شرح كتاب التوحيد - 58
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام المجدد –رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:50] الآية.
قال مجاهد: هذا بعملي، وأنا محقوقٌ به، وقال ابن عباس: يريد من عندي.
وقوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] قال قتادة: على علم مني بوجود المكاسب".
بوجوه.
"قال قتادة: على علمٍ مني بوجوه المكاسب، وقال آخرون: على علمٍ من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن ثلاثةً من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيءٍ أحب إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ، وجلدٌ حسنٌ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأُعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر-شك إسحاق- فأُعطي ناقةً عُشراء، وقال: بارك الله لك فيها.
قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، فمسحه فذهب عنه، وأُعطي شعرًا حسنًا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر أو الإبل، فأُعطي بقرةً حاملاً، قال: بارك الله لك فيها.
فأتى الأعمى فقال: أي شيءٍ أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأُبصر به الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأُعطي شاةً والدًا، فأُنتج هذان، وولَّد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم.
قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيأته، فقال: رجلٌ مسكينٌ قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلَّغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال: كأني أعرفك؟ ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرًا فأعطاك الله -عزّ وجل- المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبًا فصيَّرك الله إلى ما كنت به.
قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبًا فصيَّرك الله إلى ما كنت.
قال: وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجلٌ مسكينٌ وابن سبيلٍ قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاةً أتبلَّغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إِلَيَّ بصري، فخُذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيءٍ أخذته لله، فقال: أمسك مالك فإنما ابتُليتم، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك» أخرجاه.
الأولى: تفسير الآية.
الثانية: ما معنى: {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:50].
الثالثة: ما معنى قوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78].
الرابعة: ما في هذه القصة العجيبة من العِبر العظيمة".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد....
فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:50]" الإصابة بالخير والرحمة بعد مس الضر والبؤس والشقاء لا شك أن لها وقعًا في النفس وتأثيرًا أعظم من مجيء الخير أول الأمر، الذي يُولد في الجاهلية، ثم يُسلم يُدرك خطر الجاهلية بما فيها من شر وضر، بخلاف الذي يُولد في الإسلام لا يحس بالنعمة، والذي يولد من أبٍ فقير قد مسته الضراء، وأصابته الفاقة والعوز إذا كسب مالاً حرص عليه؛ لأنه أدرك الضراء قبل أن يمسه الخير والمال، بينما الذي يُولد من أبٍ غني في الغالب لا يقدّر هذه النِّعمة قدرها؛ ولذلكم أرخص الأموال مال الإرث إذا ورثه من أبيه وأبوه غني فرَّق الأموال بغير قيد هذا غالبًا؛ ولذلك قال: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:50]، فإذا قال ذلك، {هَذَا لِي} [فصلت:50] على ما يأتي في تفسير الآية عن السلف، إذا قال ذلك بعد أن مسته الضراء دل على خبثٍ في نفسه.
يقول مجاهد: "هذا بعملي وأنا محقوقٌ به" أين عملك، وأين استحقاقك لما مسَّتك الضراء؟ أين عملك، وأين استحقاقك لما كنت في الضراء؟ لما جاءتك الرحمة تنكرت ونسيت السابق، ونسيت تاريخك الذي قبل ذلك وهو بضد هذه الحال.
قال: "هذا بعملي وأنا محقوقٌ به" كأنه يجحد نعمة الله عليه، ويزعم أنه بخبرته وحِنكته ومعرفته للأمور، ودراساته للجدوى -على ما يزعمون- نجح في تجارته مع أن الواقع في غالب الأحوال أن التجارات لا تكون لأذكى الناس، وهذا الشيء مشاهد ومُجرَّب، فكم من شخص إذا حضر المجالس -مجالس البيع والشراء- تجده ينعس وقد ينام ويُسمَع له شخير، وإذا انفض المجلس فإذا جميع المكاسب له، وهؤلاء الحذق والحرص ما لهم إلا يشتركون في السعي، وأما رؤوس الأموال والمكاسب كلها لهذا الحبيب النائم؛ كلها من أجل ألا يقول الإنسان مثل هذا: {هَذَا لِي} [فصلت:50].
