هذه حال الناس قاطبة، أنهم ما داموا في المسجد وفي العبادة والذكر قلوبهم حاضرة، وإذا خرجوا وزاولوا البيع والشراء وجلسوا مع الأولاد والزوجات والأصدقاء يحصل لهم نوع غفلة، وهذا ذكره الصحابة للنبي -عليه الصلاة والسلام- قالوا: يا رسول الله نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون -يعني: في سائر حياتكم- على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم» [مسلم: 2750]، لكن البشر هذا طبعهم وهذا ديدنهم، وعلى هذا جُبلوا، فمثل هذا الانشغال لا شيء فيه، ويبقى أن للإنسان من الأجر بقدر ما يُحضر قلبه ويستعمل لسانه وجوارحه في طاعة الله، فله مع هذه الأشغال وهذه الأعمال وهذه الاجتماعات المباحة أن يذكر الله -جل وعلا- بقلبه ويُسمع الناس؛ ليقتدوا به، فلا شك أن أجره عظيم، وإذا انشغل بأمور مباحة لا شيء عليه.
وإذا كان مع انشغاله بأمور دنياه يذكر الله مجرد ذكر بدون حضور قلب مطلقًا ولا استحضارٍ لنية لهذا الذكر فهذا أثر لا شك أنه ضعيف، فعلى الإنسان أن يَعقل ما يتلفظ به، وأن يتدبر ما يقول، وبقدر هذا تكون زيادة أجره، والله أعلم.