا ندب وإلا إباحة؟ أو تتأتى به جميع الأحكام؟
نعم، مع خشية الهلاك يجب الأكل، مع الحاجة إلى الطعام من دون هلاك يندب الأكل للاستعانة به على طاعة الله، مع عدم الحاجة إليه يكره الأكل، وما عدا ذلك فالأكل الأصل فيه الإباحة، اللهم إلا إذا قلنا: إن متعلق {كُلُوا} هو الجار والمجرور {مِنَ الطَّيِّبَاتِ} مفهومه لا تأكلوا من الخبائث، فالأكل من الطيبات على سبيل الوجوب في مقابلة الأكل من الخبائث، وهذا سبقت الإشارة إليه بإيجاز في مقابلة الحل التحريم، {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف]، تأتي أيضاً للتهديد كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت]، {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [(30) سورة إبراهيم]، وتأتي أيضاً للتسوية: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ} [(16) سورة الطور]، وتأتي أيضاً للتكوين: وهو الإيجاد عن العدم بسرعة كما في قوله تعالى: {كُن فَيَكُونُ} [(117) سورة البقرة].
يقول -رحمه الله تعالى-:
وأما العام فهو ما عمَّ شيئين فصاعداً: من قولهم: عممت زيداً وعمراً بالعطاء، وعممت جميع الناس.
العام: لغةً شمول أمرٍ لمتعدد سواء كان الأمر لفظاً أو غيره، ومنه قولهم: عمّهم الخير، إذا شملهم وأحاط بهم.
والمؤلف عرّفه بأنه ما عم شيئين فصاعداً، وينبغي أن يزاد في الحد (من غير حصر)؛ لأن العدد المحصور داخل في حيّز مقابل العام وهو الخاص، وهذا أمر لا بد منه في الحد؛ لإخراج اسم العدد كمائة مثلاً أو ألف؛ لأنها وإن شملت أكثر من اثنين لكنها مع حصر والعام بلا حصر.
عرفه في المحصول بأنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضعٍ واحد، ثم بيّن المؤلف مأخذ التعريف، وأنه مأخوذ من قولك: عممت زيداً وعمراً، أي شملتهما بالعطاء.
في قرة العين قال: "وفي بعض النسخ مثل: عممت زيداً وعمراً، ولا يصح ذلك"، لماذا؟
لأن عممت زيداً وعمراً ليس من العام الذي يريد بيانه؛ المؤلف يريد أن يبيّن معنى العام في الأصل وأنه الشمول، يعني مأخذ الكلمة من أين؟ لا أنه يريد أن يقرر معناه اصطلاحاً: عممت زيداً، عممت جميع الناس، عممت زيداً يعني شملته، يريد أن يقرر المعنى اللغوي؛ لأن التعميم والعموم هو الشمول، ولا يريد أن يطبق زيداً وعمراً على تعريف العام اصطلاحاً؛ وإلا إذا انحصر في اثنين أو في عشرة أو في مائة ما صار عاماً، صار خاصاً بهؤلاء، ولذا يقول: "في بعض النسخ: مثل عممت زيداً وعمراً ولا يصح ذلك؛ لأن عممت زيداً وعمراً ليس من العام الذي يريد بيانه"؛ لأنه محصور، والصحيح في العام أنه من غير حصر، لكن يريد أن يبين أن معنى كلمة عممت: شملت، والعام: هو شمول الشيء.
قال -رحمه الله-:
وألفاظه أربعة، الاسم الواحد المعرف باللام، واسم الجمع المعرف باللام: التعريف باللام أو بـ(أل)؟ نعم؟
طالب:.......
بالألف واللام؟ بـ(أل)؟ نعم، التعريف بـ(أل) وإلا باللام؟ عندكم ماذا يقول باللام؟
طالب:.......
