طالب العلم الذي هو في حكم العامي، ولم يتأهل للنظر في الأدلة، ولا يستطيع الترجيح بين هذه الأدلة ليخلص إلى القول الراجح، هذا فرضه فرض العامي: سؤال أهل العلم، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، يدخل في هذا العامي دخولًا أوليًّا، ويدخل فيه مَن في حكم العامي وهو طالب العلم المبتدئ الذي ليست له الأهلية، فيسأل أهل العلم، لكن أي عالمٍ يسأل؟ يسأل مَن تجتمع فيه الصفات التي قرَّرها وحدَّدها العلماء في المفتي.
وليس في فتواهُ مُفتٍ متَّبَعْ |
|
ما لم يُضفْ للعلمِ والدينِ الورَعْ |
لا بد من علم ودين وورع؛ لأن بعض الناس يصير عنده علم، لكن ما يكون عنده ورع، فتجده يتخطَّى، ويُفتي فلانًا؛ لقربه منه، ولمودة بينه وبينه بما لا يعتقد؛ لأنه ليس بورع، والمفتي عليه أن يسعى في خلاص نفسه قبل أن يسعى في خلاص غيره، فموقف طالب العلم أن يسأل الأوثق والأورع من أهل العلم، الذي يظن النجاة في فتواه، والناس وإن كانوا ليس لديهم أهلية التمييز الدقيق بين أهل العلم، إلا أن لديهم تمييزًا إجماليًّا، فيعرفون أن هذا العالم عُرف بالتحرِّي والتثبُّت والرسوخ في العلم، ويتحدثون في مجالسهم أن فلانًا يتساهل، ولا يُكلَّف العامي أن ينظر ويوازن بين الشيخ فلان والشيخ فلان: أيهما أعلم، وأيهما أدق؟ لا، يكفي في مثل هذا الاستفاضة، يعني: إذا تداول الناس في مجالسهم، وسأل مَن يثق بعلمه: هل فلان ممن يُقتدَى به ويُؤخَذ بقوله، أو لا يُؤخَذ بقوله؟
على كل حال المسألة مقرَّرة عند أهل العلم ومفروغ منها، والإنسان وإن كان ليس لديه أهلية التمييز، إلا أنه بالاستفاضة يعرف، وبالجادة والطريقة المتبعة إذا سأله مرة ومرتين تبيَّن له مستواه، وإن كان عاميًّا، إلا أنه يعرف أن هذا متساهل، ويعرف أن هذا متشدِّد، ويعرف أن هذا يتبع الدليل، وأن هذا يفتي بأقوال غيره، فالعامة لديهم تمييز، وإذا كانت بعض الحيوانات لديها قوة مدركة تدرك ما ينفعها وما يضرها، فكيف بابن آدم الذي كرَّمه الله بالعقل؟ فلا شك أنهم يعرفون ويدركون، ومجالس الناس الآن تعج بالقيل والقال في أهل العلم: فلان يتساهل، وفلان يتشدَّد، وفلان...، فعلى الإنسان أن يسعى في البحث عن العالم الذي تبرأ ذمته بفتواه.