عَرْض وليِّ المرأة موليَّتَه على رجل صالح هذا من النصح لها، وعبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- وهو كبير في السن قال له عثمان –رضي الله عنه- وهو الخليفة: ألا نزوِّجك -في بعض الروايات- فتاة تُذكِّرك بعض ما مضى من زمانك؟ فعَرَض عليه، لكن ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- أجابه بالحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج» [البخاري: 5065 / ومسلم: 1400]، وهذا من كمال عثمان -رضي الله عنه-، ومن حرصه على موليَّته أن تتزوج بهذا العبد الصالح، وهذا أيضًا من إنصاف عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الذي ردَّ الزواج بحجة أن الشباب قد مضى وانتهى، وما مع الشباب في الغالب من القدرة على القيام بحقوق المرأة، فإذا كان المعروض عليه وهو كبير في السن لديه القدرة على النكاح ويستطيع الباءة، فلا مانع من أن يتزوج، ولا مانع أن تُعرَض عليه الموليَّات، من باب النصح لهذه الموليَّة، كما فعل عثمان وهو أمير المؤمنين مع عبد الله بن مسعود وهو من فقهاء الصحابة وعُبَّادهم وأجلَّائهم، لكنه كبيرٌ في السن، ولم يروا في ذلك بأسًا، وكان الكبير يُزوَّج، ولكن عليه أن يتقي الله -جل وعلا- إذا عُرِض عليه مثل هذا وليست لديه القدرة ألَّا يَقبل، ويبيِّن أنه لا قدرة له في ذلك، وإن كان لديه القدرة فلا مانع من ذلك، وهذا من النصيحة.
أما قولها في آخر السؤال: (هل بهذا الزواج تُعتبر من المفسدين؛ لأنها تقدَّمتْ لرجلٍ عنده زوجة؟)، هذا ليس من الإفساد، بل هو من الإصلاح، إذا رُوعيتْ شروطه وحدوده وآدابه، فالتعدُّد هو الأصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تزوَّج ومات عن تسع نسوة، وصحابته الكرام كلهم تزوجوا، ولم يفهموا التعدُّد بهذا المنظار الذي يفهمه الناس اليوم، وأنه ظلمٌ وتعدٍّ، بل قد يتجاوز بعضُهم ويسمِّي ذلك: خيانة -نسأل الله العافية-؛ تَلَقُّنًا من هذه القنوات التي تبثُّ هذه السموم في المسلسلات وتشوِّه أحكام الشرع، وإلا فالله -جل وعلا- لا يظلم أحدًا حينما شرع الزواج من واحدة، أو اثنتين، أو ثلاث، أو أربع، {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]، وعلى كل حال لا شك أن الضَرَّة ما سُميتْ ضَرَّة إلا لوجود الضرر الحاصل منها ولو بأخذ بعض نصيبها من زوجها، لكن هذا أمرٌ شرعه الله -جل وعلا-، ومصالحُه وحِكمُه راجحة، فشرعيته لا إشكال فيها، ولا خلاف فيها بين أهل العلم، بل التعدُّد محل إجماع، وفيه النص القرآني، وفيه عمل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمل خلفائه وأصحابه من بعده –رضي الله عنهم-، والأمة على هذا جيلًا عن جيل، لكن مع ذلك على مَن يتزوج ويُعدِّد أن يتقي الله -جل وعلا- فيمن تحت يده، فلا يظلم، و«الظلم ظلمات يوم القيامة» [البخاري: 2447]، فلا يجوز له بحال أن يظلم، وجاء في الحديث في السُنن: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقُّه مائل» [أبو داود: 2133] -نسأل الله العافية-، فالظلم حرام، والجور حرام لا يجوز، فالواجب العدل بين الزوجات في كل شيء إلا ما لا يُملك «اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك» [أبو داود: 2134].
وعلى المرأة عند التعرُّض لموضوع التعدُّد أن ترضى وتُسلِّم بما كتبه الله -جل وعلا- وقضاه وقدَّره، وفرضه وأباحه وأحلَّه، فتميل مع أحكام الله، وتجعل هواها تبعًا لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن قد يوجد شيء من عدم ارتياح النفس؛ لما يُترقَّب مما يحدث في المستقبل، ولا سيما إذا كان المجتمع فيه نوع من الظلم ونوع من الحيف، فالمرأة لها أن تخاف على نفسها وعلى مستقبلها، ولكن تَكفُّ لسانها عما يترتَّب عليه تأثيمُها، فكون الإنسان يحصل في نفسه ما يحصل هذا أمر جِبلِّي وطبيعي، لا سيما وأن كثيرًا من النماذج في هذا الموضوع صارت نماذجَ وقدوات غير مرضيَّة، فمِن حقِّها أن يحصل في نفسها شيء؛ تخوُّفًا على المستقبل، وأما الطعن في الحكم والشرع فهذا حرام بالإجماع، بل خطر عظيم على دين المرأة، وعلى دين أبيها وذويها، والله أعلم.