خلاف:
أل حرف تعريف أو اللام فقط |
| فنمط عرفته قل فيه النمط |
فالخلاف بين أهل العلم أن حرف التعريف هو اللام فقط أو (أل) -الهمزة مع اللام- محل خلافٍ بين أهل العلم.
الاسم الواحد المعرف باللام: المراد بـ(أل) هنا، الاستغراقية، كما في قولك: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة]؛ (أل) هنا للاستغراق؛ جميع أنواع المحامد لله عز وجل، {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(2) سورة العصر]، {إِنَّ الْإِنسَانَ}: (أل) هذه جنسية لاستغراق الجنس، ولذا صح منها الاستثناء.
اسم الجمع المعرف بـ(أل): اسم الجمع المعرف باللام أو بـ(أل) -على الخلاف في ذلك- وهو شامل للجمع الذي له مفرد، كما في قوله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [(1) سورة المؤمنون].
و(أل) الجنسية ضابطها أن يوضع مكانها أو محلها (كل) أو (جميع) قد أفلح جميع المؤمنين، أو كل المؤمنين، ويشمل أيضاً اسم الجمع الذي ليس له مفرد من لفظه كقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [(34) سورة النساء]، {الرِّجَالُ}: جنس الرجال قوامون على جنس النساء.
هاه كيف؟
طالب:.......
الضابط أن تجعل مكان (أل) كل أو جميع.
ويشمل أيضاً اسم الجنس الجمعي: وهو ما يدل على أكثر من اثنين، ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء أو بالياء، {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [(70) سورة البقرة]، فالبقر اسم جنس جمعي، لماذا؟ لأنه يفرق بينه وبين واحده بالتاء؛ واحده بقرة.
إن التمر: اسم جنس جمعي، نعم، لماذا؟ لأنهم فرقوا بينه وبين مفرده بالتاء، الجمع تمر والواحدة تمرة، سدر سدرة، وهكذا، أو يفرق بينه وبين مفرده بالياء، {الم* غُلِبَتِ الرُّومُ} [(1-2) سورة الروم]، وواحده رومي.
الثالث: الأسماء المبهمة، كـ(من) فيمن يعقل: ((من دخل داره فهو آمن، من دخل دار أبي سفيان..))، من دخل كذا، من فعل كذا، هذه من صيغ العموم، و(من) خاصة بالعقلاء، ومن ينزل منزلة العقلاء.
و(ما) فيما لا يعقل: نحو: ما جاءني منك أخذته، يعني أي شيء يأتي من قبلك، من هبة أو صلة أو فائدة أو شيء من هذا يقبل، وقد تدخل على ما يعقل إذا نزل منزلة من لا يعقل، {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم} [(3) سورة النساء].
و(أي): الاستفهامية نحو: أي الناس عندك؟ أي العمل أفضل؟ والشرطية: أي عبيدي جاءك فأحسن إليه، ومثلها الموصولة: أي الأشياء أردت أعطيتكه.
و(أين) في المكان: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [(26) سورة التكوير]، و(متى) في الزمان: {مَتَى نَصْرُ اللّهِ} [(214) سورة البقرة]، و(ما) في الاستفهام: نحو: ما عندك؟ وأيضاً في الجزاء: نحو: ما تعمل تجزَ به، وفي نسخةٍ والخبر بدل الجزاء نحو: عملت ما عملت أي: أي عملٍ عملته. فهي دالة على العموم.
الأمر الرابع: (لا) في النكرات: في النكرات نحو: لا رجل في الدار، وهو ما يقوله أهل العلم من أن النكرة في سياق النفي تعمُّ، ومثل بالمثال: لكن لو جاء بالقاعدة لشمل جميع أدوات النفي، ما عندي شيء، أي: أي شيء، لا رجل في الدار، نعم.
عموم النكرات في سياق النفي تدل على العموم، {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [(197) سورة البقرة]، هذا أيضاً نكرات في سياق النفي فتعم جميع أنواع الرفث، جميع أنواع الفسوق، جميع أنواع الجدال.
فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم، وكذلكم في سياق النهي أو الشرط أو الاستفهام الإنكاري، {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء} [(71) سورة القصص] في سياق الامتنان، النكرة في سياق الامتنان أيضاً تفيد العموم، {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [(68) سورة الرحمن]: هذا سياق امتنان، ومن صيغ العموم أيضاً لفظ: (كل)، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [(35) سورة الأنبياء].
ومن صيغ العموم أيضاً المضاف إلى ما اقترن بـ(أل)، سواء كان مفرداً أو جمعاً، المضاف إلى ما اقترن بـ(أل) {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل]، {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [(11) سورة النساء]، يعني أضيف إلى معرفة، ومعروف أن الضمائر من أعرف المعارف، حتى قال جمع من النحاة: إن الضمائر أعرف المعارف على الإطلاق، وإن كان رأي سيبويه أن لفظ الجلالة هو أعرف المعارف، وكلامه هو الصواب.
ثم قال -رحمه الله-:
والعموم من صفات النطق، ولا تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه: العموم من صفات النطق، والمراد بالنطق هو اللفظ والقول الملفوظ به، فالعموم يدخل في اللفظ، في القول، ولا يدخل في الفعل، فحكاية الأفعال لا عموم لها.
كثيراً ما تسمعون: هذه حكاية فعل ولا عموم له، ولا ما يجري مجرى الفعل من الإشارة والقرائن المفهمة وغيرها، فالمراد بالنطق، المصدر الذي هو المنطوق به، كما أن اللفظ يراد به الملفوظ به، اسم المفعول.
فالفعل كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر: الآن المراد تقريره هنا، الجمع أو كلمة السفر؟
قالوا: "كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر": معروف أن الفعل الجمع، كما أن السفر أيضاً فعل، لكن المقصود هنا المثال من أجل الجمع أو أجل السفر؟ هم يمثلون بهذا قالوا: كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر، هاه السفر أو الجمع؟
طالب:.......
نقول: الجمع فعـل، والسفر فعل، فعل وإلا ما هو بفعل؟
السفر: الذي هو المسافرة، البروز، السفر والإسفار والسفور كله معناه بروز وظهور وخروج، فهي أفعال، إذا قيل: سافر فلان، وأسفر الصبح، وامرأة سافرة؛ كل هذا لإبرازها محاسنها، وهذا لبروزه عن البلد وخروجه منه، وأسفر الصبح؛ لبيانه وظهوره وهكذا.
المقصود أن المثال: كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر، قالوا: لا يدل على عموم الجمع في السفر الطويل والقصير؛ فإنه إنما وقع في واحدٍ منهما، فإنه إنما وقع في واحدٍ منهما.
أو نقول: السفر من صيغ العموم؛ لأنه اقترن بـ(أل) الجنسية؟ ها يا إخوان تجاوبوا.
طالب:.......
السفر مقترن بـ(أل) فهو من صيغ العموم فيعم كل سفر.
نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
هو حكاية فعل، هذه حكاية فعل "كجمعه"، نعم، ولا يلزم أن تكون هذه صيغة الصحابي، هذه صيغة الذي أورد المثال.
الصيغة: "جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر"، نعم، فالمراد فعله -عليه الصلاة والسلام- لهذا الجمع، فعله -عليه الصلاة والسلام- لهذا الجمع، فلا يعني عموم كلّ صلاة، بحيث كل صلاة..، ما دام ثبت الجمع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين، هل يشمل هذا كل صلاة يصليها الإنسان يجمعها مع غيرها؟
لا؛ لأن الفعل لا عموم له، هذا فعل يقتصر فيه على مورده، وفي السفر..، السفر مفرد معرف بـ(أل) فهو من صيغ العموم، ويبقى أن هل العموم باقٍ على عمومه، هل هو محفوظ، أو نقول: هذا إطلاق؟ نقول هذا تعميم وإلا إطلاق؟ السفر له أفراد أو له أوصاف؟ نعم؟
طالب: أوصاف.
