السؤال
إن الراوي إذا قال ما يُخالف الواقع دون قصد لا يُسمَّى كذبًا؛ لأن القصد هو الذي يُعَوَّل عليه، فإذا كان من عادات بلدٍ إعفاء اللحية فقط، دون قصد للسنة، لا يُثاب الفاعل، كذلك مَن يمتنع عن جماع المرأة الجميلة التي لها منصب؛ لأنها لم تَعرِض نفسها عليه أصلًا، فهل يأخذ نفس أجر يوسف -عليه السلام-؟ وأن الراوي لما أَخبر بخلاف الواقع دون قصد، أَخبر ما يظنُّه واقعًا، فيُسمَّى خطأً، ولا يُسمَّى كذبًا، والآية تقول: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105].
الجواب
الكلام عند أهل السنة إما صدق وإما كذب، ولا واسطة، فما طابق الواقع فهو الصدق، وما خالف الواقع فهو الكذب، يبقى الأثر المترتِّب على هذا الصدق، وعلى هذا الكذب، فقد يقول القائل كلامًا يصدق فيه، ويقول كلمة حقٍّ، لكنه يريد بها باطلًا فيأثم، وهو صدق، وقد يُخطئ الإنسان، ويقول كلامًا لا يقصده، ولا يقصد الأثر المترتِّب عليه، ولا يأثم به. المقصود في حدِّ الصدق والكذب. ولم يُثبت الواسطةَ -أي: كلامًا لا صدقًا ولا كذبًا- إلا المعتزلة، أما أهل السنة فالكلام عندهم إما صدق وإما كذب، وهو الموافق للغة، «صدق الله، وكَذَب بطنُ أخيك» [البخاري: 5684]، هل يقصد: الكذب؟ لا، ما يقصد، المقصود أن مثل هذا يُسمَّى كذبًا، لكن لا يترتَّب عليه إثم الكاذب.