من آثار الفتن تباعد الأخيار وعلماء الناس، قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» [البخاري (19)] فإذا وُجِدتْ هذه الفتنُ وخشي العالم والعابد على دينه فإنه يعتزل امتثالًا لهذا الحديث، وإذا اعتزل الأخيارُ من الأقطار والبلدان والأقاليم بقي الأشرار، وإذا خلا المجتمع من العلماء والعبّاد والأخيار حلَّ بهم الدمارُ والهلاكُ؛ لأنهم تَعْرِضُ لهم النوازلُ فلا يجدون من يحلّها لهم ويجيب عنها، والعزلة مطلوبةٌ إذا خشي المسلمُ على نفسه أن يتأثر بما عند الناس من منكراتٍ ولا يستطيع أن يؤثر فيهم، فهذا يتَّجه في حقه العزلة، أمَّا من استطاع أن يؤثِّر في الناس ويردُّهم إلى جادَّة الصواب، ويكفَّ عنهم الشرور الدينية فإنَّ هذا يتعيَّنُ في حقه مخالطة الناس ونفعهم والصبر على أذاهم، علمًا أن الخير مازال موجودًا -بحمد الله تعالى-، والوسائل التي يدفع بها الشرُّ ويجلبُ بها النفعُ والانتفاعُ متوفرة.