النسخ واقع في النصوص، ومنصوص عليه في قول الله –جل وعلا-: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106]، وثابت في السنة أيضًا، والأدلة عليه أكثر من أن تُحصر. وقد أنكر النسخ طائفة من المبتدعة، يقولون: (إنه يستلزم البداء؛ لأن الله – جلا وعلا- لما ذكر الحكم الأول كان لا يعرف ما يؤول إليه الأمر، بل بدا له أن ينسخ، فإذا ثبت هذا اللازم فالملزوم باطل، فالنسخ لا يجوز). وقال بذلك اليهود قبل هذه الطائفة، والنصوص القطعية تردُّ هذا القول، ولا يلزم البداء؛ لأن الحكم المنسوخ هو عين المصلحة في وقته بالنسبة للمكلفين، ثم تتغير هذه المصلحة لتغير الزمان أو أهل الزمان، فيكون من المناسب أن يخفف عنهم، أو يشدد عليهم، أو يبدل الحكم بحكم آخر، أو إلى غير بدل. ومن المعاصرين من أنكر النسخ، وكتب تفسيرًا أشبه ما يكون بالخواطر، لا يستند فيه إلى أثر، ولا يأوي فيه إلى علم متين محقق، وجعل فيه فصلًا بعنوان: (النسخ ولا نسخ في القرآن).
وللنسخ مقاصد كثيرة: فمنها امتحان المكلفين، ومنها أن ظروف الناس تختلف من وقت إلى وقت، فيحتاجون إلى تغيير الحكم، وإلا فالله -جل وعلا- يعلم كل هذا، فيعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن ولن يكون لو كان كيف يكون، ولذا قال -جل وعلا- عن الكفار: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [28: الأنعام]، وأما ما في حديث الثلاثة -الأعمى والأقرع والأبرص- في (صحيح البخاري): «بدا لله –عز وجل- أن يبتليهم» [البخاري: 3464]، تفسرها الرواية الأخرى: «ثم أراد الله أن يبتليهم» [مسلم: 2964]، فهذه تفسر تلك، وهو خير ما يفسر به النص الصحيح الثابت.
وفي الناسخ والمنسوخ مصنفات كثيرة، ومن أفضلها بالنسبة للقرآن كتاب (الناسخ والمنسوخ) للنحَّاس، وبالنسبة للسنة كتاب (الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) للحازمي.