يعني ما قدمنا الفرق بين التخصيص والتقييد؟ على شان يخدمنا هنا.
نعم، له أوصاف، فلفظ السفر هنا مطلق، شامل للسفر الموصوف بالطول، والسفر الموصوف بالقصر، ولذا من يقول بعدم التحديد لا في الوقت بأيام محدودة، ولا في المسافة بأكيالٍ معدودة، يقول: السفر جاء في النصوص مطلقاً ويبقى على إطلاقه، وهذا معروف من يقول به.
وجماهير أهل العلم على التقييد، على التقييد؛ لأدلةٍ ذكروها في موطنها، والخلاف في هذه المسألة معروف، والذي يجري مجرى الفعل كالقضايا المعينة، قالوا: كالقضايا المعينة، مثل قضائه -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة للجار، ولذا كثيراً ما تسمعون: "هذه قضية عين"، وقضايا الأعيان لا عموم لها، قضية عين، تسمعون هذا وإلا ما تسمعون؟ نعم، وقضايا الأعيان لا عموم لها.
مثل قضائه -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة للجار، أولاً الحديث فيه مقال، مروي عند النسائي عن الحسن مرسلاً، ومراسيل الحسن ضعفها معروف، قالوا: فلا يعم كل جارٍ؛ لاحتمال خصوصيته في ذلك الجار، احتمال خصوصية؛ لأنه يمكن هذا الجار شريك، ويحتاج إلى مثل هذا القول؛ للنصوص الواردة في الشفعة، التي تقرر أنه: ((إذا حدّت الحدود وميّزت الطرق فلا شفعة))، وهذا في الصحيح، مع أنه جاء: ((والجار أحق بصقبه)).
طالب:.......
هذه قضية عين.
طالب:.......
هذه من المسائل التي يطول فيها الخلاف، وتتباين فيها الوجهات، لقائل أن يقول: هذه قضية حكم بها النبي -عليه الصلاة والسلام- والأصل التشريع وأنه قدوة وأنه أسوة، فنقضي بالشفعة لكل جار وأيش المانع؟
لكن مثل هذه الأمور تسلك وإن كان فيها شيء من الضعف؛ للتوفيق بين النصوص المتعارضة، تعرف أن نصوص الشفعة جاء فيها شيء، جاء ما يدل على الشفعة للجار، وجاء أيضاً أنه إذا حدت الحدود وميّزت خلاص فلا شفعة، وجاء: ((الجار أحق بصقبه))، فلا نقول بعموم شفعة الجيران كلهم، إلا إذا كان له شيء من اشتراكٍ ونحوه.
هذا الذي جعلهم يقولون: إن مثل هذا لا يقتضي العموم.
قالوا: فلا يعم كل جارٍ لاحتمال الخصوصية في ذلك الجار، كذا في الشرح؛ لأن الجار مفرد معرف بـ(أل) الجنسية.
الأصل فيه أنه عموم، لكن يبقى أنها قضية عين، لا عموم لها، يعني لو قال: النبي -عليه الصلاة والسلام-: (الشفعة للجار) من قوله -عليه الصلاة والسلام- ما اختلفوا بأن هذا عموم، لكن بكونه فعل وقضاء منه -عليه الصلاة والسلام- حصل الخلاف، وقالوا: هذه قضية عين، لكن لو جاء لفظ عام، فالعموم يدخل الألفاظ بخلاف الأفعال -على ما بيّنوا- لكن يقول الشوكاني: "رجحان عمومه، وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح"، الشوكاني يقول: "رجحان عمومه وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح".
ولا شك أن الأصل الاقتداء، وأننا ملزمون بامتثال أقواله وأفعاله -عليه الصلاة والسلام- إذا كانت تشريعاً -كما هو معروف- في قوله وعمله وقضاءه وغير ذلك، فالأصل الاقتداء والائتساء به عليه الصلاة والسلام.
