كتاب السنن لأبي داود كتابٌ ذو شأن عظيم، عُنِيَ فيه مؤلِّفه بجمع أحاديث الأحكام وترتيبها وإيرادها تحت تراجم أبواب تَدلُّ على فقهه وتَمَكُّنه في الرواية والدراية، قال فيه أبو سليمان الخطابي في أول كتاب "معالم السنن": "وقد جَمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدِّماً سبقه إليه ولا متأخراً لحقه فيه".
وللحافظ المنذري تهذيب لسنن أبي داود ،وللإمام ابن القيم تعليقات على هذا التهذيب، وقد وصف ابن القيم - رحمه الله - "سنن أبي داود" و"تهذيب" المنذري وما علقه عليه فقال: "ولَمَّا كان كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني - رحمه الله - من الإسلام بالموضع الذي خصَّه الله به، بحيث صار حكماً بين أهل الإسلام، وفصلاً في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبِحُكمه يرضى المحققون، فإنَّه جمع شَملَ أحاديث الأحكام، ورتَّبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطّراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء، وكان الإمام العلامة الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري - رحمه الله تعالى - قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزوِ أحاديثه وإيضاح علَله وتقريبه، فأحسن حتَّى لَم يكد يدع للإحسان موضعاً، وسبق حتى جاء من خلفه له تبعاً: جعلت كتابه من أفضل الزاد، واتخذته ذخيرة ليوم المعاد. فهذَّبتُه نحو ما هذَّب هو به الأصل، وزِدتُّ عليه من الكلام على عِلَل سكت عنها أو لَم يُكملها، والتعرض إلى تصحيح أحاديث لم يصححها، والكلام على متون مشكلة لم يفتح مُقفلَها، وزيادة أحاديث صالحة في الباب لَم يشر إليها، وبسطت الكلام على مواضع جليلة، لعلَّ الناظرَ المجتهد لا يجدها في كتاب سواه"
وكتاب سنن أبي داود مقدَّمٌ على غيره من كتب السنن الأخرى، وقد بلغ مجموع كتبه خمسة وثلاثين كتاباً، وبلغ مجموع أحاديثه (5274) حديث.وأعلى الأسانيد في سنن أبي داود الرباعيات وهي التي يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص. ولسنن أبي داود عدة شروح من أشهرها عون المعبود لأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي.
هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأسدي السجستاني، ولد سنة "202" ورحل في طلب العلم، وكتب عن أهل العراق والشام ومصر وخراسان، وأخذ الحديث عن مشايخ البخاري ومسلم، كأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم من أئمة الحديث، وأخذ عنه ابنه عبد الله، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو علي اللؤلؤي، وخلق سواهم. أثنى العلماء عليه ووصفوه بالحفظ التام، والعلم الوافر والفهم الثاقب في الحديث وغيره، مع الدين والورع؛ فكان علما من أعلام الحفاظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسننه وأيامه. قال الحاكم أبو عبد الله: كان أبو داود إمام أهل الحديث في عصره، بلا مدافعة سمعه بمصر والحجاز والشام، والعراقين، وخراسان".
وكان علماء الحديث قبل أبي داود قد صنفوا الجوامع، والمسانيد ونحوها فتجمع كتبهم إلى السنن والأحكام أخبارا وقصصا، وآدابا ومواعظ، فأما السنن المحضة، فلم يقصد أحد منهم إفرادها واستخلاصا، حتى جاء أبو داود فعمل على جمع أحاديث الأحكام، والاقتصار عليها فاتفق له ما لم يتفق لغيره وقد عرضها على أحمد بن حنبل، فاستجادها واستحسنها. وقال إبراهيم الحربي: "لما صنف أبو داود هذا الكتاب ألين له الحديث، كما ألين لداود الحديد"، صنف أبو داود كتبا كثيرة، وتوفي بالبصرة سنة "275".