أهل السنة يفضلونَ مَن أنفَقَ مِن قبلِ الفتحِ -وهو صلحُ الحُديبيَةِ- وقاتَلَ علَى مَن أنفَقَ مِن بعدِه وقاتَل، وإذا أطلق الفتحِ؛ فالمرادُ به فتحُ مكَّةَ، لكنَّ المقصودَ هُنا هو صلحُ الحُديبيةِ؛ لأنَّ سورةَ الفتحِ نزلَت علَى إثرِ صلحِ الحُديبيةِ وهو فتحٌ بالإجماعِ، وفيها: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح: 1]. ولا شكَّ أنَّ مُقدّماتِ الفتحِ فتحٌ، وإذا قلْنا إنَّ المرادَ به فتحُ مكَّةَ نكونُ قد خالفْنا قولَ اللهِ -جلَّ وعلا-: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }. وفتحِ مكةَ أيضًا فتحٌ ولا خلاف في هذا أيضا، فقد أسلمَ أهلُ مكةَ ودخَلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجًا، كما قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } [النصر: 1]. فالفتحُ أعمُّ مِن أن يكونَ فتح مكَّةَ أو صلحِ الحُديبيةِ أو ما أشبَه ذلكَ. ولا يلزمُ أن يكونَ تفسيرُ الكلمةِ الواحدةِ في النصوصِ واحدًا، وقد تكرَّرَت في القرآنِ الكريم ألفاظٌ كثيرةٌ، لها في كلِّ موضعٍ تفسيرٌ بما يُناسبُ السياقَ. فإذا نظرْنا إلى السببِ في تفضيلِ الإنفاقِ والقتالِ فإنَّه بالنسبةِ لفتحِ مكَّةَ أظهرُ، فبعدَ صلحِ الحديبيةِ أمِنَ الناس، لكن الشدَّةَ لم تنتَهِ بصلحِ الحديبيةِ، وإنَّما استمرَّت إلى فتحِ مكَّةَ، ولم تتوسَّعْ أحوالُهم مثلَ سعتِها بعدَ فتحِ مكَّةَ، فإذا نظرْنا إلى هذه العلَّةِ رجَّحْنا أنَّ المرادَ بالفتحِ فتحُ مكةَ.