مدح النفس ومحبة الثناء خدش في الإخلاص، وقد تقضي عليه كليًّا، ولذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد [(ص: 149)]: «فإذا حدَّثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أوَّلًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهدْ فيهما زهدَ عشّاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، فإن قلتَ: وما الذي يسهِّل عليَّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلتُ: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره، ولا يُؤتى العبد منها شيئًا سواه، وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي: إن مدحي زين وذمي شين، فقال: ذلك الله -عز وجل-».
وحال المسلمين اليوم من الكبير أو الصغير، والشريف أو الوضيع -مع الأسف- الفرح بالمدح. ولو قيل لفلان من الناس: إن الملك أو الأمير أو الوزير ذكرك البارحة، وأثنى عليك، لعله لن ينام بعد هذه المدحة فرحًا، فما الظنُّ إن كان الذي يذكرك ينفع مدحه ويضر ذمه، ألا وهو الله جلَّ جلاله؟ جاء في الحديث الصحيح: «قال الله -عز وجل-: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منه، ومن تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليَّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا، ومن جاءني يمشي جئته هرولةً» [البخاري (7405)، ومسلم (2675)].