مما يُذكر من القصص في هذا الباب أن رجلاً دخل إلى البلد، واشترى من القمح كيسًا كبيرًا جدًّا، فأخذ كيسًا فارغًا وملأه رملاً؛ ليتعادل الكيسان على الدابة على البعير، فصار البعير بهذا الحمل الثقيل لا يحتمله أن يركب عليه مع الكيسين الكبار، هو ساق الدابة يمشي وراءها، فلحقه شخص، فقال له: ما هذا الذي وضعته على البعير؟ قال: هذا عيش، وهذا رمل، قال له: كُب الرمل، واقسم العيش بين الكيسين يخف على البعير وتركب أنت، ففعل فخف الحمل على البعير فصار يجري بسرعة، والرجل راكب، ثم لمَّا تولى الرجل المشير دعاه وقال: ما لك من المال؟ قال: والله ما أملك إلا هذه العصا، قال: أعيدوا الرمل، نَوَّخ البعير وقال: أعيدوا الرمل، هو عند الرجل هذا من الرعايا من الإبل والغنم والبقر الشيء الكثير، يقول: دع ذهانتك تنفعك، سبحان الله العظيم! هذا مُشاهد ومُجرَّب وكثير.
وسمعنا في بداية الطفرة من أحضر العمال الكُثر، وقال بلسانه: تحروا لي سنة سنتين، فإذا أنا من تجار البلد، هو معروف الرجل ذكي جدًّا، ماذا حصل؟ ما أدرك شيئًا، والآن يأخذ من الزكوات.
أقل الأحوال أن يربط الأمور بالله –جلَّ وعلا-، أن أقول: -إن شاء الله- يوفقني لهذا أو يفعل كذا.
"هذا بعملي وأنا محقوقٌ به" يقوله مجاهد.
"وقال ابن عباس: يريد من عندي" {هَذَا لِي} [فصلت:50] يعني من عندي، كيف من عندك؟ أين هذا لما مستك الضراء من عندك؟ كان هذا المال معدومًا، ثم رزقك الله هذا المال، تقول: من عندي، طيب من عندك ما نفعت نفسك يوم لما كنت في الضراء، لكنه الإنسان إذا لم يرتبط بالله –جلَّ وعلا- فالخذلان قرينه.
"يريد من عندي" ثم ذكر المؤلف –رحمه الله تعالى- بعد ذلك آيةً وحديثًا، فالآية هي قوله– جلَّ وعلا-: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] خبرة بأبواب وأسباب التجارة، والآن عندهم مكاتب لدراسات الجدوى، وتسمع في الأسواق المالية، والتجارات العالمية كلهم يُخبرونك بنتائج المستقبل، وأن هذه الشركة لها مستقبل، وأن هذه الأسهم ترتفع، ثم في النهاية يعني تحليلاتهم الاقتصادية كلها على هذا الأساس، ويزجون بالناس المساكين للمساهمة في هذه التجارات، ثم تكون النتائج عكسية وأكثر من مرة يتضرر الناس؛ بسبب هذا الاندفاع، والذين زجوهم في هذه التجارات وهذه الأسهم هم الذين غشوهم، ولكن المسلم له عقل، ويعلم أن الغيب لا يعلمه إلا الله، لكن مع ذلك يقتحمون ويتقحمون؛ لِما يرون من مكاسب آنية، وتحصل الكوارث، وكما قال الله –جلَّ وعلا- عن أهل النار: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام:28] لو يُعلن عن مساهمة ساهموا مع الخسائر الطائلة.
"{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب" يقول: يعرف السلع المربحة، والسلع التي لا ربح فيها، ومع ذلك قد يؤتى من حيث لا يحتسب من هذه السلع المربحة تأتيها جائحة تجتاحها، فتذهب برأس المال والمكاسب، وهذا كثير، وهذه عقوبات من الله –جلَّ وعلا- أو تكفير للسيئات.
المقصود أن الإنسان لا ينفك من الارتباط بالله –جلَّ وعلا-، ولا يعتمد على نفسه، ولا يغتر بفلانٍ أو علان، علينا أن نرتبط بالله –جلَّ وعلا- في أمورنا كلها.
"قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب، وقال آخرون: على علمٍ من الله أني له أهل" {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] الآية "وقال آخرون: على علمٍ من الله أني له أهل" ينسجم أن يُفسَّر مع التفسير؟ "{عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] وقال آخرون: على علمٍ من الله أني له أهل".
طالب:........
الأهلية كونه أهلًا لذلك، فله نوع ارتباط من هذه الحيثية.
قال: "وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف" وهي الأهلية أنه له أهل، هذا الشرف، هذه الأهلية، وكل ذلك منافٍ لشكر النِّعمة، فالشكر واجب {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] فالشكر يتطلب الاعتراف بهذه النِّعمة، وأنها من الله –جلَّ وعلا-، وأنه لا حول ولا قوة له إلا بالله.
وأيضًا التحدث بها ظاهرًا، يتحدث بهذه النِّعمة، ويشكر الله عليها، وينسبها إلى مُسديها وموليها وهو الله –جلَّ وعلا-، ثم بعد ذلك يستعملها فيما يُرضي الله –سبحانه وتعالى- هذه أركان الشكر، فإن جحدها بقلبه ولم يعترف بها بلسانه واستعملها في معاصي الله –جلَّ وعلا- فقد كفرها.
ثم ذكر المؤلف –رحمه الله تعالى-: حديث الثلاثة من بني إسرائيل.
طالب:........
على حسب قوة هذا الإنكار، يعني هو مجرد ما تحدث بها، وهو معترفٌ بها بقلبه، فرقٌ بينه وبين من يُنكرها ويُضيفها إلى نفسه أو يُضيفها إلى غير الله –جلَّ وعلا- لا باعتبار أنه سبب، لو قال: هذه النِّعمة من فلان باعتباره سببًا هو الذي أوصلها إليه، وهو يعرف أنها من الله– جلَّ وعلا- هذا تقدم، وإن كان يقول: هذا هو المُنعم الحقيقي علي، هذا أمره عظيم، نسأل الله العافية.
ثم ذكر حديث الثلاثة من بني إسرائيل، فقال –رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن ثلاثةً من بني إسرائيل» أو من ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، هؤلاء يُقال لهم: بنو إسرائيل، وفيهم اليهود والنصارى كلهم من بني إسرائيل، لكن بني إسرائيل غلب على اليهود.
«أبرص، وأقرع، وأعمى» الأبرص: الذي تغيَّر لونه أو وُلِد على هذا اللون المُخالف للون بني آدم الطبيعي، يعني سواءً كان من بني آدم: الأبيض، والأسود والأسمر ما بينهما، هذه ألوان طبيعية، لكن إذا كان اللون يزيد على البياض المتعارف عليه المقبول فإنه يُسمى برصًا.
وفي آخر تفسير سورة الفتح {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29] قال القاسمي في تفسيره: وكفَّر مالكٌ الروافض بهذه الآية، كفَّر الإمام مالك الروافض بهذه الآية، ثم قال القاسمي: والبياض إذا زاد صار برصًا، ما مناسبة كلامه لكلام مالك؟ ما المناسبة؟
طالب:........
يعني بالغ في حكمه على الروافض، هذا من وجهة نظر القاسمي، والبياض إذا زاد صار برصًا، هو ينتقد القول بتكفيرهم، لكن كفَّرهم جموعٌ غفيرة من أهل العلم بما يرتكبونه من المكفرات، فالذي يدعو غير الله –جلَّ وعلا-، ويقذف عائشة بعد أن برّأها الله –سبحانه وتعالى- من فوق سبع سموات، ويُكفِّر الصحابة الذين ما جاءنا الدين إلا من طريقهم، وعندهم من الأمور والعظائم ما جعل جمعٌ من أهل العلم يُكفرونهم.
وعلى كل حال، عندهم من عظائم الأمور، ولو لم يكن فيها إلا الشرك الأكبر، فتجد الواحد منهم عندما يُحتضر لا يدعو الله –جلَّ وعلا-، يا علي، يا حسين، نسأل الله العافية.
