الصلاةُ على الميِّت فرضُ كفايةٍ، فإذا حصلَتْ ممَّنْ يكفي، سقَطَ الإثمُ عن الباقِين؛ فلِلإنسانِ إذا قام غيرُهُ بالواجب ألَّا يصلِّيَ، لكنَّ كونَهُ لا يصلِّي حِرْمانٌ؛ لأن له قيراطًا بكل صلاة على جِنازة، والقيراطُ ليس بالأمرِ السَّهل؛ فالقيراط مثلُ جَبَلِ أُحُدٍ مِن الحَسَناتِ، فمَن ترك الصلاةَ على الجِنازة، فهو محرومٌ، لا سيما مع يُسْرِها وقُرْبِها منه.
وإذا عرفْنَا هذا الأجرَ، والثوابَ العظيمَ المرتَّبَ على الصلاة على الجنازة، فعلينا أن نقصد الجنائزَ للصلاة عليها، زِدْ على ذلك: ما لو كان هناك أكثَرُ مِن جنازةٍ، فتتعدَّدُ القراريط بعَدَدِ الجنائز؛ فلو صلَّيْتَ على خَمْسِ جنائزَ، يُرجى لك خمسةُ قراريطَ، وكلُّ هذا في صلاةٍ واحدةٍ لا تأخُذُ منك إلا بضع دقائق، والمحرومُ مَنْ حُرِمَ هذا الأجرَ، وليس مِن علامةِ توفيقِ اللهِ للعبدِ أنْ يزهَدَ في مثل هذه الأمورِ، فضلًا عن أن يسعَى في قراريطِ السِّيئات، وأن ينقُصَ من أجره كلَّ يومٍ قيراطان، كمن يقتني الكلب؛ فبعضُ الناسِ يقصدُ المساجدَ التي يصلَّى فيها على الجنائز؛ ليحصل على هذه القراريط، ومِن الناس: من يُبْتَلَى بكلبٍ ينقُصُ من أجره كل يوم قيراطان، لا شك أن الناس يتفاوتون تفاوتًا بينًا.
وكذلك: يُرى بعضُ الناس يُصلَّى على ميت، وهو جالسٌ لا يصلِّي مع النَّاس، وتنتهي الصلاةُ وهو على نفس الحال، وليس لدَيْهِ ما يعوقُهُ عن الصلاةِ، لكنَّه الحِرْمان، والحرمان لا نهاية له، وهذا مشاهَدٌ، لا سيما في بلادِ الحَرَمَيْنِ، تَجِدُ بعضَ الناس إذا قيل: الصلاةُ على الميِّتِ، قام فصلَّى، ثم إذا جيء بجنازةٍ أخرى، قال: تَكْفِينا الصلاةُ الأُولى، وما درَى أنَّ مَن استَكْثَرَ فاللهُ أكثر، وكلُّ صلاة فيها قيراط، وفضْلُ اللهِ لا يُحَدُّ، وفي الحديثِ: «كُلُّ أمَّتِي يَدْخُلُونَ الجنَّةَ إلا مَن أبَى»، مِن غيرِ المتصوَّرِ أن يقالَ للإنسان: تعالَ إلى الجنَّةِ ويأْبَى، لكنْ في حقيقةِ الأمرِ وواقعِهِ: كثيرون هُمْ مَن يقال لهم: «هَلُمُّوا إلى الجنة»، ويأبون، وقد بيَّن هذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ حيث قيل له: يا رسول الله، ومَنْ يأبى؟ قال: «من أطاعَنِي، دخل الجَنَّةَ، ومَن عصاني، فقد أبى» [البخاري (7280)]، ومن الإباءِ: أن يرى صلاةَ الجنازةِ تُصَلَّى عنده، وهو جالسٌ لا يهتَمُّ.