هذه الكتب المشار إليها ليست غايات، وإنما هي وسائل؛ للدلالة على مواضع الأحاديث في كتب السنة، فليست الفهارس موجودة في عصر الأئمة لا على أطراف الأحاديث ولا على ترتيب الصحابة ولا على ألفاظ الأحاديث ولا على غير ذلك من طرق التخريج، هذه كلها ليست موجودة في عصر الأئمة، إنما أُوجدتْ لتيسير الوصول إلى الأحاديث من بطون الكتب على طلبة العلم، وما كان المتقدمون بحاجة إلى مثل هذا؛ لأن الكتب محفوظة في صدورهم، فما يحتاجون إلى أن يُفهرَس لهم شيء، لكن لما بَعُد العهد وتثاقل الناس عن حفظ الحديث احتاجوا إلى مَن يدلهم على مواضع الأحاديث عند الحاجة، فأُلِّفت كتب الأطراف، وأُلِّفت المسانيد، وصُنِّفت الأحاديث على الأبواب؛ ليسهل الوصول إليها، وإلا فقد يكون من مقصد بعضهم ألَّا يُرتِّب كتابه، أو يرتبه على طريقة بحيث لا يُهتدى إلى الحديث في كتابه إلا من خلال قراءته كاملًا، كما قيل عن ابن حبان في (الأنواع والتقاسيم)، يعني إذا أردت أن ترجع إلى حديث من كتاب ابن حبان –الأصل- لن تصل إليه حتى تقرأ الكتاب كاملًا، فتقرأه حتى تصل إلى ما تريد، ولما وُجدت هذه الفهارس ويسَّرت الوصول ودلَّت على مواضع الأحاديث لا شك أنه قلَّ التحصيل، حيث اعتمد الناس عليها، بينما قبل أن توجد إذا أردت حديثًا وليس بين يديك ما يعينك على الوصول إليه تضطر إلى أن تبحث في الكتاب وتقرأ منه أكبر قدر ممكن وتقلِّب صفحاته حتى تجد ما تريد، وفي أثناء هذا التقليب يمر عليك من الأحاديث ومن المسائل العلمية ومن كلام أهل العلم في بطون الكتب ما تستفيد منه مما يكون بعضه أهم وأولى من المسألة التي تبحث عنها، لا شك أن هذا عند المتقدمين مقصد، أما المتأخرون وقد أخلدوا إلى الراحة وأرادوا الفائدة على عجل فتحصيلهم أقل، وإن خُدموا من هذه الناحية، حتى جاءت الآلات الحواسب بحيث يضغط الإنسان زرًّا ويقف على كل ما يريد، والعلم إذا لم يُتعَب عليه لم يثبت ولم يستقر في الصدر، فالذي يُؤخذ بسرعة يُفقد بسرعة، ولذلك قَلَّ الحفظ لما تيسَّرت هذه الأمور. وعلى كل حال سواء كان من حاسب، أو من المعجم المفهرس، أو من فهرس على الأطراف، أو غير ذلك، هي كلها وسائل، وبعضها يغني عن بعض، إلا أنه كلما كَثُر التعب في استخراج النص سواء كان حديثًا أو غيره كان ثباته في القلب أشد، والله المستعان.
فوصيتنا لطالب العلم أن يعتمد على مطالعة الكتب وقراءتها، والعناية بالعلم، فيقرأ ويبحث ويراجع ويسأل عما يُشكل عليه، فإذا قرأ المتن راجع عليه الشرح، وطبَّقه بنفسه، وراجعه في أكثر من مصدر؛ لينظر ألفاظه، وينظر أسانيده، ويسأل عما يشكل عليه، وإذا أراد أن يختبر عمله بعد هذا الجهد ورجع إلى آلة من هذه الحواسب وضغط الزر لينظر فيما فاته ولم يستطع الوقوف عليه فهذا لا مانع منه؛ لأن هذا القدر الزائد سوف يثبت في ذهنه، حيث يكون متعوبًا عليه، والله المستعان.