هذا سؤال: يقول ما هي نصيحتكم لطلاب العلم بعد هذه الدورة خصوصاً المبتدئين منهم؟
نكرر ما بدأنا به سابقاً أن الأصل -أصل العلوم كلها- كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب الله -عز وجل- قراءةً وحفظاً وفهماً وعملاً وتدبراً؛ فقراءة القرآن -كما يقول شيخ الإسلام- على الوجه المأمور به تورث الإنسان من العلم واليقين والبصيرة ما لا يدركه إلا من عمل مثل هذا العمل.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى |
| فالعلم تحت تدبر القرآن |
فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب الله -عز وجل- حفظاً وقراءةً وفهماً وعملاً، ويطالع عليه أقوال أهل العلم مما يوضحه من أقوال أهل العلم الموثوقين في عقيدتهم وسلامة قصدهم ومنهجهم، ثم يعتني بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ولا ينسى ما يعينه على فهم الكتاب والسنة مما يسمى بعلوم الآلة، لكن جلّ الوقت والهم الأكبر للمقاصد، ولا ينسى الوسائل التي تعينه على فهم الكتاب والسنة.
فيعتني بكتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بالتدريج، فيتعلم على طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم- يتعلم العشر الآيات، فيقرؤها قراءة صحيحة، ويحفظها، ويفهم ما فيها من علمٍ وعمل، كما فعلوا -رضوان الله عليهم- وبهذا يثبت الحفظ من جهة، ويرسخ العمل، ويثبت العلم، ويرسخ المحفوظ على طريقة السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.
وأما السنة فيأخذ منها أيضاً بالتدريج، وكل يعرف ما وهبه الله -سبحانه وتعالى- له من قوةٍ في الحفظ والفهم، لا يكلف نفسه أكثر مما يطيق؛ ((اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا)).
نجد الإنسان يأتي متحمس يبي يلتهم العلم كله في يومٍ واحد أو في وقتٍ واحد!
ما يمكن، تجد الحافظة ضعيفة، والفهم ضعيف، ثم يأتي إلى القرآن يقول: كل يوم جزء مدة شهر وأنا حافظ، ما يمكن، مثل هذا النوع يحفظ آية آيتين يفهم هاتين الآيتين وما فيهما من العلم والعمل، ثم من الغد كذلك، والذي يليه كذلك وهكذا.
المقصود أن العلم يؤخذ بالتدريج، ويؤخذ من أهله الموثوقين، ولا يقول: أنا الحمد الله عندي حافظة وعندي فهم وعندي قدرة على الاطلاع والاستيعاب، ولست بحاجة إلى حضور مجالس العلم؟ لا.
نقول: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))، وليس المراد..، لا يكون المراد من حضور الدروس هو أخذ العلم فقط، بل التأدب بأدب الشيوخ والاقتداء بهم في سمتهم وكيفية تحريهم وضبطهم، ولذا يقول ابن الجوزي في ترجمة أحد شيوخه: إنه استفاد من بكائه ولم يستفد من علمه"، مع أن البكاء الآن -والله المستعان- لا يكاد يذكر، لكن يبقى أن هناك من إذا رؤوا..، أناس من إذا رؤوا ذكر الله -عز وجل- والله المستعان.
فعلينا أن نعتني بهذا الباب إضافةً إلى أن الأجر مرتب على سلوك الطريق، ما رتب على التحصيل، الأجر مرتب على السلوك، ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))، ما قال: من صار عالماً سهل الله له.. الخ؟ لا.
نعم العلماء لهم أجرهم وثوابهم لا سيما العاملون بعلمهم، من عمل بعلمه، الربانيون الذين يعلمون الناس ويدلونهم على الخير، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.
