الحث على صيام التسع الأول من ذي الحجة جاء مركبًا من دليلين، بمعنى أنه جاء الحث على العمل في العشر في قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر» [البخاري (969)، والترمذي (757) واللفظ له]، ولذا فضلت على أيام العشر الأخيرة من رمضان، وجاء في الأخبار الأخرى البيان بأن الصيام من أفضل الأعمال، فالحكم مركب من هذا وهذا، فالصيام في عشر ذي الحجة من أفضل الأعمال.
ويشكل على هذا ما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط» [مسلم (1176)]، ولذا قد يقول قائل: إن صيام العشر بدعة، فيقال: ثبت من حديث غيرها أنه صام العشر [أبو داود (2437)]، وكذلك يقال: إذا ثبت الحث وعارضه الفعل، فالذي يقدم هو القول بالحث، وأما فعله صلى الله عليه وسلم إذا لم يعارض بقول فهو الأصل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة، لكن إذا عارضه قوله فيختص الفعل به صلى الله عليه وسلم ومن في حكمه، ولذا نقول: لو كان أحد ممن يحتاج إليه العامة بحيث إذا صام اختل عمله، قلنا: لا تصم، وذكر الشيخ ابن باز -رحمه الله- في فتاويه أن من قال: إن صوم العشر بدعة فهو جاهل، لا يعرف معنى البدعة [مجموع فتاوى ابن باز (15/418)]، ونحن لو طردنا ما ذكره هؤلاء، وجعلناه قاعدة بحيث كل ما لم يثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة لقلنا: إن العمرة في رمضان بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان، مع أنه جاء الحث عليها في الحديث الصحيح: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، وفي رواية: «حجة معي» [البخاري (1863)، ومسلم (1256)].