هذا من أعمال الحج التي سُئل عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما سُئل عن شيء منها إلا قال: «افعل ولا حرج» [البخاري: 83]، ولا شك أن الذبح أيضًا فيه إشكال، هل يذبح من حين ينصرف من مزدلفة باعتبار أنه يجوز له أن يرمي، ويجوز له أن يطوف، ويجوز له أن يُقدِّم الحلق عليهما بناءً على ما ثبت من قوله: «افعل ولا حرج»؟ فإذا جاز له أن يرمي بمجرد وصوله إلى منى، وجاز له أن يطوف بمجرد انصرافه من مزدلفة، وجاز له أن يُقدِّم النحر عليهما، فلا شك أن هذا فيه إشكال، والنحر الذي سببه التمتع أو القران عند أهل العلم حكمه حكم الأضحية، وإن وجد مَن يقول بأنه يجوز ذبحه قبل الصلاة، وقبل طلوع الفجر، بل قبل يوم النحر، بل قبل يوم عرفة من حين إحرامه بالحج؛ لأنه انعقد سببه، وما دام انعقد السبب فيجوز فعله ولو لم يأتِ وقت الوجوب، والقاعدة: أن العبادة إذا كان لها سبب وجوبٍ، ووقت وجوبٍ، فإنه لا يجوز فعلها قبل السبب اتفاقًا، ويجوز فعلها بعد دخول الوقت اتفاقًا، والخلاف فيما بينهما. ونظير ذلك: اليمين، فاليمين تنعقد بالحلف، لكن متى تلزم الكفارة؟ تلزم إذا حنث، فيقولون: لا يجوز له أن يُكفِّر اتفاقًا قبل أن يحلف، أي: قبل أن يعقد اليمين، ويجوز له اتفاقًا أن تكون الكفارة بعد الحنث، والخلاف فيما بينهما -بعد انعقاد اليمين وقبل الحنث-، وجاء في الحديث: «إلا كفَّرتُ عن يميني، وأتيتُ الذي هو خير» [البخاري: 6718]، وجاء أيضًا بلفظ مغاير «إلا أتيتُ الذي هو خير، وكفَّرتُ عن يميني» [البخاري: 6621]، فيدل على أن هذا فيه سعة. لكن الأحوط بالنسبة للذبح أن يقع بعد صلاة العيد، وأن يكون بعد ذبح الإمام إذا عُرف، وإلا فبقدره، أي: بعد الصلاة كشأن الأضحية، هذا هو الأحوط، وقد قال به بعض العلماء، لكن إذا رمى ثم نحر ثم حلق حَلَّ، وإذا قدَّم الحلق، والحلق نسك، وهو من أعمال يوم النحر يجوز تقديمه على النحر، "حلقتُ قبل أن أنحر؟ قال: «انحر ولا حرج»" [البخاري: 83]، "حلقتُ قبل أن أرمي، فقال: «ارمِ ولا حرج»" [مسلم: 1306]، "نحرتُ قبل أن أرمي؟ قال: «ارم ولا حرج»" [البخاري: 83]، فبناءً على هذا الحديث الخاص والعام "ما سُئل يومئذٍ عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج»" [البخاري: 83] يجوز تقديم الحلق على الرمي والطواف والنحر.
ومنهم من يتحرَّج باعتبار أن حلق الشعر محظور من محظورات الحج، فيجعله آخر شيء، ولا شك أن هذا أحوط، والترتيب على فعله -عليه الصلاة والسلام-: يرمي الجمرة، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يفيض، هذا هو الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو أكمل.