فعلى الإنسان أن يحرص في تحصيل العلم ولا يتراخى، ويكون همه العلم والعمل، .. الشيخ حضر الآن، إن كان هناك أسئلة تعرض بقيتها على الشيخ، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نعم، يلزمه أن ينبهه؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى، ومثله إذا وجد شخصاً يعبث بلحيته، أو يفعل شيئاً محرماً وهو ساهي ينبهه.
بعض من يتصدر لتعليم الناس يفعل هذا فيقوم بعد الصلاة مباشرةً؛ لكي يضمن بقاء الناس في أماكنهم ويعرفون أنه في درس، وهذا في الغالب يكون في الكلمات القصيرة التي تقال بعد الصلوات؛ لئلا ينصرف الناس، وهذه وجهة نظر، هذا خير وهذا خير، لكن الدروس الثابتة المعروفة التي جاء الناس من أجلها، العبادات المرتبة بوقت والتي يفوت وقتها مقدمة على الأمور المطلقة، فلا بد من الإتيان بجميع الأذكار المتعلقة بالصلاة ثم البدء بالدرس.
على كل حال، الكل خير، والجهاد إذا تعيّن لا يعدله شيء، أما إذا لم يتعيّن فطلب العلم أمر مهم، إذ به يعرف كيف يؤدي العبادة المسقطة للطلب، الموصلة إلى مرضات الله -عز وجل-. وأجوبة النبي -عليه الصلاة والسلام- عن سؤالٍ واحد -هو أفضل الأعمال- جاءت متفاوتة من شخصٍ إلى آخر، فيسأل -عليه الصلاة والسلام- عن أفضل الأعمال، فيجيب بجواب، ويسأله آخر يجيبه بجوابٍ آخر، يسأله ثالث وهكذا؛ وسبب ذلك اختلاف أحوال السائلين، فإذا كان الشخص لديه قوة وشجاعة وإقدام، وفي النواحي الأخرى فيه ضعف، في إدراكه وفهمه وحفظه أقل نقول: الجهاد، وإذا كان العكس: شخص عنده قوة في الحفظ وفي الفهم ولديه استعداد لتحمل العلم وفي بدنه شيء من الضعف نقول: عليك بطلب العلم؛ هذا أفضل الأعمال، إذا كان لا هذا ولا ذاك نوجهه إلى النفع الآخر الخاص أو العام المتعدي أو اللازم، وعلى كل حال الأمور تقدّر بقدرها، فأما الجهاد إذا تعيّن، بأن دهم العدو البلد، أو استنفره الإمام أو حضر الصف، فإنه حينئذٍ لا يعدل عنه إلى غيره، والله المستعان.
هذه هي المسائل التي نبحثها الآن، لكن قد لا يدرك السائل جواب هذا السؤال؛ لأنه قد يكون في دروسٍ لاحقة، نقول: العام والخاص، والمطلق والمقيد، العام: يأتي ذكره أنه ما يشمل شيئين فصاعداً، وأما الخاص: فهو يشمل شيئاً واحداً أو أشياء محصورة.
والمطلق: إذا عرفنا الفرق بين العموم والإطلاق والتقييد والتخصيص انحل لنا كثير من الإشكالات، فالتخصيص: تقليل لأفراد العام والتقييد: تقليل لأوصاف المطلق، وهذا سيأتي كله -إن شاء الله تعالى- بأمثلته وصوره.
نعم، يلزمه ردها؛ لأن هذا ليس من باب التكليف نقول هو ما كلف، هو من باب ربط الأسباب بالمسببات، وجنايات الصبي والمجنون مضنونة.
