تَجِد طالب العلم يَسْهُل عليهِ جدًّا أنْ يَأتِي الزَّميل، فيقول: هيَّا بنا إلى نُزهة أو إلى استراحة، فيجدُ الأمر في غاية الخِفَّة على نَفْسِهِ، ويَسْتَجِيبُ لهُ مُباشرةً، وإذا قالت لهُ أُمُّهُ، أو أبُوهُ، أو خالتُهُ، أو عمَّتُهُ أُريد المشوار وإنْ كان قريباً في الحيّ ثَقُل ذلك عليهِ، ويُتَدَاول في كُتب أهلِ العلم عن الإمام الشافعي -رَحِمهُ الله- أنَّ أهْلَهُ لو كَلَّفُوهُ بِشِرَاءِ بَصَلَة ما أَدْرَك من العِلْمِ ما أَدْرَك؛ فالتَّوفيق بين هذهِ الأُمُور لا شكَّ أنَّها تُثْقِل كاهل طالب العلم، وتَعُوقُهُ عن التَّحْصِيلْ في بَادِئ الأمر؛ لكنَّهُ إنْ وُفِّقَ للتَّوفيق بين بِرِّ الوالدين وصِلَةِ الأرحام، والوقتُ يَسْتَوعِب، إنْ وُفِّق إلى الجَمْعِ بين هذا كُلِّهِ مع طلب العلم؛ فإنَّهُ لا شكَّ أنَّهُ يُعان، إذا عَلِمَ اللهُ -جلَّ وعلا- صِدْقَ النِّيَّة، والحِرْص على التَّوفيق بين الأمرين يُعان، وكم منْ شَكْوَى جَاءَتْ منْ قِبَل الوالد أو الوَالِدَة لِبَعضِ الطُّلاَّب النَّابِهِينْ الذِّين لديهِم اهتمام وحرص على تَحصِيل العِلم، يقولون: نَأْمُرُهم فلا يَمْتَثِلُون، نُرْسِلُهُم فَيَسْتَثْقِلُونْ، لا شكَّ أنَّ طالب العلم عليهِ أنْ يُرتِّبْ أُمُورَهُ والأولَوِيَّات عندَهُ بر الوالدين ما عليهِ مُسَاومَة، وهو بعد حقِّ الله -جلَّ وعلا-، وهو أفضل؛ بل أَوْجَبْ وَأَوْلَى من جميع النَّوافِل؛ ولِذا أم جُرَيْج لَمَّا نَادَتْهُ وهو يُصلِّي يا جُرَيْج، يا جُريْج، يقول أُمِّي وصلاتي، لا يَدْري هل يُقدِّم إجابة نِداء أُمِّهِ أو يُكمل صلاتَهُ التِّي دَخَلَ فيها، فما كان من الأُم إلاَّ أنْ دَعَتْ عليهِ فاسْتُجِيبَتْ الدَّعوة، ويُخْشَى من إجابَة دَعوةِ أُمٍّ مَكْلُومَة، وإنْ كان طريق الطَّالب، طريق الطَّلب، يعني الطَّالب يُريد أنْ يخرُج لطلب علم، وجَاءَ في فَضْلِهِ ما جاء منْ نُصُوص الكِتاب والسُّنَّة؛ لكنْ يَبْقَى أنَّ الوَاجِبات أهمّ من المَنْدُوبات، فَعليهِ أنْ يُلبِّي حَاجَة الوالِد، وحاجة الأُم، وعليهما أيضاً لأنَّ كُل مُكَلَّفْ لهُ ما يَخُصُّهُ من خِطَابات الشَّرع، فَالولد عليهِ أنْ يَسْتَجِيب لمطالب الوالدين، وعليهِ أنْ يَبَرَّ بوالديه، وعليهِ أيضاً أنْ يُتابع ما هُو بِصَدَدِهِ من طلب العلم، وبالمُقابل أيضاً على الوالد أنْ يَنْظُر في أمرِ ولَدِهِ، وأَنْ يُسَهِّل لهُ الطَّريق، وهو في ذلك شَريك لَهُ في الأجر إذا أَعَانَهُ على الطَّلَبْ؛ فإذا أعَانَهُ على الطَّلَب، وحَصَّلْ ما حَصَّل من العلم، ونَفَعَ اللهُ بِهِ الوالد شريك، لهُ نَصِيب من الأجر، وكذلك الوالدة التِّي يَسَّرَتْ لهُ هذا الطَّلَب، فعلى الولد أنْ يَبَرّ بوالديهِ، ويَصِلْ أَرْحَامَهُ، وعلى الأُسْرَةِ أيضاً أنْ يُيَسِّرُوا على وَلَدِهِم، ويُخَفِّفُوا عنهُ بِقَدْرِ الإمْكَانْ، ويَتْرُكُوا الأُمُور التِّي لا دَاعِيَ لها، وإذا كان عندَهُم من الأولاد غير هذا الولد يُفَرِّغُوهُ لِطلب العِلْم؛ لأنَّ فضل العلم وما جَاءَ فيهِ من النُّصُوص أَمْرٌ مُسْتَفِيض {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المُجادلة/11] لا نَظُنّ الدَّرجات عَشرة صانتي أو عشرين صانتي كما هو الدَّرج عندنا في المَصَاعِد والسَّلالِم – لا – دَرَجات يعني في درج الجنَّة بين كل دَرَجة والأُخْرَى مسافات بعيدة جدًّا؛ فإذا رُفِعَ في دَرَجات الجَنَّة كان للوالد نَصِيبٌ من ذلك الذِّي أعان، فعلى الوالدين أنْ يُيَسِّرُوا طريق الطَّلب لِوَلَدِهِم، وعلى الولد أيضاً أن يَبَرّ بوالِديه ويَصِل أرحَامَهُ، هذهِ كثير ما يُسْأَل عنها، ويَتَّصِل كثير من النِّساء يَسْأَلْنَ مَقْرُوناً سُؤَالهُم بالبُكاء! نُريد أنْ نذهب إلى إخواننا وأخواتنا ونَصِل أرحامنا لكنّ الولد ما يَسْتَجِيب، والولد بِصَدد طَلَب علم، أقول: هذا خَلل في التَّصَوُّر، يعني يُقدَّم الطَّلب على بِرِّ الوالدين هذا لا شكَّ أنَّهُ لديهِ خلل في النَّظرة إلى الأُمُور الشَّرعيَّة والمُوَازَنة والمُفَاضَلَة بينها.