أولًا في قوله: (لا أدري ما الذي جعلني أنجر إلى هذا العمل المحرم -وهو السرقة-)، هو رفقاء السوء، وإذا كان رفقاء السوء أثروا على أبي طالب في آخر لحظة من حياته، وحرموه من النطق بالشهادة وبها ينجو من النار، فلا شك أن رفقاء السوء لهم تأثير على من يصاحبهم، وعلى هذا فعلى المسلم أن يصحب الأخيار، ويبتعد عن الأشرار؛ لأن الصاحب -كما يقولون- ساحب، ومؤثِّر، ومع الوقت إن لم يقتنع صاحبه بما يلقيه إليه في أول الأمر فإنه في الغالب أنه يؤثِّر عليه مع كثرة الطَّرْق ومع طول المجالسة والمخالطة، ولذا على الخاطب أن يبحث عن ذات الدين «فاظفر بذات الدين» [البخاري: 5090]؛ لأن طول الخلطة مع الزوجة تؤثِّر، وطول خلطة الزوجة مع الزوج لا بد أن تتأثر، إلا من عصمه الله -جل وعلا-، وإذا كان عمران بن حطان -وهو على الجادة في أول أمره- خطب امرأة من الخوارج فتزوجها وأثرتْ عليه، فصار من رؤوس الخوارج، ومَدَح ابن ملجم الذي قتل عليًّا –رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، فلا شك أن الصحبة والخلطة مؤثرة، وحينئذٍ فاللازم على المسلم الحريص على نجاته أن يبتعد عن الأشرار، وأن يلزم الأخيار.
أما بالنسبة لما يفعله بعد توبته من الخروج من هذه المظالم بسرقة أموال عمال المحطات وحراس المساجد، فمثل هذا لا بد من إعادتها إليهم؛ هذا الأصل، لا بد أن يعيدها إليهم، وقد يقول: (إن هؤلاء العمال كثير منهم رجعوا إلى بلدانهم، أو لا أستطيع الحصول عليهم)، إذا أيس من ذلك تصدَّق بقدر هذه الأموال بنية الثواب لهم، وعسى الله أن يعفو عنه، والله أعلم.
والأصل أن الذمة لا تبرأ حتى يصل المال إلى صاحبه، هذا الأصل، لكن إذا أُيس من صاحب الحق فيُرجى أنه إذا تصدق به عن صاحبه أن يعفو الله عنا وعنه، ويُرضي صاحب المال، والله المستعان.