أنا لستُ أخشى من لقاءِ جهنمٍ
وعذابِها لكنني أخشاكَ
أخشى من العرضِ الرهيبِ عليكَ يا
ربِّي وأخشى منكَ إذْ ألقاكَ
هل يجوز قول المسلم بأنه لا يخشى عذاب الله، وإنما يخشى الله -جل علا-؟
أصل الخشية لله -جل علا-، والله -جل علا- ذَكَرَ عذابه وذكر النار وحذَّر منها وفصَّل في ذلك، وذكر عذاب القبر، وذكر كل ما يتعلَّق بذلك، وذكر الجنة ورغَّب فيها وفصَّل في أمرها، كلُّ ذلك مما يجعل ملاحظة هذه الأمور غير مؤثِّر في القصد والإخلاص، فالذي يخشى الله -جل علا- يخشى عذابه وما أعدَّه للعصاة والمخالفين، والذي يرجو ما عند الله -جل علا- يرغب في ثوابه وما أعدَّه للمطيعين، والذي يخشى من النار التي أبدى الله -جل علا- في ذكرها وأعاد وحذَّر منها ووصفها بأدق الأوصاف إنما هو في حقيقته يخشى الله -جل علا-، فالتعذيب بالنار بيده هو الذي يملكه، ومثال ذلك: لو أنك رأيتَ شخصًا بيده سيف مسلول وخفتَ، هل خوفك من السيف نفسه أو من حامل السيف؟ ولو أن السيف مُلقى في الأرض فهل تخشاه؟ أنت تصطلي بالنار في شدة البرد وتقرُب منها، فأنت لا تخشاها في الحقيقة، إنما تخشى مَن يُعذِّب بها، وفي مسألة السيف التي ذكرناها أنت تخشى من حامل السيف، فهو الذي تُخشى سطوته، أما السيف نفسه فلا خشية منه، وإذا خفتَ من النار والعذاب بها فإنما أنت في حقيقة الأمر تخشى مَن يُعذِّب بها.
أما قول مَن يقول -كما يُنسب لرابعة العدوية-: (إلهي ما عبدتُك طمعًا في جنتك، ولا خوفًا من عذابك، وإنما حبًّا لك)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: (مَن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومَن عبده بالرجاء وحده فهو مُرجئ، ومَن عبده بالحب وحده فهو زنديق)، وحينئذٍ لا بد من الجمع بين الخوف والرجاء والمحبة، والله أعلم.