في آنٍ واحدٍ ومن شخصٍ واحدٍ ولشخصٍ واحدٍ لا يجتمعان، وإن كان يريد جفاءً من شخص، وغلوًّا من شخص، أو جفاءً بالنسبة لشخص، وغلوًّا بالنسبة لشخص، فإذا انفكت الجهة؛ فهذا الكلام صحيح، فيوجد من طلاب العلم مَن يغلو ببعض الشيوخ، ويجفو بعضهم، ويرفع أحدًا فوق منزلته، ولا يَقْدر الآخر حقَّ قدره، فالمطلوب التوسُّط في الأمور كلها.
وأهل العلم لهم فضل على الناس، لا سيما من أبنائهم طلاب العلم، فلهم فضل عليهم بلا شك؛ لأنهم يبذلون ما يبذلون، ونذروا أنفسهم، وفرَّغوا أنفسهم لهداية الناس، ولدلالتهم على الخير، فلهم الحق، ومعلومٌ فضل العالم وما جاء فيه من النصوص، ويُمثِّل الآجري في (أخلاق العلماء) فضلَ العالم على الناس بقوم سلكوا واديًا فيه الأشجار الكثيرة، وفيه السباع، وفيه الهوام، في ليلة مظلمة، فإن سَلِم أحدهم من شجرة ما سَلِم من حيَّة، وإن سَلِم من حيَّة ما سَلِم من سبُع، إلى غير ذلك، في ليلة حالكة الظلام، ثم جاء شخص معه مصباح، ومشى أمامهم بهذا المصباح حتى أخرجهم من هذا الوادي. فكيف نتصوَّر شعبًا أو بلدًا أو قريةً ليس فيها مَن يدلهم على ما يُصحِّح عباداتهم؟ ألا يمكن أن يصلي هؤلاء الجُهَّال صلاة غير مقبولة: مختلَّة الشروط والأركان؟ وإذا كان بعض العامة في بلاد العلم يسألون عن أشياء غريبة جدًّا، وقد سألني شاب عمره فوق الثلاثين بدون تردُّد، وهو في الرياض عندنا، ويصلي في مسجد فيه بعض أهل العلم، يقول: (والله ما عرفتُ أن الجوارب ما يُمسح عليها إلَّا يومًا وليلة)! فهو يمسح مطلقًا بدون تحديد، فماذا عن القرى والهِجَر النائية التي ليس فيها أحد؟ فأهل العلم لهم فضل، لكن فضلهم بقدر أدائهم ونفعهم للناس، و«خير الناس أنفعهم للناس» [المعجم الأوسط: 5787].