لا شك أن الحديث عُدَّة وعمدة لطالب العلم، ولا يمكن أن يستغني بحال من الأحوال عن حفظه؛ لأنه هو المعوَّل عليه في الاستنباط بعد القرآن، فإذا حفظ طالبُ العلم كتابَ الله اتَّجه إلى حفظ السنة، ويأتي إلى الكتب المصنفة في الحديث على المنهجية المعروفة عند أهل العلم، فيحفظ أول ما يبدأ بحفظه كتاب (الأربعين النووية)، ثم يحفظ بعدها (عمدة الأحكام)، ثم (بلوغ المرام)، أو (المحرر)، ثم بعد ذلك يرتقي إلى الكتب الأصلية المسندة، فإذا كانت حافظته تسعفه في حفظ الأسانيد اعتنى بها وحفظها كالمتون، وإذا كانت حافظته لا تسعفه بذلك اقتصر على المتون الصحيحة، ونظر في الأسانيد وردَّدها، وراجع عليها كتب الجرح والتعديل.
وأما كونه يحدِّد أحد علوم الحديث لطلبه كعلم الجرح والتعديل، فإن علوم الحديث لا يمكن أن يستقل ببعضها دون بعض، فلا يمكن أن يعتني بالأسانيد والجرح والتعديل منفصلًا عن القواعد الأخرى؛ لأن علم الجرح والتعديل يحتاج إلى قواعد أخرى يُتوصل بها إلى معرفة الجرح والتعديل والترجيح بين أقوال الأئمة في ألفاظ الجرح والتعديل، فعليه أن يأخذ علوم الحديث بعامة، فإذا حفظ السنة وحفظ بعض ما يحتاج إليه من علوم الحديث من متون يترقَّى فيها على ترتيب أهل العلم بدءًا بـ(النخبة)، ثم (علوم الحديث) لابن الصلاح أو (مختصره) لابن كثير، ثم (ألفية العراقي)، ومع ذلك يُكثِر النظر في النصوص، ويتمرَّن على تخريج الأحاديث، وينظر في أسانيدها، ويقتفي أثر أهل العلم في ذلك، وحينئذٍ تكون لديه الأهلية للتصحيح والتضعيف والجرح والتعديل، والله المستعان.