مسألة استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط جاء فيها النهي الصريح في الصحيحين وغيرهما، وجاءت في المسألة أحاديث مُطلقة وأحاديث مقيدة، وجاء ما يدل على أنه قبل أن يُقبض النبي –صلى الله عليه وسلم- بعام، كما في حديث جابر –رضي الله عنه- أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يُقبض بعام يستقبل الكعبة [أبو داود: 13]، وحمله أهل العلم على البنيان، وأما في الفضاء فلا يجوز مطلقًا، وحمله آخرون على الاستقبال دون الاستدبار ولو كان في البنيان، ولذا يقول أبو أيوب: "ننحرف عنها ونستغفر الله" [البخاري: 394] مع أنه في بنيان.
المقصود أن التوجيه إلى الكعبة مع إمكان التوجيه إلى الجهات الأخرى لا شك أنه خلاف الأولى، وهذا أقل ما يقال فيه، فالأولى أن تُوجَّه إلى غير القبلة، فإن وُجِّهَتْ في البنيان على قول من يقول بجوازه في البنيان دون الفضاء فالحكم جائز، لكن ينبغي أن يخرج الإنسان من الخلاف بيقين، فإذا أمكنه من غير مشقة عليه أن يوجهها إلى غير الكعبة كان هذا هو الأولى، إذا كان ممن يرى أنه يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان؛ حملًا لحديث ابن عمر –رضي الله عنهما- على ذلك [البخاري: 148]، وأما إذا كان يرى أنه لا يجوز مطلقًا فلا يجوز له بحال أن يوجهها لا في البنيان ولا في غيره، والله أعلم.