قيل لإمام يحيى بن معين في مرضه: ماذا تشتهي؟ قال: (بيت خالي، وإسناد عالي)، وخلو البيت مهم للعالم ولطالب العلم ليخلو بربه، والخلوة مطلوبة إذا تعبد الإنسان، حيث يبعد عن الأنظار، ويستريح من الأكدار والأغيار، وإذا خلا بربه فإنه يتيسر له أن يذكر الله ما شاء، ويصلي ما شاء، ويقرأ ويتدبر ما شاء، ويتيسر له أن يناجي الله -جل وعلا-، وأن يحضر قلبه، ويبكي من خشية الله من غير مراءاة، بخلاف ما إذا كان البيت مأهولًا ومشغولًا، وهذه أمنية، لكن من يطيق منا الجلوس في بيت خالٍ؟ وذلك لأننا اعتدنا الاجتماعات وكثرة القيل والقال، والخروج والولوج، فصعبت علينا الخلوة في البيوت، حتى النساء يصعب على إحداهن البقاء في البيت لوحدها في عصرنا هذا من الصالحات فضلاً عن غيرهن، فصار الناس لا يطيقون الجلوس في البيوت، وصار من أشق الأمور عليهم، وتجدك إذا كنت لوحدك في البيت، وواعدت أحدًا ليأتيك فتخرجا سويًا، ثم تأخر عليك خمس دقائق تتضايق وكأنها خمسة أيام، لكن لو عودنا أنفسنا على الخلوة، واستثمرنا الوقت فيما ينفعنا في الآخرة، ما ضاقت صدورنا، وإذا شَغل المرء نفسه فيما ينفعه في الآخرة فلا عليه أن يَحضر أحد أو لا يحضر، وفي هذه الخمس الدقائق التي تأخر عليك صاحبك فيها بإمكانك أن تقول: استغفر الله خمسمائة مرة، أو تقول: سبحان الله وبحمده ثلاثمائة مرة، وبإمكانك أن تقرأ ربع جزء أو تتدبر على أقل الأحوال ورقة من القرآن، والورقة فيها على أقل تقدير عشرة آلاف حسنة، هذه مجرد في الحروف، فكيف إذا أضيف إلى ذلك التدبر، والتفكر، والاعتبار، والإفادة من كلام الله -جل وعلا-، ومناجاته سبحانه وتعالى.
هو الكتاب الذي من قام يقرأه |
|
كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ |
لكننا لا نطيق البقاء في مكان خالٍ، ولم نعود أنفسنا على ذلك، حتى صار الواحد منا يستوحش من بقائه في المسجد وحده، بينما المسجد بيت كل تقي.
وخير مقام قمت فيه وحلية |
|
تحليتها ذكر الإله بمسجدِ |