التوفيق والهداية من الله –جلَّ وعلا-، مِنَّة ومنحة إلهيَّة، قد يكون للإنسان فيها يد، وقد يكون هو مجرد توفيق من الله –جلَّ وعلا-، لكن العادة جرتْ أن العبادات وما حُفَّتْ به الجنة عمومًا يحتاج إلى جهاد؛ لأن الجنة حُفَّتْ بالمكاره، فلا بُد أن يُجاهد الإنسان نفسه على تحمُّل هذه العبادات ومشقتها؛ حتى تكون سجيَّةً وعادةً له يتلذَّذ بها بدل أن يُجاهد نفسه فيها، قال بعض السلف: (جاهدنا أنفسنا عشرين سنة على قيام الليل، ثم تلذَّذنا به عشرين سنة)، فالمسألة تحتاج إلى جهاد؛ ليعلم الله –جلَّ وعلا- وليظهر في عالم الشهود صدْق هذا المتعبِّد.
أما إذا فرَّط وسوَّف وقال: (سأفعل)، فهذا في الغالب لا يُعان على ذلك، فإن جاهد نفسه بل وربَّى نفسه على ذلك فإنه يعان- بإذن الله-، والجنة حُفَّتْ بالمكاره، والمكاره خلاف ما تألفه النفوس وتطلبه.
فعلى كل حال المسألة تحتاج إلى جهاد، والذي يقول: (أنا أنتظر توفيق الله –جلَّ وعلا-) من دون بذل سببٍ منه هذا يضحك على نفسه، والله –جلَّ وعلا- فضْله لا يُحَد، فقد يُوفِّق بعض الناس لأمورٍ تخفى عليه وعلى غيره، فيُوفقه إلى أن يعمل بما يُرضي الله –جلَّ وعلا- وليس بين يديه في الظاهر أنه عمل شيئًا، وقد يكون قد عمل أشياء قلبيَّة لا تظهر له ولا لغيره، والتوفيق من الله –جلَّ وعلا-، لكن بذل الجهد ومجاهدة النفس على تحمُّل هذه المشقة التي حُفَّتْ بها الجنة أمرٌ من بذل الأسباب المطلوبة شرعًا، والله المستعان.