وسُمِع من يطوف بالبيت، ويقول: يا أبا عبد الله، جئنا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، أمور كثيرة لا يستطيع اللسان أن ينطق بها، وكشفتهم هذه القنوات التي أسَّسوها لنُصرة مذهبهم، فصارت وبالاً عليهم.
على كل حال، الذي جاء بهذا الكلام وهذا الاستطراد قول القاسمي: والبياض إذا زاد صار برصًا.
«أبرص، وأقرع» الأقرع: الذي لا شعر له على رأسه، ما فيه شعر مطلقًا، هذا يُسمى أقرع، والأقرع بعضهم يضع على رأسه شعرًا صناعيًّا يُسمونه بالباروكة، ولا شك أنها من نوع الوصل، بل الأشد من الوصل، وهنا حدثت الزراعة زراعة الشعر، وعلى كل حال الأقرع الذي لا شعر له، وأما حكم الزراعة وما أشبه فهذه مسألة فقهية مدروسة ومعروفة.
طالب:........
على ماذا؟
طالب:........
على أساس أن الملك دعا له أو مسح به....على كل حال...
طالب:........
لا لا، ما فيه إلا أنه أملس، ما فيه شيء.
طالب:........
أصلع أصلع، نفسه نفسه الذي لا شعر له أقرع.
«وأعمى» والأعمى: الذي لا يُبصر.
أيهم أشد مصيبة: الأبرص، والأقرع، والأعمى؟
طالب:........
ينبذونه، لكن يُزاول أمور دنياه ودينه بكل راحة لا ينقص شيء، إذا قارنا بين الأعمى والأصم الأعمى أحسن حالاً، قالوا: لأنه وُجِد من الأنبياء من هو أعمى، لكن لا يُوجد الأصم، والأصم يخسر خسارته في دنياه؛ ولذلك قُدِّم السميع البصير، ويفوته من أمور الدين والعلم والخير يفوت الأصم أكثر مما يفوت الأعمى، وبالنسبة لأمور الدنيا، حتى في أمور الدين الأبرص إذا صبر واحتسب قد لا يفوته شيء من الأمور الحسية، قد يكون في الأمور المعنوية في تقدير الناس له وفي اختياره إذا وُجِد من يُنافسه في أشياء، ولو تقدم لخطبة قد يُرد، وهكذا، يتضرر في دنياه، لكن هو بذاته ما يحس بشيء.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
من الشمس، يتضرر من الشمس؛ لأن الجلد عنده رقيق، والأقرع إذا غطى رأسه بعمامةٍ أو شبهها ما يضره شيء.
وعلى كل حال، هذا الحاصل، هؤلاء الثلاثة وجدوا في بني إسرائيل.
«فأراد الله أن يبتليهم» يختبرهم، «فأراد الله أن يبتليهم» من باب الاختبار، والله أعلم بما سيؤول إليه الأمر قبل حصوله، ولكن ليظهر الأمر إلى عالم الشهود، وتقوم الحُجج على الخلق يبتلي ويختبر.
«فبعث إليهم ملكًا» من الملائكة، «فأتى الأبرص فقال: أي شيءٍ أحب إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ» ما قال: لون واكتفى، يُريد لونًا حسنًا، ولا شك أن السؤال من كريم، فلا يُلام أن يُقال: حسن، صحيح أن الاستشراه في أمور الدنيا، وطلب الأكمل فيها مما لا أثر له في أمر الآخرة قد يكون مفضولاً.
ولذلك قال: «لونٌ حسنٌ وجلدٌ حسنٌ» ما الفرق بين اللون الحسن، والجلد الحسن؟
طالب:........
هو جلده يكون رقيقًا؛ ولذلك أي شيء يؤثّر عليه.
طالب:........
الضب، صحيح قد يكون اللون حسنًا، لكن الجلد غير حسن، وقد يكون الجلد حسنًا واللون غير حسن، فأراد أن يجتمع له الأمران.
«ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به» بعض الناس من نساء وصبيان، وبعض الضِّعاف من الكبار قد يستوحش إذا رأى مثل هذا، فالصبيان يهربون منه؛ لأنه غير مألوف، نادر، وغير مألوف بين الناس «قد قذرني الناس به».