الركن مثل ما سمعنا من كلام الشيخ -حفظه الله- أنه جانب الشيء الأقوى، والفرق بين الشرط والركن أن الشرط خارج الماهية، بينما الركن داخل الماهية، ونوضح ذلك بالمثال: تكبيرة الإحرام عند الجمهور ركن وعند الحنفية شرط، الفرق بين القولين تصح بدون تكبيرة الإحرام عند الجمهور؟ لا؛ لأنها ركن، تصح بدون تكبيرة الإحرام عند الحنفية؟ لا؛ لأنها شرط، تسقط مع السهو؟ لا تسقط، لا عند هؤلاء ولا عند هؤلاء، تسقط بالنسيان لا؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود كما هو مقرر عند أهل العلم، بينما العكس صحيح، ينزل الموجود منزلة المعدوم، إذن ما الفرق بين قول الحنفية وقول الجمهور؟
طالب:.......
خارج الماهية، أيش يترتب على هذا؟ هل معنى هذا أنك تكبر الإحرام في بيتك وتجي تصلي مع الناس مثل ما تتوضأ في بيتك؟
طالب:.......
نعم، طيب وأيش الفرق؟
طالب: خلاف لفظي؟
خلاف لفظي ما فيه فائدة، نعم؟
أيش رأيك في من كبر وهو حامل نجاسة؟ نفترض أن هذه متنجسة، وقال: الله أكبر، ووضعها مع نهاية التكبير، صلاته صحيحة وإلا باطلة؟
طالب:......
صحيحة عند الحنفية لماذا؟ لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، بينما عند الجمهور صلاته باطلة؛ لأن حمله النجاسة داخل الصلاة، والمسائل المرتبة على هذا كثيرة، والوقت ما يسمح ببسط أكثر من هذا.
الأصل أن لا فرق، ويراد بهاتين الكلمتين نفي الخلاف، إذا قيل: لا خلاف، أو اتفق العلماء، أو أجمعوا على كذا هذا الأصل، لكن يبقى أن لبعض أهل العلم اصطلاحات خاصة، فإذا قال: أجمعوا غير قوله: اتفقوا، صاحب الإفصاح هو ممن ينقل الاتفاق ويريد به اتفاق الأئمة الأربعة، وأما إذا أطلق الإجماع فمرادهم به إجماع جميع المجتهدين من علماء الأمة، جميع المجتهدين، هذا قول عامة أهل العلم.
أبو جعفر بن جرير الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، لذا تراه في تفسيره يقول: واختلف العلماء في كذا، إما في قراءة آية، يذكر الخلاف، أو في حكم مستنبط من الآية يذكر الخلاف، يقول: اختلفوا في كذا، ثم يذكر قول الأكثر ويذكر من خالف، ثم يقول: والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القراءة على ذلك، أو لإجماع العلماء على ذلك، وهو بنفسه ساق الخلاف.
على كل حال مسائل الإجماع والاختلاف فيها مصنفات، أما الاتفاق فهو أقل عند بعض أهل العلم مما في الإجماع، وهو نفي الخلاف؛ الأصل فيه أنه مثل نقل الإجماع، أو مثل نقل الاتفاق، إلا أنه يبقى أنه مقرون بعلم الناقل، نفي الخلاف حسب علمه، فيكون حينئذٍ أقل من التصريح بالإجماع.
وقد وقع من كبار الأئمة شيء من هذا، الإمام مالك يقول: "لا أعلم أحداً قال برد اليمين"، مع أن قضاة عصره ابن أبي ليلى وابن شبرمة يقولون به.
والإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "لا أعلم أحداً قال بوجوب الزكاة في أقل من ثلاثين من البقر"، مع أن القول معروف عن عثمان وابن عباس في العشر.
المقصود أن مثل هذا مرده إلى علم الناقل، أما الإجماع فلا يكاد يصرّح به أحد إلا وهو لا يعرف مخالفاً، اللهم إلا إذا كان ممن يتساهل في نقل الإجماع، يتساهل في نقل الإجماع كالنووي مثلاً، متساهل في نقل الإجماع؛ ادعى الإجماع في مسائل كثيرة الخلاف فيها معروف، بل قد يسوق الخلاف بنفسه، وهذا هو ما جعل الشوكاني يقول: "ونقل هذه الإجماعات تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع".
