لم يختلف أحد من المسلمين في اختلاف المطالع، بل المطالع مختلفة إجماعًا، وذلك من الأمور التي عُلمت بالضرورة حسًّا وعقلًا، وإنما الخلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع في ابتداء صوم شهر رمضان والفطر منه وعدم اعتباره، وسبب ذلك؛ أن هذه المسألة من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال والخلاف فيها سائغ؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام- «صوموا لرؤيته» [البخاري: 1909] يحتمل أمرين:
- أن يكون خطابًا لجميع الأمة بكمالها في شرق الأرض وغربها، فإذا رأى الهلال من في المشرق صَحّ أنهم رأوه –أي أن الأمة رأته-، وإذا رآه من في المغرب صَحّ أن الأمة رأوه، وحينئذٍ يلزم الجميع الصيام.
- وأن يكون خطابًا لمن تمكنه الرؤية.
ولذا اختلف علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على قولين: فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع وقال لكل أهل بلد رؤيتهم، ومنهم من لم يعتبر ذلك، فإذا رأى الهلال المسلم العدل في أي بلد من بلدان المسلمين لزم المسلمين كلهم الصوم بعدوا أو قربوا، واستدل الفريقان بنص واحد كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وقوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وبقوله -عليه الصلاة والسلام- «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».
ومجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة يرون أن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المذكورين، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته، والخلاف في هذه المسألة ليس له آثار تخشى عواقبها، فقد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرنًا لا يُعلم فيها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حين قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» لم يقصد أهل المدينة فقط، وإنما قصد عموم المسلمين، ومن الأدلة التي يحتج بها من قال باختلاف الرؤية تبعًا للمطالع ما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية –رضي الله عنه- بالشام قال: «فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» [1087]، فهذا يدل على أن ابن عباس -رضي الله عنهما- يرى أن الرؤية لا تعم، وأن لكل أهل بلد رؤيتهم إذا اختلفت المطالع، وقالوا: إن المطالع في منطقة المدينة غير متحدة مع المطالع في الشام، وقال آخرون: لعله لم يعمل برؤية أهل الشام؛ لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج وإنما يعمل بها في الدخول وفي هذا نظر؛ لأن شهادة كريب في الدخول لا في الخروج، والخروج تابع للدخول، ففيه دلالة قوية على نصرة القول بالعمل باختلاف المطالع، لاسيما وقد رفعه ابن عباس –رضي الله عنهما- ونسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.