«قال: فمسحه، فذهب عنه قذره» هل البرص له علاج؟
طالب:........
يُخففه، أو يُحجمه ما يزيد، لكن البرص لو كان له علاج ماذا تكون خصيصة عيسى -عليه السلام- إذا وُجِد من يُبرئ الأبرص؟
طالب:........
أنا أقول: افهم كلامي لو وجِد له علاج، وإلى الآن ما وُجِد علاج يمسحه مسحًا، قد يُحجَّم، ولا يزيد شيئًا، أما كونه يُعالج، وقد يُعالج بألوانٍ ما هي بألوان طبيعية بشرية تختلف عن بقية جسده، لكنها تُخفِّفه، ومع ذلك يقولون: لو وُجِد له علاج لما صار من خصائص عيسى –عليه السلام- أنه يُبرئ الأبرص والأكمه.
طالب:........
ثم يخف يخف.
طالب:........
هل كان هو أبرص، ثم خف إلى هذا الحد أو من الأصل ما فيه إلا موضع درهم؟
طالب:........
على كل حال الكرامات غير الكلام في العلاج، هذا مسحه الملك، فذهب البرص.
طالب:........
ما يتعارض، ليس عن طريق العلاج.
طالب:........
كيف؟
طالب:........
يصير أبيض، لون طبيعي بشري أم برص؟
طالب:........
يعني بقية ما بقي من لونه الأصلي هذا ما هو بعلاج.
«قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأُعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر-شك إسحاق» الراوي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة شك، والذي يظهر من السياق في بقية الخبر أنه قال: الإبل.
«فأُعطي ناقةً عُشراء» يعني حامل، وفي الغالب أنها ما يُقال: عشراء إلا في الشهر العاشر في آخر الحمل «وقال: بارك الله لك فيها».
«قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر-شك إسحاق» الراوي ابن عبد الله بن أبي طلحة.
قال: «فأُعطي ناقةً» إعراب ناقة؟
طالب:........
هو في الأصل مفعول ثانٍ، ويُقال الآن: مفعول، ونائب الفاعل الضمير أُعطي هو ناقةً عُشراء، وعُشراء وصف للناقة.
«وقال: بارك الله لك فيها» والعشراء الحامل تُطلق على ما كان في الأيام أو في الشهر الأخير.
«وقال: بارك الله لك فيها» الآن الجملة خبر أم دعاء؟
طالب:........
يعني هو يعرف أنها مباركة فيما بعد، أم يدعو أن تكون مباركة؟
طالب:........
الكلام معروف، غفر لله لك هذا نقول: دعاء، وأصله الجملة خبرية، لكن هل بارك دعاءٌ له بالبركة، أو أنه يُخبر عما في المستقبل أنها سوف تكون مباركة أم دعاء؟
طالب:........
أنت ما فهمت كلامي.
طالب:........
هو الجملة لفظها لفظ الخبر، فهل المراد بها الدعاء، اللهم بارك له فيها، يدعو له بالبركة، أو أنه يُخبر أنها ناقةٌ مباركة ومفروغ من هذا الأمر، وأن الأمر سيكون كذلك في المستقبل؟
طالب:........
هو دعاء في حقيقته، خذها بارك الله لك فيها، وكأنه قال: اللهم بارك له فيها، وليس المراد أنها خُذها ومن الآن هي مباركة، وسيظهر أثر بركتها فيما بعد، ليس هذا هو المراد.
طالب:........
ما يدعو بشرًا.
طالب:........
وسيأتيهم فيما بعد على صورهم السابقة.
طالب:........
هو يقول: «فأراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكًا فأتى» يعني في أول الأمر الله أعلم بصورته أو بصورة رجل، الله أعلم، لكن في النهاية جاء إليهم في صور رجالٍ على أشكالهم قبل.
طالب:........
الاختبار عقب لما جاءهم مرةً ثانية، وإلا لما مسحه طاب، وعرف أنه ملك، ما هو بعادي، عرفوا أنه ملك.
