سعيد بن المسيب -رحمه الله- لما جاءه الواسطة من ابن الخليفة يخطب ابنته، قال له: يا سعيد، جاءتك الدنيا بحذافيرها -ولك یا عبد الله تصور لو أنَّ ابن الخليفة أو ابن الملك جاء يخطب ابنتك- قال سعيد: «إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟» [حلية الأولياء 2/168، وسير أعلام النبلاء 4/233].
هذا حال السلف مع ما يمكن أن يحصل لهم من منافع الدنيا ولذاتها، وأما اليوم فوصل الأمر ببعضهم إلى أنه لو قيل له: ذكرك الملِك فلان أو الأمير فلان البارحة وأثنى عليك خيرًا، ربما بعدها يمر عليه أسبوع لا ينام، مع أنه لم يقدم له شيئًا، وما يستطيع أن يقدم له شيئًا، وفي المقابل لو التفت إلى ربه وذكره، ذكره الله: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم» [البخاري (7405)، ومسلم (2675)]، ونحن نغفل عن هذه الحقائق، وإذا جلسنا في المجالس عمرناها بالقيل والقال وذكر أخبار الصحائف والقنوات، ونسهر الساعات الطويلة على هذا، ومن المشاهد أن من انشغل بالقيل والقال وعمر وقته بها، إذا أراد أن يتعبد في المتبقي من الليل ثقلت عليه العبادة، وتجده لا يعان على ذلك، لكن لو كان وقته معمورًا بذكر الله صارت العبادة هي جنته، والله المستعان.
فالخسارة والكارثة الحقيقة هي خسارة الدين.
وكل كسرٍ فإنَّ الدين يجبره وما لكسر قناة الدين جبرانُ [عنوان الحكم لأبي الفتح البستي، البيت رقم (61)]
فكسر الدين لا يجبره شيء، بخلاف أي كسر في الدنيا فهو ينجبر.