تجد بعض الناس يسمع «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» و«رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يقول الحج أربعة أيام الآن أربعة أيام أستطيع السيطرة على نفسي فلا أزاول أي معصية لكن هل هو بالفعل يستطيع أن يسيطر على جوارحه فلا يزاول معصية؟ هل يستطيع أن ينهض إلى الصلاة قبل ما كان ينهض إليها قبل الحج؟
قبل الوقت الذي كان ينهض فيه قبل الحج؟ إلا إذا صاحب الحج توبة نصوحًا تُبَدِّل ما مضى من حياته إلى أحسن أما إذا كانت الحياة في جميع أوقاتها وأحوالها مبنية على التساهل والتراخي فإنه لن يستطيع أن يسيطر على نفسه وتجد أهل المعاصي يزاولون معاصيهم أثناء الحج أهل النظر إلى المحرم ينظر إلى المحرم عشية عرفة أهل الكلام المحرم يتكلمون بالكلام المحرم عشية عرفة وهكذا ولذا لا نجد الآثار المرتبة على هذه الأعمال الصالحة متحققة بعد الفراغ منها تجد كثير ممن يحج ويزعم ويخيَّل إليه أن حجه مبرور يعود إلى ما كان عليه قبل الحج وتجد بعض من يعتكف ويلازم المسجد والذكر في أفضل الأوقات في العشر الأواخر من رمضان إذا أعلن عن الشهر خرج من المسجد وإذا كانت تفوته أو يفوته شيء من الصلاة قبل الاعتكاف تجده صلاة العشاء ليلة العيد يفوته منها مثل ما كان يفوته سابقًا هل ترتبت الآثار على هذه العبادة؟
{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: ٤٥] تجده يصلي ثم يخرج ويزاول ما كان يزاوله من المعاصي هل ترتبت الآثار على هذه الصلاة؟ ولماذا لا تترتب الآثار على هذه الأعمال العظيمة؟ لأنها لم تؤدَّ على الوجه الشرعي تجد الحاج يريد أن يفرغ من هذا الحج على أي وجه كان، وتجد المصلي إذا دخل المسجد يريد أن يستريح من هذه الصلاة التي كُلِّف بها على أي وجه كان وتجده لا يعقل منها إلا الشيء اليسير بل قد يدخل في المسجد ويخرج كما دخل وبعض الناس يخرج من الصلاة بنصفها وبعضهم يخرج من الصلاة بربعها ومنهم من يخرج من الصلاة بعشرها يعني بعشر الأجر المرتَّب عليها والصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس كفارة لما بينهما شيخ الإسلام يقول الذي يخرج من صلاته بعُشْرِها هذا صلاته إن كفرت نفسها فبها ونعمت، ونسمع من الأحاديث «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» فتجد الإنسان يؤدي هذه العمرة على أي وجه ثم يقول خلاص أنا انتهيت من الذنوب كُفِّرَت ذنوبي بهذه العمرة على أي وجه أدى هذه العمرة لا بد أن يؤديها على الوجه الشرعي على وفق ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقال عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني مناسككم» الصيام إنما شرع لتحقيق التقوى، التقوى فعل الأوامر وترك النواهي تجد الإنسان يصوم رمضان وقد يصوم الست يصوم الإثنين ويصوم عاشوراء ويصوم الأيام المرغَّب في صيامها ومع ذلك تجد نصيبه من التقوى لا يزيد وقد ينقص لماذا؟ لأن صيامه ما ردعه ولا كفَّه عن المحرمات حتى في أثناء الصيام وقد يحفظ نفسه بالنهار لكن يزاول ما كان يزاوله من المعاصي بالليل فمثل هذا لا يحقِّق الهدف الذي من أجله شرع الصيام والحج مع الإرسال إرسال الجوارح في ما لا يرضي الله جل وعلا النظر إلى المحرمات الاستماع إلى المحرم المشي إلى ما لا يجوز أخذ ما لا يجوز كل هذا يعوق عن ترتب الأثر المرتب على الحج المبرور فينتبه الإنسان لا يقول والله أنا حججت وخلاص «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» لا نعرف أن الحج الذي تترتب آثاره عليه ويرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه هو الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم.
لكن قد يقول قائل هل المشترط العصمة؟ هل المشترط العصمة؟ يعني يحج معصوم لا يزاول أي شيء نقول لا العصمة للأنبياء فقد لكن أنت عليك أن تتقي المحرمات وعليك أن تفعل الواجبات وإذا حصلت زلة أو هفوة عليك أن تبادر بالتوبة منها.