دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- عرفة من طريق ضب، ورجع من طريق المأزمين. فإن تيسر للإنسان الذهاب من نفس الطريق، والرجوع مع الطريق الآخر من غير مشقة، فلا شك أن هذا من تمام الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-. لكن لو أراد أن يذهب من طريق ضب، فمنع وقيل: هذا للراجع وليس للذاهب، ثم أراد أن يرجع من طريق المأزمين، فقيل: هذا للذاهب ومنع من ذلك، فأجر نية الاقتداء يحصل له. وابن عمر –رضي الله عنهما- يبالغ في الاقتداء بمثل هذه الأفعال مبالغة شديدة، مما لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، ولا ممن جاء بعدهم من الأئمة. حتى ذكر ابن عبد البر -رحمه الله- أنه كان يكفكف دابته لتقع مواطئ أخفافها أخفاف دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-. وهذا تكلُّف، لكنه صدر من صحابي جليل عن اجتهاد، فهو عليه مأجور، لكنه مع ذلك مخطئ. ومثل ذلك ذهابه –صلى الله عليه وسلم- إلى العيد من طريق، ورجوعه من طريق آخر. وذهابه إلى الجمرة من طريق، ورجوعه من آخر. وكذلك الجمعة ينص أهل العلم على أنها مما يقتدى به فيها. لا سيما وأن بعضهم التمس عللًا وحكمًا واضحة وظاهرة، لا تختص به -عليه الصلاة والسلام-، لا سيما إذا كان القاصد لمثل هذا الفعل ممن يحتاج الناس إليه.