وعلى كل حال الإحاطة بقول جميع المجتهدين فيه عسر، والله المستعان.
إذا قلنا: إنهم مخاطبون وآثمون بأكلهم في نهار رمضان، فتقديم وتيسير الطعام لهم تعاوناً معهم على الإثم والعدوان، فلا يجوز تقديم الطعام لهم.
وهل يمكن للمسلم إطعام الخادمات الكافرات نهاراً؟
أولاً: إدخال الكافرات في بيوت المسلمين خطر محض، وهذه المسألة مفترضة في غير هذه البلاد التي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بإخراج الكفار منها، وأنها لا يجتمع فيها دينان، فإدخال الكفار في بيوت المسلمين ضرر محض، وإطلاعهم على عورات المسلمين أشد ضرراً، وعلى كل حال على المسلم أن يتقيَ الله -عز وجل- في مثل هذه الأمور، والله المستعان.
وهذا أمر ابتلي به الناس، رغم كثرة المشاكل والمصائب من الخدم والسائقين؛ تاهوا بعض الناس، ووقوع الكوارث، والناس يسمعون ويصدقون ما يقع لا ينكرون، لكن إذا خوطب الشخص في مثل هذا التساهل يأبى إلا أن يكون هو العبرة بدلاً من أن يعتبر بغيره، والله المستعان.
المقصود أن على المسلم أن يحرص على عمله، وأهم ما على الإنسان نفسه، وما يخلصها وينجيها، ويترك الكلام في الآخرين؛ فأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وهذا ملاحظ، بعض الناس إذا اختلفت معه في وجهة نظر انقلبت جميع الحسنات سيئات، ولا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً.
يا أخي هذه وجهة نظر، يمكن هو المصيب وأنت المخطئ، ويبقى أن الإسلام -ولله الحمد- فيه شيء من السعة وفيه مجال للاجتهاد، إلا ما وردت فيه النصوص، والإنسان مأجور على اجتهاده ولو أخطأ ولله الحمد، وهذا من سعة رحمة الله عز وجل.
فالمسلم عليه أن يحرص على المحافظة على أعماله الصالحة التي سعى في جمعها، ولا يكون مفلساً، فالمفلس من يأتي بأعمال في روايةٍ: ((كالجبال، صلاة وصيام وصدقة وبر وأمر بمعروف ونهي عن المنكر، ثم يوزعها -يعطي فلان وفلان وفلان وعلان- فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا انتهت الحسنات يضاف إليه من سيئاتهم))، نسأل الله السلامة، والحديث في الصحيح، والله المستعان.
على كل حال أعراض المسلمين -كما قرر أهل العلم- حفرة من حفر النار، فليتق الله -سبحانه وتعالى- طالب العلم على وجه الخصوص، ولا يجعل نفسه حكماً على العباد.
والجرح والتعديل بالنسبة للرواة على خلاف الأصل؛ لأن الأصل المنع، لكن العلماء أجازوه -بل أوجبوه- للضرورة الداعية إليه، فلولا الجرح والتعديل لم يعرف الصحيح من الضعيف، لكن ما الداعي إلى أن يقال: فلان وفلان وفلان؟
لا مانع أن ينبه الإنسان على الخطأ، وأن يقال: فعله كذا خطأ، منهج شيخ الإسلام -رحمه الله- التشديد على البدع وأهلها، والرد على المبتدعة بقوة، وتفنيد أقوالهم، لكن إذا جاء للأشخاص وهم متلبسون بهذه البدع التمس لكثير منهم الأعذار.
فرق بين أن تتكلم عن الفكرة وأنها مخالفة للشرع بدليل كذا وكذا، إذا كان في أدلة، أما إذا كانت وجهات نظر فتبيّن رأيك ولا تفرضه على أحد، والله المستعان.