لا شك أن الأصل في التعلم أخذه من أهل العلم الراسخين الموثوقين مشافهةً؛ ليستفيد الطالب مما يقولون ومِن سَمتهم وهديهم، ولا شكَّ أن الحاضر يدرك من معاني ما يقال أكثر من الغائب؛ لأنه قد يُصاحب بعض الأقوال شيء من التصرفات التي توضّح المراد، فالأصل في أخذ العلم المشافهه والـجُثِيّ على الرُّكب بين يدي الشيوخ، لكن إذا لم يتمكن طالب العلم -وهذا متصور بوضوح بالنسبة للنساء؛ لأن النساء لا يستطعن مزاحمة الطلاب والحضور معهم بين يدي الشيوخ؛ لأن اختلاطهن بالطلاب ممنوع شرعًا، وأيضًا لهن مايشغلهن في بيوتهن- فإذا لم تتمكن المرأة أو الرجل البعيد عن منابع العلم ومواطن العلم، ولم يتمكن إلا من أخذ العلم عن الشيوخ بواسطة الأجهزة من أشرطة ومواقع وإنترنت وغير ذلك، فإنه ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه، وإلا فالأصل أن العلم يؤخذ من العلماء مباشرة، ولا يؤخذ من الصحف، والآن تيسرت الوسائل –ولله الحمد-، فتستطيع أن تأخذ من العَالِم من كلامه لفظًا بواسطة الأشرطة، وبواسطة الإنترنت، وتستطيع أن تسأل وأنت في بيتك، ويصل السؤال إلى الشيخ ويجيب على سؤالك، سواء كان بواسطة الإنترنت أو بواسطة الهاتف. المقصود أن الأمور -ولله الحمد- تيسَّرت, وليست كالسابق: إما أن تأخذ من الشيخ أو من كتاب، ولذا ذم أهل العلم أخذ العلم من الكتب، وأكثر ما يحصل من التصحيف سببه الاعتماد على الكتب، وعدم الأخذ من أفواه العلماء، فتجده يقرأ هذه اللفظة على غير مراد مؤلِّفها؛ لأنها في صورتها تحتمل أوجه كـ(الدِّيْن والدَّين) -مثلًا-، فلا يفرق بينهما في الكتابة؛ ومعلوم أن أكثر الكلمات تقع غير مشكولة؛ لأنها لا تُشْكِل، حيث إن العلماء لا يرون ضبط وشَكْل إلا ما يُشْكِل. المقصود أنه قد تيسر الأمر -ولله الحمد-، فبالإمكان أن تطلب العلم وهي في بيتها بواسطة هذه الأجهزة، وتكتب سؤالها إن شاءت في الجهاز ويأتيها الجواب مباشرة من الشيخ وكأنها حاضرة، وإن كان الأصل أن العلم إنما يؤخذ من أفواه الرجال، ومزاحمة الطلاب بالركب، هذا بالنسبة لغير النساء، أما النساء فهن معذورات حينئذٍ ويأخذن العلم وهن في بيوتهن بواسطة الأجهزة والأشرطة، وكذلك البعيد الذي يصعب عليه الحضور إلى منابع العلم ومواضع الدروس، يكتفي بهذه الأجهزة ويحصل له خير كثير.
والذي يُسأل عنه كثيرًا: أن من أخذ العلم عن هذه الأجهزة، هل يصح له ويسوغ في حقه أن يقول: إنه من طلاب الشيخ فلان؟
نقول: نعم يسوغ له أن يقول: أنا من طلاب الشيخ فلان شَرِيطة أن لا يتضمن كلامه التدليس، بمعنى ألَّا يُظن أنه سافر وقطع القِفار والفيافي وحضر عند فلان، بل عليه أن يبين أنه بواسطة هذه الأجهزة، ولذا يقولون: يجوز أن تروي بالإجازة، لكن لا تقل: حدثني فلان، أو سمعتُ فلانًا إلا مع البيان، فتقول: حدثني إجازةً، أو أنباني إجازة وهكذا، أما إذا لم يكن هناك بيان ففيه نوع من التدليس وهذا مذموم.