هذا كان في الجاهلية يُسمى بالتبنِّي، وهذا أمرٌ لا يجوز في الإسلام، فلا يجوز تبني مثل هؤلاء مجهولي النسب الذين لا يُعرَف لهم أب، كمن وُلِد سفاحًا -نسأل الله العافية- ولد الزنا الذي يُسمى اللقيط، لا يجوز تبنيهم ونسبتهم إلى أشخاص معينين؛ لقول الله –جلَّ وعلا-: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4]، وقوله –جلَّ وعلا-: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5].
وعلى هذا فلا تجوز نسبة هذا اللقيط إلى حاضنه من ذكرٍ أو أنثى، فهذا من المحرَّمات، ومن الكبائر، ويتساهل بعض الناس –مع الأسف- في نِسبة ولد غيره إليه، ويُوجد هذا في البادية مثل أن تُطلَّق المرأة وعندها ولد، ثم زوج هذه المرأة يذهب بهذا الولد إلى البلد ليُلحقه بالمدرسة، ثم المسجِّل في المدرسة يسأل: (ما اسم الولد؟) يقول: كذا، (وما اسمك؟)، يقول: كذا، ثم يَنسب الولد إليه بهذه الصفة، وهذا حصل جهلًا من هذا الرجل الذي جاء بهذا الولد -زوج أمه-، وأيضًا عدم تثبُّتٍ من قِبل المسجِّل سواء كان في المدرسة أو في الأحوال؛ لأنه في السابق كان التسجيل بالمدارس يَسبق استخراج شهادات الميلاد والبطاقات وغيرها، فيُثبَت على ما ثبت في المدرسة، وقد شاهدنا من هذا مما عانى منه بعض الناس، لمَّا كبر هذا الولد، وعرف أن النِّسبة إلى غير أبيه -وهو يعرف أباه، وأبوه حي موجود-، ومع ذلك لما كبر وعرف أن المسألة محرَّمة ومن الكبائر، وجاء إطلاق الكفر في بعض الألفاظ على مثل هذا، ومعروفٌ أنه كفر دون كفر، لكن مع ذلك سعى واجتهد وبذل وسعه إلى أن غيَّر الاسم وعدَّله إلى الصواب، وهذا لازمٌ ومتعيِّن لا بُد منه.
والمحرَّم في التبني أن ينسبه إليه أو ينسبه إلى شخصٍ معين ليس بأبٍ له حقيقةً. أما التبني بمعنى ضمه إليه ورعايته، والسعي إلى أن يُرضَع في بيته؛ ليكون من محارمهم ليزول الحرج فيما بعد، فهذا حكمه حكم اليتيم، ولو قيل بأنه أشد حاجةً من اليتيم لما بعُد، لماذا؟ لأن اليتيم له أعمام، وله أخوال، وله إخوة مكلفون؛ لأن اليتيم من مات أبوه وهو دون التكليف، وجاءت النصوص بفضل رعايته والعناية به، وله أسرة يمكن أن يقوموا بشأنه، بخلاف هذا اللقيط الذي لا يُعرَف له أحد، والله المستعان، فالمحرَّم انتسابه أو نسبته إلى غير أبيه، والله أعلم.