الرسول –عليه الصلاة والسلام- هو القدوة والأسوة {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ولا يسع أحدًا أن يخرج عن شريعته ولا عن أمره ونهيه أبدًا.
وأما كون أفعاله تتفاوت وتختلف باختلاف مناصبه-عليه الصلاة والسلام- فلا شك أنه هو النبي المبعوث رحمةً للعالمين، وهو قدوةٌ لجميع الناس، هذا الأصل، لكن قد يفعل الشيء باعتباره إمامًا ووليًّا للأمر، فهل يُطالب الناس بمثل هذا الفعل وهم من الرعية، أو تكون هذه وظيفة ولي الأمر؟ نعم إذا كان التصرف باعتباره إمامًا يُنفِّذ الحدود، ويُقيم الجهاد، فهذه وظيفة الأئمة من بعده.
وباعتباره إمامًا للصلاة هل من حق أفراد الناس من المأمومين أن يتأخَّر عن صلاة الجمعة ولا يحضر إلا مع الخطيب، فيقول: الرسول –عليه الصلاة والسلام- لم يكن يحضر لصلاة الجمعة إلا بعد زوال الشمس أو عندما تحين الخطبة والصلاة؟! هو مخاطب بنصوصٍ أخرى وجاء الحث بالنسبة له ولأمثاله بالتقدُّم والتبكير لصلاة الجمعة «مَن راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة» [البخاري: 881 / والموطأ: 1/101]، وهل راح النبي –عليه الصلاة والسلام- في الساعة الأولى؟ ما راح، لكن أنت الذي يخصك باعتبارك مأمومًا مثل هذا الحث على التبكير، والأئمة والخطباء يقتدون به في تأخرهم إلى أن يحين وقت دخولهم كأئمة ليصعدوا إلى المنبر مباشرة، ويلقوا الخطبة ويصلوا بالناس.
فكل إنسانٍ له ما يخصه من اعتباراته وأوصافه –عليه الصلاة والسلام-، فالإمام الأعظم يُقيم الحدود والجهاد وغيرهما مما هو منوطٌ بالإمام كمنصبه –عليه الصلاة والسلام-، وعامة الناس لهم ما يخصهم من ذلك مما جاء الحث عليه من أقواله –عليه الصلاة والسلام- وأفعاله.
يُبين ذلك أن النبي –عليه الصلاة والسلام- يقول في صلاته: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» [البخاري: 735]، يجمع بينهما، فهل كل مصلٍّ يجمع بينهما اقتداءً به –عليه الصلاة والسلام- كما يقول الشافعية، أو أن نصيب الإمام «سمع الله لمن حمده» والمأموم «ربنا ولك الحمد»؛ اقتداءً بقوله –عليه الصلاة والسلام-: «وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد» [البخاري: 689]؟ فالإمام نعم يجمع بينهما يقول: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد»، كما كان –عليه الصلاة والسلام- يجمع بينهما، والمأموم له ما يخصه من ذلك وهو قوله: «ربنا ولك الحمد» إذا قال الإمام: «سمع الله لمن حمده»، وقِس على هذا التصرفات المنسوبة للشخص باعتباره إمامًا، والشخص الآخر باعتباره مأمومًا، وهكذا، والله أعلم.