الملاحظ على مر العصور من صدر الأمة إلى يومنا هذا أن الذي يقول: لا أعلم، ويكثر منها هم أهل العلم في الحقيقة، وهم الأئمة الراسخون في العلم، والذي لا يقول: «لا أعلم»، ولا تكثر على لسانه، تجدهم الصغار المبتدئين، وقد يقول بعض الصغار: هذا الكبير انتهى من بناء الشخصية، وأذعن الناس واعترفوا به عالمًا، وإن قال: «لا أعلم»، لكن الصغير الذي ما استتمت شخصيته، إذا قال: «لا أعلم»، كان ذلك عيبًا وشينًا، وإذا قال أحد هذا فلا شك أنه من جهله المركب.
قال ابن أبي ليلى: «أدركت مائة وعشرين صحابيًّا، وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول».
يقول الغزالي: «فانظر كيف انعكس الحال فصار المرهوب منه مطلوبًا، والمطلوب مرهوبًا» [فيض القدير (1/206)]، المطلوب: «لا أدري» صار مرهوبًا منه يخشاه الإنسان، والمرهوب حقًّا وهو «الجرأة على الفتوى من غير أهلها» صار هو المطلوب، ومن أمثلة الجرأة على الفتوى أنك تجد في مجالس الكبار التي يحضرها طلاب علم، إذا سئل هذا الكبير بادر الصغير بالجواب، وهذا يوجد بكثرة، وكذلك يوجد أيضًا في مجالس الأئمة ومجالس العلماء الذين يستحي الإنسان من تحديد النظر في وجوههم، فضلًا عن مسابقتهم، والمصيبة تكبر إذا كان هذا التقدم بين أيديهم بكلام لا يكون صوابًا.