قال بعض أهل العلم: إن بداية المفصَّل سورة الحجرات، ومنهم من قال -وهم الأكثر وهو المعتمد عند أهل العلم- أن البداية من سورة ق، وشذَّ من قال إن المفصَّل يبدأ من سورة النبأ. ولعل سبب الخلاف ما جاء في سنن أبي داود وابن ماجه من تحزيب الصحابة للقرآن، فقد كانوا يحزبون القرآن على أسباع امتثالاً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد»، فصاروا يقسمونه إلى سبعة أحزاب، فيقرؤون في اليوم الأول ثلاث سور، وفي اليوم الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة، وفي السادس ثلاث عشرة، وفي اليوم السابع يقرؤون المفصَّل. فإذا عددنا الثلاث السور الأولى بأنها: الفاتحة والبقرة وآل عمران، صار أول المفصَّل: الحجرات، وإذا قلنا إن الثلاث التي تقرأ في اليوم الأول: البقرة وآل عمران والنساء، صار أول المفصَّل: ق، فمنشأ الخلاف في عدِّ الفاتحة، فمن عدَّ الفاتحة في هذا التحزيب يكون أول المفصَّل: الحجرات، ومن لم يعدّ الفاتحة في حزب اليوم الأول يكون بداية المفصَّل عنده: ق، ولا شك أن التقسيم المناسب أن لا تُعَدّ الفاتحة، فإذا عُدَّت الفاتحة صار الفرق كبير بين حزب اليوم الأول والثاني، لكن إذا لم نعدّ الفاتحة وقلنا البقرة وآل عمران والنساء فهذه خمسة أجزاء، ثم بعد ذلك المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة فهذه خمسة متقاربة؛ لكن لو جعلنا الفاتحة ضمن العدّة في اليوم الأول لقلنا إن العدّة في اليوم الأول أربع إلا ربع، واليوم الثاني يزيد عليه بكثير.
والمقصود أن هذا هو منشأ الخلاف، وكأن الحافظ ابن كثير في تفسير سورة ق جعل القول بأنه أول الحجرات لا يُلتفَت إليه، مع أنه فيه فضائل القرآن جعل لهذا القول حظًّا من النظر وقوَّاه.