أول ما نزل من القرآن مطلقًا قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}» [العلق: 1] هذا قول الأكثر، وهو القول الصحيح، والدليل عليه ما جاء في «الصحيحين» وغيرهما في قصة بدء الوحي من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد كان أول ما بدئ به صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، وفي الحديث: «وكان يتحنث» يعني: يتعبد «في غار حراء الليالي ذوات العدد، وبينما هو كذلك إذ نزل عليه الملك، فجاءه الملك وقال له: اقرأ، فقال: «ما أنا بقارئ»، ثم قال له: اقرأ، فقال: «ما أنا بقارئ»، ثم قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]» [البخاري (3)، ومسلم (160)].
القول الثاني: أن أول ما نزل من القرآن هو سورة {المدثر}، وهذا ثبت في «الصحيح» من حديث جابر رضي الله عنه أنه سئل عن أول ما نزل؟ فقال: {المدثر} [البخاري (4922)، ومسلم (161)]، وجاء بالقصة التي تفيد أن {اقرأ} قبل {المدثر}؛ لقوله في خبره: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» [البخاري (4)، ومسلم (161)]، فدل على أن قصة حراء - التي فيها نزول {اقرأ} - متقدمة على القصة التي فيها الأمر بالإنذار.
فبالنسبة للأولية المطلقة، فالأكثر والأصح أنها {اقرأ}، أما الأولية النسبية - أي: بالنسبة للرسالة والتبليغ - فأول ما نزل عليه {المدثر}، وعلى هذا يحمل حديث جابر رضي الله عنه.