لعلَّه يريد العُزلة، فالغربة وصف للوقت مع أهله، لكن العزلة هي التي تخص الشخص، فهل يُطالب الإنسان بالعزلة أو بالخلطة؟ لا شك أن مَن يؤثِّر في الناس وينفعهم، فمثل هذا الخلطة أفضل له، شريطة ألَّا يتأثَّر بما هم عليه، وأما مَن لا يستطيع التأثير في الناس، ووجوده مثل عدمه بينهم، ويُخشى عليه من أن يتأثَّر، فمثل هذا يعتزل، والعزلة خير له، ومع ذلك يجب عليه أن يَصل الرحم، ويجب عليه أن يَبر والديه، وليس معنى العزلة أن ينزوي في مكان بحيث لا يراه أحد، بل المقصود أن يتقلَّل بقدر الإمكان من مخالطة الناس الخلطة التي لا تنفعه، وإلَّا فمخالطته مَن يُعينه على أداء الواجبات، ومَن يُعينه على طلب العلم، ومَن يُعينه على القيام بدينه، فمثل هذا الخلطة أفضل له من العزلة.
يبقى أنه إذا عمَّت الفتن، وخشي الإنسان على دينه، فيأتي حديث «يوشك أن يكون خيرَ مال المسلم غنمٌ يَتْبَع بها شَعَفَ الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» [البخاري: 19].