لا شك أن الثناء يُغرِّر بالناس، والقدح يُنفِّر الناس، فكونك تُغرِّر بالناس في مدح مَن لا يستحق المدح هذا لا شك أنه غش، وكونك تُنفِّر الناس عمَّن ينفع الناس لا شك أن هذا قطعُ طريق، فمثلًا: عالِمٌ نفع الله به وعلى الجادة، ثم تقول: فلان لا يؤخذ العلم عنه! هذا قطع طريق، بل على طلاب العلم أن يستفيدوا من هذا العالم. وتغريرك بالثناء الكاذب بمن لا يستحق الثناء هذا لا شك أنه غش، وأهل العلم يقررون في شرح حديث: «الدِّين النصيحة» [مسلم: 55] أن من الغش لولي الأمر غره بالثناء الكاذب، فلا يجوز أن يُغر أحد بالثناء الكاذب. نعم، بعض الناس قد يجتهد في الثناء عليه؛ ليصل إلى مصلحة أعظم، وهذا يسلكه بعض العلماء الذين عاصرناهم من أهل العلم والعمل وأهل الجهاد والدعوة، يمدحون ولي الأمر؛ لأنه بهذا المدح ينفتح قلبه، وينشرح لأمور هي من أعمال الخير أكثر مما لو لم يحصل هذا المدح. وعلى كل حال الأمور بمقاصدها، فغرُّ المبتدع وغرُّ الناس به لا شك أنه غش، بل من أعظم أنواع الغش، فإذا حُرِّم الغش في الدرهم والدينار فلئن يُحرَّم في أديان الناس من باب أولى، فكونه يُمدح فلان من المبتدعة لا سيما في الجانب الذي فيه البدعة فهذا من أعظم الغش، لكن لو كان يجيد علم النحو وهو من الأشاعرة -مثلًا-، فيُمدح في هذا الباب، وينبَّه على ما فيه من بدعة، فهذا ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، وفي شيوخ أئمة الإسلام في العلوم الأخرى -لا أعني: في علم "قال الله وقال رسوله"- في شيوخهم من فيه شوب بدعة، وقد روى الأئمة وعلى رأسهم البخاري ومسلم عمَّن فيه شوب بدعة، لكن فيما لا يؤيِّد بدعته، مع بيان بدعته والتحذير منه في هذا الباب. فنفرِّق بين إذا كان العلم لا يوجد إلا عنده فيؤخذ منه هذا العلم، لكن مع بيان الواقع، أما أن يُمدح بإطلاق وبما فيه من خير ولا يُذكر ما فيه من بدعة لا شك أن هذا تغرير؛ لأنه قد يغتر مَن يسمع هذا المدح ثم يأخذ عنه كل شيء، بما في ذلك بعض ما يعتقده ويدعو إليه من بدعة، والله المستعان.