هذه الشريحة التي وجدها يسميها أهل العلم لُقَطَة، واللقطة لها أحكامها في الشرع، وجاءت بها الأحاديث، فإن كانت مما تلتفتُ إليه همة أوساط الناس بأن كانت لها قيمة بحيث يلتفت إليها مَن كان مِن أوساط الناس فيرجع ليبحث عنها فإنه حينئذٍ لا بد من تعريفها سنة، وإن كانت لا قيمة لها تستحق أن يرجع إليها ويعود صاحبها ويبحث عنها فمثل هذه تُمتلك على نية إرجاعها لصاحبها إذا جاء يومًا من الدهر، ولو باعها فورًا سيما إذا كانت مما لا تلتفت إليه همة أوساط الناس ولا سيما إذا كان في وقته وفي مكانه الذي وجدها فيه التفت يمينًا وشمالًا وقال: من ضاع له كذا، أو من ضاع له شيء في هذا المكان، أو شريحة، على أن يكون بين الشرائح اختلاف يمكن تمييز بعضها من بعض، فإذا جاء صاحبها وعَرَفها بأوصافها التي تتميز بها فإنها تُدفع إليه، أما تعريفها لمدة سنة وهي لا تلتفت إليها همة أوساط الناس وقد يجدها في مكان -مثل ما قال- تَقِلُّ فيه الأمانة –مثلًا- وكلٌّ يدَّعي بأن كانوا لا يهتمون ببراءة الذمة فإن مثل هذا لا يُشترط تعريفها، ومع ذلك لو عرَّفها في ذلك المكان وجاء مَن يدَّعيها ووصفها وصفًا دقيقًا تتميَّز به عن غيرها فإنه يدفعها إليه، هذا الأصل في اللقطة، لكن قد يجدها في مكان بعيد عن البلد في برٍّ -مثلًا- أو في مكان ارتاده أناس من أجل النزهة وانصرفوا عنه، ولا يعرفهم ولا يعرف أماكنهم، وليس فيها ما يدل على شيء، فمثل هذه إذا كانت لا تلتفت إليها همة أوساط الناس فله أن يتصرَّف فيها وأن يتملكها، لا مانع من ذلك، ما لم تكن لقطة مكة، وأما إذا باعها وتصدَّق بها عن صاحبها فهذا أكمل لا شك.
أما لقطة مكة فهذه لا تُملَك، بل يستمر يعرفها ولا يتملكها، سواء كانت مما تلتفت إليه همة أوساط الناس أو مما لا تلتفت، لكن لو أدَّاها إلى صندوق الأمانات وهم بدورهم يبذلون من الأسباب ما يتوصلون بها إلى صاحبها، أو أن الناس من سكان هذا البلد الحرام يعرفون أن هناك صندوقًا فيه الأموال الضائعة ويعودون إليه لا سيما إذا كان تابعًا للمحكمة كما هو الأصل، فهذا مأوى ومرجع إلى جميع المفقودات، وهو معروف، يرجعون إليه ويجدونها -إن شاء الله تعالى-، وإلا فلقطة مكة لا تُملك بخلاف غيرها من البلدان.