بعض الناس يقول: (إن العلم الشرعي مزيج من حضارات وثقافات مختلفة). وهذا الكلام تضليل، ويستدلون على كلامهم بمثل حديث الجسّاسة، وذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخذ حديث الجسّاسة من تميم الداري –رضي الله عنه-، وهذا الحديث لو لم يكتسب الإقرار من النبي -عليه الصلاة والسلام- ما التفتنا إليه، ولقلنا: خرافة. لكن لما أقره النبي -عليه الصلاة والسلام- اكتسب القطعية، وقلنا: على العين والرأس.
ويستدلون كذلك بقوله –صلى الله عليه وسلم- عن الغيلة، -وهي: إرضاع الطفل مع حمل أمه-: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك، فلا يضر أولادهم» [مسلم: 1442]، ويرون أنه -عليه الصلاة والسلام- استفاد هذا الحكم من فارس والروم، نقول: ليس بصحيح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بُعث لجميع من على وجه الأرض، والأحكام عامة، تشمل العرب وتشمل العجم، وتشمل فارس والروم والمشرق والمغرب، فكون هذا الأمر يؤثر على بيئة من الناس أو مجتمع دون غيرهم، لا يُعطى حكمًا عامًا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن ينهى عن الغيلة لأنه يضر في البيئة التي عاش فيها؛ لوجود مؤثرات أخرى مع هذا، فلما عرف أنه لا يؤثر على بقية الناس لم يَنْهَ عنه، ويبقى أن من يضره شيء يمتنع منه، فبعض الناس –مثلًا- يضره التمر، نقول: لا تأكل التمر. وليس معنى هذا أن التمر حرام، وبعض الناس يضره اللبن، فنقول: لا تشرب اللبن. وليس معنى هذا أن اللبن حرام، وبعض الناس يتضرر بالغيلة، كما في الحجاز على وجه الخصوص، فلا يحسن أن يُصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- حكمًا عامًا لمن بعث إليهم في المشرق والمغرب وأكثر الناس لا يتضررون؛ وذلك لأن الحكم للغالب.
فبعض الكتّاب يكتب في الصحف، ويتكلم في بعض النصوص بناء على فهمه ويقول: (الديانة مزيج من حضارات)، وهذا ليس بصحيح أبدًا، بل على العكس، النبي -عليه الصلاة والسلام- حرّم التشبه بالآخرين من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم، فالأمة الإسلامية أمة مستقلة، معتزة بدينها، موجودة وجودًا مؤهِلًا لها لأن تكون خير أمة أخرجت للناس.