لا شك أن صلاة الظهر في المسجد مع الجماعة واجبة على الذكور المكلفين، والاشتغال بحفظ القرآن سنة، والانشغال به ويكون سببًا لترك واجب لا شك أنه خلاف ما دلَّت عليه النصوص؛ لأنه ما تقرب إلى الله أحد بأحب إليه مما افترض عليه، فيؤدي الفرض ثم يلتفت إلى النوافل، ومع ذلك عليهم أن يبذلوا من الاحتياطات والوسائل والأسباب ما يوقظهم لصلاة الظهر؛ ليجمعوا بين الحفظ في وقته وبين أداء الصلاة مع الجماعة في وقتها، فيجمعوا بين الحسنيين، وإذا لم يمكن أن يؤدوا صلاة الظهر في وقتها مع الجماعة في المسجد إلا بترك الحفظ في هذا الوقت فيجب عليهم أن يتركوه إلى وقت آخر، فيصلوا الفجر مع الجماعة ثم بعد ذلك ينامون النوم الكافي الذي يهيئهم لصلاة الظهر، ثم بعد ذلك يلتفتون إلى الحفظ.
وأصل المسألة إنما أُتوا من قبل السهر، والسهر مذموم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، ويكره الحديث بعدها، فالسهر الذي يترتب عليه ترك واجب لا يجوز؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيجب ترك هذا السهر إذا ترتب عليه ترك واجب. فلا شك أن هذا السهر إذا ترتب عليه محرم وهو ترك الصلاة مع الجماعة، أو تأخيرها عن وقتها -وهذا أشد- أنه حرام، وإلا فالأصل أنه مباح، وترجم البخاري -رحمه الله- في صحيحه (باب السمر في العلم) [1/34]، لكنه سمر لا يعوق عن واجب.