في (صحيح البخاري) [1199] و(صحيح مسلم) [538] عن علقمة -وهو ابن قيس النخعي-، عن عبد الله -وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-، قال: كنا نُسلِّم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة، فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه فلم يردَّ علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نُسلِّم عليك في الصلاة فتردُّ علينا، فقال: «إن في الصلاة شغلًا».
والرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه كان يردُّ بالإشارة على مَن سلَّم عليه لا بالنطق [أبو داود: 925-927]، وصفة الإشارة أن يرفع يده يشير إلى أنه سمعه وردَّ عليه.
ولما نزل قول الله -جل وعلا-: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ومعناه: ساكتين، أُمروا بالسكوت، ونُهوا عن الكلام في الصلاة.
وعلى كل حال يقول السائل: (رددتُ عليه سهوًا)، يعني: تلقائيًّا من غير قصد، وفي (المغني) يقول: (القسم الثاني -من الكلام في الصلاة-: أن يتكلَّم ناسيًا، وذلك نوعان: أحدهما أن ينسى أنه في صلاة، ففيه روايتان، إحداهما: لا تبطل الصلاة، وهو قول مالك، والشافعي؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلَّم في حديث ذي اليدين، ولم يأمر معاوية بن الحكم بالإعادة إذ تكلَّم جاهلًا، وما عُذر فيه بالجهل عُذر فيه بالنسيان)، والقاعدة عند أهل العلم أن النسيان -ومثله الجهل- ينزِّل الموجود منزلة المعدوم، لكنه عندهم لا يُنزِّل المعدوم منزلة الموجود، ففرقٌ بين مَن صلى خمسًا في الظهر ناسيًا، فصلاته صحيحة ويجبره بسجود السهو، وبين مَن صلى الظهر ثلاثًا ناسيًا، فلا تصح صلاته إلا أن يأتي بالرابعة؛ لأن النسيان لا يُنزِّل المعدوم منزلة الموجود، وهكذا عند أهل العلم، فإذا كان ناسيًا فلا شيء عليه. والراوية الثانية عند أحمد: أن صلاته تفسد؛ لعموم النهي عن الكلام في الصلاة؛ لأن الكلام في الأصل إذا لم يكن من جنس الصلاة فهو مبطل للصلاة، هذا الأصل، يقول ابن قدامة: (وهو قول النخعي، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وأصحاب الرأي؛ لعموم أحاديث المنع من الكلام؛ ولأنه ليس من جنس ما هو مشروع في الصلاة فلم يُسامح فيه بالنسيان، كالعمل الكثير من غير جنس الصلاة). والذي يظهر أنه إذا كان ناسيًا أو جاهلًا أنه يُتجاوز عنه، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، والله أعلم.