طالب:........
يحتمل، اللفظ مُحتمل، ولفظ الجملة خبرية.
«قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟» يعني: أمنيتك، ماذا تمنى؟ «قال: شعرٌ حسنٌ ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به»، وهو القرع، «فمسحه فذهب عنه» يعني: نبت له شعر فورًا، كما زال اللون الذي يقذر به الناس الأبرص. «فمسحه فذهب عنه وأُعطي شعرًا حسنًا».
طالب:........
فذهب عنه ما يقذره به الناس.
طالب:........
العدم عدم الشعر ذهب عنه.
طالب:........
على كل حال، القرع المراد في الحديث هو المعروف في تعريفه لغةً وشرعًا وعُرفًا أنه عدم الشعر.
طالب:........
واضح واضح لو عليه طاقية أو عمامة ما تأثر؛ لأنه عندنا الآن شباب في العشرينيات ما عليهم شعر.
ومن باب المناسبة، بعض الناس إذا علاه الشيب يحرص على صبغ لحيته دون رأسه؛ لأن الصبغ له كلفة، فيصبغ ما يظهر ويترك ما يُغطى، مع أن دخول الشعر في الأمر «غيِّروه» دخول أولي، ودخوله في النص قطعي، لماذا؟ لأنه لما أُوتي بأبي قحافة، ورأسه كالثغامة قال: «غيِّروه»، فالمطلوب تغييره بالنص الرأس، وغيره بالإلحاق، لكن الناس مادام الرأس يُغطى ما له داعٍ أن يتكلف، وبعضهم يقول: الموسي يريحنا منه.
طالب:........
نعم، والذي يظهر للناس اللحية تُصبغ مع أن امتثال الأمر «غيروه» إنما يتم بالجميع، والرأس دخوله في النص قطعي؛ لأنه هو السبب.
طالب:........
لا الرأس فقط، يُسمى من لا لحية له يُسمى أطلس، الأمرد يقولون له: أطلس، يعني لا شعر له.
طالب:........
راجع مثل (المُخصِّص) لابن سيده، وتجد هذه الأمور.
«قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، فمسحه فذهب عنه، وأُعطي شعرًا حسنًا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر أو الإبل» يعني إن كان الأول الإبل فالثاني البقر، وإن كان الأول البقر فالثاني الإبل، والذي يظهر أن الأول الإبل، والثاني البقر، كما يدل عليه سياق باقي الحديث.
«قال: البقر أو الإبل، فأُعطي بقرةً حاملاً» يعني في جوفها ولدها.
«قال: بارك الله لك فيها» كما تقدم.
«فأتى الأعمى» الملك أتى الأعمى، «فقال: أي شيءٍ أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري، فأُبصر به الناس» من فقد حبيبتيه يعني عينيه يُعوَّض عنهما بالجنة، فكون هذا الأعمى يطلب رد البصر إليه، هل يتعارض مع هذه المكافأة الإلهية بالجنة؟
طالب:........
افترض أنه ذهب إلى المستشفيات، وبذل الأسباب، وأبصر، هل نقول: حُرِمت الجنة؛ بسبب هذا؟
طالب:........
لا لا، بغض النظر هل كونه مستحقًّا للجنة بأمورٍ أخرى؟ لا بهذا السبب.
طالب:........
المرأة التي تُصرع وتتكشف، قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «اصبري ولكِ الجنة»، هل يُقال للأعمى: اصبر ولك الجنة، وإن تعالجت وأبصرت ذهب عنك هذا الوعد الخاص بهذه المسألة؟
طالب:........
نعم، لكن لو دعا الله وذهب عنها كل ما ينتابها في هذه الحال تكون ما صبرت، ولا تستحق الوعد، فهل نقول: هذا الأعمى الذي عولج حتى أبصر لا يستحق الوعد بالجنة؟ يعني المقارنة بين النصين ظاهرة أم ليست ظاهرة؟ ظاهرة وواضحة، لكن مع ذلك العلاج مُباح، وأمس بالدرس في قصة ابن عباس مع أم المؤمنين عائشة لما قال له الطبيب: أُعالجك -لما أصيب بعينيه- أُعالجك على ألا تسجد عشرة أيام، وقلنا في هذا الخبر وما ذكرنا معه مما يُماثله، قلنا: إن هذه عزيمة، ولو تعالج ما فيه إشكال، العلاج مُباح.
