قد يوجد من أنواع المسِّ ومن أنواع الشياطين مَن يمنع الممسوس من فعل الخير، وقد يمنعه من الحضور إلى الصلاة، وقد يمنعه من الحضور إلى راقٍ يرقيه، وقد يجرُّه إلى ارتكاب شيء من المحرمات، لكن على كل حال مثل هذا عليه أن يجاهد نفسه، وأن يسعى بالسبل والأسباب الشرعية لفكِّ السحر وإخراج هذا الجني الذي تلبَّس به، وإذا حصل له شيء لا يُطيقه من ارتكاب محرَّم، أو ترك واجب -بهذا الشرط: لا يُطيقه-، فإنه حينئذٍ يكون حكمه حكم المُكرَه، لكن عليه مع ذلك أن يُكثر من الذكر، والتلاوة، والأذكار التي جاء أنها تعصم من الشيطان، وأنها حِرز من الشيطان، مثل: قراءة آية الكرسي، فلا شك أنه إذا قرأها في ليلة لم يَقربه شيطان.
وقد تلبَّس جني بشاب من الشباب الصالحين، في ليلة من الليالي، فدُعي أحد طلبة العلم لرقيته، فلما قرأ عليه تكلَّم الجني، وقال له الراقي: (هذا شاب صالح يقرأ آية الكرسي، ويذكر الأذكار كلها)، فقال الجني: (الليلة هذه ما قرأ آية الكرسي حتى صارت الساعة اثنتي عشرة، فدخلتُ)، فيا إخوان الأذكارَ الأذكارَ، ولا يعرف قدر الأذكار إلَّا مَن تلذَّذ بها، ولو لم يكن منها إلا الحفظ من هذه الأمور، فضلًا عن كون الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات من أهل السبق، «سبق المفرِّدون»، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا، والذاكرات» [مسلم: 2676]، وإذا كانت الأذكار مُرضيَة لله -جل وعلا-، وهي الباقيات الصالحات، وهي أيضًا حِرز من الشيطان، فعلينا أن نهتم بها، وغراس الجنة سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والإنسان الآن يغرس نخلة، ويحتاج إلى خمس أو عشر سنين ما أثمرتْ، لكن سبحان الله نخلة، والحمد لله شجرة، يقول إبراهيم -عليه السلام-: «يا محمد، أَقرئْ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [الترمذي: 3462].
أوَما سمعتَ بأنها القيعانُ فاغـ |
|
ـرسْ ما تشاءُ بذا الزمانِ الفاني |
وغراسُها التسبيحُ والتكبيرُ والتـ |
|
ـحميدُ والتوحيدُ للرحمنِ |
إلى آخره.
فهذه غراس الجنة، فماذا يُكلِّفك أن تقول في يوم مائة مرة: سبحان الله، أو: لا إله إلا الله، أو شيئًا من هذه الأذكار، لكن الغفلة الغفلة، والران الذي طَبع على القلوب، وغطَّى عليها، فصارت تَسمع الكلام كأنه لا كلام، والله المستعان.