ابن حجر في فتح الباري يقول: "روى الأزرقي في (أخبار مكة) بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه، وبنى حوله، فاستقر ثَم إلى الآن".
الكلام هذا ماشٍ على ما يعرفه طلاب العلم أو كلام فيه غرابة؟ ماذا يقول؟ يقول: "روى الأزرقي في (أخبار مكة) بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن" يعني يبعد عن الكعبة حدود خمسة أمتار، هو الموضع الذي فيه الآن؛ لأنه في وقت الأزرقي هذا مكانه، "أن المقام كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن" يعني ما هو لاصق بجدار الكعبة، كما يقتضيه الفائدة من وجوده، يعني الفائدة من وجوده أن يكون ملاصقًا لجدار الكعبة، ولهذا هذا اللفظ وإن ورد بأسانيد صحيحة لا يسلم من نكارة؛ لأن الفائدة منه أصلاً إنما وضع لما ارتفع البناء ليطلع عليه أو ليرقي عليه إبراهيم -عليه السلام-، ويتناول الحجارة من ولده، فيبني ما ارتفع من جدار الكعبة.
"المقام في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله -جرفه- حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره -يعني قدم عمر مكة من أين؟ من المدينة- حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه، وبنى حوله، فاستقر ثَم إلى الآن".
يعني مكانه الآن هو الذي وضعه فيه عمر وهو الذي كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى عهد أبي بكر وعمر إلى أن جاء السيل فاحتمله، ثم ردوه إلى هذا المكان.
لكن هذا اللفظ على أنه كما قال ابن حجر: بأسانيد صحيحة، يعني الحجَر ما الفائدة من اتخاذ إبراهيم -عليه السلام- له؟
نعم ليرقي عليه ليستطيع الوصول إلى الحد الذي لا يستطيع الوصول إليه بدونه؛ لأنه ارتفع عليه البنيان، فأتي بهذا الحجَر واستفيد منه، كونه بعيدًا بهذه المنزلة خمسة أمتار تقريبًا يستفاد منه لبناء جدار الكعبة؟
ما يستفاد، لا يستفاد منه، وإن كان يستفاد منه ولو قلنا إن طول إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مناسب لمثل هذا البعد، لقلنا: إن قربه من الجدار أيسر له من البعد مع وجود هذا الحجر، ولا شك أن اللفظ منكر، يعني الحجر المعروف عند أهل العلم أنه كان ملاصق للكعبة، فرأى عمر -رضي الله عنه- أنه في المطاف يسبِّب إشكال بالنسبة للطائفين وزحام فأبعده عن المطاف إلى قدر بحيث ينفِّس للناس، على أن وجوده في هذا المكان أو وجوده في مكانه الأصلي في أيامنا هذه مع كثرة الناس لا فرق، ومسألة تقديم المقام وتأخيره عن مكانه مسألة خلافية ذكرناها أو أشرنا إليها فيما تقدم.