طالب:........
حديث التي تُصرع واضح.
طالب:........
أكمل والعلاج مُباح، ما أحد يُحرِّم العلاج.
طالب:........
هذا صبر على المصيبة، صبر عليها في بدايتها ما جزع، ولا ناح، ولا فعل شيئًا، فيؤجَر أجر الصبر، لكن الاحتساب واستمرار الأجر مثل ما جاء في التي تُصرع.
طالب:........
لا، ما يلزم، الصبر على المصائب أجره عظيم.
طالب:........
واضح واضح الصبر على العمى، يعني مثل نظير مسألة قطع اليد في الحد، هل يتم استيفاء الحد مع إرجاعها، ثم تُعاد بالطرق الطبية الموجودة؟ مع أنه -الكلام يجر بعضه بعضًا- في عقيدة المهدي بن تومرت، قال: ولو بانت إصبع مخلوق لما استطاع الخلق إعادتها، وأنا أعرف شخصًا جاء بإصبعه ملفوفةً بمنديل من منطقةٍ أخرى، وذهب بها إلى المستشفى التخصصي، فأعادوها، أخذت مدة طويلة وليست إعادة مثل الإصبع الثاني، لونها يختلف، قدرتها على الاستعمال لم تكن كاملة، لكنها تتحرك، ويستعملها على ضعف بالنسبة للأخرى، فابن تومرت يقول: لو بانت إصبع مخلوق لما استطاع الخلق إعادتها، لعله بناءً على ما في إمكاناتهم في وقته، على ما في إمكاناتهم ما يقدرون في ذاك الوقت.
طالب:........
من هو؟
طالب:........
الله المستعان لعل هذه العقيدة قبل، لعلها قبل.
طالب:........
لا لا، الكلام في عقيدته هذا.
طالب:........
أين هو؟
طالب:........
قبل انحرافه قبل أن يدعي العصمة ويدعي أشياء، لكن مع ذلك أنت رأيت موطأ المهدي بن تومرت؟ أنتم مالكية؟
طالب:........
مطبوع في مجلدين، وهو عبارة عن موطأ يحيى بن يحيى مع حذفٍ لبعض الأسانيد، وزيادة ترتيب، وزيادة تراجم، وفقده لا يترتب عليه فقد شيءٍ من العلم، قدرٌ زائد، وعامة أهل العلم لا يعرفونه إلا من ندر.
خلونا نكمل السطرين، ونجعل الباقي للدرس القادم.
«فردّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم» الغلظة في الفدادين أهل الإبل، والخير والبركة والدعة تُعتبر مع أهل الغنم، انظر هذا الأعمى، كل أموره قادت إلى النتيجة في الاختبار، والغلظة والشدة في أهل الإبل، ومثلهم أهل البقر أدت إلى تلك النتيجة، والأصل الخُذلان، وما كُتب على الإنسان وهو في بطن أمه من الشقاء والسعادة.
«قال: الغنم فأُعطي شاةً والدًا» يعني قريبة الولادة، والقريب من الشيء يُعطى حكمه، بدليل «شهرا عيدٍ لا ينقصان رمضان وذو الحجة» رمضان فيه عيد؟ هو العيد في شوال، لكن لما قرب من رمضان أُعطي حكمه، ونظير ذلك «إلا المغرب فإنها وتر النهار» في الحديث «إلا المغرب فإنها وتر النهار»، وهي في الليل حقيقةً، لكن لقربها من النهار أُعطيت حكمها.
«فأُعطي شاةً والدًا فأُنتج هذان» صاحب الإبل والبقر، «وولَّد هذا» صاحب الغنم، والدًا، فكيف يولده وهي والد؟ لكن ولَّد هذه التي أُعطيها وما نتج عنها.
«فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم، ثم إنه أتى» يعني الكَرة الثانية، ونقف عليها.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.