الزهد جاء الحث عليه وهو شرعي، والانصراف والتجافي عن الدنيا والإقبال على الآخره أيضًا شرعي، وهو ديدنه -عليه الصلاة والسلام- وديدن صحابته الكرام وتابعيهم بإحسان، ولا يعني هذا تعطيل الدنيا وإبطال ما طلبه الله من عمارة الأرض ونسيان النصيب من الدنيا، والله -جل وعلا- يقول: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧]؛ لأن المسلم بصدد تحقيق الهدف الذي خُلق من أجله وهو العبودية لله -جل وعلا-، لكن هو يحتاج من الدنيا ما يعينه على تحقيق هذا الهدف، ولذلك ذكّر به خشية أن يستغرق فينسى ما يعينه على تحقيق الهدف من أمر نصيبه من الدنيا، وعلى كل حال الانقطاع للعبادة والزهد هذا أمر مطلوب، وهو ديدن الصحابة –رضي الله عنهم- وشأنهم، وكثيرٌ من أهل العلم انقطعوا لذلك وتفرغوا له، ومع ذلك لم يجلسوا عالة يتكففون الناس؛ لأن هذا ذم جاء النهي عنه في الحديث الصحيح في حديث سعد –رضي الله عنه- [البخاري: 1295]، فإذا جمع بين تحقيق الهدف الذي خلق من أجله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، وركّز على هذا وكان هو همه، ثم بعد ذلك سعى إلى ما يحقق به هذا الهدف من أمر الدنيا فإن هذا هو الكمال، لكن بعض الناس ينصرف إلى العبادة وينقطع ويتكل على المخلوق، فتجده يسأل الناس، هذا مذموم شرعًا، وكذلك العكس، إذا انهمك في أمور دنياه ونسي ما خلق من أجله وفرط فيه، وهذا أيضًا مذموم، فالتوازن هو المطلوب، وأما الغلو والتشدد في الدين الذي لا يدل له دليل، وهو المقابل للتفريط؛ لأن من الأمة من هو مفَرِّط يضيّع بعض الواجبات ويرتكب بعض المحظورات، ومنهم من هو على عكس ذلك مبالغ ومفْرِط، وكلاهما مذموم، والمطلوب هو التوسط الذي هو منهجه -عليه الصلاة والسلام- ومنهج صحابته الكرام، وهو صفة هذه الأمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣]، والله أعلم.
السؤال
كيف لي أن أميِّز بين الزهد والانقطاع للعبادة من جانب، والغلو والتشدد من جانب آخر؟
الجواب